إذابة الدولة!!
حدثت المعجزة، وانفجر الشعب، وانتفض الناس، وثار الثوار، وخرجوا للشوارع ملئوا الميادين، طالبوا بإسقاط النظام، نظاماُ فاسداً قاسياً ظالماً، كأنهم كانوا غير موجودين، تم قتل مشاعرهم على مر السنين تم تجميدهم ثلاثة عقودٍ متتالية.
ذاب الثلج وصار ماءً، برغم انخفاض حصتنا منه، انفك كيس اللحم، مع ارتفاع سعره ومن المفترض أن الدولة دولة زراعية، هناك أناس تهتف في التحرير مطالبة بالحرية والاستقلال عن الديكتاتورية والفساد، ولكن هناك آخرين يشيدون ويقيمون الكتل الخرسانية على الأراضي الزراعية، خرج من بين نباتات القمح والبرسيم الخضراء بيوتا قل قرى بأكملها، استغل الاستغلاليون الانتهازيون ورفعوا أسعار مواد البناء من جديد وأسمنت، الأموال سالت برغم غلق البنوك عدة أسابيع بسبب تبخير الشرطة وتحرير المجرمين بفك السجون، من أين جاءوا بكل هذه الأموال؟!، لماذا كانت كل هذه المليارات في أيدي الناس؟ّ، أم حصلوا على مواد البناء بالأجل لحين ميسرة، وحتى فرضا حصلوا على الحديد والأسمنت على النوتة، فمن أين سددوا المقاولين والعمال الذين ظلوا طوال الثلاثة أو الأربعة سنوات الأخيرة بدون عمل حتى على الأقل في مجالات المعمار والتشييد والبناء بسبب التأخير غير المبرر للحكومة في إقرار الحيازات العمرانية الجديدة للمدن والقرى وكأنه قراراً حربياً نووياً هائلاً، وبمناسبة الطاقة النووية كلما تشرع مصر في إنشاء مفاعلا نووياً للاستخدامات السلمية يأتي القدر بحادث مروع لإيقاف هذه الخطوة في المرة الأولى حدث انفجار بمفاعل تشرنوبيل في الاتحاد السوفيتي سابقا عام 1986، والآن وبعد أن تم وقع الاختيار على أرض الضبعة بالساحل الشمالي المصري بعد ولادة عسيرة وقيصرية لإقامة هذا المفاعل عليها، بعد أن خرج الرئيس السابق معلناً بأنها هي الأرض المخصصة لإقامة المفاعل بلهجة يملأها التهكم والسخرية على كل من شككوا وكتبوا وصرخوا في كافة وسائل الإعلام محذرين بأن هناك حفنة من رجال الأعمال يضعون أعيونهم عليها؛ جاء زلزال تسونامي الذي ضرب اليابان في أوائل عام 2011 وانفجرت وانصهار عدة مفاعلات نووية بفوكوشيما أحدثت تسريبات إشعاعية كبيرة جداً لوثت مياه الشرب والأغذية وقد وصلت تلك الأشعة إلى العديد من الدول المجاورة لليابان.
أطلع على مسودة هذه المقالة قبل أن انتهى من كتبتها الصديق الأستاذ/ أحمد عبد القادر، فسألني ما علاقة اللحم بالثورة؟!، فنظرت له مبتسماً ولأني كنت أتمنى أن يسألني أحداً هذا السؤال:
- العلاقة قوية، وقوية جداً، فعندما سأل أحد الإعلاميين أثناء زيارته لميدان التحرير لتغطية أحداث الثورة طفلين يبلغان من العمر ستة وسبعة سنوات أصطحبهم والدهم للميدان:
- لماذا أتيم إلى هنا؟!، فرد عليه الطفلين:
- نريد إسقاط النظام....!!
- لماذا؟!،
فجاءت إجابة الطفلين متشابه ومتطابقة:
- لأنهم غلوا اللحمة، وبابا لا يستطيع شرائها لنا!!
بقلم/ محمود سلامة الهايشة – كاتب وباحث مصري
ساحة النقاش