خلال عامين في جهود مثابرة تم الاتفاق علي حسم بعض القضايا في تطوير الثانوية العامة, بيد أن قضايا أخري لاتزال عالقة أو غامضة, بخاصة ما يتصل بمكونات امتحان الثانوية العامة, والمواد المؤهلة للقبول في التعليم العالي.
واليوم يصبح ملف الثانوية العامة بين آفاق الهلال والبدر, والمأمول أن نصل أخيرا إلي ليلة التمام والوضوح. ومع ما نشرته( صحيفة الأهرام بتاريخ25 يناير) مما يدور من عصارة فكر الوزارتين فإن الصورة الكاملة لاتزال معقدة ومتحيزة. ويتمثل هذا فيما سجله الأستاذ لبيب السباعي بأسلوبه النافذ في مستطيل كلماته الجريئة في الأهرام بتاريخ(8 فبراير).
وباختصار شديد خصص مجلس الوزراء لإكمال ما يتم تخطيطه علي مختلف مكونات التنفيذ حتي بداية تنفيذه عام2015 ما يزيد علي(2.5) مليار جنيه. وفي هذا الصدد أري أن يخصص الجزء الأكبر من هذه التكلفة بما يصل في تقديري إلي70% لبناء مدارس وفصول جديدة لتقليل كثافاتها, وتوفير البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات ومعامل الكمبيوتر, مع التقليل من الخبراء الأجانب, فخبراء مصر أدري بشعابها.
وسوف نركز فيما يلي علي المكونات والاجراءات الامتحانية للثانوية العامة والقبول في الجامعات. وتتلخص فيما يلي:
(1) لا يوجد خلاف حاد في أهمية التقييم التراكمي خلال السنة الثالثة, واعتبار النجاح فيه قنطرة لمتابعة امتحانات الثانوية العامة, برغم كل ما قد يثار حوله من تحفظات يمكن التغلب عليها مع تدريب المعلمين علي آلياته.
(2) هناك توجه رسمي يري ضرورة اعتبار امتحان الثانوية مقتصرا في موضوعاته ليشمل ما يسمي في التصور الحالي بامتحان مواد الجذع الأساسية الأربع( اللغتان العربية والأجنبية والتربيتان الدينية والمدنية) وتنضم إليها المادة الاختيارية من الموضوعات الأكاديمية والتي يصل عددها إلي(11) مادة, وأري أنه يمكن اقتصارها علي لغة أجنبية ثانية, وعلي قضايا سياسية واقتصادية, وقضايا اجتماعية ونفسية, ومناهج التفكير العلمي والفلسفي, وتطبيقات الدراسات الرياضية والاحصائية, وذلك تقليلا من عدد الكتب والأوراق الامتحانية. كذلك يضاف إلي هذا الجذع المشترك بعض المواد التعليمية المؤهلة لسوق العمل يختار الطالب إحداها خلال سنوات الدراسة.
(3) ولا مناص من التساؤل هنا حول الفكرة السائدة بأنه عند انتهاء هذه المرحلة من المواد الأساسية والاختيارية, سوف يمنح الطالب الناجح بمستوي معين شهادة اتمام المرحلة الثانوية الصالحة مدي الحياة!, ويعني هذا في الأغلب إضافة آلاف من الشباب إلي سوق البطالة اللعين كل عام.
(4) ومن الرأي السائد أيضا أن ينفصل الامتحان في القطاعات المتخصصة الأربعة وهي( العلوم الأساسية والطبية, والهندسة, والحاسبات, إدارة الأعمال والقانون, الآداب والفنون) عن بقية امتحانات المواد الأخري السابقة, لتصبح اختبارات القدرات النوعية هي المؤهل للالتحاق بالتعليم العالي بزعم أنها تكشف عن إمكانات الطالب في متابعته واستفادته من مجال التخصص الذي اختاره خلال دراسته الجامعية. وهي بذلك ليست امتحانا في المضامين المعرفية المهمة لعلوم تلك القطاعات, ومن ثم اختصت بتسمية اختبارات القدرات النوعية الخاصة لكل من القطاعات التخصصية. وسوف تتولي وزارة التعليم العالي القيام بمهمات الإعداد لهذه الاختبارات, وتؤسس لها جهازا وبنكا خاصا للمعلومات يخزن مختلف أسئلة مواد القطاعات الأربعة. ولسنا ندري ما تكلفة هذا التنظيم الاداري وبنك معلوماته الجديد وكنترولاته وإجراءاته المعقدة. ولا شك في أنه سوف يلتهم قدرا كبيرا من الميزانية المخصصة لتطوير المشروع الذي أشرنا اليها.
(5) ونتساءل هنا عن أي نظام تعليمي يعتمد القبول في التعليم العالي بالاقتصار علي اختبارات قدرات دون اعتبار لامتحانات كل المواد الأكاديمية الأخري في امتحانات الثانوية العامة؟!, إن نظامنا المقترح لا نظير له في أمريكا أو انجلترا أو اليابان, أو سنغافورة أو إيطاليا أو كثير من الدول الأخري. ثم من الذي يمنح اختبارات القدرات كل هذه المصداقية في الكشف عن قدرات الطالب؟ والشكوك كثيرة علميا في هذا الصدد لا يتسع المجال لتفصيلها.
(6) ومن الآراء المطروحة أيضا اعتبار مختلف امتحانات الثانوية العامة بما فيها اختبارات القدرات وحدة متكاملة في التقييم الاعتباري الشامل, بحيث يعطي لكل منها تقدير نسبي معين في النتيجة النهائية لتقدير كل طالب. بيد أن هذا التصور شديد التمسك والمبالغة بأهمية الاختبارات النوعية, ويقترح إعطاؤها معدلا عاليا جدا بالنسبة لمكونات الجذع المشترك تقدر ما بين50 و60 في المائة. وأظل أعجب عن مصدر الثقة في القيمة الحتمية لهذه الاختبارات, وقد انقضي عصر اليقين والحتميات في المعرفة العلمية.
(7) كذلك أتساءل من الذي يضمن لنا عدم قيام سوق سوداء أخري متخصصة في التدريب علي أنماط هذه الاختبارات النوعية مما سوف يلقي بأعباء جديدة علي الأسرة المصرية؟!
(8) ووسط هذه الحيرة والإشكاليات أتيح لي أن أطلع علي تقرير لجنة التعليم بمجلس الشعب بتاريخ2009/11/11, إنه يقترح وحدة الامتحانات التحريرية من الجذع المشترك إلي جانب امتحانات التخصصات الأربعة كمواد أكاديمية وليس اختبار قدرات. كذلك يمكن أن تتضمن امتحانات المواد المختلفة أسئلة تتطلب إعمال العقل واختبار مختلف قدرات التفكير في امتحاناتها التحريرية. ومن ثم يؤكد التقرير أهمية الامتحانات في جميع المواد المرتبطة بخطة الدراسة في السنة الثالثة بموادها العامة والاختيارية والتخصصية.
(9) كذلك يؤكد التقرير ـ مقتبسا ـ( الاكتفاء بامتحان واحد للقدرات الفكرية العامة والتفكير العلمي والمنطقي وإدراك العلاقات والأسباب والنتائج, وغيرها من العمليات العقلية والذهنية التي تتطلبها الدراسة الجامعية في أي تخصص من التخصصات. ويتم إجراء هذا الاختبار الموحد مع الامتحان العام لجميع المواد الدراسية). وتضاف نتيجته بنسبة معينة معقولة( ولتكن10% علي الأكثر) إلي نتائج الامتحان العام لجميع المواد الأخري. وبمثل هذا التقويم الشامل بمعارفه الأكاديمية وقدراته الذهنية يتحدد مستوي الطالب الذي يمنح علي أساسه شهادة إتمام المرحلة الثانوية, والذي يؤهله أو لا يؤهله للالتحاق بالتعليم العالي حسب المعايير التي يحددها المجلس الأعلي للجامعات كما هو الوضع حاليا. كذلك لا ينسي التقرير ما يمكن أن يعطي من تميز في التقدير الاعتباري الشامل للطلاب الحاصلين علي بطولات رياضية أو جوائز في منافسات علمية أو اجتماعية أو فنية علي المستوي القطري أو العربي أو العالمي.
ويقيني أن هذا الرأي للجنة التعليم بمجلس الشعب يمثل تطويرا متكاملا وغير مكلف وغير معقد فضلا عن أن تنفيذه ميسور نسبيا.
ساحة النقاش