عيد العمال الثوريين!
اليوم 1 مايو 2012 الموافق لعيد العمال، اليوم إجازة رسمية من الذهاب للعمل، ولكنه يوم اتخذه العمل لكي يقضوه في الشوارع والميدان لكي ينكدوا على الحكومة بوزرائها، فالعمال في وادي والحكومة في وادي آخر.
الشارع السياسي العمالي ومع الشعب في ثورة والحكومة والقائمين على تسيير شئون البلاد في دنيا ثانية.
قضت جميع درجات محكمة القضاء الإداري قبل الثورة بإلزام الحكومة بتطبيق الحد الأدنى للأجور، ثم جاء ثورة 25 يناير 2011 بمطلب مهم ألا وهو تطبيق الحد الأدنى والحد الأقصى للأجور، وقد نظمت كافة النقابات المهنية والعمالية القديمة منها والمستقلة بتطبيق هذين الحدين، حتى انعقد مجلس شعب الثورة في يناير 2012 وألزم الحكومة بتطبيق هذين الحدين بإصدار قانون لذلك، ولكن دون جدوى كمن يأذن في ملطى.
وبالرغم من أن تطبيق الحدين الأدنى والأقصى سوف يحقق العدالة الاجتماعية والعيش الكريم للسواد الأعظم من الشعب، بل سيوفر مبلغ كبير جدا لميزانية الدولة من باب الأجور.
للعمال دور كبير في تحفيز بقية الشعب للمطالبة بحقوقه، فقد نظم عمال مصر في عام 2010 أكثر من عشرة آلاف وقفة احتجاجية واعتصام محدود ومفتوح للمطالبة بحقوقهم المهدرة وأموالهم المنهوبة. ولا ننسى أن أول بوادر ثورة يناير كانت في 6 أبريل 2008 بمدينة المحلة الكبرى والتي قام بها عمال شركة المحلة للغزل والنسيج والتي يعمل بها أكثر من 25 ألف عامل، وقد كانت تلك الاحتجاجات بروفة مصغرة لثورة يناير.
منذ أن اندلعت ثورة يناير، والحكومات المتعاقبة بعد المخلوع مبارك وهي تشتكي مر الشكوى من سوء الإنتاج بل وتوقف عجلة الإنتاج، مما أثر ويؤثر على الناتج القومي واحتياطي النقد الأجنبي، وكأن مصر دولة منتجة ومصدرة، وليست دولة مستهلكة ومستوردة لأكثر من 80% من سلعها الغذائية، وما تنتجه مصر من منتجات يتحكم فيه حفنة من المستثمرين ورجال الأعمال، فمازال الاحتكار كما هو سوء للسلع المنتجة بالداخل أو المستوردة من الخارج، وهناك بعض التقرير الاقتصادية والمالية تؤكد على أن التجار قد استغلوا ظروف مصر الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية خلال العام 2011 بعد سقوط رأس نظام مبارك، وربحوا من جيوب الشعب أكثر 130 مليار جنيه زيادة غير مبررة في الأسعار، في ظاهرة غير أخلاقية وغير إنسانية وغير إسلامية لمن يدعون الالتزام الديني أو المتأسلمين الجدد.
يأتي عيد العمال هذا العام وقد انضم ولأول مرة للعمال فئة جديدة لم يكن يتصور أن تنضم للاحتجاجات الفئوية للمطالبة بحقوقهم المعنوية قبل المادية ألا وهم أفراد وأمناء الشرطة، فلأول مرة في تاريخ مصر على مر العصور أن يقف أفراد الشرطة للاحتجاج على سوء معاملة قيادات الشرطة ولتحسين الأجور والرعاية الصحية لهم ولأسرهم، بل وقد وصل الأمر إلى الإضراب عن العمل.
والمشهد الراهن الآن في مصر يدعو للخوف والتدهور، فهناك استثمارات كثيرة مصرية وعربية وأجنبية أما جمدت أو هربت بعد ثورة يناير، مما يعني توقف الطلب على العمالة مما يعني زيادة البطالة، كذلك تسريح الكثير من العمال وتوقف أنشطة منشآت صناعية وتجارية وأكثر القطاعات تأثر هو قطاع السياحة الذي يعمل فيه أكثر من 2 مليون عامل، وقد وصل دخل السياحة لمصر في عام 2010 إلى 12 مليار دولار أمريكي.
إذا الواضع الداخلي في مصر منهار بسبب سوء إدارة المرحلة الانتقالية ما بعد تنحي رأس نظام الحزب الوطني المنحل، بالإضافة للوضع الخارجي حول مصر من الثورة التونسية والليبية والسورية واليمنية، وانقسام دولة السودان إلى دولتين دولة الشمال ودولة الجنوب، فليبيا كان يعمل بها أكثر من 2 مليون عامل مصري كما تقول الأرقام الرسمية، وما خفية كان أعظم، ثم جاء الثورة الليبية الدامية والتي استمرت لشهور ولم تهدأ الأوضاع بشكل كامل في ليبيا حتى الآن.
ومن الأسباب الخارجية التي تؤثر على سوق العمالة المصرية موقف دول الخليج العربي من الثورة المصرية خاصة والثورات العربية الأخرى بصفة عامة، فالكل خائف من تصدير تلك الثورة لها، وقد بدأت دول مجلس التعاون الخليجي بطرد وتسريح عشرات الألوف من العمال المصريين، بل وإصدار القوانين المنظمة لسوق العمالة لديهم والمقصود منها هو استبدال المصريين بغيرهم من جنسيات أخرى. بل وقد وصل الوضع بفصل الطلاب والتلاميذ من أبناء المصريين العاملين لدى لدول الخليج، فعلي سبيل المثال: سأل تلميذ في الصف الخامس الابتدائي معلمته لماذا لا يوجد بالكويت ثورة كالموجودة بمصر؟، فكتب المعلمة مذكرة في التلميذ، فقامت الإدارة التعليمية بفصل التلميذ الذي يعمل والده مدرساً بجامعة الكويت، وضاع العام الدراسي على التلميذ حيث كان ذلك في نهاية العام الدراسي قبل أن ينتهي من اختبارات آخر العام، وقد نشر هذا الخبر بالصحف الكويتية.
فأصبح التضييق على اليد العاملة المصرية من الداخل ومن الخارج، فكان العالم كله تآمر على المصري المظلوم طوال عقود متتالية من جهل ومرض وفقر، فالعامل لم يجد مدارس أو مراكز لتعليمه وتدريبه أو مستشفيات يعالج فيها بشكل جيد أو إذا عمل عملا ما أن يقبض مبلغ مالي يكفي لسد حاجاته الأساسية من مطهم وملبس ومسكن.
وفي النهاية يمكن أن نقول الثورة لم تأتي ثمارها حتى الآن، والمؤشر الحقيقي لنجاح الثورة، هي يوم أن يخرج العمال في يوم عيدهم فرحين بالعيش..والحرية..والعدالة الاجتماعية.
بقلم
محمود سلامة الهايشة
كاتب وباحث مصري
ساحة النقاش