( مافيا تجارة الآثار ) الاتجار بها اوالتنقيب والاستخراج والاستدلال عن الاثار وتعريفاتها فى الشريعة والقانون و ما حكم الشرع في تجارة الاثار؟ وعقوباتها وكيفية مواجهة مافيا الاثار قانونا
كتب: أيمن محمد عبداللطيف :
اولا ما حكم الشرع في تجارة الاثار؟قبل البدء بتعريفه ؟!!
الآثار لغة: جمع أثر: وهو بقية الشيء [انظر: لسان العرب 4/ 5، مادة (أثر)، ط. دار صادر- بيروت]. وأما اصطلاحًا: فقد نَصّ القانون المصري في المادة رقم (1) من قانون حماية الآثار رقم (117) لسنة 1983م على أنه يعتبر أَثَرًا كلُّ عقار أو منقول أنتجته الحضارات المختلفة، أو أحدثته الفنون والعلوم والآداب والأديان من عصر ما قبل التاريخ وخلال العصور التاريخية المتعاقبة، حتى ما قبل مائة عام، متى كانت له قيمة أو أهمية أثرية أو تاريخية، باعتباره مظهرًا من مظاهر الحضارات المختلفة التي قامت على أرض مصر أو كانت لها صلة تاريخية بها، وكذلك رفات السلالات البشرية والكائنات المعاصرة لها.
والآثار التي يعثر عليها آحاد الناس في مصر أقسام:
الأول: ما يكون متعلِّقًا بحضارات سابقة على الفتح الإسلامي لمصر؛ كالفراعنة والرومان.
الثاني: ما يكون متعلِّقًا بثقافات وطوائف غير إسلامية عاصرت عهد الفتح الإسلامي وما بعده؛ كالآثار القبطية.
الثالث: ما كان من الآثار الإسلامية. أما الأول والثاني فيطلق عليه اسم "الركاز"، وأما الثالث: فيسمى "كنزًا".
والرِّكاز لغة: بمعنى المركوز، كالكتاب بمعنى المكتوب، وهو من الركز أي: الإثبات، يقال: ركز شيئًا في شيء ركزًا: إذا أقره وأثبته. ورَكَزَ الله المَعادِنَ في الجبال: أَثْبَتَها. وشيء مركوز في العقول؛ أي: ثابت فيها. ومَركوزٌ في الأَرض: أَي ثابتٌ ومَدفُون. [انظر: المعجم الوسيط 1/766، ط. مجمع اللغة العربية، وتاج العروس 15 / 160، ط. دار الهداية]
وقد ذهب الفقهاء الحنفية إلى أن الركاز اسم يطلق على ما كان ذا قيمة مدفونًا في باطن الأرض سواء أكان بفعل المخلوق أم بفعل الخالق سبحانه وتعالى، فهو عندهم أعم من الكنز ومن المَعدِن.
قال الإمام الزيلعي في "تبيين الحقائق" [1/ 287- 288، ط. دار الكتاب الإسلامي]: "وهو -أي: الركاز- اسم لما يكون تحت الأرض خلقة أو بدفن العباد، والمعدن: اسم لما يكون فيها خلقة، والكنز: اسم لمدفون العباد" اهـ.
وقال العلامة الكمال بن الهمام في "فتح القدير" [2/ 235، ط. دار الفكر]: "أصل المعدن: المكان بقيد الاستقرار فيه, ثم اشتهر في نفس الأجزاء المستقرة التي ركبها الله تعالى في الأرض يوم خلق الأرض، حتى صار الانتقال من اللفظ إليه ابتداء بلا قرينة, والكنز للمثبت فيها من الأموال بفعل الإنسان, والركاز يعمهما؛ لأنه من الركز مرادًا به المركوز، أعم من كون راكزه الخالق أو المخلوق" اهـ.
فإذا كان الركاز عليه علامات تدل على أنه يرجع إلى الجاهلية، أو كان خاليًا عن العلامات أو كانت العلامات مشكوكًا فيها، فلم تدل بغالب الظن على أنه لأحد من المسلمين أو الذميين، فذلك الركاز إن وجد في أرض مملوكة فإنه يخرج منه الخمس زكاة، ويكون باقيه للمالك الذي خصه ولي الأمر بتملك تلك الأرض عند أول فتحها بالإسلام، ومن بعده تكون لورثته، وإن لم يكن له وارث فإن الركاز حينئذ يعود أمره إلى ولي الأمر فيكون ملكًا لبيت المال، وكذلك أيضًا يعود إلى بيت المال على الأوجه في المذهب إن كان له وارث غير معروف.
قال الحصكفي في "الدر المختار" [2/ 322- 323 -مع حاشية ابن عابدين- ط. دار الكتب العلمية]: "(وما عليه سمة الكفر خُمِّس وباقيه للمالك أول الفتح) ولوارثه لو حيًّا، وإلا فلبيت المال على الأوجه، وهذا (إن ملكت أرضه، وإلا فللواجد...وإن خلا عنها) أي: العلامة (أو اشتبه الضرب فهو جاهلي على) ظاهر (المذهب) ذكره الزيلعي؛ لأنه الغالب" اهـ.
قال ابن عابدين معلقًا عليه: "(قوله: سمة الكفر)؛ كنقش صنم أو اسم ملك من ملوكهم المعروفين، بحر. (قوله: خمس) أي سواء كان في أرضه أو أرض غيره أو أرض مباحة، كفاية. قال قاضي خان: وهذا بلا خلاف; لأن الكنز ليس من أجزاء الدار، فأمكن إيجاب الخمس فيه، بخلاف المعدن. (قوله: أول الفتح) ظرف للمالك أي المختط له، وهو مَن خَصَّه الإمام بتمليك الأرض حين فتح البلد. (قوله: على الأوجه) قال في النهر: فإن لم يعرفوا أي الورثة، قال السرخسي: هو لأقصى مالك للأرض أو لورثته.وقال أبو اليسر: يوضع في بيت المال.
قال في الفتح: وهذا أوجه للمتأمل اهـ؛ وذلك لما في البحر من أن الكنز مودع في الأرض، فلمّا ملكها الأول ملك ما فيها، ولا يخرج ما فيها عن ملكه ببيعها كالسمكة في جوفها درة. (قوله: وهذا إن ملكت أرضه) الإشارة إلى قوله: وباقيه للمالك, وهذا قولهما، وظاهر الهداية وغيرها ترجيحه، لكن في السراج: وقال أبو يوسف: والباقي للواجد كما في أرض غير مملوكة وعليه الفتوى. اهـ... (قوله: وإلا فللواجد) أي وإن لم تكن مملوكة كالجبال والمفازة فهو كالمعدن يجب خمسه، وباقيه للواجد مطلقًا، بحر" اهـ.
وأما الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة فإن الركاز عندهم هو عبارة عن دفين الجاهلية خصوصًا على تفصيل عندهم في ذلك.
فيرى المالكية أن الركاز عبارة عن دفن جاهلي: أي مال مدفون كان يمتلكه شخص جاهلي، وفسروا مرادهم بالجاهلي أنه غير المسلم والذمي، فيشمل من كان قبل الإسلام ومن كان بعده، قال الشيخ عليش في "منح الجليل شرح مختصر خليل" [2/ 81، ط. دار الفكر]: "وأراد المصنف به -يعني الجاهلي- من ليس مسلمًا ولا ذميًّا؛ بدليل قوله الآتي: (ودفن مسلم أو ذمي لقطة)، فلو قال: (وهو دفن كافر غير ذمي) لكان أوضح وأشمل؛ لشموله دفن كل كافر غير ذمي كان قبل الإسلام أو بعده له كتاب أو لا. ومال الكافر غير الذمي الذي وجد على وجه الأرض فيه الخمس أيضًا, ولكن لا يسمى ركائزها .
وقالوا بأن من حفر قبور الجاهلية في أرض مملوكة فعثر فيها على مال، فإنه يعتبر ركازًا يجب إخراج الخمس منه، وما تبقى منه يكون لمالك الأرض التي وجد فيها هذا المال بشرط أن يكون قد امتلكها بإحياء أو بإرث ممن أحياها، لا بشراء ولا بهبة، فإن كانت الأرض فتحت عنوة كان باقي الركاز للجيش، وإلا فلورثة الجيش، وإلا فلبيت المال وعموم المسلمين، وأما إن كانت فتحت صلحًا فجميع ركاز الأرض يكون للمصالحين بلا تخميس ثم لورثتهم، فإن انقرضوا كان الركاز كالمال الذي لم يعرف صاحبه.
ويرى الشافعية أن الركاز عبارة عن دفين الجاهلية وأموالها من النقدين الذهب والفضة، وفسروا الجاهلية بأنها ما كان قبل مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويعتبر في كون الدفين الجاهلي ركازًا أن لا يُعلم أن مالكه بلغته الدعوة, فإن علم أنها بلغته وعاند ووجد في بنائه أو بلده التي أنشأها كنز فليس بركاز بل فيء. [انظر: مغني المحتاج 2/ 103، ط. دار الكتب العلمية، أسنى المطالب 1/ 386، ط. دار الكتاب الإسلامي].
ويرى الحنابلة أن الركاز هو الكنز من دِفن الجاهلية، أو مَنْ تَقَدَّم مِنْ كفار في الجملة، عليه أو على بعضه علامة كفر [انظر: مطالب أولي النهى 1/ 426، ط. عالم الكتب]، ولا يشترط فيه أن يكون من النقدين، بل يكون من أي نوع من المال قل أو كثر. [انظر: الإنصاف 3/ 123، ط. دار إحياء التراث العربي].
والمفتى به أن انتقال ملكية الأرض من المالك الأول عند الفتح إلى المالك الحالي لا يستتبع انتقال ملكية الركاز المدفون في الأرض ما لم يكن المالك الحالي أحد ورثة المالك الأول، وإذا عُدِم انتقال ملكية الركاز للمالك الحالي مع التأكد من تعذر الوصول إلى المالك الأول وورثته فمِن ثَمَّ يكون ذلك الركاز مملوكًا لعموم المسلمين أو لبيت المال ويصير لقطة يجب ردها إليه.
بل لا تثبت الملكية حتى في حالة ثبوت أنه من ورثة المالك الأول -وهو مستبعد من حيث الواقع-؛ وذلك بناء على ما يلي:
1- أن الآثار مظنة التنازع لدوامها واستمرار الانتفاع بها؛ من جهة ما تقدمه من فائدة تاريخية، وقيمة حضارية، وما تدره من دخل مالي نتيجة إقبال المهتمين والدارسين من شتى أنحاء العالم لمشاهدة تلك الآثار التاريخية ودراستها، فتنزل منزلة المعادن، في أن حكمها راجع إلى ولي الأمر ولو كانت قد وجدت في أرض مملوكة لمعين؛ لأنها مظنة التنازع لدوامها واستمرار الانتفاع به، وهذا هو ما قرره الفقهاء المالكية [انظر: منح الجليل 2/ 78 ، ط. دار الفكر].
2- أن الآثار تعتبر من الأموال التي يتضرر مجموع الأمة لو اقتصر تملكها على بعضهم وتصرف فيها بما لا يحقق المصلحة العامة، فمثلها في ذلك كالماء العِدّ -وهو الماء الدائم الذي لا انقطاع له؛ كماء العيون- والمعادن وما لا يستغنى عنه، لما لها من قيم تاريخية وحضارية وعلمية واقتصادية تصب جميعها في مصلحة المجتمع ونمائه وتقدمه.
وقد روى أبو داود وغيره عن أبْيَضَ بن حَمَّالٍ رضي الله عنه أنه وفَدَ إلى رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم، فاستقطَعَه المِلحَ الذي بمأرِبَ، فقطعه له، فلما أن وَلَّى قال رجلٌ من المجلِس: أتدري ما قطعتَ له؟ إنما قطعتَ له الماء العِدَّ، قال: فانتُزِع منه.
3- ما تقرر من أن حكم الحاكم يرفع الخلاف في مسائل الاجتهاد المختلف فيها [انظر:الفروق للقرافي 2/ 103، ط. عالم الكتب. والمنثور في القواعد الفقهية للزركشي 2/ 69، ط. وزارة الأوقاف الكويتية]. وقد اعتبر القانون المصري الآثار التي يعثر عليها في أرض مصر من الأموال العامة التي لا يجوز للفرد تملكها أو حيازتها أو التصرف فيها بغير تصريح من الدولة، سواء عثر عليها في أرض تملكها الدولة أو يملكها الأفراد.
جاء في المادة (6) من القانون المذكور: "على أن جميع الآثار تعتبر من الأموال العامة -عدا ما كان وقفًا- ولا يجوز تملكها أو حيازتها أو التصرف فيها إلا في الأحوال وبالشروط المنصوص عليها في هذا القانون والقرارات المنفذة له".
وجاء في المادة (24) منه أنه: "على كل من يعثر مصادفة على أثر منقول، أو يعثر على جزء أو أجزاء من أثر ثابت فيما يتواجد به من مكان، أن يخطر بذلك أقرب سلطة إدارية خلال ثمان وأربعين ساعة من العثور عليه، وأن يحافظ عليه حتى تتسلمه السلطة المختصة، وإلا اعْتُبِرَ حائزًا لأثر بدون ترخيص، وعلى السلطة المذكورة إخطار الهيئة بذلك فورًا، ويصبح الأثر ملكًا للدولة، وللهيئة إذا قدرت أهمية الأثر أن تمنح من عثر عليه وأبلغ عنه مكافأة تحددها اللجنة الدائمة المختصة".
وقد قررت المادة (32) أنه لا يجوز لغير هيئة الآثار المصرية مباشرة أعمال البحث أو التنقيب عن الآثار إلا تحت الإشراف المباشر للهيئة عن طريق من تندبه لهذا الغرض من الخبراء والفنيين وفقًا لشروط الترخيص الصادر منها.
هذا ونصت المادة (45) من قانون حماية الآثار الجديد على أن من جاوز متعمدًا شروط الترخيص له بالحفر الأثري أو اقتنى أثرًا وتصرف فيه على خلاف ما يقضى به القانون يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسين ألف جنيه.
أما إذا أجرى أعمال الحفر بقصد الحصول على الآثار دون ترخيص أو اشترك في ذلك؛ فقد نصت المادة (44) من هذا القانون بأنه يعاقب بالسجن المشدد وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تزيد على مائة ألف جنيه.
ومما سبق يتبين أن جميع الآثار من الناحية القانونية تعد من الأموال العامة، وعلى اصطلاح الفقهاء: تعتبر ملكًا لبيت مال المسلمين، ولولي الأمر دون غيره حق التصرف فيها بما يعود بالنفع العام على أفراد المجتمع؛ لأن تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة كما هو مقرر في قواعد الفقه الإسلامي. [انظر: المنثور في القواعد للزركشي 1/ 309، ط. وزارة الأوقاف الكويتية. والأشباه والنظائر للسيوطي ص121، ط. دار الكتب العلمية]
ومن المقرر شرعًا أنه لا سائبة في الإسلام وأنه ليس هناك مال يبقى بلا صاحب، فالمال الذي لم يُعرف له صاحب أو وارث يكون محله بيت المال؛ لينفق على مصالح الأمة وتلبية حاجات المجتمع، فقد روى أبو داود وابن ماجه واللفظ له، عن المقدام أبي كريمة -رجل من أهل الشام من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من ترك مالا فلورثته، ومن ترك كَلًّا فإلينا» وربما قال: «فإلى الله وإلى رسوله»، «وأنا وارث من لا وارث له، أعقل عنه وأرثه».
قال العظيم آبادي في "عون المعبود" [8/ 76 ، ط.دار الكتب العلمية]: "(وأرثه) أي من لا وارث له. قال القاضي رحمه الله: يريد به صرف ماله إلى بيت مال المسلمين فإنه لله ولرسوله" اهـ.
وقال السندي في حاشيته على سنن ابن ماجه [3/ 270، ط. دار المعرفة- بيروت]: "قوله: «أنا وارث من لا وارث له»؛ أي: أجعل ماله في بيت المال" اهـ.
وقال السهارنفوري في "بذل المجهود" [13/ 173، ط. دار الكتب العلمية]: "«وأرثه» إذا لم يكن له وارث من الأقارب، ووراثته صلى الله عليه وسلم إياهم باعتبار بيت المال، فإن الإنسان إذا مات ولم يدع وارثًا من أهل القرابة لا من أهل الفروض والعصبات ولا من السبب ولا من ذوي الأرحام فماله لبيت المال" اهـ.
وفي رواية أخرى لأبي داود عن المقدام الكندي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، فمن ترك دَينًا أو ضيعة فإليّ، ومن ترك مالا فلورثته، وأنا مولى من لا مولى له أرث ماله وأفك عانه»، ورواه أحمد في مسنده.
قال السهارنفوري في "بذل المجهود" [13/ 174]: "«وأنا مولى من لا مولى له»؛ أي: وارث من لا وارث له «أرث ماله» بإدخاله في بيت مال المسلمين «وأفك عانه»؛ أي: أحل أسره؛ أي: أدِي عنه ما يتعلق بذمته أو يلزمه لسبب الجنايات" اهـ.
وفي بيان ما للآثار من أهمية وما تمثله من منافع عامة، يقول فضيلة الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر الأسبق في فتواه حول إقامة المتاحف وعرض التماثيل، الصادرة بتاريخ جمادى الآخرة 1400هـ/ 11 مايو 1980م: "الآثار وسيلة لدراسة التاريخ وإذ كان ذلك وكانت الأمم الموغلة في القدم؛ كالمصريين القدماء، والفرس، والرومان، وغير أولئك وهؤلاء ممن ملؤوا جنبات الأرض صناعة وعمرانًا، قد لجؤوا إلى تسجيل تاريخهم اجتماعيًّا وسياسيًّا وحربيًّا نقوشًا ورسومًا ونحتًا على الحجارة، وكانت دراسة تاريخ أولئك السابقين والتعرف على ما وصلوا إليه من علوم وفنون أمرًا يدفع الإنسانية إلى المزيد من التقدم العلمي والحضاري النافع، وكان القرآن الكريم في كثير من آياته قد لفت نظر الناس إلى السير في الأرض ودراسة آثار الأمم السابقة والاعتبار والانتفاع بتلك الآثار، وكانت الدراسة الجادة لهذا التاريخ لا تكتمل إلا بالاحتفاظ بآثارهم وجمعها واستقرائها؛ إذ منها تعرف لغتهم وعاداتهم ومعارفهم في الطب والحرب والزراعة والتجارة والصناعة، وما قصة حجر رشيد الذى كان العثور عليه وفك رموزه وطلاسمه فاتحة التعرف علميًّا على التاريخ القديم لمصر، وما قصة هذا الحجر وقيمته التاريخية والعلمية بخافية على أحد.
والقرآن الكريم حث على دراسة تاريخ الأمم وتبين الآيات في هذا الموضع، إذ كان كل ذلك كان حتمًا الحفاظ على الآثار والاحتفاظ بها سجلا وتاريخًا دراسيًّا؛ لأن دراسة التاريخ والاعتبار بالسابقين وحوادثهم؛ للأخذ منها بما يوافق قواعد الإسلام والابتعاد عما ينهى عنه من مأمورات الإسلام الصريحة الواردة في القرآن الكريم في آيات كثيره
منها قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}..[الحج: 46]، وقوله تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}..[العنكبوت: 20]، وقوله سبحانه: ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}..[الروم: 9]، وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا}..[فاطر: 44].
إقامة المتاحف ضرورة: لما كان التحفظ على هذه الآثار هو الوسيلة الوحيدة لهذه الدراسة أصبح حفظها وتهيئتها للدارسين أمرا جائز إن لم يكن من الواجبات باعتبار أن هذه الوسيلة للفحص والدرس ضرورة من الضرورات، وقاعدة الضرورة مقررة في القرآن الكريم في قوله تعالى:{وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه}..[الأنعام: 119]، وغير هذا من الآيات.
ولعل مما نسترشد به في تقرير هذه الضرورة الدراسية والأخذ بها ما نقله أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي في كتابه الجامع لأحكام القرآن عند تفسيره قول الله تعالى في سورة سبأ: ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ﴾ [سبأ: 13]، من استثناء لعب البنات المجسمة من تحريم صنع التماثيل، فقد قال في المسألة الثامنة ما نصه: (وقد استثني من هذا لعب البنات لما ثبت عن عائشة رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهى بنت سبع سنين، وزفت إليه وهى بنت تسع ولعبها معها، ومات عنها وهي بنت ثمان عشر
ماهية الآثار والتراث
لم تنهج التشريعات الأثرية نهجاً موحداً في تحديدها لمفهوم الآثار والتراث ، بل اختلفت تلك
التشريعات في هذا الأمر اختلافاً واضحاً وهذا ما سوف نتناوله في هذا المبحث الذي خصصناه
لبيان ماهية الآثار والتراث وأوجه الشبه والاختلاف بينهما. ولكي نتناول هـذا المفهـوم للآثار والتراث من كافة جوانبه كان لزاماً علينا تفريق وبيان الى ثلاثه تغريفات اساسيه .
مخصص لبيان تعريف الآثار أما المطلب الثاني فمخصص لتوضيح تعريف التراث ، أما المطلب
الثالث فتطرقنا فيه لبيان أوجه الشبه والاختلاف بينهما.
*( تعريف الآثار )*
في البداية سوف نتناول تعريف الآثار لغة واصطلاحا، وذلك للوقوف على المعنى
الحقيقي له.
أولاً : تعريف الآثار : تعرف الآثار في اللغة جمع كلمة أثر وهو ما خلفه السابقون، والأثر
من الأشياء القديمة المأثورة ، والمأثور هو ما ورث الخلف عن السلف.
*(وعرف أيضا بأنه )*
العلامة وتقال أيضاً على لمعان السيف أما على صعيد الفقه فأن مصطلح آثار يطلق على كل مـا
خلفه الإنسان من مواد ملموسة من صنع يده في الماضي منذ ان خلق االله أدم عليه السلام وهذه
الآثار قد تكون ثابتة مثل المساكن والحصون والمعابد والسدود وقد تكون متحركة أو منقولة مثل
( 5 ) لأواني الفخارية والحجرية والزجاجية.
كما يمكن القول أيضاً بصفة عامة إن اصطلاح الأثـر
ينطبق على كل عمل فني ، يمثل قيمة تاريخية ، أيا كانت أهميتها ، وسواء تعلق الأمر بعقار أو ويمكن ان نستنبط تعريفاً للآثار من خلال الإشارات والمفاهيم التي وردت في كتب العلماء ...............
(( المعاجم اللغوية ))
و التي تؤدي إلى مصطلح علم الآثار ، إذ عرفه مجمع اللغة العربية بأنه (( علم ))
وفى تعريف آخر::
بينما عرفه آخرون بأنه معرفة بقايا القوم من أبنية وتماثيل (الوثائق والمخلفات القديمة ومحنطات ونقود وما شاكل ذلك
علماً ان هناك علم متخصص بدراسة الآثار يسمى بـ ( علم الآثار ) ، إذ يختص بدراسه بتراث الإنسان
ثانياً:
أما تعريف الآثار اصطلاحاً فقد ورد في بعض القوانين ان الآثار أو الأثر هو كل ما
أنشاه الإنسان مما هو ثابت بطبيعته وكل ما أنتجه بيده أو فكره والبقايا التي خلفها ولها علاقة
بالتراث الإنساني ويرجع عهدها إلى أكثر من مئة عام إضـافة إلـى بقايا السلالات البشرية
والحيوانية والنباتية والآثار العقارية والفنون الإبداعية والمقتنيات الشعبية. ومن التعريفات الاصطلاحية للآثار لدى علماء الآثار فهي تعني (المنشأ الذي له قيمه معمارية وتاريخية وعمره أكثر من مائة عام ، ومعنى ذلك إنه بمرور الزمن تدخل المباني ضمن
. (وعرفه البعض) الآخر بأنه (ليس قطعة حجر أو تحفة فنية أو
(دائرة الآثار أو المباني الأثرية)
نقشاً ملوناً لكنه راوٍ للتاريخ باعتباره مظهراً من مظاهر الحضارات المختلفة التي قامت على.وهناك أيضا معنى آخر وهو (كل ما تركه على أرض الوطن أو كانت لها صلة تاريخية به)
الإنسان القديم من أدوات خلفها أو كهوف أو قصور عاش فيها أو معابد نشأ عليها ، أو حلي أو قلائد تزين أو نذور تقرب بها أو كتابات أو أسلحة استخدمها أو رسوم أو فنون خلدها
ومن بين التعريفات الاصطلاحية للآثار ما قدمه مشرعنا العراقي فقد عرف الأثر وذلك من
خلال المادة (٤ /سابعاً) من قانون الآثار والتراث الحالي رقم ٥٥ لسنة ٢٠٠٢ بأنه (( الآثار هي الأموال المنقولة وغير المنقولة التي بناها أو صنعها أو نحتها أو كتبهـا أو رسمها أو صورها
الإنسان ولا يقل عمرها عن (٢٠٠ (مائتي عام وكذلك التي شيدها أو صنعها الإنسان ولذلك
المنجزات أي بقايا السلالات البشرية والحيوانية))
علماً ان هناك علم متخصص بدراسة الآثار يسمى بـ ( علم الآثار ) ، إذ يختص بدراسة
إن بين الآثار والحضارة ترابط وثيق ، فالآثار هي عنوان الحضارة سلبا أو إيجابا ويستمد
منها الإنسان مقومات الحاضر والمستقبل ، فالآثار في أي عصر من العصور تعكس مدى التقدم الحضاري بشقيه المادي والمعنوي.
وان تاريخ القانون الجنائي يمثل المرآة التي يعكْس عليها التاريخ الحضارة عموما ، كما ان
تطوره وتغيره يتأثر بالأسباب ذاتها التي تطور ، وتغير حالة المجتمع ، ليس فقط القانون الجنائي
الداخلي بل أيضا القانون الجنائي الدولي ، وخير مثل على ذلك ( حماية الآثار والتراث) ، إذ يعكس مدى التغير والتطور الذي لحق المجتمع الدولي والمجتمع الداخلي فى ميدان الاهتمام بالآثار والتراث.
ان موضوع السياسة الجنائية يركز على محور التحريم والعقاب الذي من خلاله يهدف إلى تجريم الاتجار بالآثار
وانطلاقاً من مفهوم السياسة التشريعية الجنائية التي ترتبط باحتياجات المجتمع كان من المنطقي
ان تتجه السياسية التشريعية إلى حماية الآثار والتراث عن طريق تحريم الاعتداء عليهما أوتشويهما.
تمتد فلسفة التجريم والعقاب في الفكر الجنائي المعاصر لتشمل حماية القيم المادية والأدبية
والحفاظ على مقومات تطوره وموروثه الحضاري ، وممتلكاته الثقافية، فأصبح القانون الجنائي
يعني بالكثير من الأحكام المتعلقة بالآثار والتراث ، وهو ما كان صدى واستجابة لتطور علم
الآثار والتراث.
وعلى الرغم من الدراسات والأبحاث التي عنيت بموضوع الآثار والتراث والتي كانت
كثيرة ومتشعبة في جوانبها العلمية والفنية إلا ان الجانب القانوني لهذا الموضوع لم يلق اهتماماً
كافياً ، واتسم بالسطحية وعدم الوضوح.
ولقد خطى المشرع الجنائي خطوات ذات أهمية بالغة بحماية الآثار والتراث ، وانشأ هيئة الآثار ووزارة السياحة والآثار لها شخصية اعتبارية تختص بتنفيذ قوانين حماية الآثار والتراث ،
تعني بالبحث والتنقيب عنها، وإصدار التراخيص بذلك وتحديد المواقع الأثرية وتطويرها.
*(إذا كنت محاميا او قاضيا )*
تعد الآثار والتراث من أهم العناصر الأساسية للحضارة الإنـسانية والثقافـة الوطنية وإن
انجاز أي حضارة تعرف من خلال الآثار الدالة عليها والتي تعبر عن تأريخها وتحكي قصصهاوأفعالها.
وتمثل الآثار والتراث الرصيد الدائم من التجارب والخبرات والمواقف التي تعطي الإنسان
والمجتمع القدرة على ان يواجه الحاضر، ويتصور المستقبل بوصفها من أهم مكونات الذاكرة
البشرية الممتدة إلى أعمق جذور مكوناتها.
ولذلك فأن تهريب الآثار أو سرقتها أو التدمير أو الإتلاف لها أو للتراث يعني انقطاع جزء
من تاريخنا ، ومحو شيء من ذاكرتنا لن نعوضه ابداً ، فقيمة الآثار والتراث لا تقف عند متعة مشاهدة المكان فحسب ولكنها تعني استعادة التاريخ ، فإذا سقط المكان أو توارى سقطت معه
رموز التاريخ وضاعت ذاكرة الأمة ، وتراثها.
ومن هنا تكمن أهمية موضوع حماية الآثار والتراث ، ومن خلال هذا المعنى تبرز أهمية
دارسة هذا الموضوع ومن الأوجه الآتية:
( 1 ) .ان موضوع هذه الدارسة جاء لتحديد معالم الحماية الجنائية للآثار والتراث، سواء على
مستوى القانون الداخلي أو على مستوى القانون الدولي وله أهمية نظرية وعملية تتمثـل بمـا
يأتي:
أ. بيان بعض مظاهر الصلة بين القانون الجنائي الدولي، والقانون الجنائي الداخلي ،
لاسيما وان موضوع الآثار والتراث يمثل قطاعاً مشتركاً بين القانونين.
ب. الوقوف على مدى وجود اتحاد أو توافق في رد الفعل بين التشريع الدولي والداخلي
عندما يكون الدافع المؤثر واحداً أو متشابها.
ج. زيادة الوعي والإدراك لمفهوم هذه الجرائم التي لازالت غريبة وغير مفهومه لدى
الكثير من عامة الناس، فالجانب الجنائي في مجال دراسات الآثار هو الجانب المفقود
مما أدى إلى وجود فراغ بين قانون حماية الآثار والتراث والمواطنين ، فالمواطن المصرى يعيش مع الآثار بعيداً عن التجريم ، فيقوم بالنبش غير المشروع ويتصرف
بها بيعاً وشراء وحيازة و........ الخ، كما لو كانت ملكاً خاصاً بهـم ينقبون عنهـا
كيفما يشاؤون وما يتلو هذا النبش من جرائم أخرى.
أما من الناحية العملية فأن أهمية هذا البحث تكمن في الآتي:
( أ ) في الظروف الأمنية القلقة التي يشهدها بلدنا العزيز إذ وجد المتربصون فرصه كبيرة
لتنفيذ مخططاتهم بهدف تفريغ البلد من محتواه الحضاري عن طريـق سرقة ممتلكاته
الثقافية وتدمير تراثه الحضاري العميق ، كما عمدت جهات خارجية إلى شراء ذمم ذوي
النفوس الضعيفة والضمائر الملوثة وإغرائهم بالمال مقابل قيامهم بنبش المقـابر وحفـر
الأراضي والتلال والمواقع التاريخية القديمة بحثاً عن نفائس القطع الأثرية ، كالتماثيل
والفخاريات وما شابه ذلك بغية استخراجها وتهريبها إلى الخارج وبيعها بآلاف الدولارات
، لذلك فان بحث الحماية هنا للآثار والتراث من السرقة والتدمير يحتل أهمية بارزة كون
هذه الجرائم التي ترتكب ضدها قد اتسع نطاقها خصوصاً في الآونة الأخيرة في ظل
غياب سلطة القانون.
( ب ).ان الوقوف على مفهوم الآثار والتراث وحقيقته يساعد في الوصول للتفسير الأقرب
لصحة النصوص التي وضعت لحمايتها ، مما يساعد على تطبيق هذه النصوص على وجهها الصحيح.
( ج ). بيان مدى كفاية أو قصور الحماية الجنائية للآثار والتراث فان كانت كافية فبها وان كانت الأخرى فان هذه الدراسة تجتهد في كشف أوجه هذا القصور وفي تحديد معالجته.
٢ .تعالج هذه الدراسة موضوعاً لا يزال بكراً لم يشبعه الباحثون بعد دراسة وتمحيصاً لوجود
جوانب كثيرة منه لازالت غامضة ومجهولة ، تحتاج إلى من يسبر أغوارها ويرتاد مجاهلها ،
حيث لوحظ ندرة الدراسات والبحوث في هذا الموضوع، وقد يكون لحداثة قوانين حماية
الآثار والتراث سببا في ذلك أيضا.
أملين ان يكون هذا البحث مساهمة في فتح الباب وإنارة الطريق أمام دراسات قادمة،
ومساهمة في تجميع النصوص الجزائية المتعلقة بحماية الآثار والتراث – سواء على المستوى الوطنى او الدولى
*(محامياً ، قاضياً ، أو تعمل في الحقل القانوني، نتعهد بنقل معلوماتكم القانونية إلى مستويات قياسية)*
التحريات لا تصلح وحدها لأن تكون قرينة معينة أو دليلاً أساسيًا على ثبوت التهمة. اقتصار الحكم في التدليل على توافر قصد الاتجار في الآثار بحق الطاعن على تحريات الشرطة وحدها. قصور. علة ذلك؟
وجوب تعرض الحكم لمدة قيام الارتباط بين جريمتي تزييف الآثار والاتجار فيها. ما دام الفعل المادي المكون للأولى هو أحد عناصر الفعل المادي المكون للثانية. إغفاله ذلك وإيقاعه عقوبة مستقلة لكل منهما. يوجب نقضه. علة ذلك؟
*(وقررت محكمة النقض)*
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم الاتجار في الآثار وتزييف آثار من الآثار القديمة بقصد الاحتيال وعدم حمله بطاقة إثبات شخصيته قد شابه القصور في التسبيب، والفساد في الاستدلال، والخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه لم يبين الواقعة بيانًا كافيًا تتحقق به أركان الجريمتين الأولى والثانية اللتين دانه بهما، وأدلة الثبوت ومؤداها، ولم يدلل على توافر قصد الاتجار في حقه، وأوقع عليه عقوبة مستقلة عن كل واقعة منهما اعتبرها جريمة رغم أنهما وليدا نشاط إجرامي واحد مما يرشح للارتباط بينهما عملاً بنص المادة 32/ 1 من قانون العقوبات كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إنه لما كان من المقرر أن القانون قد أوجب في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بيانًا تتحقق به أركان الجريمة والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها من المتهم وأن تلتزم بإيراد مؤدى الأدلة التي استخلصت منها الإدانة حتى يتضح وجه استدلالها بها وسلامة مأخذها وإلا كان الحكم قاصرًا، والمقصود من عبارة الواقعة الواردة بالمادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية هو أن يثبت قاضي الموضوع في حكمه كل الأفعال والمقاصد التي تتكون منها أركان الجريمة، أما إفراغ الحكم في عبارات عامة معماة أو وضعه في صورة مجملة فلا يحقق الغرض الذي قصده الشارع من استيجاب الأحكام ولا يمكن محكمة النقض من مراقبة تطبيق القانون على الواقعة، كما صار إثباتها بالحكم، كما أنه من اللازم في أصول الاستدلال أن يكون الدليل الذي يعول عليه الحكم مؤديًا إلى ما رتبه من نتائج من غير تعسف في الاستنتاج ولا تنافر في العقل والمنطق، وأن الأحكام الجنائية يجب أن تبنى على الجزم واليقين على الواقع الذي يثبته الدليل المعتبر ولا يؤسس على الظن والاحتمال والاعتبارات المجردة، لما كان ذلك، وكان البين مما أورده الحكم المطعون فيه بيانًا لواقعة الدعوى وأدلة الثبوت فيها أنه خلص إلى إدانة الطاعن في عبارات عامة لا تتضمن بيانًا بأركان الجريمتين الأولى والثانية اللتين دانه بهما وقصر في بيان الأفعال التي قارفها والمنتجة لها، كما لم يستظهر وفق ضوابط تعريف الأثر في المادة الأولى من القانون رقم 117 لسنة 1983 التي اشترطت لوصف الأثر أن يكون من إنتاج الحضارات المختلفة أو أحدثته الفنون والعلوم والآداب والأديان من عصر ما قبل التاريخ وخلال العصور التاريخية المتعاقبة حتى قبل مائة عام حتى كانت له قيمة أو أهمية أثرية أو تاريخية باعتباره مظهرًا من مظاهر الحضارات المختلفة التي قامت على أرض مصر أو كانت لها صلة تاريخية بها وكذلك رفات السلالات البشرية والكائنات المعاصرة لها، أو أن رئيس الوزراء قد اعتبرها أثرًا وفقًا للمادة الثانية من القانون آنف البيان وإنما اكتفى الحكم المطعون فيه في اعتبار بعض المضبوطات من الآثار وبعضها الآخر مقلد وغير أثري لمجرد رأي اللجنة والموظفين العاملين بالمجلس الأعلى للآثار الذين قاموا بالفحص من أنها كذلك ولمجرد نسبتها إلى العصر الإسلامي بغير استظهار قيمتها التاريخية أو التحقق من صدور قرار رئيس الوزراء باعتبارها من الآثار، كما لم يستظهر في مدوناته توافر قصد الاتجار في حقه، وأن يورد الأدلة الدالة على ذلك بيانًا يوضحه ويكشف عن قيامه وذلك من واقع الدعوى وظروفها. لما كان ذلك، وكان الأصل أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على التحريات باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ما دام أنها كانت مطروحة على بساط البحث إلا أنها لا تصلح وحدها لأن تكون قرينة معينة أو دليلاً أساسيًا على ثبوت التهمة، وكان الحكم المطعون فيه قد اقتصر في التدليل على توافر قصد الاتجار في حق الطاعن على تحريات الشرطة دون أن تكون معززة بأدلة أخرى، فإن الحكم يكون قد بني على عقيدة حصلها من رأي محرر محضر التحري من تحريه لا على عقيدة استقلت المحكمة بتحصيلها بنفسها وهو يعيبه بالقصور والفساد في الاستدلال بشأن هاتين الجريمتين اللتين أوقع الحكم بالطاعن عقوبة مستقلة عن كل منهما دون أن يقول كلمته في مدى قيام التعدد بين الجريمتين في مفهوم المادة 32 من قانون العقوبات بالرغم من أن الفعل المادي المكون لجريمة تزييف الآثار بقصد الاحتيال كان أحد عناصر الفعل المادي المكون لجريمة الاتجار فيما مما يرشح لوجود ارتباط بين الجريمتين تكفي فيه عقوبة الجريمة الأشد عنهما بيد أن الحكم لم يعمل أثر الارتباط ولا تعرض له بما ينفي قيامه على سند من القانون، فإن الحكم يكون معيبًا بما يوجب نقضه والإعادة دون حاجة لبحث باقي أوجه الطعن، وكيما تتاح له فرصة محاكمته على ضوء القانون رقم 3 لسنة 2010.
تحقيقا للردع وضمان حماية الأثار ومواجهة كافة أنواع الجرائم وأسوة بما هو متبع في قانون مكافحة المخدرات الصادر بالقانون رقم 182 لسنه 1960 والمعدل بالقانون رقم 122 لسنه 1989، تصدي قانون حماية الاثار المصرية الذي أقره مجلس النواب بالفصل التشريعي الثالث وأصدره الرئيس عبد الفتاح السيسي برقم 91 لسنه 2018، بعقوبة السجن المؤبد لكل من قام ولو في الخارج بتأليف عصابة أو إدارتها أو الاشتراك فيها بقصد سرقة الآثار وتهريبها للخارج، كما أقر القانون مبدأ غاية في الأهمية مفاده أن جرائم الاعتداء علي الاثار أو الإتجار فيها لا تسقط بالتقادم.
وفي هذا الصدد نرصد أبرز العقوبات التي تضمنها القانون لتحقيق الردع العام علي النحو الاتي :
1- عاقب القانون، بالسجن المؤبد وغرامة لا تقل عن مليون جنية ولا تزيد علي 10 ملايين جنية كل من قام بتهريب أثر إلي خارج جمهورية مصر العربية مع علمه بذلك، ويُحكم في هذه الحالة بمصادرة الأثر محل الجريمة والأجهزة والأدوات والالات والسيارات المستخدمة فيها لصالح المجلس الأعلي للأثار.
2- عاقب بالسجن المؤبد وبغرامة لا تقل عن مليون جنية ولا تزيد علي 5 ملايين جنية، كل من سرق أثراً أو جزءاً من أثر سواء كان الأثر من الاثار المسجلة المملوكة للدولة أو المعدة للتسجيل أو المستخرجة من الحفائر الأثرية للوزارة، أو من أعمال البعثات والهيئات والجامعات المصرح لها بالتنقيب وذلك يقصد التهريب.
3-السجن المشدد لكل من قام بالحفر خلسه أو بإخفاء الأثر أو جزء منه بقصد التهريب، ويحكم في جميع الأحوال بمصادرة الأثر والأجهزة والأدوات والالات والسيارات المستخدمة في الجريمة لصالح المجلس الأعلي للأثار.
4. السجن مدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد علي 7 سنوات وبغرامة لا تقل عن 500 ألف جنية ولا تزيد علي مليون جنية لكل من قام بهدم أو أتلف عمداً أثراً منقولاً أو ثابتا أو شوهه أو غير معالمة أو فصل جزءاً منع عمداً، أو أجرى أعمال الحفر بقصد الحصول علي الاثار دون ترخيص، وفي هذه الحالة يتم التحفظ علي موقع الحفر لحين قيام المجلس الأعلي للاثار بإجراء أعمال الحفائر علي تفقة الفاعل، وتصل العقوبة إلي السجن المشدد والغرامة التي لا تقل عن مليون جنية ولا تزيد علي مليوني جنية إذا كان الفاعل من العاملين بالوزارة أو المجلس أو الهيئة المختصة، أو من مسئولي أو موظفي أو عمال بعثات الحفائر أو من المقاولين المتعاقدين مع المجلس أو مع عمالهم.
5. عقوبة السجن المشدد وبغرامة لا تقل عن مليون جنية ولا تزيد علي مليوني جنية كل من سرق أثراً أو جزءاً من أثر مملوك للدولة، وتكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تجاوز 7 سنوات وذات الغرامة لكل من أخفي الاثر أو جزءا منه إذا كان متحصلاً من أي جريمة، ويحكم في كافة الأحوال بمصادرة الاثر والاجهزة والادوات والسيارات المستخدمة فيها لصالح المجلس الأعلي للأثار.
6- عاقب القانون بالسجن مدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد عن 7 سنوات وبغرامة لا تقل عن 100 ألف جنية ولا تزيد علي مليون جنية كل من : نقل بغير إذن كتابي صادر من المجلس الأعلي للأثار أثراً مملوكاً للدولة أو مسجلاً أو تزعه عمداً من مكانه، أو حول المباني أو الأراضي الاثرية أو جزءاً منها إلي مسكن أو حظيرة أو مخزن أو مصنع أو زرعها، أو أعدها للزراعة أو غرس فيها أشجاراً أو اتخذها ( جرنا) أو شق بها مصارف أو مساقي أو أقام بها أي اشغالات أخرى أو اعتدي عليها بأي صورة كانت بدون ترخيص طبقا لاحكام القانون، أو زيف أثراً بقصد الاحتيال.
7- عاقب القانون بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن 10 الاف ولا تزيد علي 500 ألف جنية أو إحداهما لكل من وضع علي الاثر إعلانات أو لوجات للدعاية، أو كتب أو نقش علي الاثر أو وضع دهانات عليه، أو شوه أو أتلف بطريق الخطأ أثراً عقارياً أو منقولاً أو فصل جزءا ًمنه، أو استولي علي أنقاض أو رمال أو مواد أخرى من موقع أثري أو أرض أثرية دون ترخيص من المجلس أو تجاوز شروط الترخيص الممنوح له في المحاجر، أو اضاف إلي الاراض أو الموقع الاثري رمالا أو نفايات أو مواد أخرى، ويحكم بالزام الجاني بتكاليف رد الشيء لاصلة والتعويض الذي تقدرة المحكمة.
ساحة النقاش