إشكالية إثبات الجرائم الإلكترونية!! وعقوبة اختراق المواقع الالكترونية وماهي آليات اثبات الجرائم المعلوماتية طبقا للقانون؟!!.. الجرائم الالكترونية في مصر ودستورية مبدأ الشرعية الجنائية، الجزء الثانى ،،،،،،
كتب : أيمن محمد عبداللطيف :
ملخص بايجاز ...
صاحب التطور التكنولوجى والتقني الحادث تطور في كل مناحى الحياة، إن في اتجاه الخير أو في الاتجاه المعاكس) الشر، ( ومما انجرّ على ذلك التطور تمتع الانسان بقسط وافر من الرفاهية وتيسير معاملاته في شتى الميادين، هذا في الاتجاه الايجابي ،أما في الاتجاه السلبي فنحسب أن ذلك التطور صاحبه تطور خطير في نوعية الجرائم ؛ اذ ظهرت الجريمة الالكترونية ” المعلوماتية”، والوسائل المستخدمة فيها كما صاحب ذلك تطورا في نوعية المجرم.
الكلمات المفتاحية: الجريمة الالكترونية. المجرم الالكتروني. الشرعية الجنائية. القاضي الجنائي.
مقدمة :
يمكن القول إن العقود الأخيرة من القرن المنصرم شهدت ثورة في مجال التكنولوجيا والاتصالات، مما أدى لظهور أجيال جديدة من وسائل الاتصال عن بعد، والتى أعادت صياغة شكل العالم فأصبح العالم قرية صغيرة لا تعرف الحدود، وبالطبع تم الاستفادة من هذه التكنولوجيا في مختلف القطاعات الحياتية في الدولة، وعلى جميع المستويات خاصة بعد تطور نظم المعلومات وربطها بالأقمار الصناعية، وبالطبع تعقدت الجريمة وتنوعت اساليب ارتكابها مستفيدة من هذا التطور التقنى المذهل فظهر ما يعرف بجرائم التقنية او الجرائم المعلوماتية التى أخذت أبعادا جديدة بداية من ثمانينات القرن الماضي، حيث كانت بدايات انتشار الحاسب الآلي وتطبيقاته بشكل عام،لحقه انتشار شبكة الإنترنت في بداية التسعينيات من ذات القرن ، هذه الأخيرة التى برزت كأسرع وأقوى وسائل اتصال حديثة في العالم اليوم.
أهمية الموضوع:
أدى التطور المتلاحق للإنترنت وانتشار أجيال جديدة وأنواع مختلفة من أجهزة الحاسب الآلي إلى مضاعفة المخاطر والاعتداءات على الحريات الشخصية والملكية الخاصة، بل وعلى مصالح الدولة مما حذا ببعض الدول أن تقر اتفاقيات تقرر تجريم بعض الأفعال الحادثة عبر الوسائل الالكترونية أو بواسطتها، ومنها اتفاقية بودابست لعام 2001، والقانون العربي النموذجي الموحد لمكافحة سوء استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ،والذي تم اقراره من قبل وزراء العدل العرب في اجتماعهم المشترك في 12-22/5/2003، غير أننا لم نر له أثرا فعليا علي أغلب التشريعات الجنائية في الدول العربية وبصفة خاصة مصر، فلا يوجد بها حتى الآن تشريع جنائي خاص بالجريمة الالكترونية يقدم الحلول الناجعة لكافة المشكلات القانونية الناجمة عنها على الرغم من وجود بعض النصوص القانونية التى تحتويها قوانين تنظم موضوعات مختلفة تناولت بعض صور التجريم الالكتروني ِ،منها قانون الأحوال المدنية المصري رقم 143 لسنة 1994 ، قانون حماية الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002 ، قانون تنظيم الاتصالات 10 لسنة 2003، وقانون التوقيع الالكترونى 15 لسنة 2004، وقانون الطفل المعدل في 2008، إلا أن هذه القوانين لم تغط كافة صور التجريم الالكتروني ، وهو ماكان له أثره السيء علي المجتمع بسبب عدم توفير الحماية القانونية لأفراده خصوصا في ظل وجود مبدأ دستوري يحكم التجرم في مصر وهو مبدأ الشرعية الجنائية والذي ورد النص عليه في المادة 95 من الدستور المصري الحالي الصادر في عام 2014 ،والتى جرى نصها على أن ” العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون ،ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون”، فمع وجود ذلك النص الدستوري وغياب النص التشريعى العقابي يصبح القاضي الجنائي في حيرة من أمره خصوصا عندما يعرض عليه فعل يشكل جريمة من الجرائم الالكترونية التي لا يجد لها نصا صريحا يجرمها في قانون العقوبات، فكيف السبيل الى الحكم الشافي ؟ هل يحكم بالبراءة إعمالا لمبدأ شرعية التجريم؟ أم يحاول إنزال حكم القانون في الجرائم التقليدية علي تلك الجريمة أخذا بالتفسير القضائي الواسع للنصوص القانونية؟ذاك ما نصبو في هذا البحث الإجابة عنه من خلال تحديد هذه المعضلة القانونية الواقعية، في ثلاثة مباحث كالآتي:
اولا : الجريمة الالكترونية.
ثانيا : الشرعية الجنائية للجريمة الالكترونية.
ثالثا: دور القاضي الجنائي في ظل غياب النص العقابي للجريمة الالكترونية.
اولا : الجريمة الالكترونية
أسهم دخول التقنيات الحديثة في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وشبكة الإنترنت إلى إفراز أنماط مستحدثة من الجرائم لم يكن للبشرية سابق عهد بها، وتتميز هذه النوعية من الجرائم بأنها معقدة في طرق ارتكابها، ووسائل كشفها، كما أنها ذات طابع دولي، لذلك أصبحت تمثل خطرا داهما يؤرق دول العالم بأسره، وسنحاول في هذا المبحث التعرف على بعض جوانب الجريمة الالكترونية، من حيث المفهوم والطبيعة القانونية، والخصائص، وغير ذلك من الأمور التي تساعد على فهم مبسط للجريمة الالكترونية.
(مفهوم الجريمة الالكترونية:)
من أهم موضوعات أي بحث التعريف بموضوع البحث لأن التعريف هو الذي يبين مدى أهمية الموضوع، فضلاً عن كونه الوسيلة التى تكشف عن موضوعات الدراسة وزواياها، ولهذه الأهمية التي يحظى بها التعريف ظلّ الفقهاء والمفكرون لا يتفقون حول تعريف واحد وثابت لأي موضوع، وما ذلك إلا لاختلاف وجهات النظر واختلاف الزاوية التى يتخذها كل فَقيه معيارا وأساسا لتعريفه، ونستطيع أن نقابل اتجاهين رئيسين في هذا المجال، يهتم
الاتجاه الأول بالناحية العضوية أو الشكلية، بينما يهتم الاتجاه الثانى بالناحية الموضوعية أو الوظيفية،
فعرّف فريق الجريمة الالكترونى بأنها” الاعتداء غير القانونى الذي يرتكب بواسطة المعلومات الحاسوبية بغرض تحقيق الربح....
كما عرفت بأنها” كل فعل إجرامي متعمد أيا كانت صلته بالمعلومات ينشأ عنه خسارة تلحق بالمجنى عليه أو كسب يحققه الفاعل وعرفت أيضا بأنها” كل فعل غير مشروع يكون العلم بتكنولوجيا الحاسبات الآلية بقدر كبير لازما لارتكابها من ناحية، ولملاحقته وتحقيقه من ناحية أخرى”، بينما عرفها فريق آخر بأنها” كل جريمة تتم في محيط أجهزة الكمبيوتر” أو هي” كل سلوك غير مشروع أو غير أخلاقي أو غير مصرح به يتعلق بالمعالجة الآلية للبيانات أو بنقلها
، كما تعرف أيضا بأنها” كل نشاط إجرامي تستخدم فيه تقنية الحاسب الآلي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة كوسيلة أو هدف لتنفيذ الفعل الإجرامى المقصود”.
خصائص الجرائم الالكترونية: تتميز الجرائم الالكترونية بعدد من الخصائص تميزها عن غيرها من الجرائم التقليدية هي:
ترتكب بواسطة شبكة الإنترنت: أي تستخدم شبكة الإنترنت كأداة لارتكاب الجريمة أو تسهيل ارتكابها؛ إذ تعد شبكة الإنترنت حلقة الوصل بين كافة الأهداف المحتملة لتلك الجرائم كالبنوك والشركات بكافة أنواعها والأشخاص وغيرها ،والتي غالبا ما تكون الضحية.
مرتكب الجريمة مجرم ذو خبرة في استخدام الحاسب الآلي والإنترنت.
الجرائم الالكترونية لا تعرف الحدود المكانية ولا الحدود الزمنية لأنها ترتكب عبر شبكة الإنترنت لا تحدها حدود جغرافية كحدود دولة بعينها، فالعالم كله يمكن أن يكون مسرحا لارتكاب الجريمة، كما لا يحدها زمان معين رغم الاختلاف في المواقيت بين الدول.
الجرائم الالكترونية تتسم بالخطورة البالغة: وذلك من عدة نواحِ فمن ناحية: الخسائر الناجمة عنها كبيرة جدا قياسا بالجرائم التقليدية وبصفة خاصة جرائم الأموال، ومن ناحية ثانية: نجدها ترتكب من فئات إجرامية متعددة تجعل من الصعب معرفة الفاعل، ومن ناحية أخيرة: تنطوى على سلوكيات غير مألوفة.
صعوبة التحري والتحقيق في هذه الجرائم ومن ثم محاكمة مرتكبها: فهناك صعوبة في ملاحقة مرتكب هذه الجرائم، ولو تم التوصل إليه فمن السهل اتلاف الأدلة من قبل الجناة، كما أن هذه الجرائم لا تحدها حدود، فهى جرائم عابرة للحدود مما يثير تحديات ومعوقات في حقل الاختصاص القضائي والقانون الواجب التطبيق ومتطلبات التحقيق والملاحقة والضبط والتفتيش.
الدافع لارتكاب جرائم الإنترنت يختلف عن دافع الجرائم التقليدية، فالبعض يرتكب الجريمة الالكترونية لولعه في الحصول على المعلومات الجديدة مثل القراصنة، أو للاستيلاء على المعلومات الموجودة على جهاز الكمبيوتر أو حذفها أو تدميرها أو الغائها نهائيا، وقد يكون الدافع الرغبة في قهر النظام الالكتروني بغرض تحقيق شهرة وإثبات التفوق العلمى لديه، وهى تكون بين الشباب، وقد تكون لاستهداف بعض الأشخاص والجهات([7]).
سمات المجرم المعلوماتي: يتميز المجرم الالكتروني بعدد من السمات والخصائص التي تجعله مختلفا عن المجرم التقليدى والتي منها :
مجرم ذكي:
يعتبر الذكاء من أهم صفات المجرم المعلوماتي لأنه يتطلب منه الإلمام التام بتقنية بتكنولوجيا المعلومات والقدرة على تعديل وتغيير برامج الحاسب الآلي.
مجرم محترف:
يتصف مرتكب الجريمة الالكترونية بأنه على درجة عالية من الخبرة والمهارة في استخدام الحاسب الآلي، والتكنولوجيا الحديثة.
مجرم غير عنيف:
ينتمي الإجرام الالكتروني في غالبه الأعم إلى إجرام الحيل، وهذا النوع من الإجرام لا يستلزم مقدارا من العنف للقيام به.
مجرم متكيف اجتماعيا: فلا يضع المجرم الالكتروني نفسه في حالة عداء مع المجتمع الذي يحيط به، بل إن ذكاءه يدفعه للتكيف مع المجتمع، و كلما ازداد تكيفه مع المجتمع كلما زادت خطورته الإجرامية.
الميل إلى ارتكاب الجرائم : يتميز مرتكبو الجرائم الالكترونية بفرط في النزعة الإجرامية والميل إلى ارتكاب الجرائم.
الميل إلى التقليد:
أغلب الجرائم الالكترونية تتم من خلال محاولة الفرد تقليد غيره بالمهارات الفنية التى لديه مما يؤدي لارتكابه للجريمة
تصنيف الجرائم الالكترونية: تتعدد صور الجريمة الالكترونية ” الجريمة المعلوماتية” إلا أنها تتفق جميعها في الوسيلة المستخدمة لارتكابها وهي الأجهزة التقنية الحديثة من حاسبات آلية وخلافها، وكلها تتم عبر شبكة الإنترنت، وقد عددت اتفاقية بودابست المتعلقة بالإجرام الكوني” الإجرام المعلوماتى” والموقعة من الإتحاد الأوربي في 23/11/ 2001، وصور الجرائم الالكترونية التي عددتها الاتفاقية هي الصور الممثلة للإجرام المعلوماتي الحادث الآن و تتمثل في الآتي:
أولاً: الجرائم ضد سرية وسلامة وإتاحة البيانات والنظم المعلوماتية: و قد عددت الاتفاقية صور هذه الجرائم في الآتي:
الولوج غير القانونى : وهو يعني الدخول غير المشروع لنظام معلوماتي مملوك للغير ” القرصنة” والتي قد تكون بهدف إتلاف أو تدمير النظام المعلوماتي للغير أو الحصول علي معلومات وبيانات سرية مملوكة للغير أو التدخل بتغيير البيانات المخزنة في النظام المعلوماتي المملوك للغير وهو ما يطلق عليه الغش أو التزوير المعلوماتي.
الاعتراض غير القانونى: وهى جريمة انتهاك الحق في الخصوصية والتى تحدث عندما يتم اعتراض المراسلات الالكترونية والاتصالات الالكترونية الخاصة بالغير. وهذه الجريمة تتعلق بكافة أشكال النقل الالكتروني للبيانات سواء عن طريق التليفون أو الفاكس أو البريد الالكتروني أو غير ذلك من الوسائل التقنية الحديثة.
الاعتداء علي سلامة البيانات: و تتمثل في الاعتداء عمدا على البيانات والبرامج الخاصة بجهاز الحاسب الآلي المملوك للغير بهدف تعطيل الجهاز أو محو و طمس بيانات الحاسب الآلي.
الاعتداء على سلامة النظام: وهي تتمثل في الأفعال التي تحمل اعتداء على حسن تشغيل نظام الحاسب الآلي بشكل جسيم مما يؤدي لتوقف النظام عن العمل مثل الإعتداء من خلال استخدام الفيروسات.
إساءة استخدام أجهزة الحاسب: أي كل فعل مجرم قانونا يتم من خلال استخدام الحاسب الآلي.
ثانيا: الجرائم المعلوماتية المتصلة بالحاسب وتتمثل في الآتي:
الاحتيال المعلوماتي أو التزوير و الغش المعلوماتيين : ويقصد به الخداع أو الغش المعلوماتي الذي يقوم علي التلاعب في نظم المعالجة الآلية للمعلومات بهدف الحصول دون وجه حق علي خدمات أو أموال أو أصول معينة، ويقوم الجاني في هذه الجريمة باستخدام التقنيات الحديثة بغية التلاعب في البيانات المصرفية ونتائج الميزانيات والمستحقات المالية، فيتم تحويل تلك الأموال في ثوانٍ معدودة من حساب إلى آخر، وتتمثل خطورة هذا الفعل الإجرامي في كونه يتم عبر الحدود الإقليمية لأكثر من دولة وفي ثوان معدودة، وهو ما يجعله بالغ الأثر السلبي على الاقتصاد القومى ؛ إذ من الممكن أن يؤدي ارتكاب مثل هذه الجريمة إلى إفلاس شركات أو بنوك كبرى في الدولة
الجرائم المتصلة بمحتوى الحاسب الآلي: وهي تتعلق بجرائم إنتاج ونشر المواد الإباحية الخاصة بالأطفال وبيع الأطفال والإتجار فيهم والترويج لدعارة الأطفال.
الجرائم المتصلة بالاعتداءات الواقعة علي الملكية الفكرية والحقوق المجاورة: وهي تعد من الجرائم الالكترونية الأكثر شيوعا وانتشارا وتستهدف الأعمال الأدبية والتصويرية والموسيقية والسمعية البصرية، وذلك نظرا للسهولة التى يمكن من خلالها عمل نسخ غير مصرح بها عن طريق التكنولوجية الرقمية، مما يضر بالحقوق المالية للمالكين والمنتجين.
أما الاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات فلم تقم بعمل تصنيف مشابه للاتفاقية السابقة بل قامت بسرد للجرائم الالكترونية علي سبيل المثال مثل جرائم استخدام وسائل المعلومات، وجرائم الاحتيال والإباحية، وجرائم الاستغلال الجنسي، وحرمة الاعتداء علي الحياة الخاصة، وما يتعلق بالإرهاب والجريمة المنظمة([11]).
وهناك من الفقه من صنف الجرائم الالكترونية تحت نوعين من الجرائم على حسب الأداة المستخدمة في ارتكابها([12]):
النوع الأول:web crime computer : وهو يتعلق بجرائم الشبكة العالمية التي تستخدم الحاسب وشبكاته كوسيلة مساعدة لارتكاب جريمة مثل استخدامه في النصب والاحتيال وغسل الأموال وتشويه السمعة والسب والقذف، وفي هذا النوع من الجرائم يكون الحاسب الآلي محتفظا بأدلة رقمية تساعد في كشف الفاعل.
النوع الثانى: crime computer : وهو يتعلق بالجرائم التي يكون الحاسب فيها محلا للفعل الإجرامي ذاته كالأفعال الإجرامية الواقعة على مكونات الحاسب المادية، أو المكونات المعنوية soft ware أو قاعدة البيانات ، date bases أو المعلومات التي قد تكون علي الحاسب من خلال الحصول غير المشروع عليها ونشرها” انتهاك الملكية الفكرية” ، أو من خلال تسجيل مواد اباحية عليه.
وهناك جانب أخر من الفقه قسم الجرائم الالكترونية إلى جرائم تقليدية: ترتكب عن طريق استخدام الحاسب الآلي وهي جرائم السرقة والنصب وخيانة الأمانة والاتلاف والتصنت إلى غير ذلك من الجرائم، وجرائم مستحدثة مثل جرائم التجسس والقرصنة، وبعضهم قسم الجرائم الالكترونية حسب المصلحة المحمية بالقانون إلى الجرائم الالكترونية التي تمثل الاعتداء على الأشخاص، والجرائم الالكترونية التي تمثل اعتداء على الأموال، والجرائم الالكترونية التي تمثل اعتداء على البيانات، والجرائم الالكترونية التي تمثل اعتداء على الآداب العامة وحقوق الملكية الفكرية، والجرائم الالكترونية ذات الصلة بالإجرام المنظم والجرائم السياسية([13]).
ومما سبق تقديمه من تقسيمات يتضح أنه لكي يدخل الفعل في إطار الجرائم الالكترونية يجب أن يقوم جهاز الحاسب الآلي في الجريمة بدور على قدر من الأهمية، ويقصد بجهاز الحاسب الآلي في هذا المقام المكونات المنطقية للحاسب الآلي من معلومات وبرامج وكذلك جميع المكونات الأخرى التي تساعد في عملية المعالجة الآلية للمعلومات، ويكمن هذا الدور في كون النظام قد ساعد وسهل في ارتكاب الفعل على نحو كبير، ويختلف دور الحاسب الآلي في الجريمة الالكترونية من جريمة لأخرى([14]).
المبحث الثانى
الشرعية الجنائية للجريمة الالكترونية
لا شك في أن التجريم والعقاب يعد من أخطر الأمور التشريعية التي تتصل بحرية المواطنين وذلك بسبب خطورة الآثار التى تترتب عليه، ولذلك فإن النصوص التشريعية التي تصدر به، يتعين أن تصدر دائما وفقاً لمبدأ الشرعية الجنائية([15])، الذي نحاول فيما يأتي إلقاء الضوء عليه.
دستورية الشرعية الجنائية للجريمة الالكترونية: تعد الدولة القاسم المشترك بين القانون الدستوري والقانون الجنائي، فالدستور ينظم نشاط الدولة من الناحية السياسية، والقانون الجنائي ينظم نشاطها من الناحية الجنائية من خلال تنظيم علاقة الفرد بالدولة، وعلاقة الأفراد بعضهم مع بعض، ومن مظاهر الصلة ما تتضمنه الدساتير من نصوص ذات صبغة جنائية بدافع الرغبة في فرض حماية الدستور وإسباغه بطابع القدسية عليها لتعلقها بحقوق الأفراد وحرياتهم، فالعلاقة وثيقة بين القانون الدستوري والقانون الجنائي ؛ ذلك أن مبادىء الدستور تسهم في تحديد مضمون القانون الجنائي ذاته بحيث يتوقف تحديد الجرائم على تطوير المباديء الدستورية أكثر من اعتماده على تطوير القيم والمصالح الاجتماعية، وفي ضوء ذلك يؤدي القانون الجنائي وظيفته في الدولة في إطار الشرعية الدستورية على النحو الذي يحدده الدستور([16])، وقد قام القانون الجنائي على عدد من المبادىء الدستورية، والتي يعد أهمها هو “مبدأ الشرعية الجنائية”([17])، الذي يمثل حجر الزاوية للنظام الجنائي بأسره، فمنه تتفرع وحوله تدور كافة المبادئ التي تحكم القواعد الجنائية موضوعية كانت أو اجرائية([18])، ويقصد به بصفة عامة” أن التشريع هو المصدر الأساسي للتجريم والعقاب، وأن السلطة التشريعية هي وحدها المختصة بتحديد الجرائم والعقوبات دون السلطتين القضائية والتنفيذية، وأن القاضي مهمته تطبيق النصوص التي وضعها المشرع”([19]).
ويرجع تاريخ هذا المبدأ في القانون الوضعي إلى تاريخ الفصل بين سلطات الدولة ؛ إذ قبل ذلك كان للملك وحده سلطة تجريم الأفعال بمطلق إرادته([20])، ثم انتقل الأمر في القرون الوسطى للقضاة فكان القضاة يملكون سلطة تحكمية في تجريم الأفعال والعقاب عليها دون نص في القانون، حتى نص على ذلك المبدأ بداية من صدور ميثاق هنري الأول في انجلترا، ثم دستور كلاريندون ، وأكد عليه العهد الأعظم ، وجاءت الثورة الفرنسية لتؤكد عليه في المادة الثانية من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر عام 1789، ثم جاء الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الصادر عام 1948 ليؤكد عليه ، وتضمنته الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان الصادرة عام 1950 ، وكذلك العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام1966
. ومن هنا يعد هذا المبدأ من المبادىء الدستورية ذات الطابع العالمي ، ويرجع الفضل في ظهوره للنور إلى الفقيه الإيطالي ” شيزاري دي بكاريا” صاحب الكتاب الشهير” الجرائم والعقوبات” الذي أصدره في سنة 1764، وقد جاء فيه أن” القوانين وحدها هي التى تحدد العقوبات التى تقابل الجرائم…”،”….ولا يستطيع القاضي أن يوقع سواها”([21]).
المحكمة الدستورية العليا في مصر ومبدأ الشرعية الجنائية للجريمة الالكترونية: كان للمحكمة الدستورية العليا في مصر دور كبير في إرساء دعائم مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات باعتبارها أحد تطبيقات فكرة الأمن القانوني، فعملت علي استجلاء حقيقته وفحواه ودلالته وماهيته ومداه والضوابط التي تقيده، ووضعت الضوابط الصحيحة لتفويض السلطة التنفيذية في بعض جوانب التجريم والعقاب، واستخلصت فكرة عدم جواز توقيع عقوبة إلا بناء على حكم قضائي، ومفهوم الجريمة من الناحية القانونية، ووضعت الضوابط التي بموجبها تباشر رقابتها على دستورية النص الجنائي([22]).
أكدت المحكمة الدستورية العليا علي أهمية مبدأ الشرعية الجنائية فقضت بأن” استقرار مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات في مفاهيم الدول المتحضرة، دعا إلى توكيده ، ومن ثم وجد صداه في عديد المواثيق الدولية من بينها الفقرة 11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والفقرة الأولي من المادة 15 من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية، والمادة 7 من الاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان كما تردد في العديد من الدساتير، ” فغدا أصلا ثابتا وضمانة ضد التحكم، فلا يؤثم القاضي أفعالاً ينتقيها ولا يقرر عقوباتها وفق اختياره، إشباعا لنزوة أو انفلاتا عن الحق والعدل . وصار التأثيم بالتالي – وبعد زوال السلطة المنفردة ، عائدا إلى المشرع؛ إذ يقرر للجرائم التي يحدثها عقوباتها التي يجرمها، ويفسر هذا المبدأ بأن القيم الجوهرية التي يصدر القانون الجنائي لحمايتها، لا يمكن بلورتها إلا من خلال السلطة التشريعية التي انتخبها المواطنون لتمثيلهم، وأن تعبيرها عن إرادتهم يقتضي أن تكون بيد سلطة التقرير في شأن تحديد الأفعال التي لا يجوز تأثيمها وعقوبتها لضمان مشروعيتها. ومن ثم كان المبدأ لازما لتمكين المواطنين من الاتصال بتلك القيم التي يقوم عليها بنيان مجتمعهم، بما يوحد بينهم ويكفل تماسكهم اجتماعيا فلا يزدرونها”([23]).
أكدت على ارتباط مبدأ الشرعية الجنائية والسياسية الجنائية للدولة في حكمها ؛لأن” السياسة الجنائية الرشيدة يتعين أن تقوم علي عناصر متجانسة، فإن قامت علي عناصر متنافرة نجم عن ذلك افتقاد الصلة بين النصوص ومراميها، بحيث لا تكون مؤدية إلى تحقيق الغاية المقصودة منها لانعدام الرابطة المنطقية بينهما، إيمانا بأن الأصل في النصوص التشريعية – في الدولة القانونية- هو ارتباطها عقلا بأهدافها ،باعتبار أن أي تنظيم تشريعي ليس مقصودا لذاته، وإنما هو مجرد وسيلة لتحقيق تلك الأهداف. ومن ثم يتعين دائما استظهار ما إذا كان النص المطعون عليه يلتزم إطار منطقيا للدائرة التي يعمل فيها، كافلا تناغم الأغراض التي يستهدفها أو متناقضا مع مقاصده أو مجاوزا لها مناهضا – بالتالي لمبدأ خضوع الدولة للقانون”([24]).
أكدت على ارتباط مبدأ الشرعية الجنائية والعدالة الجنائية للدولة في حكمها لأن” العدالة الجنائية في جوهر ملامحها، هي التي يتعين ضمانها من خلال قواعد محددة تحديدا دقيقاً، ومنصفا، يتقرر على صونها ما إذا كان المتهم مدانا أو بريئا، ويفترض ذلك توازنا بين مصلحة الجماعة في استقرار أمنها، ومصلحة المتهم هي ألا تفرض عليه عقوبة ليس لها من صلة بفعل أتاه، أو تفتقر هذه الصلة إلى دليل يؤكدها، ولا يجوز النزول عنها أو التفريط فيها”([25]).
أكدت على ضمانات تطبيق مبدأ الشرعية الجنائية فقضت بأن” النطاق الحقيقي لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، إنما يتحدد علي ضوء ضمانتين تكفلان الأغراض التي توخاها: أولهما: أن تصاغ النصوص العقابية بطريقة واضحة محددة لا خفاء فيها أو غموض، فلا تكون هذه النصوص شباكاً أو شراكاً يلقيها المشرع متصيدا باتساعها أو بخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها، وهي بعد ضمان غايتها أن يكون المخاطبون بالنصوص العقابية على بينة من حقيقتها، فلا يكون سلوكهم مجافٍ لها بل متسقا معها .
وثانيهما: ومفترضها أن المرحلة الزمنية التى تقع بين دخول القانون الجنائي حيز التنفيذ وإلغاء هذا القانون، إنما تمثل تلك الفترة التى كان يحيا خلالها، فلا يطبق على أفعال أتاها جناتها قبل نفاذه، بل يتعين أن يكون هذا القانون سابقا عليها فلا يكون رجعيا”([26]).
أكدت على حدود تفسير القاضي للنص الجنائي بقضائها بأن” لا يجوز إعمال نصوص عقابية يسيء تطبيقها إلى مركز قائم لمتهم، ولا تفسيرها بما يخرجها عن معناها أو مقاصدها، ولا مد نطاق التجريم – وبطريق القياس- إلى أفعال لم يؤثمها القاضي من بينها ما يكون أكثر ضمانا للحرية الشخصية في إطار علاقة منطقية يقيمها بين هذه النصوص وإرادة المشرع، سواء في ذلك تلك التي أعلنتها، أو التي يمكن افتراضها عقلاً”([27]).
مبررات ونتائج مبدأ الشرعية الجنائية للجريمة الالكترونية :هناك عدة مبررات ونتائج طرحها الفقه للترويج لمبدأ الشرعية الجنائية ويمكن حصرها في الآتي:
أولاً: مبررات مبدأ الشرعية الجنائية للجريمة الالكترونية:
تحقيق مبدأ العدالة : فاحترام الذات الإنسانية يتطلب حصر الأفعال غير المشروعة الكترونيا في صورة جرائم الكترونية، وأن تتحدد تحديدا دقيقا العقوبات التى عن طريقها يواجه الشارع هذه الجرائم وأن يتم إعلام المجتمع جميعا بهذه الجرائم والعقوبات.
تحقيق مبدأ الفصل بين السلطات: فهناك سلطة ممثلة من الشعب تتولى وضع نصوص التجريم والعقاب بالنسبة للجرائم الالكترونية، وهناك سلطة قضائية تتولى تطبيق هذه النصوص ثم هناك سلطة تنفيذية تتولى تنفيذ ما يصدر عن السلطة القضائية من أحكام في هذا الشأن.
تحقيق مبدأ الردع العقابي.ذلك عن طريق إعلام المخاطبين بالقانون بنصوص التجريم والعقاب المقررة للجرائم الالكترونية ومضمونها والعقوبات المقررة لها ،
مما يؤدي إلي إحجامهم عن إرتكاب الجريمة مخافة الحكم عليهم بهذه العقوبة، كما يؤدي باقتناع مرتكب الجريمة الالكترونية بالعقوبة المطبقة عليه.
تحقيق مبدأ المساواة في العقاب: فالنصوص الخاصة بالتجريم والعقاب للجرائم الالكترونية تصاغ بشكل عام ومجرد بحيث تطبق على الكافة، بل وعلى جميع الوقائع دون تمييز، وهذا سيؤدى إلى تحقيق المساواة بين الأفراد أمام القانون فلا يختلف تطبيق القانون على حسب الوضع الاجتماعي أو صفة الجاني([28]).
ثانياً: نتائج مبدأ الشرعية الجنائية للجريمة الالكترونية:
بالنسبة للمشرع: تختص السلطة التشريعية وحدها بمهمة التشريع الجنائي للجرائم الالكترونية، وتلتزم عند وضعها للنصوص الجنائية ألا تتعسف في استعمال حقها في التجريم، بحيث لا يجرم المشرع إلا الأفعال الالكترونية التي تمثل اعتداء على المصالح الأساسية للأمة، وإن كان من الصعب تحديد المصالح الأساسية للأمة التي يقوم عليها بنيان المجتمع ، إلا أنه يكفي في هذا السياق ألا يقوم المشرع الجنائي بحماية مصالح لا تشكل قيمة لدى المجتمع أو لدى أغلب أفراده([29])، والنص على عدم سريان نصوص تجريم الجرائم الالكترونية على الوقائع الحادثة قبل صدور نصوص التجريم، بل يقتصر سريانها على المستقبل وهو ما يمكن أن يعبر عنه بمبدأ عدم رجعية النصوص الجنائية للجريمة الالكترونية ، كما يجب على المشرع الجنائي التزام الوضوح التام في النصوص الجنائية([30])، فلا يجوز أن يلجأ عند إقراره لنصوص التجريم الالكترونى إلى أسلوب ” النماذج المفتوحة” باستخدام عبارات غامضة أو حمالة أوجه([31]).
أوجه([31]).
بالنسبة للقاضي: يلتزم بتطبيق النص الجنائي المتعلق بالجريمة الالكترونية دون تعديل بالإضافة أو بالحذف سواء بالنسبة لشق التجريم أو العقاب، فيتعين عليه في البداية أن يحدد ما إذا كانت الواقعة تندرج تحت أحد النماذج الإجرامية التى قررها المشرع أم لا ، فإذا لم يثبت ذلك وجب الحكم ببراءة المتهم، أماإذا كانت الواقعة مجرمة وجب عليه أن يضع لها التكييف القانوني السليم.
بالنسبة للسلطة التنفيذية : تلتزم الجهات القائمة على التنفيذ العقابي بتنفيذ الحكم بذات الأوضاع التي نص عليها القانون، وبالتالي فإن الإدارة لا تستطيع أن تنفذ عقوبة لم يقض بها حكم قضائي أو أن تحل نفسها محل القضاء في تطبيق العقوبة، أو أن تظل تنفذ العقوبة على خلاف مقتضى الحكم القضائي([32]).
الشرعية الجنائية للجريمة الالكترونية في مصر:
علي الرغم من أن المادة 31 من الدستور المصري الصادر عام 2014 جاءت نصا دستوريا صريحا يشير إلى وجوب الحفاظ على المعلومات والبيانات الالكترونية ؛ إذ جرى نصها علي أن” أمن الفضاء المعلوماتي جزء أساسي من منظومة الاقتصاد والأمن القومي، وتلتزم الدولة بإتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ عليه، على النحو الذي ينظمه القانون”؛ إلا أنه حتى الآن لا يوجد بمصر تشريع عقابي متكامل خاص بالجرائم الالكترونية، كل ما هناك أنه توجد بعض النصوص القانونية المتناثرة في قوانين مختلفة تتحدث عن بعض العقوبات المرتبطة ببعض الجرائم الالكترونية منها قانون الاحوال المدنية المصري رقم 143 لسنة 1994 والذي نظم في عدد من مواده تجريم تعديل بيانات الأحوال الشخصية للمواطنين المسجلة على الحاسب الآلي أو الوسائط الالكترونية الموجودة بمصلحة الأحوال المدنية التابعة لوزارة الداخلية بالتزوير أو الاتلاف أو الاطلاع عليها دون وجه حق ، وذلك في عدد من المواد منها المادة 72 من القانون والتى جاءت تنص على أن” فى تطبيق أحكام هذا القانون وقانون العقوبات تعتبر البيانات المسجلة بالحاسبات الآلية وملحقاتها بمراكز معلومات الأحوال المدنية ومحطات الإصدار الخاصة بها المستخدمة في إصدار الوثائق وبطاقات تحقيق الشخصية بيانات واردة في محررات رسمية .فإذا وقع تزوير في المحررات السابقة أو في غيرها من المحررات الرسمية ، تكون العقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن لمدة لا تقل عن خمس سنوات”، والمادة 74 من القانون والتي جاء في نصها” مع عدم الإخلال بأية عقوبة شديدة منصوص عليها في قانون العقوبات أو في غيره من القوانين،كأن يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ستة أشهر وبغرامة لا تزيد عن خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من اطلع أو شرع في الاطلاع أو حصل أو شرع في الحصول على البيانات أو المعلومات التي تحتويها السجلات أو الحاسبات الآلية أو وسائط التخزين الملحقة بها أو قام بتغييرها بالإضافة أو بالحذف أو بالإلغاء أو بالتدمير أو بالمساس بها بأي صورة من الصور أو أذاعها أو أفشاها في غير الأحوال التي نص عليها القانون ووفقا للإجراءات المنصوص عليها فيه ، فإذا وقعت الجريمة على البيانات أو المعلومات أو الإحصاءات المجمعة تكون العقوبة السجن”، و المادة 75 من القانون التي تنص على أنه” يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ستة أشهر وغرامة لا تقل عن مائتي جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من عطل أو أتلف الشبكة الناقلة لمعلومات الأحوال المدنية، أو جزءا منها وكان ذلك ناشئا عن إهماله أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته للقوانين واللوائح والأنظمة .فإذا وقع الفعل عمدا تكون العقوبة السجن مع عدم الإخلال بحق التعويض فى الحالتين”، اما المادة 76 من القانون فتصرح بأنه ” يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة كل من اخترق أو حاول اختراق سرية البيانات أو المعلومات أو الإحصاءات المجمعة بأية صورة من الصور وتكون العقوبة الأشغال الشاقة المؤيدة إذا وقعت الجريمة فى زمن الحرب”.
وقد قرر قانون حماية الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002 في بعض مواده حماية السرقات الأدبية عبر شبكة الإنترنت فجاء نص المادة 140 منه للحديث عن نوعية من جرائم الإنترنت فنص على أنه” تتمتع بحماية هذا القانون حقوق المؤلفين على مصنفاتهم الأدبية والفنية، وبوجه خاص المصنفات الآتية:الكتب والكتيبات والمقالات والنشرات من الحاسب الآلي أو من غيره. من برامج الحاسب الآلي وقواعد البيانات سواء أكانت مقروءة من الحاسب الآلي أو من غيره من المحاضرات، والخطب، والمواعظ، وأية مصنفات شفوية أخرى إذا كانت مسجلة……”، وجاء نص المادة 181 من القانون ناصا على العقوبة وجرى على أن” مع عدم الإخلال في أية عقوبة أشد في أي قانون آخر، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر وبغرامة لا تقل عن خمسة آلف جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، وكل من أرتكب أحد الأفعال الآتية:……………….
رابعاً: نشر مصنف أو تسجيل صوتي أو برنامج إذاعي أو أداء محمي طبقاً لأحكام هذا القانون عبر أجهزة الحاسب الآلي أو شبكات الإنترنت أو شبكات المعلومات أو شبكات الاتصال أو غيرها من الوسائل دون إذن كتابي مسبق من المؤلف أو صاحب لحق المجاور. ………………سادساً: الإزالة أو التعطيل أو التعييب بسوء نية بأية حماية تقنية يستخدمها المؤلف أو صاحب الحق المجاور كالتشفير أو غيره………..وفي حالة العود تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر والغرامة التي لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تجاوز خمسين آلف جنيه. وفي جميع الأحوال تقضي لمحكمة بمصادرة النسخ محل الجريمة أو المتحصلة منها وكذلك المعدات والأدوات المستخدمة في ارتكابها. ويجوز للمحكمة عند الحكم بالإدانة أن تقضي بغلق المنشأة التي استغلها المحكوم عليه في ارتكاب الجريمة مدة لا تزيد عن ستة أشهر، ويكون الغلق وجوبيا في حالة العود في الجرائم المنصوص عليها في البندين ثانياً وثالثاً من هذه لمادة. وتقضي المنشأة بنشر ملخص الحكم بالإدانة في جريدة يومية أو أكثر على نفقة المحكوم عليه”.
كما نظم قانون تنظيم الاتصالات 10 لسنة 2003 بعض جرائم الإنترنت فنص في المادة 73 منه على أن” يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين ، كل من قام أثناء تأدية وظيفته في مجال الاتصالات أو بسببها بأحد الأفعال الآتية:
1-إذاعة أو نشر أو تسجيل لمضمون رسالة اتصالات أو لجزء منها دون أن يكون له سند قانونى فى ذلك. 2- إخفاء أو تغيير أو إعاقة أو تحوير أية رسالة اتصالات أو لجزء منها تكون قد وصلت إليه.3- الامتناع عمداً عن إرسال رسالة اتصالات بعد تكليفه بإرسالها.4-إفشاء أية معلومات خاصة بمستخدمي شبكات الاتصال أو عما يجرونه أو ما يتلقونه من اتصالات وذلك دون وجه حق” ، كما نص المادة 75 منه علي أن” يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تجاوز مائه ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين ، كل من قام بإفشاء أو نشر أو إذاعة أية معلومات حصل عليها بحكم وظيفته أو بسببها عن منشأة عاملة فى مجال الاتصالات متى كان من شأن ذلك أن يؤدى إلى قيام منافسة غير مشروعة بين المنشآت العاملة فى هذا المجال”.
وقد جاء قانون التوقيع الالكتروني15 لسنة 2004 لينظم بعض صور الجرائم الالكترونية فنص في المادة 23 منه على أنه ” مع عدم الإخلال بأية عقوبة اشد منصوص عليها في قانون العقوبات أو في أي قانون آخر ، يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من : (أ) أصدر شهادة تصديق الكتروني دون الحصول على ترخيص بمزاولة النشاط من الهيئة. (ب) أتلف أو عيّب توقيعا أو وسيطا أو محررا الكترونيا ، أو زوّر شيئا من ذلك بطريق الاصطناع أو التعديل أو التحوير أو بأي طريق آخر . ( ج) استعمل توقيعا أو وسيطا أو محررا الكترونيا معيبا أو مزورا مع علمه بذلك. (د) خالف أيّا من أحكام المادتين (19) ، (21) من هذا القانون ([33]). ( هـ) توصّل بأية وسيلة إلى الحصول بغير حق على توقيع أو وسيط أو محرر الكتروني او اخترق هذا الوسيط أو اعترضه أو عطله عن أداء وظيفته ،وتكون العقوبة على مخالفة المادة(13) من هذا القانون ، الغرامة التي لا تقل عن خمسة ألاف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه([34]). وفي حالة العود تزاد بمقدار المثل المقررة ، العقوبة المقررة لهذه الجرائم في حديها الأدنى والأقصى . وفي جميع الأحوال يحكم نشر حكم الإدانة في جريدتين يوميتين واسعتي الانتشار ، وعلى شبكات المعلومات الالكترونية المفتوحة على نفقة المحكوم عليه”.
كما تناول قانون الطفل المعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008 في المادة 116 مكرر أ منه الاستغلال الجنسي للأطفال عبر شبكة الإنترنت والذي جاء نصها” يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه، ولا تجاوز خمسين ألف جنيه كل من استورد أو صدر أو أنتج أو أعد أو عرض أو طبع أو روج أو حاز أو بث أي أعمال إباحية يشارك فيها أطفال أو تتعلق بالاستغلال الجنسي للطفل، ويحكم بمصادرة الأدوات والآلات المستخدمة في ارتكاب الجريمة والأموال المتحصلة منها، وغلق الأماكن محل ارتكابها مدة لا تقل عن ستة أشهر، وذلك كله مع عدم الإخلال بحقوق الغير حسن النية.
ومع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد ينص عليها في قانون آخر، يعاقب بذات العقوبة كل من:
استخدم الحاسب الآلي أو الإنترنت أو شبكات المعلومات أو الرسوم المتحركة لإعداد أو لحفظ أو لمعالجة أو لعرض أو لطابعة أو لنشر أو لترويج أنشطة أو أعمال إباحية تتعلق بتحريض الأطفال أو استغلالهم في الدعارة والأعمال الإباحية أو التشهير بهم أو بيعهم.
استخدام الحاسب الآلي أو الإنترنت أو شبكات المعلومات أو الرسوم المتحركة لتحريض
الأطفال على الإنحراف أو لتسخيرهم في ارتكاب جريمة أو على القيام بأنشطة أو أعمال غير مشروعة أو منافية للأداب، ولو لم تقع الجريمة فعلاً.
ويتضح من العرض السابق أنه لا يوجد في مصر حتى الأن قانون خاص بالجرائم الالكترونية فيما عدا ما سبق توضيحه.
وبعض النصوص الواردة في قانون العقوبات خاصة بالجرائم التقليدية يمكن تطويعها بعيدا عن التفسير الضيق لتشمل بعض جرائم الحاسب الآلي، إلا أن هذه النصوص لا زالت رة عن إيجاد التأمين الكافي للمجتمع ضد الأشكال المختلفة للجريمة الالكترونية([35])، وأمام هذه المشكلة التى تواجه مصر الآن نجد أن الدول المشابهة لها في الوضع القانوني سلكت إحدى ثلاث طرق لمواجهة الجريمة الالكترونية الطريق الأول: وضع نصوص تشريعية لمواجهة.
قلبت الجريمة الإلكترونية العديد من المفاهيم القانونية السائدة سواء ، مما يتعين القول معه بأن الإجرام المعلوماتي قد أحدث ثورة في فلسفة التجريم و العقاب و الإجراءات الجنائية
و إذا كان البحث في مسألة قدرة القواعد الإجرائية التقليدية في ضبط الجريمة الإلكترونية أمرا صعبا فإن الصعوبة تنطلق من إعطاء مفهوم للجريمة الإلكترونية ذاتها ، لذلك يذهب معظم المهتمين إلى القول بأن الجريمة الإلكترونية باعتبارها مظهرا جديدا من مظاهر السلوك الإجرامي لا يمكن تصورها إلا من خلال ثلاث مظاهر ، إما أن تتجسد في شكل جريمة تقليدية يتم اقترافها بوسائل إلكترونية أو معلوماتية ، أو في شكل استهداف للوسائل المعلوماتية ذاتها و على رأسها قاعدة المعطيات و البيانات أو البرامج المعلوماتية ، أو أن يتم اقتراف الجرائم العادية في بيئة إلكترونية كما هو الأمر بالنسبة لجرائم الصحافة .
فلقد أثارت هذه الجريمة بعض التحديات القانونية و العملية أمام الأجهزة المعنية بالبحث عن الجرائم و ضبطها و خصوصا فيما يخص مباشرة إجراءات البحث و التحري التقليدية في بيئة افتراضية لا مكان فيها للأدلة المادية ، مما أظهر مدى الحاجة إلى تطوير آليات البحث بما يتلاءم و خصوصيات هذه الجرائم ، و جعل مسألة ملاءمة الإجراءات الجنائية في البحث و التحري مع خصوصية الجريمة الإلكترونية تستأثر بإهتمام المشرعين في مختلف الدول.
كما أن الجريمة الإلكترونية خلقت عالما جديدا لا يعترف بالحدود الجغرافية و السياسية للدول و لا بسيادتها ، حيث فقدت الحدود الجغرافية كل آثر لها في بيئة إلكترونية متشعبة العلاقات ، الأمر الذي خلق صعوبات و إشكالات قانونية لا تقتصر على ضبط هذه الجرائم و إثباتها فحسب ، و إنما أثارت أيضا تحديات أكثر تعقيدا مرتبطة بتحديد جهة الإختصاص و بالتبعية القانون الواجب التطبيق على هذا الصنف من الجرائم
على ضوء ما تقدم فإن إشكالية هذا الموضوع تناقش إحدى أهم الإشكالات التي تثيرها الجريمة الإلكترونية على المستوى الإجرائي و المتمثلة في قدرة القواعد الإجرائية التقليدية في ضبط الجريمة الإلكترونية ، ولذلك سيتم الإنطلاق من الإشكال المركزي التالي:
إلى إي حد يمكن القول بأن القواعد الإجرائية التقليدية كافية لضبط الجريمة الإلكترونية و قادرة على استيعاب مختلف إجراءات البحث المنجزة بشأنها ؟
ويتفرع عن هذا الإشكال المركزي ، السؤالين الفرعيين التاليين:
هل يمكن فعلا الإكتفاء بالقواعد الإجرائية العادية من أجل البحث عن الجريمة الالكترونية أم أن الأمر يتطلب إفراد قواعد إجرائية خاصة ؟
و ما هي أهم الإشكالات التي يطرحها موضوع الإختصاص في الجريمة الإلكترونية ؟
كما سيتم الإنطلاق من فرضية مفادها أن القواعد الإجرائية العادية لم تعد كافية و قادرة على ضبط الجريمة الإلكترونية و أن البحث فيها يتطلب وضع قواعد إجرائية خاصة تتماشى و تنسجم مع خصوصية و طبيعة هذا النوع من الجرائم.
و للوقوف عند مدى صحة هذه ا
ساحة النقاش