النوبة
منطقة النوبة في العصر الحديث.
النوبة هي المنطقة الواقعة في جنوب مصر على طول نهر النيل حتى شمال السودان. تقع معظم النوبة في السودان ويقع ما يوازي 25% منها في مصر.
في العصور القديمة كانت النوبة مملكة مستقلة. وكان وادى الخوىّ، جنوب الشلال الثالث عبارة عن حوض قديم للنيل طوله حوالى 123 كم إلى الشرق من مجرى النيل الحالى. فمنذ الألفية الرابعة ق.م. كان حوضاً زراعياً غنياً ادي لظهور الجنمعات النيوليتية. اكتشف به جبانات كانت تجسيداً على الأرض للتنظيم الاجتماعي لمجتمعاتها إبان الألفية الثالثة ق.م.
يطلق عليها بلاد الذهب فاسم النوبة مشتق من لفظ (نوب) الذي يعني باللغة المصرية القديمة الذهب, كما اشتهرت بمناجم الذهب التي كانت تسمي نوبرية. وفي المعجم نجد أن كلمة نوب تعني: جيل من الناس يعيش في بلاد تسمي باسمهم وتقع في الجزء الجنوبي من بلاد مصر.
وفي معنى آخر تنسب التسمية إلى نباتا ابن النبي إسماعيل عليه السلام وحيث حكمهم لبلاد وادي النيل وأفريقيا قد اختلطوا بالقبائل المحلية ومع مرور الزمن الكثير من القبائل الأفريقية التي كانت تحت حكم النبط أخذت نفس العنوان والملاحظ الآن انه يوجد عشرات القبائل المختلفة الأعراق تحت نفس العنوان مع اختلاف الألسن وظل نفس العنوان وهو النوبت ( النوبة).
كان قدماء المصريين يطلقون علي بلاد النوبة بلاد كوش Kush التي تقع من جنوب أسوان وحتي الخرطوم حيث يعيش شعب النوبة ، وحيث قامت ممالك إمتد نفوذها علي وادي النيل بمصر حتي البحر الأبيض المتوسط شمالا . ويرجع تاريخ النوبة للعصر الحجري في عصر ما قبل التاريخ. ففي منطقة الخرطوم وجدت آثار حجرية ترجع لجنس زنجي يختلف عن أي جنس زنجي موجود حاليا .وفي منطقة الشخيناب شمال الخرطوم وجدت آثار ترجع للعصر الحجري الحديث من بينها الفخار والخزف. وكان النوبيون الأوائل يستأنسون الحيوانات.
وفي شمال وادي حلفا بمنطقة خور موسى وجدت آثار تدل علي أن الإنسان في هذه الفترة كان يعيش علي الصيد وجمع الثمار وصيد الأسماك .وكانت الصحراء هناك سافانا أصابها الجفاف في فترة لاحقة. حيث كان النوبيون يمارسون الزراعة. وقد قامت حضارة منذ 10 آلاف سنة في منطقة خور بهان شرقي مدينة أسوان بمصر (الصحراء الآن)، وكان مركزها في مناطق القسطل ووادي العلاقي حيث كان الأفراد يعتمدون في حياتهم على تربية الماشية إلا أن بعض المجموعات نزحت ولأسباب غير معروفة جنوبا وتمركزت في المناطق المجاورة للشلال الثاني حيث اكتسب أفرادها بعض المهارات الزراعية البسيطة نتيجة لاستغلالهم الجروف الطينية والقنوات الموسمية الجافة المتخلفة عن الفيضان في استنبات بعض المحاصيل البسيطة ، مما أسهم في استقرارهم هناك و قيام مجتمعات زراعية غنية على مستوى عال من التنظيم في منطقة القسطل. وهذا يتضح من التقاليد في المناطق الشمالية من النوبة.
وكانت متبعة في دفن الموتى وثراء موجودات المدافن مما يدعو إلى الاعتقاد بوجود ممالك قوية لبس ملوكها التاج الأبيض واتخذوا صقر حورس الشهير رمزا لهم قبل زمن طويل من ملوك الفراعنة في مصر العليا لأن التاج الأبيض وشعار حورس اتخذا فيما بعد رمزا للممالك المصرية التي نشأت في مصر لاحقا ، مما أدى إلى الاعتقاد بان هذا التقليد منشؤه ممالك مصر الفرعونية . ولكن في الواقع فإن وادي النيل الأعلى لم يكن قد عرف بعد الكيانات البشرية المتطورة في تلك الحقبة البعيدة من التاريخ عندما نشأت حضارة المجموعة الأولى كما يبدو من آثارها المنتشرة في المنطقة عندما إحتلت جزءا من وادي النيل امتد من جبل السلسلة ( في مصر العليا ) شمالا وحتى بطن الحجر عند الشلال الثاني في الجنوب .
وكان قدماء المصريون يسمون النوبة آنذاك تا سيتي أي ارض الأقواس نسبة لمهارتهم في الرماية ، و كانت بينهم نزاعات حدودية انتهت باحتلال النوبة للأجزاء الجنوبية من مصر العليا لفترة من الوقت . وساعد انتقال الخبرات النوبية إلى مصر على استقرار المجتمعات البشرية في شمال الوادي وتطورها مما كان له الفضل في قيام الممالك المصرية القديمة لاحقا .
وأهم ما يميز المجموعة الحضارية الأولى أنواع الفخار المميز ذو اللون الوردي والأواني المزركشة بالنقوش، وقد عثر على بعض الأنواع المشابهة لهذا الفخار في مناطق متفرقة من شمال السودان حتى أم درمان. كما تميزت هذه الحقبة بطريقتها المميزة في دفن الموتى حيث كان الميت يدفن في حفرة بيضاوية الشكل على جانبه الأيمن متخذا شكل الجنين ومتجها جهة الغرب.
ومع بدايات توحيد ممالك مصر العليا في مملكة واحدة متحدة واجهت النوبة قوة لا تقهر في الشمال بدأت تهدد وجودها واستقرارها. وبازدياد نفوذ وهيبة المملكة المصرية المتحدة اتجهت أطماعها جنوبا صوب النوبة ، في الوقت الذي بدأت فيه المجموعة الأولى تفقد قوتها العسكرية والاقتصادية مما جعلها عاجزة عن تأمين حدودها الشمالية التي بدأت تتقلص تدريجيا نحو الجنوب ، وقد بدا علامات الضعف والتدهور واضحة في آثار هذه الفترة مما دفع بعض العلماء إلى الاعتقاد بوجود مجموعة أخري تعرف باسم " المجموعة الحضارية الثانية " تلت المجموعة الأولى وكانت أضعف منها نسبيا.
وبحلول عام 2900 ق.م أصبحت النوبة السفلى بكاملها تحت السيطرة المصرية وخلت تماما من سكانها بعد تراجعهم جنوبا إلى منطقة النوبة العليا ليختلطوا بحضارة كرمة الوليدة ، وظلت النوبة السفلى بعد ذلك مهجورة لعقود طويلة وانقطعت أخبارها خاصة بعد تعرض آثارها ومدافنها الملوكية للحرق والتدمير من قبل جيوش المملكة المصرية . في نفس الوقت الذي كانت تشهد فيه منطقة أخرى من النوبة ميلاد حضارة جديدة ظهرت بوادرها في منطقة مملكة كرمة 3000 ق.م. – 2400 ق.م. )(مادة). وسيطرت مصر مابين 1950 ق.م وحتي 1700 ق.م. حيث كانت النوبة على امتداد تاريخها الطويل عرضة للاعتداءات المصرية على أطرافها الشمالية . وكان من أهم أسباب هذه الاعتداءات الرغبة في تامين الحدود الجنوبية و تأمين طرق التجارة التي كانت تربط مصر بإفريقيا عبر بلاد النوبة ، بالإضافة إلى الأطماع المصرية في ثروات المنطقة المختلفة.
لهذا تعددت المناوشات المصرية على حدود النوبة منذ عهود ما قبل الأسر في مصر ، واستمرت على امتداد التاريخ النوبي ، وكانت تنتهي في أحيان كثيرة باحتلال أجزاء منها ، خاصة منطقة النوبة السفلى.
وأول محاولة فعلية لاحتلال النوبة كانت في عهد الأسرة المصرية الثانية عشر عندما غزا المصريون النوبة حتى منطقة سمنة وبنوا فيها العديد من الحصون والقلاع لتأمين حدودهم الجنوبية. ومنذ ذلك التاريخ خضعت النوبة للنفوذ المصري لما يقرب من 250 عاما تمكنت خلالها من الاحتفاظ بخصائصها وهويتها الثقافية. وانتهت هذه السيطرة الأولي عندما تفككت المملكة المصريةالوسطى,وضعفت قوتها مما شجع مملكة كرمة على مد نفوذها شمالها وضم كل منطقة النوبة السفلى في عام 1700 ق.م. وكان عصر السيطرة المصرية الثانية منذ 1550 ق.م. وحتي 1100 ق.م. بعد طرد الهكسوس على يد أحمس مؤسس الأسرة الثامنة عشر حيث تجددت الأطماع المصرية في بلاد النوبة ، وتوالت المحاولات لغزو أطرافها الشمالية ، إلى أن تم إخضاع النوبة بكاملها حتى الشلال الرابع في عهد " تحتمس الثالث " وظل حتي 550 م. وعرف بحضارة إكس . عندما بدأت الثقافة النوبية في التغير اثر دخول مجموعات بشرية جديدة لوادي النيل حيث دفن الملوك في مدافن ضخمة مع قرابين من الرعايا والأحصنة والحمير والجمال وغيرها من الحيوانات . وأخبارهم غامضة لا يعرف عنها إلا القليل.
وقامت مملكتان في منطقة النوبة هذا العصر وهما مملكة البليمي (عند الإغريق) وهم قبائل سكنت شرق النيل وحتى البحر الأحمر وكان العرب يطلقون عليهم البدجا ومملكة النوباديين و هم القبائل المعروفة بالنوبة الآن. وقد سيطر النوباديين على معظم مصر والنوبة السفلى لدى تفكك الدولة الرومانية ، لكنهم اخرجوا منها فاكتفوا بالسيطرة على النوبة السفلى جنوب أسوان. وتمتيزت البليمي بنوع من الفخار ، وتوجد آثارهم الآن في منطقة كلابشة. بعد انهيار مملكة مروي عام 300 م قامت مملكة النوباديين عام 375 م قرب الحدود السودانية المصرية.
استمر النوباديين في عبادة الآلهة المصرية القديمة ، كما استخدموا الرموز الفرعونية في الكتابة . واتحد النوباديين مع البليمي لمقاومة الغزو المسيحي القادم من الشمال .ووجدت آثار ثراء دلت عليه موجودات معابدهم في القسطل وبلانة والمتألفة من المجوهرات والسيوف الأفريقية والتيجان والأسلحة . وكان المعبود الأول في النوبة هو الإله ابيدماك وهو مصور في آثارهم برأس أسد .وكانت الصناعة الأساسية في مروي هي صناعة الحديد، وقد دلت الحفريات على الأفران التي كانت مستخدمة في صهر الحديد.
بدأ الاحتكاك بالرومان عندما احتل قيصر مصر بعد هزيمة كليوباترا في العام 30 بعد الميلا، عندما أرسل قائده بترونيوس لمنطقة النوبة بهدف السيطرة على مناجم الذهب في عام 24 ميلادي، إلا أن الملكة النوبية أماني ري ناس تصدت له وتمكنت من إلحاق هزائم متلاحقة بجيشة في أسوان والفنتين . ولكن تفوق الجيوش الرومانية لم يمكنها من الصمود طويلا ، فانسحبت إلى الجنوب ليحتل الرومان النوبة السفلى بينما ظلت النوبة العليا تحت سيطرة مملكة مروي . كره النوبيون الرومان، ووجد تمثال لراس القيصر اوغسطس مدفونا تحت عتبة احد المعابد بعد عقد اتفاق مع الرومان في مصر أمكن للنوبة الاستمرار في مناطق أسوان ، مما أدى إلى تسهيل التجارة وانتقال الثقافة والفنون النوبية لمصر . ( أنظر : مروي . نباتة . كرمة .) وفي النوبة تطورت عبادة الإله آمون إلي أشكال آمون التشبهية بالإنسان وبرأس الكبش فى المعابد النوبية ولاسيما فى مملكة مروي (مادة) حيث ظهر التمثيل التشبيهى الإنسانى لآمون فى الآثار الكوشيَّة حتى نهاية مملكة مروى نتيجة إقتباس هذا الشكل من التصوير الإيقونى له في طيبة بمصر ولاسيما عندما كانت كوش خاضعة للملكة الحديثة المصرية . وظهرت هذه الصورة البشرية للإله آمون في الأيقونات المروية المتأخرة.
وتؤكد هذه الصور حرص المصريين علي أن يوجدوا بكوش فى جبل البركل عبادة روح (كا) آمون الطيبى، وأنهم إعتبروا آمون النباتي واحداً من الأشكال التعبدية لآمون طيبة بوصفه إله الدولة فى مصر. وعد آمون فى النوبة كاءً (روح) لآمون فى طيبة إنما تدعم الفكرة القائلة بأن عبادته كانت تواصلاً منطقياً لعبادة آمون فى مصر. وفي النوبة ظهرت أيقونات Icons لآمون الكبشى الرأس ولاسيما فى أيقونات المعبد الرسمى مما يدل أنه أصبح إلها رسميا في عبادات النوبة . لهذا ظهرت تماثيله في شكل آمون الكبشى الرأس مع قرص الشمس والصل على الرأس فى أبى سمبل و المعابد السودانية القديمة.وكان آمون فى مصر قبل ظهور الأسرة 18 بها ،مرتبطاً بالأوزة أو الحيَّة لكن ليس بالكبش أبداً. الكشف فى مقابر كرمة عن قرابين حملان، ونعاج، وكباش متوجة بموضوعات كروية أو بريش نعام بدأت تشير إلى أن تلك الحيوانات قد تكون ألهمت الشكل الكبشي الجديد لآمون . فقبل الإحتلال المصرى ظهرت عبادة محلية للكبش فى النوبة ولاسيما فى كرمة (مادة) .وظهور آمون كبشى الرأس يرمز لإتحاد آله مصر آمون مع إله كوش الكبش .وهذا الإتحاد أدي إلى خلق أشكال جديدة لآمون.
فظهرت فى الإيقونات الرسمية والتماثيل منذ حكم الرعامسة في شكل آمون كبشى الرأس فى كل من كوش ومصر. وتطورت عبادة آمون بعد دخولها للنوبة. ففي معبد أبوسمبل يلاحظ صل ضخم امام آمون .وهذاالشكل لم يلاحظ في المعابد المصرية . وأصبح الصل الضخم سمة نوبية مميزة لآمون في البيئة السودانية . و ظل آمون الكبشي معبودا محليا للنوبة ، بينما ظل آمون البشري معبودا بمصر الفرعونية .وعبادة آمون فى النوبة تمَّ تطويرها عبر إستعارة العديد من الأفكار والسمات الإيقونية من الثيولوجيا المصرية؛ لكنه على كل ومع مرور الوقت تمَّ نسيان الأصل المصرى لآمون، وإختفت الكثير من أشكاله المصرية ووضع العديد من الصور الإيقونية الجديدة لآمون كوش (مادة) الكبشي فى المعابد والبيئة السودانيَّة القديمة.
والتشابه القوى بين صور آمون فى مصر والنوبة كانت سبباً للتاثير المتبادل وللإحلال المتبادل القادم من الجانبين. مارس آمون الكوشى تأثيراً على عبادة آمون فى مصر. أتاح الخلق الجديد إمكان تركيب نظاماً ميثولوجياً جديداً عكس نزعات تطور الدولة السودانية القديمة. ومن ثم نجد أن العبادة بالنوبة كانت مرتبطة بتطور العبادات الفرعونية بمصر .لهذا مرت بمراحل مختلفة . ففي عهد أمنوحتب الأول أعاد إحتلال النوبة السفلي وشيد هياكل بالقلاع المصرية للإله حورس Horus ولما توسع بعد الشلال الثاني أوجد معبودا جديدا سماه حورس سيد النوبة . وأيام حكم حتشبسوت وتحتمس الثالث وأمنحوتب الثاني أدخلت معابد جديدة بالقلاع وخارجها ومن بينها المعبد المزدوج لآمون – رع ،و رع – حارختي . وتم إدماج حورس سيد النوبة مع آمون – رع . وغيرها من الآلهة الإندماجية التي صورت مراحلها علي المعابد المصورة ، وفي عهد رمسيس الثاني انتشرت صور لعبادة الملك وبجواره الآلهة الثلاثة الرسمية آمون – رع ، ورع - حاراختى، وبتاح - تاتجينان ، مع إنتشار الأشكال المقدسة للحاكم. . ففى أواخر الأسرة 18 والأسرة 19، اعتبر آمون-رع فى النوبة بجنوب الشلال الثانى معبوداً رئيساً, حيث صورت آلهة مصر وآمون في المقدمة و يتبعه آلهة حورس فى النوبة. وتعتبر الأربع مدن الكوشية الرئيسية القديمة مدنا حضارية حيث كان يمارس بها الطقوس الدينية.
ينقسم النوبيين الحاليين إلى الكنوز، والفديجا، وأيضا نوبيين جبال النوبة.
المناطق السكانية داخل التقسيم الاداري المصري
يتتنوع النوبين إلى مابين الماتوكيين والفاديكات
مناطق الماتوكيين
غرب سهيل - كرور - دهميت - امبركاب - كلابشه - مرواو - ماريا - جرف حسين - كشتمنه شرق - كشتمنه غرب - الدكه - ابوهور- العلاقي- غرب اسوان - جزيره سهيل - قورته - المضيق - دابود - قرية قرشة-الشلال- جزر مابين السدين- جزيرة أسوان وغيرها.....
مناطق الفديكات
بلانه - قته - عنيبه-مصمص ابوحنضل - كرسكو - ابوسميل - الديوان - ارمنا - قسطل - اندان - توماس وعافيه - ابريم - الجنينة والشبا - توشكى - قسطل - الدر - مصمص - وغيرها ،وتعد منطقة الكرور عاصمة النوبة الأولى عبر التاريخ.
يتحدث أهل النوبة اللغة النوبية بالإضافة إلى القليل من اللغة العربية الغير جيدة والإنجليزية بالنسبة للجيل القديم أما الآن فيتحدث الجيل الحالى العربية بطلاقة مع لغات أخرى كالإنجليزية والفرنسية والإيطالية بحكم أختلاطهم بالسائحين والزوار الأجانب .حيث يمتازون بالذكاء الحاد وسرعة البديهة بالإضافة لشهرتهم بالأمانة والإخلاص والوفاء. وتنقسم اللغة النوبية إلى لهجة ماتوكية كنزية ولهجة فادكية فاجيكة.
كانت النوبة تمتد بطول 350 كيلو مترا من الشلال الأول وحتي الشلال الثاني جنوب أسوان بطولنهر النيل من قرية دابود في الشمال وحتي قرية أدندان عند خط عرض 22 درجة عند وادي حلفا, وتم تهجير النوبيين الذين يعيشون في هذه القري وكان عددهم 17699 أسرة مع بناء السد العالي.
وكانت النوبة القديمة تضم ثلاثة فروع، ففي الشمال كان يقيم الكنوز ويقيمون حاليا في قري البر الغربي ومازالوا محتفظين بالطابع النوبي في العادات والتقاليد وشكل البيوت القديمة وفي الوسط كان يقيم العرب الذين ينحدرون من أصول عربية وفي الجنوب يقيم (الفدجة) ويقيم أغلبهم حاليا في مركز نصر النوبة في قري علي شكل نصف دائري من قرية بلانة حتي كلابشة.
لم يتبدل الوضع حتى في السنوات الأخيرة للقرن التاسع عشر، عندما بدء في عام 1899 في بناء خزان أسوان في الشلال (الجندل الأول)، والذي كان سيرفع منسوب النيل في البحيرة الناشئة إلى 107 متر. هكذا غطت المياه جزءاً من النوبة السفلى يبلغ طوله حوالي المئتى كيلومتر (حتى جرف حسين).
حقيقة أنه بفترة قصيرة سابقة، قام بدگ في عام 1897 برحلته الأولى إلى السودان Budge,1907 إلا أن مذكراته لم تتعد ملاحظات عابر سبيل قد تكون ذات فائدة لمن يهتم بالوضع في البلاد في السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر. والباب المكرس لآثار نبته لا يحمل الكثير حيث يورد بدج آراء وتقييمات الرحالة الذين شاهدوا تلك الآثار فيما قبل، وإلى حد بعيد يفرض على القارئ الاكتفاء بما يورده من وصف سطحي في الأساس .فقط المتخصص المهتم بدراسة أو ترميم أي من المعابد أو الأهرام يمكنه أن يجد في كتاب بدج تفاصيل متفرقة غير متوفرة في مصادر أخرى .إن مجمل المادة التوضيحية، باستثناء صور فوتوغرافية قليلة، مأخوذة من أعمال أخرى، في الأساس من أطلس لبسيوس. كشف بدج في جبل البركل عن واحد من الأهرام، إلا أن الحفر أجرى بطريقة غير مجربة وكذلك التقرير الذى كتب عن العمل. عندما اصطدم بالمياه الجوفية أوقف العمل.
خلال رحلته الثانية في عام 1898 قام بدج بزيارة مروى، وخلال رحلته الثالثة في عام 1903 زار سوبا، وودبانقا، والنقعة، والمصورات الصفراء وغيرها. عندها كشف عن بعض الأهرام بهدف توفير إمكانية " مشاهدة الرحالة لها." حفرياته هذه هي الأخرى غير ذات أهمية مثلها مثل حفرياته التي أجراها في نبته. يعطى بدج وصفاً لأهرام الجبانتين الشمالية والجنوبية في مروى. وإذا كان لهذا الوصف أهمية قبل نشر تقرير بعثة ريزنر، من حيث كونه يمثل إضافة إلى أعمال لبسيوس، فانه حالياً شأنه شأن أعمال بدج الأخرى يمثل أهمية تدوينية لا أكثر.
فقط عندما اتخذ القرار بتعلية خزان أسوان إلى سبعة أمتار أخرى، وهو ما كان يعنى إغراق وادي النيل حتى كورسكو، بدأت مصلحة الآثار المصرية، التي كان يترأسها حينها ج.ماسبيرو، في إجراء المسح المنتظم للنوبة الشمالية . بدأت أعمال التشييد في عام .1907 في عامي 1904-1905 أجرى ماسبيرو رحلتين تخصصيتين للتعرف على الآثار في المنطقة المهددة بالغرق .في الرحلة الأولى وصل حتى أبوسمبل، وفي الثانية حتى المحرقة .رافقه أ .فايجل الذى عُين مفتشاً أولاً لمصلحة الآثار المصرية. في عام 1906 كُلف فايجل بإجراء مسح شامل للمنطقة المهددة وذلك بهدف تحديد تكلفة أعمال صيانة الآثار والإشارة إلى المواقع المستقبلية للتنقيب.
كان تقرير ڤايجل بمثابة الوصف الآثارى الأول للنوبة الشمالية الذى يستجيب لمتطلبات العلم Weigall,1907 مع أنه كان متسرعاً كما يعترف بذلك فايجل نفسه، مشيراً في مقدمته" التقرير الحالي لا يدعى الكمال .انه مجرد وصف مبدئي لآثار الماضي ومخلفاته، التي يتوجب دراستها لاحقاً ."جمع فايجل خلال رحلته التي دامت شهرين مادة هائلة. أعطى وصفاً موجزاً لمعابد النوبة الشماليَّة والرسوم التي تزينها، ووصف الحصون والجبانات البادية على السطح، وقام برسم شقوف الفخار التي تم الكشف عنها في المنطقة، كما أنه قام بنسخ النقوش الصخرية دون أن يدعى الدقة الباليوجرافية في ذلك. وقام بالتقاط كم هائل من الصور الفوتوغرافية. أصبح التقرير سبقاً لموجز تاريخ النوبة الشمالية من عصر المملكة القديمة حتى القرن السادس الميلادي، وكذلك وصفاً متخصصاً لمدافن المجموعة الثالثةC-Group التي لم تك قد عرفت بعد بذلك الاسم. أطلق فايجل على تلك المدافن تسمية pan-graves مدافن مماثلة كان قد تم الكشف عنها قبل فترة وجيزة من قبل فلندرز بيترى وميسوم في مصر العليا. لازال عمل فايجل محتفظاً بقيمته اليوم، إنه بحق أول استعراض منتظم لآثار المنطقة التي استخف بها حتى تلك الفترة. الكثير مما نسخه وصوره فايجل أصبح في الوقت الراهن بعيداً عن منال العلم.
خلال عدة سنوات لاحقة واصل د. ريزنر عمل فايجل- 1907/1908 -Reisner,1910 ومن ثم- مساعده س. فيرث Firth,1912. توجب دراسة وبقدر المستطاع التنقيب في كل المواقع الأثرية بين الشلال ووادي السبوع؛ في المناطق الأقل إثارة افترض الاكتفاء بالمسح أو بإجراء المجسات التجريبية. أجريت الأعمال بصورة محكمة، وهو أمر يعود الفضل فيه لريزنر- أحد مؤسسي المنهجية الحديثة في البحث الآثارى. تمت في السنة الأولى دراسة رقعة تمتد 50 كيلومتر على ضفتي النيل بين الشلال وتافا. هنا تم الكشف عن 58 جبانة، وحفر العديد منها ووصفت المقابر وصفاً دقيقاً. على أساس تحليل المادة المكتشفة- المواد الجنائزية، الفخار في المقام الأول، طرح ريزنر جدولاً كرونولوجياً لا زال، مع تعديلات طفيفة متفرقة، يستخدم حتى الآن لدراسة تاريخ النوبة الشمالية:
1. الفترة ما قبل الأسرية: المبكرة، والوسطى، والمتأخرة (كما هو الحال في مصر)
2. الفترة الأسرية المبكرة (الأسر من الأولى حتى الرابعة)، تقريباً ثقافة المجموعة الأولى A-Group
3. المملكة القديمة (الأسرتين الخامسة والسادسة)، تقريباً ثقافة المجموعة الثانية B-Group
4. المملكة الوسطى (الأسر من السابعة حتى السادسة عشرة)، تقريباً ثقافة المجموعة الثالثة C-Group
5. المملكة الحديثة (الأسر السابعة عشرة حتى العشرين)، ثقافة المجموعة الرابعة D-Group؛ لا تختلف مخلفاتها عن المملكة المصرية الحديثة.
6. الفترة المتأخرة (الأسر العشرين حتى الثلاثين).
7. الفترة البطلمية- الرومانية.
8. الفترة البيزنطية (تشمل ثقافة المجموعة المجهولة X-Group، أي النوباديين، الذين سميوا سابقاً البليميين).
9. الفترة القبطية.
مثل هذا التسلسل إلى فترات مفهوم. كما هو معروف، لا توجد في الأجزاء الشمالية للمنطقة ما بين الجندلين الأول والثاني، أي" الدوديكاسخيونس "الإقليم الثاني عشر لمصر الرومانية، فعلياً أية آثار للفترة النبتية المرَّوية، في حين تتمثل بصورة جيدة آثار عصر السيادة البطلمية والرومانية.
بعد الوصف المفصل للجبانات ولمدافن متفرقة يقدم ريزنر في الفصول الثلاثة الختامية موجزاً لملاحظاته: في الفصل الأول منها يتتبع أشكال المقابر، وفي الثاني- أنماط الدفن، وفي الثالث يُدّعم الجدول الكرونولوجى المقترح من جانبه. في العام اللاحق تقدم فيرث أبعد إلى الجنوب- حتى كاشتامانى، إلى الشمال من دكة، لتشمل حفرياته أكثر من ثلاثين جبانة. توجد في هذا الجزء قلعة ايكور (كور) التي يرجع تاريخها إلى المملكة الوسطى، والتي درس فيرث تحصيناتها، إلى جانب سلسلة من مواقع الإقامة بين جرف حسين وكشتامانى. أكدَّ فيرث على صحة فرضيات ريزنر الكرونولوجية. مثله مثل غالبية العلماء، افترض فيرث أن ثقافة المجموعة الثالثة جُلبّت من الخارج من قبل قبائل وافدة، ولا تمثل تطوراً طبيعياً لثقافة المجموعة الثانية. الجدير بالذكر أن هذه الفرضية ظلت معتمدة لفترة طويلة وعدت مقبولة بصورة عامة.
أجريت أعمال التنقيب في العامين التاليين بوتيرة أسرع، ذلك لقرب موعد غرق المنطقة تحت مياه البحيرة الناشئة. في النتيجة شملت الحفريات نصف النوبة الشمالية. تم النجاح في تنظيف 44 جبانة أخرى والعثور في اكميندى على آثار موقع إقامة ضخم يرجع تاريخه للفترة المسيحية المبكرة. في القطاع الأخير- من دكة حتى وادي السبوع، تم الكشف عن أولى المدافن المرَّوية التي يعود تاريخها للعصر الإغريقي- الروماني. كما تم التأكيد عليه فيما بعد فإن سلطة ملوك مروى امتدت في الدوديكاسخيونس فقط بصورة متقطعة لفترات زمنية قصيرة نسبياً.
في عام 1908 نقب د. جارستانج جبانات دكة، وكوبان، وكشتامانى. إلا أن تقييم النتائج التي تحصل عليها ممكن فقط على أساس تقرير موجز قصير Garstang,1908 أيضاً كان وصف رحلة برستد التي قام بها للنوبة الشمالية بعيداً عن إضافة جديد يذكر Breasted,1906 and 1909 .
وفي حين كان ريزنر وفيرث يقومان بحفر ودراسة المواقع الأثرية، عملت مجموعة من العلماء برئاسة ج. ماسبيرو في دراسة وترميم ووصف معابد النوبة الشمالية العديدة الواقعة بين أسوان وأبى سمبل. نتيجة هذا الجهد المشترك على مدى ثلاثين عاماً (1909-1938) ظهرت سلسلة من خمسة عشر مجلداً" معابد النوبة الغارقة "والتي تحوى مادة هائلة ذات طبيعة متنوعة لا زالت لم تستخدم كلياً حتى اليوم. لقد احتلت المعابد موقعاً بارزاً في حياة البلاد الاقتصادية؛ تحتوى النقوش والرسوم التي غطت جدران النخس والصالات والمقادس على معلومات تاريخية لا حصر لها.
إنه بفضل النقوش في معبد دكة نعرف أن أركامانى كان معاصراً لبطليموس الرابع، لا بطليموس الثاني، كما ساد الاعتقاد في السابق على أساس كلمات ديودور. في بعض المعابد تم الاحتفاظ بنقوش ملوك مروى وأسماءهم، على سبيل المثال أدخير أمانى في ديبود. ويشير الخرطوشان الحاملان لأسمى بطليموس السابع والثامن في معبد ديبود إلى أنهما تحديداً، لا ملوك مروى، سيطرا على هذه المنطقة في القرن الثاني ق.م. احتفظت جدران معبد كلابشة بالنقش المعروف لملك النوباديين سيلكو "القرن السادس"، وأخيراً فإن المخربشات العديدة- الهيروغليفية، والديموطيقية ، والمرَّوية، والإغريقية- كثيراً ما تمثل مصدراً لمعلومات لا توجد في أي مكان. من الصعوبة عدم تقييم هذه النصوص أيضاً بالنسبة لدراسة ديانة كوش، بخاصة في عصر نبتة- مروى.
في وقت متزامن مع بعثة مصلحة الآثار المصرية بدأ عمل بعثة جامعة بنسلفانيا والتي اشترك فيها عالم الآثار الشهير ل. وولى ، وفي نشر تقاريرها- ف. جريفيث .ركزت هذه البعثة أعمالها في ثلاثة مواقع : أريكا ، وكارانوج وبوهين Randall-MacIver,1911 بالإضافة تمت دراسة المعابد المسيحية المبكرة Milcham,1910 بدأت أعمال التنقيب في أريكا في عام 1907 واستمرت حتى عام.1910 علينا الاعتراف، أنه لم يتم الكشف في النوبة الشمالية في وقت واحد مثل هذا الكم من آثار العصر المروى. نشأت مواقع الإقامة في اريكا، وبوهين، وكارانوج، حيث وجد فيما يبدو مركز لدارى ضخم، في عصر ازدهار الثقافة المرَّوية. الحقيقة أنه من المبرر في تلك الفترة نظراً لقلة التجربة والخبرة ولشح المعرفة أن عدت تلك الآثار منتمية للبليميين.
كشف علماء الآثار في أريكا " حصن " أحد الزعماء القبليين أرجعوا تاريخه لأزمان الأسرة الثامنة عشرة. اللافت للانتباه التشابه الكبير لبعض أجزاء هذا المبنى بمعمار قبائل وسط أفريقيا وجنوبها. يؤكد المؤلفون على دلالة السكان المحليين، وأشاروا في الفصل التمهيدي، إلى أن المجلد الحالي الذى ينشرونه ينتمي في الأغلب إلى أفريقيا أكثر منه إلى مصر، رغم أنه ولقرب الأخيرة لا يجوز نفي تأثيرها ونفوذها المباشر" الاستعمار "كما يكتبون. كتالوج الفخار المنشور، الذى وجد على السطح في جبانات الجزيرة وشبلول، وكذلك وصفه، كان بالفعل بمثابة تأسيس لدراسة المصنوعات الفخارية المروية التي تدل على مستوى عال من المهارة والذوق الرفيع وهى ما يثير الإعجاب اليوم. اكتسبت الحفريات في كارانوج أهمية أكبر، حيث تم الكشف في موقع الإقامة وفي الجبانة وكلاهما يرجع للعصر المروى، عن العديد من المواد الصنعية، أدوات للزينة وفخار.
سمح التحليل الدقيق لتلك المكتشفات مع مقارنتها بأشكال الدفن بالتوصل إلى سلسلة من التدقيقات والضبط الهامة لتحديد التواريخ . كرس فصل خاص للمسائل المتعلقة بالكرونولوجيا. بمقارنة ما جمعوه من مواد مع إفادات الكتاب الإغريق والرومان والابيجرافيا الرومانية، يعطى المؤلفون ملحقاً للمجلد الثالث موجز تاريخ الحاميات الرومانية في حدود مصر الجنوبية، سابقين بذلك عمل لوكيه Lesquier,1918 . يعطى"حصن" كارانوج والمنازل المجاورة له مادة دسمة عن خصائص مركز إداري حدودي للمملكة المرَّوية. استنتاجات المؤلفين وتعميماتهم تحتاج حالياً إلى سلسلة من الإضافات والتدقيقات الأساسية، في المقام الأول فيما يتعلق بخطأ التواريخ التي يقترحونها. فكما أشرنا فإنهم نسبوا كارانوج للبليميين.
أضافت الحفريات في بوهين الكثير بالنسبة للمعلومات المتوفرة في تلك الفترة والتي كانت تعتمد أساساً على حوليات الفراعنة ونقوش الوجهاء المصريين، التي أوردت معلومات عن النوبة الشمالية عندما كانت خاضعة لمصر، أي في عصر المملكتين الوسطى والحديثة. تم الكشف عن معابد، بخاصة المعبد الذى شيدته الملكة حتشبسوت، وعن تحصينات وجبانات يرجع تاريخها لفترة الأسر الثانية عشرة- السابعة عشرة، والتي تشير إلى حياة المصريين الذين أرسلوا إلى هنا. لم يتم الكشف عن الكثير من المسلات، لكن التي وجدت تحمل أسماء وألقاب بعض الإداريين المهمين، وهو ما ساعد في تبيان النظام الإداري الذى اختطه الغزاة. هنا وجد في تلك الفترة واحد من المراكز الإدارية.
فيما يتعلق بمواقع الإقامة في العصر المروى فإنها لم تك غنية بصورة بادية. لذلك اكتفت البعثة بالتنقيب فقط في منزلين وحفر مجسات تجريبية. الشئ نفسه يمكن قوله عن المقادس والمقابر غير الكبيرة الموجودة بالقرب. يلاحظ أن د. رندال و ماك ايفر تجاوزا الخطأ السابق واستنتجا بأنها خاصة بكوشيين لا بليميين.
هكذا يمكن القول بأنه في العقود الأولى للقرن العشرين جرت عمليات استكشاف نشطة في النوبة الشمالية، حيث ظلت مياه النيل في ارتفاع من عام إلى
ساحة النقاش