هندسة الانتباه

العلوم والفنون والآداب

الأقفاص البحرية.. يمكن أن تحل مشكلة نضوب الثروة السمكية

يصل إنتاج المتر المكعب من مساحة القفص إلى 20 كيلوغراما من السمك

إعداد: د. مصطفى محمد سعيد حسين (أستاذ الاستزراع السمكي المتفرغ، مركز بحوث الصحراء - جمهورية مصر العربية [email protected]).


مع النقص الحاد في المخزون العالمي من الأسماك، نتيجة التلوث والصيد الجائر، وجدنا أن سفن الصيد تضطر إلى أن تسافر آلاف الكيلومترات للبحث عن الأسماك في أماكن نائية وتتعرض للقراصنة أحيانا، وللضبط من السلطات المحلية للدول في أحيان كثيرة.

ومع التطور التكنولوجي في تصميم الأقفاص السمكية البحرية، ووجود المئات من الشركات التي طورت أقفاصا سمكية بتكنولوجيات خاصة بتلك الشركات، أصبح من الممكن إنتاج مئات الأطنان بالقرب من شواطئ في أي بلد من دون الحاجة إلى التعرض للمخاطر.

ولكن الكثير من الشركات المنتجة للأقفاص ما زالت تحتفظ بالمعرفة التقنية حتى تتمكن من بيع الطرازات من الأقفاص التي طورتها وتستعيد الأموال التي أنفقتها على الأبحاث.

ومن أهم التطورات التي حدثت في العقود القليلة الماضية، التطور الكبير في تكنولوجيا تفريخ الأسماك البحرية، ولقد كان آخر العقبات التي تم التغلب عليها التشوهات التي تحدث في الأسماك الناتجة عن التفريخ الصناعي، ويرجع الفضل في ذلك إلى شركتين، إحداهما فرنسية والأخرى يابانية، التي اكتشفت أن هذه التشوهات تحدث عند الانتقال من الغذاء الطبيعي في المفرخات إلى التغذية الصناعية، فقد وجدت أن نقص حمض أميني واحد يمكن أن يحدث هذا الضرر. وقد طورت أغذية لهذه المرحلة لتفادي حدوث تلك التشوهات وإن كانت المفرخات حتى اليوم تضطر إلى شراء هذا المنتج الذي أصبح من حقوق تلك الشركتين، وإن أدى إلى تفادى هذه المرحلة التي أخرت التفريخ الصناعي للأسماك لفترة طويلة.

وتحتاج مصر على الأقل إلى 5 مفرخات بحرية لمواكبة النهضة المنتظرة في الاستزراع السمكي البحري وبخاصة الأقفاص، وهذا يستلزم تفعيل التعاون الدولي لنقل تلك التكنولوجيا.

كما كان لتطور الأبحاث الوراثية أيضا الفضل في إنتاج أنواع جديدة من الأسماك تتماشى مع متطلبات تلك الصناعة من حيث التوافق مع ذوق المستهلك وسرعة النمو وزيادة كفاءة الاستفادة من الغذاء.

أما الميزة الكبيرة لتلك الأقفاص فهو أنها لا تشغل أي مساحات على اليابسة، بل تكون داخل المياه، وبعضها يكون غاطسا بعضه أو بأكمله داخل المياه لتفادي تأثير الأمواج.

ويحتاج القفص خلال فترة التربية الأسماك، التي قد تمتد إلى 16 شهرا، إلى أكثر من نوع من الشباك حسب ماجة الشباك، أو ما يعنى اتساع فتحاتها، كما تختلف أحجام حبيبات العليقة حسب اتساع فم السمكة، حسب المرحلة العمرية، كما تستخدم التغذية الأوتوماتيكية في بعض أنواع الأقفاص لتقليل الخطأ البشري في انتظام التغذية.

ويمكن أن يصل إنتاج المتر المكعب من مساحة القفص إلى 20 كيلوغراما من السمك، وتستخدم أسماك الدنيس والقاروص في التربية بالأقفاص لارتفاع سعرها ووجود سوق واسعة في تسويقها، وبخاصة بالنسبة إلى دول أوروبا الشمالية التي لا تنتج سوى أسماك المياه الباردة، مثل السالمون والتراوت. وبدأت بعض الأبحاث في استخدام أنواع جديدة من الأحياء البحرية لتربيتها في الأقفاص، مثل الجمبري، وإن كان لا ينصح حتى الآن بذلك حتى تنجح تلك الأبحاث. وقد وصلت أعداد مزارع الأقفاص في تركيا، على سبيل المثال، إلى 300 مزرعة، وأقل من ذلك في اليونان، وأعداد كبيرة في قبرص وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال، كما أقيمت مزارع للأقفاص السمكية البحرية بالتعاون مع دول أوروبا في كل من تونس وعمان والكويت، وإن كان أهم مركز لإنتاج تلك الأقفاص هو النرويج، لذلك ينصح بعمل اتفاقات تعاون دولي مع تلك الدول لنقل تلك التكنولوجيا، مما يستلزم قيام تلك الدول بإقامة أقفاص سمكية في مصر، وإدارتها لمدة عام على الأقل، وتدريب الكوادر الفنية عليها سواء في مصر أو الخارج.

وتعتبر الاشتراطات البيئية أهم عوامل نجاح تلك الأقفاص، حيث تتمثل في المحافظة على البيئة البحرية، لذلك ينصح بتغيير موقع الأقفاص بعد 3 سنوات من الإنتاج على الأكثر، واستخدام طرز من الأقفاص المستخدمة في المياه المفتوحة لضمان ابتعاد الفضلات عن موقع الأقفاص. وقد طورت كندا طرازا من الأقفاص يتم التخلص فيه من الفضلات أوتوماتيكيا بعيدا عن الأقفاص بتكنولوجيا متطورة، ولكنها مكلفة.

ويعتبر استزراع شواطئ البحار والمحيطات هو الأمل في اكتفاء العالم من الغذاء خلال العقود المقبلة بعد تقلص المخزون السمكي، وبعد الزيادة السكانية التي لا تواكبها زيادة مماثلة في إنتاج الغذاء من المصادر الأرضية، وبخاصة مع نقص المياه العذبة.

وتربية الأحياء المائية البحرية أخذت بالفعل في الارتفاع، فقد زاد إنتاجها عشرة أضعاف على مدى السنوات الـ30 الماضية، ويتوقع أن يتجاوز نموها هذا المعدل في غضون الأعوام القادمة، ويقال إن نموها المستمر سيعتمد على التكيف مع التقنيات الحالية من حيث الغذاء اللازم لتغذية الأسماك والأنواع المستنبطة والتقنيات الجديدة في الإنتاج.

هذا الهدف يمكن تحقيقه إذا علمنا أن معل التحويل الغذائي في الأسماك يمكن أن يصل إلى كيلوغرام لحما لكل كيلوغرام من الغذاء، حيث إن الأسماك تتغذى في المياه على العوالق النباتية والحيوانية التي توجد بصورة طبيعية في المياه، علما بأن هذا المعدل يصل إلى الثلث في بعض الحيوانات المرباة لإنتاج اللحم.

وعلى الرغم من بعض الآثار البيئية التي يمكن توقعها من التوسع في تربية الأحياء المائية البحرية، فإن هذه الآثار تعتبر متواضعة، ويمكن تلافيها، وذلك بالمقارنة بتلك الناجمة عن نقص إنتاج الغذاء على الأرض.

إعداد: د. مصطفى محمد سعيد حسين (أستاذ الاستزراع السمكي المتفرغ، مركز بحوث الصحراء - جمهورية مصر العربية [email protected]).

المصدر: بنشر بتصرف.
  • Currently 130/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
43 تصويتات / 616 مشاهدة
نشرت فى 14 إبريل 2010 بواسطة elhaisha

ساحة النقاش

محمود سلامة محمود الهايشة

elhaisha
محمود سلامة الهايشة - باحث، مصور، مدون، قاص، كاتب، ناقد أدبي، منتج ومخرج أفلام تسجيلية ووثائقية، وخبير تنمية بشرية، مهندس زراعي، أخصائي إنتاج حيواني أول. - حاصل على البكالوريوس في العلوم الزراعية (شعبة الإنتاج الحيواني) - كلية الزراعة - جامعة المنصورة - مصر- العام 1999. أول شعبة الإنتاج الحيواني دفعة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,719,562