جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
وائل محمد
التضحية من أجل الوطن
بقلم / وائل عبدالراضي
إن الشخص الوطني الحقيقي يكون وفيًّا أعظم ما يكون الوفاء لوطنه، محبًّا أشد ما يكون الحب له، مستعدًا للتضحية دائمًا في سبيله بنفسه ونفيسه، ورخيصه وغاليه، فحبه لوطنه حب طبيعي مفطور عليه، حب أجل وأسمى من أن ترتقي إليه شبهة أو شك، حب تدعو إليه الفطرة، وترحب به العقيدة، وتؤيده السنة، وتجمع عليه خيار الأمة؛ فيا له من حب!
قيل لأعرابي: كيف تصنعون في البادية إذا اشتد القيظ (الحر) حين ينتعل كل شيء ظله؟! قال: يمشي أحدنا ميلاً، فيرفض عرقًا، ثم ينصب عصاه، ويلقي عليها كساه، ويجلس في فيه يكتال الريح، فكأنه في إيوان كسرى. أي حب هذا وهو يلاقي ما يلاقي!! إنه يقول: أنا في وطني بهذه الحالة مَلِكٌ مثل كسرى في إيوانه.
إن المواطنة الحقة قيم ومبادئ وإحساس ونصيحة وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وعزة وموالاة وتضحية وإيثار والتزام أخلاقي للفرد والأمة، إنها شعور بالشوق إلى الوطن حتى وإن كان لا يعيش الفرد في مرابعه فأين هؤلاء الذين يدّعون حب الوطن والوطنية ولا ترى في أعمالهم وسلوكياتهم وكلامهم غير الخيانة والعبث بمقدراته، والعمالة لأعدائه، وتأجيج الفتن والصراعات بين أبنائه، ونشر الرذيلة ومحاربة الفضيلة!!
أين الوفاء للأرض التي عاشوا فيها وأكلوا من خيراتها، وترعرعوا في رباها، واستظلوا تحت سماها، وكانت أرض الإيمان والتوحيد والعقيدة الصافية!!
فيجب على كل مسلم أن يحب وطنه، ويتفانى في خدمته، ويضحي للدفاع عنه؛ فحب الوطن والدفاع عنه لا يحتاج لمساومة؛ ولا يحتاج لمزايدة؛ ولا يحتاج لشعارات رنانة؛ ولا يحتاج لآلاف الكلمات؛ أفعالنا تشير إلى حبنا، حركاتنا تدل عليه؛ حروفنا وكلماتنا تنساب إليه، أصواتنا تنطق به؛ آمالنا تتجه إليه، طموحاتنا ترتبط به، لأجل أرض وأوطان راقت الدماء؛ لأجل أرض وأوطان تشردت أمم، لأجل أرض وأوطان تحملت الشعوب ألواناً من العذاب؛ لأجل أن نكون منها وبها ولها؛ وإليها مطالبون أينما كنا أن نحافظ عليها !! فحب الوطن والتضحية من أجله هو واقع يستحق أن نعمل بحب وتفان من أجل المحافظة عليه لأنه أثمن ما في وجودنا وانتمائنا، فالوطن هو التاريخ والحضارة والتراث، وهو الذي سكن جسدنا وروحنا وذاكرتنا، ومن أجله وخاصة في هذه الفترة العصيبة نحتاج إلى العمل من دون مقابل، لأن الوطن فوق كل شيء.
ويروى أنه عندما تقدم نابليون نحو الأراضي الروسية بقصد احتلالها، صادف فلاحا يعمل بمنجله في أحد الحقول، فسأله عن أقرب الطرق المؤدية إلى إحدى البلدان بعد أن أعلن له عن شخصيته، فقال له الفلاح ساخرا: «ومن نابليون هذا ؟!.. إنني لا أعرفه!». فقال نابليون غاضبا: «سوف أجعلك تعرف من أنا». ثم نادى أحد الضباط وأمره بأن يسخن قطعة من المعدن على هيئة حرف «N» الذي يبدأ به اسم نابليون حتى درجة الاحمرار ثم يلصقها بذراعه اليسرى. وبعد أن تم لنابليون ما أراد، هوى الفلاح بالمنجل على ذراعه من عند الرسغ وقطعها، وقال لنابليون والدم ينزف منه: «خير لي أن أموت أو أحيا بذراع واحدة من أن أعيش بجسم تلوث بالحرف الأول من اسمك.. إنني وما أملك لبلادي» ذهل نابليون من رد فعل هذا الفلاح، فصاح في جنوده أن يحضروا الزيت، ويقوموا بغليه، ويغمروا البقية الباقية من يده فيه، لإيقاف النزيف، قائلا لهم: «حرام أن يموت رجل يملك هذه الشجاعة وهذه الوطنية»، لكنهم إلى أن أحضروا الزيت وقاموا بغليه كان الفلاح قد نزف دما كثيرا، وما هي إلا دقائق حتى لفظ أنفاسه.
وحزن نابليون عليه حزنا شديدا لدرجة أنه أمر بحفر قبر له يدفن فيه، ومكث في المكان نفسه عدة أيام، وقبل أن يغادر وضع قبعته الشخصية على القبر وتركها تكريما وتقديرا لذلك الفلاح الجريء؛ وأمر قواته بأن تتجاوز تلك القرية ولا تدخلها أبدا.
فأين نحن من تضحياتنا لوطننا؟ فالتضحية من أجل الوطن ليست مقتصرة على مواجهة العدو والموت في سبيل الوطن ورفع الشعارات؛ أين هؤلاء الذين يدّعون حب الوطن والوطنية وهم من ذلك براء؟! ولا ترى في أعمالهم وسلوكياتهم وكلامهم غير الخيانة والعبث بمقدراته، والعمالة لأعدائه، وتأجيج الفتن والصراعات بين أبنائه، ونشر الرذيلة ومحاربة الفضيلة!!
إن واجبنا نحو التضحية من أجل وطننا أن يضحي كل فرد في المجتمع بحسب عمله ومسئوليته؛ فيضحي الطبيب من أجل حياة المريض؛ ويضحي المعلم من أجل تعليم الأولاد؛ ويضحي المهندس من أجل عمارة الوطن؛ ويضحي القاضي من أجل تحقيق العدل؛ ويضحي الداعية من أجل نشر الوعي والفكر الصحيح بين أفراد المجتمع وتصحيح المفاهيم المغلوطة والأفكار المنحرفة؛ وتضحي الدولة من أجل كفالة الشعب ورعايته؛ ويضحي الأب من أجل معيشة كريمة لأولاده؛ ويضحي الجندي من أجل الدفاع عن وطنه؛ ويضحي العامل من أجل إتقان عمله؛ وتضحي الأم من أجل تربية أولادها..إلخ إننا فعلنا ذلك فإننا ننشد مجتمعا فاضلا متعاونا متكافلا تسوده روابط المحبة والإخلاص والبر والإحسان وجميع القيم الفاضلة.
News Feed
المصدر: وائل عبد الراضي
الموقع الرسمى لجريدة أحداث الساعة - رئيس التحرير: أشرف بهاء الدين
ساحة النقاش