<!--
بقلم الروائي: خيري حداد
كانت جماليات النص القصصي دائما عنصرا أساسيا لدي المتلقي الباحث عن المتعة في القراءة، والمتلقي دائما يبحث عن القص الذي يجد فيه نفسه وواقعه.
وجاءت هذه المجموعة القصصية “الحاجر” للكاتب أشرف التعلبي، تحمل نوعا من الرؤى في عالمه الإبداعي، وهذه المجموعة هي محاولة لطرح رؤية جديدة للقصة لم اقرأها منذ مدة طويلة، فهو عن طريق الحدث في البيئة وفي المكان وفي الحبكة من خلال ثلاثة وعشرون قصة قدمها لنا “التعلبي” في الحاجر، رسم الواقع بغناه، وفي وصفه إلى الأعماق يكشف لنا عن هموم الناس وأفكارهم وتجاربهم فيخرجها لنا مملوءة بالإيحاء والمعاني والرمز.
إنه قدم لنا الواقع في قريته وفي الصعيد، في اختيار فني خاص به مبني علي سرد هذا الواقع في الأماكن الموجودة في المكان الواسع.
وشعرت انه قاص له أسلوبه وطريقته في العرض ناتج عن مخزون ثقافي يملكه، حيث أستطاع من خلال مجموعته “الحاجر” أن يعبر عن عقود ماضية وحاضرة من الزمان والمكان.
ففي قصته مقهي الغزالي يصور كيف حال من يخرج من قسم الشرطة.. وهي حالة بقيت منذ أن ولدنا وحتي الآن، والمصاطب التي يجلس عليها زبائن المقهي، والسيجة تجمع الناس في العصاري، ويتنقل بنا من العادات والتقاليد إلى الشاعر رمضان أبو بهلول علي ربابته وكيف تعلم يوسف الكهربائي فنون تركيب الدش، والقناة المحلية التي تنقل لنا أخبار القرية، من تزوج ومن طلق والحمارة التي ولدت جحشا، وكيف كانت قصته مع الكفيل الذي ظلم كثيرا من أهل مصر الذي سافروا ليعملوا في السعودية، وقد لامست هذا بنفسي عندما كنت أعمل في الرياض وعانيت منه.
أما في قصته بئر عزيزة صور الكاتب كيف كان أهل الصعيد وأمهاتنا وأمه لا ينسون ذكرياتهم مع أماكنهم القديمة، وكيف كانت الأم وكل أم حزينة علي بنتها التي ماتت، وأن الأب يلتهي في قصعة النار وبراد الشاي وحجر المعسل، وكما كان رائعا في مقهي الغزالي كان رائعا في بئر عزيزة.
وفي قصته الحاجر، حيث البيئة كلها، بيئة الحاجر غيطان من قصب السكر، وفي القصب قطاع الطرق، وفي عودته من زيارة أخته بالنجع الشرقي كان هؤلاء يحملون الرصاص في سيالاتهم، وكانت حكايتهم مع الثأر، حيث يروي الكاتب ببلاغه الواقع المليء بالدم والثأر في الحاجر.
وبعد ذلك نقلنا من الواقع في قريته إلي جو آخر من الحياة، وكيف كان يتخيل الغجرية في لقطة تجلي تظهر فيها فنية الكاتب وقدرته.
ثم ينقلنا كيف لأبناء بيئته علاقة بالسياحة، وحكايته مع الإسبانية، وكيف تركب المهرة خلفة، وبجانبه فوق الحنطور، وكيف حملت منه ثم سافرت.. وانتهت القصة ولم تدله السفارة علي شيء.
وعند هذا الحد أقول:
1- هذا القاص هو نفسه ذاته وهذا أسلوبه حيث لا انفصال بين الذات والموضوع
2- يعطينا قطع منفصلة ومتماسكة ويطرح قصصه في أقصر مساحة وبعناية
3- في قصصه بعد جمالي وإنساني، مما يجعل المتلقي يقبل النص جملة وتفصيلا
4- نحن في قصصه نلتقي بنماذج حية من المجتمع في رؤية كلها واقعية
5- نجد في قصصه عادات ومشكلات اجتماعية لقطاع من البشر يعيش في الحاجر والصعيد كله
6- في قصصه ضرورة حياتية وثقافية وسياسية تعيش في نفس الكاتب وداخله وينقلها للناس في تمكن
7- في قصصه مردود إنساني يقع تأثيره علي المتلقي
8- في قصصه صوت الزمن بل صوت العصر القديم والحاجر القادر علي التعبير
9- هو يصور كثيرا من صور الحياة في نقاط محددة ويسلط عليها ليخرجها شهية للقارئ
10- لدي هذا الكاتب رؤية جديدة نلاحظها في ومضات أفكاره من خلال تعبيراته القوية
11- هذا الكاتب أري أنه يساهم في تحرير النص القصصي في القصة القصيرة ويخرجه من الذات إلي العام
12- هذا الكاتب هل هو في مجموعته هذه فلته لن تتكرر.. وهل عنده رصيد من الإستمرارية بعدها.. إذا حصلنا في النهاية علي عدد من مجموعاته وعلي نفس درجة النوع والكيف فإننا سنجد نفسنا أمام كاتب قصصي كبير
13- في قصصه صدي سحري يحرك في النفس المتعة الجاذبة لنصه
14- الحاجر مجموعة قصصية مثل شجرة ذات فروع.. أنبتت ثلاثة وعشرون فرعا كلها شراب سائغ للشاربين، وطعم في كل فرع ثمرة يختلف عن الأخرى.
هذا الكاتب-أشرف التعلبي- جاءنا من الأرض الخصبة من “الصعيد”، وإنني أري أن هناك مستقبلا كبير للأدب القصصي في مصر، بوجود هذا الكاتب إذا استمر علي هذا النحو.