رؤية نقدية لتطوير الأداء بمركز البحوث الزراعية المصري..ج1
مركز البحوث الزراعية يشتمل ويتكون من 32 مؤسسة علمية ما بين معهدا ومعملا مركزيا، وكلهم للبحث والدراسة في كافة نواحي ومناحي العلوم الزراعية التطبيقية البيئية المجتمعية، ومنذ إنشاء المركز كم دراسة أو بحث تم بالتعاون بين عدة معاهد بما تحتويها من أقسام علمية، بالتعاون يكاد يكون منعدم، بالطبع سوف يقول قائل: في الأساس لا يوجد تعاون بين الأقسام العلمية المتخصصة في نفس المعهد أو حتى بين أفراد الأساتذة الباحثين في نفس القسم، بالتالي لن نصل إلى التعاون بين المعاهد البحثية داخل المركز، لذا فلا يوجد مشاريع بحثية حقيقة متكاملة، بمعنى يتم دراسة المشكلة من كافة زواياها ونقاطها البحثية، ودعوة كل باحث قام ببحث جميع الأقسام العلمية بجميع المعاهد والمعامل وبصورة الكترونية وبضغط زر لمتابعة البحث أو التجربة القائمة سواء أكانت على حيوان أو نبات أو كائن حي دقيق أو أرض أو ماء أو جماد...الخ، لإضافة نقطة بحثية جديدة أو أخذ عينة من العينات أو إضافة عامل مهم، وبالتالي الاستفادة من الوقت والجهد والمال والتوصل إلى الكثير من الحلول للمشكلات التي تواجه الإنتاج والنهوض بالمجتمع في أسرع وقت ممكن، والارتقاء بمستوي البحوث العلمية للدرجة التي تأهلها للنشر في المجلات والدوريات العلمية الدولية المتخصصة.
# وأد مقومات البحث العلمي:
الأبحاث العلمية أما أبحاث تقليدية كلاسيكية نمطية وأما أبحاث غير تقليدية مبتكرة بها شيء من الإبداع والتميز، وللأسف الشديد الغالب الأعم من البحث التي تخرج من مركز البحوث الزراعية بوضعه الحالي يقع تحت نمط الأبحاث المعلبة المحددة النتائج مسبقاً والمحددة الأطر والمحاور، وهذا بالطبع عبارة عن جريمة قتل متكاملة لمقومات الإبداع في البحث العلمي الزراعي، بل هي جريمة قتل مع سبق الإصرار والترصد.
تظن الآن قارئي الكريم أن أتحدث على ضعف الإمكانات المادية والمخصصات المالية للبحث العلمي بالمركز، لا وألف لا ليس المال دائما عائقا أمام البحث العلمي طالما كان هناك تعاون حقيقي بين الفريق البحثي، لأن التعاون بجميع أبعاده يزيل هذا العائق، ولكن ما أتحدث عنه هي استمارة البحث المحدد (أو ما يحلو للبعض في مركز البحوث الزراعية أن يسميها باستمارة العار والخيبة والندامة)، حيث تحول البحث العلمي داخل المركز بدونها ليس له قيمة أدبية أو علمية بل اعتباره لا شيء، فحتى لو تم البحث بالتعاون مع إحدى الجامعات المصرية أو الأجنبية فهو لا شيء، حتى ولو تم تحكيمه ونشره في كبرى المجلات والدوريات العلمية المتخصصة على مستوى العالم فهي أيضا ليس له قيمة، وحتى ولو تم عرضه ومناقشته في أكبر المؤتمرات في مجال التخصص أي كالهواء لا تراه ولا تستطيع أن تمسك به كل ذلك طالما لا يوجد للبحث المنشور استمارة بحث محدد أعدة وتم الموافقة عليها من قبل لجنة تسمي لجنة البحوث في كل معهد أو معمل بالمركز بحث تمحيص وتفعيص وتوبيخ وتلطيم ومناقشة قد تصل أو لا تصل للموافقة بعد ما يقرب من أربعة إلى ستة شهور من تقدم الباحث بها، بالرغم من أن إجمالي وقت إجراء البحث لن يزيد أن هذا الوقت بل يقل على ذلك بكثير، ومن عجائب الدنيا السبع أنه مطلوب من لجنة معظم الأساتذة الباحثين فيها حصلوا على الأساتذة من أكثر من خمسة عشر عاما الحكم على جدوى أو عدم جدوى مشروع بحثي لم تظهر نتائجه بعد سواء بالسالب أو الإيجاب، وبالطبع إذا كان هناك شيء غير نمطي وأمرا جديدا في مسودة البحث غير مفهومه للسادة أعضاء اللجنة فيتم رفضها على الفور، مما يجعل أفراد الفريق البحثي بالسير في نفس الاتجاه وذاك الطريق الذي تريد اللجنة الموقرة السير فيه بدون إضافة جديد أو تشغيل للعقول.
ففي جميع أنحاء العالم يتم عمل البحث ثم يتم الحكم عليه وليس العكس، والغريب في الأمر إذا ما تعاون أحد أفراد الهيئة البحثية في أي قسم علمي تابع لأي معهد من معاهد مركز البحوث الزراعية مع زملاءً له أعضاء هيئة التدريس بإحدى الجامعات المصرية يثمر هذا التعاون عن خروج أبحاث رائعة تحكم وتنشر ويترقى بها عضو الجامعة لدرجتي أستاذ مساعد وأستاذ حيث أنها أعلى الأبحاث حصولا على تقدير، بينما عضو مركز البحوث الزراعية يظل واقفاً مكانه فلا يستطيع أن يترقي للدرجة العلمية الأعلى ولا حتى يتقدم بتلك الأبحاث للحصول بها على جائزة من الجوائز ولا حتى يسمع كلامات الشكر والثناء من زملائه في القسم العلمي التابع له، والسبب بكل تأكيد واضح وجلي:
<!--لا يوجد استمارة بحث محدد لأبحاث يا شاطر.
<!--أنا لم أكلف المعهد أو المركز شيئا، اشتغلت واجتهدت، هل يكون هذا جزائي في النهاية.
<!--هكذا هي اللوائح المنظمة لمعهدك ومركزك يا بيه!!
<!--زملائي الأحدث مني ترقوا وسبقوني؟!
<!--لأنهم كانوا مرتبين أوراقهم ولكن بحث منشور استمارته، فلا يشوبهم شائبة، ارجع وتقدم باستمارات جديدة نناقشها في لجنة البحوث وبعدها تشتغل وتنشر وتأتي ونحن نرقيك!!
# هل يصبح السر سرا بعد أن يعرفه العشرات بل المئات؟!
سؤال يطرح نفسه ولا يحتاج لإجابة، لماذا؟! لأن إجابته معروفة مسبقا لأننا نسأل في مصر، هل يعقل يا سادة أن يتقدم باحث بفكرة بحثه للجنة لقراءتها ومناقشتها لن تقول قبل أن يقوم بتنفيذ البحث ولكن على الأقل قبل نشر البحث، وبالبحث فكرة جديدة مبتكرة لم يصل إليها أحدا من الباحثين، أو بالبحث ما يعد برئة اختراع.
# سياسة مركز البحوث الزراعية ضد سياسة الدولة!!
نعم إستراتيجية الأداء البحثي بمركز البحوث الزراعية عكس وضد إستراتيجية ورؤية الدولة المصرية، كيف هذا؟!، سوف أجيب في السطور القليلة القادمة.
الدولة المصرية تشجع الاستثمار سواء الكبير أو المتوسط أو الصغير، تشجع الشباب على العمل وزيادة الإنتاج بل وسرعته والعمل على الاكتفاء الذاتي من كافة المنتجات الزراعية بشقيها النباتي والحيواني، فما يقرب من 99% من كافة الوحدات الإنتاجية على مستوى القطر المصري يمتلكها القطاع الخاص ممثلا في رجال الأعمال الكبرى أو صغار المستثمرين من الشباب أو الأهالي من فلاح أو ربة منزل..الخ.
والعمل البحثي الزراعي في كافة مجالات العلوم الزراعية لدى هؤلاء وليس لدى الدولة ممثله في بعد محطات الإنتاجية التابعة لقطاع الإنتاج بوزارة الزراعة أو محطات بحثية تابعة لمركزي البحوث الزراعية وبحوث الصحراء بوزارة الزراعة أو الوحدات البحثية لأكاديمية البحث العلمي والمركز القومي للبحوث وهيئة الطاقة الذرية.
ومما سبق يضح أن المشكلات الزراعية تظهر لدى من هم خارج النطاق الجغرافي لمعاهد ومعامل مركز البحوث الزراعية، والمركز منوط به حل تلك المشكلات بالبحث العلمي الدائم المستمر، إذا بالمشكلة في وادي والباحثين في وادي آخر، وهنا تأتي الفجوة بين المنتج صاحب المشكلة والباحث الذي يمتلك أدوات حلها، فقنوات الاتصال بينهما غير جيدة، فهي موجودة ولكنها خارج نطاق الخدمة، فالباحث مهم وصل من علم وحصل على أعلى الشهادات العلمية وارتقى إلى أعلى المناصب العلمية والفنية فهو في الأساس مرشد زراعي، يستقبل ويرسل ويرشد ويحلل.
تكمن المشكلة هنا إذا ذهب الباحث للمربي أو المزارع أو صاحب المعمل أو المصنع وتعرف على مشكلته وبدأ يعمل في مكان المشكلة حتى تعرف على حدودها وأسبابها وطرق حلها والوقاية منها وعلاجها وذلك بعد أن وفر له صاحب المشكلة كافة الإمكانيات والظروف، ثم قام الباحث أو مجموعة الباحثين بصياغة هذه التجربة في بحث أو أكثر وتم النشر بإحدى المجلات العلمية هل يصبح ذلك بحثا علميا يستطيع الباحث الاستفادة منه في حياته البحثية والعلمية؟!؛ الإجابة وللأسف لا ولن يستطيع أن يذهب بأبحاثه هذه التي خدم بها مجتمعه المحلي وبيئته التي يعيش فيها بالبحث العلمي الذي تعلمه وقضى فيه عمرا، والسبب معروف استمارة البحث المحدد!!!!
فهل المقصود من هذه الاستمارة: تقييد حرية الباحثين؟ أم تدمير البحث العلمي في مصر؟ أم إضاعة الوقت والجهد والمال؟، أم عدم الثقة في أمانة الباحث العلمية ووضعه تحت الميكروسكوب والمنظار من خلال لجنة لن تراقب الباحث أكثر من الله سبحانه وتعالى فهو السميع البصير أو حتى أكثر من ضميره داخل نفسه البشرية؟!، أم رفض مركز البحوث الزراعية دعم القطاع الخاص للبحث العلمي الذي تنادي به الدولة حكومةً وشعباً؟، أم ماذا.........؟؟!!
ترفع الشعارات والجمل الرنانة في كل مؤتمر أو ندوة أو ورشة عمل داخل القاعات المكيفة، وخارجها تطبق سياسات ما أنزل الله بها من سلطان.
والباحث في مفهوم اللوائح والقوانين المنظمة للعمل بمركز البحوث الزراعية هو من حصل على درجة مالية وعلمية بمسمى باحث، أم غير ذلك من العاملين الآخرين بالمركز أو حتى خارجه لا يحملون لقب باحث عبارة عن عدد يملأ الفارغ الكوني على الأرض المصرية، شيء غريب وغير مفهوم، كأن من أخذ لقب ودرجة باحث سوف يدخل الجنة وغير ليس لهم مأوى غير نار جنهم، فالباحثين هم المنتجين ومن دونهم لابد أن يجلسون في مقاعد المستهلكين لكل شيء المأكل والمشرب والمسكن وحتى الفكر والمعرفة!!
فليس لأفراد الشعب المصري خارج النطاق الجغرافي والإداري لمركز البحوث الزراعية دور في الرقي والارتقاء بمستوى الأبحاث العلمية الزراعية المفروض أنها تطبيقية تخدم المجتمع سوء أنهم دافعي ضرائب يتم تحصيلها من خلل وزارة المالية التي تقوم بصرف المستحقات المالية لهذا المركز البحثي!!، أليس في الشعب من أصحاب المزارع والمعامل والمزارع والمناحل من هو مفكر وباحث وعبقري ومخترع ومبتكر؟!، أليس الشعب هو الذي يربي الحيوان ويزرع المحاصيل وينتج النحل والحرير وعيش الغراب...الخ من المنتجات الزراعية؟!
# البحث العلمي بالمركز للكبار فقط!!
صدق أو لا تصدق لابد أن يكون أول اسم في الاستمارة البحثية بالمركز على درجة رئيس بحوث (أستاذ) أو باحث أول (أستاذ مساعد)، ولم نجد على مر تاريخ المركز أن الباحث الرئيسي للبحث مساعد باحث (معيد) أو باحث مساعد (مدرس مساعد)، وهنا لا اقصد استمارة بحث الماجستير أو الدكتوراه، بل مشكلة بحثية قام بإعداد فكرتها وطريقة معالجتها هذا الباحث الشاب أو ذاك، وعليه فلابد أن تجد من هو حاصل على جوائز الدولة التشجيعية والتقديرية والتفوق سوء من هو مصاب بذبحة وجلطة وارتفاع في ضغط الدم مصحوب بسكر وكولسترول.
بقلم
محمود سلامة الهايشة
كاتب وباحث مصري
خبير التنمية البشرية
ساحة النقاش