الأرشيف هو ذاكرة الأمة، إهماله ينذر بضياع التاريخ المصري المدوّن في أوراق المكاتبات والاتفاقيات والمعاهدات..
للأسف فإن كثيرا من مؤسسات الدولة ترفض - حتى هذه اللحظة - منح دار الوثائق القومية الأوراق التي تحتفظ بها بحجة أنها سرية وتدخل في باب »الأمن القومي«، ولهذا يلجأ الباحثون والمتخصصون إلي مصادر أجنبية أحيانا للعثور علي معلومات تخص التاريخ المصري ومنه الحروب التي خاضتها الدولة.
في هذا التحقيق ترصد »أخبار الأدب« جوانب هذه المشكلة، وإمكانية تعاون مؤسسات الدولة مستقبلا - مع الدار من أجل حفظ الأرشيف القومي وإتاحته للراغبين في الاطلاع.
يقول الدكتور عبدا لواحد النبوي رئيس الإدارة المركزية لدار الوثائق:
معظم المؤسسات السيادية، تحتفظ بوثائقها بسبب قصور في القانون الذي ينظم عمل الدار في هذه الفترة، وهناك مشروع قانون تم إعداده عن طريق لجنة علمية متخصصة شارك فيها ممثلون لأطياف المجتمع المصري، وما يزال حتى الآن في مراحله الأخيرة (بدأ التفكير فيه عام 2006)، ومن المنتظر عرضه علي مجلس الشعب في دورته الجديدة، وفيه ما ينص علي إلزام هذه المؤسسات بإيداع وثائقها بالدار.
وأكد د. النبوي أن هناك أوراقاً فقدت من هذه المؤسسات التي تتعامل معها دار الوثائق ، مشيراً إلي أن هناك قضايا أمام المحاكم تتعلق بأوراق ووثائق فقدت منها، ودليل ذلك أن دار الوثائق، تتم استشارتها، فيما يعرض علي المحاكم من وثائق تم بيعها أو ضياعها من الجهات الأمنية.
والتي تسأل: هل لديكم نسخة منها؟ وقد حدث ذلك منذ أربع سنوات عندما باع ورثة أحد الأشخاص.. الذين يتولون مناصب مهمة مكتبته بكل ما فيها من أوراق احتفظوا بها وهي خاصة بالدولة وشئونها، وتعد هذه وثائق مهمة لا يمكن تعويضها.
وبسؤال عن وثائق الحروب والثورات، قال د. النبوي:
لدينا وثائق الثورة العرابية، وثورة 1919م، وثورة 1952م بعض الأوراق وليست كلها، والقليل من وثائق حرب 1948م، وما بعد ذلك من حروب بدءاً من حرب 1956، مرورا بحرب الاستنزاف ، وحرب أكتوبر 1973م غير موجودة. محذرا من أن الرؤى الغربية والإسرائيلية تحاول طمس الحقائق لهذه الحروب أمام الأجيال القادمة، أما الرؤية المصرية وكيف كان تخطيطها وإدارتها لهذه الحروب ونتائجها ، فهي غائبة تماما ولا اخفي عليك سرا أن هناك بعض الكتابات الغربية التي اعتمدت علي وثائق إسرائيلية وغربية، أرخت لحرب 1973م، بانتصار إسرائيل فيها علي مصر، ولولا تدخل الولايات المتحدة لكانت إسرائيل قد قضت علي المصريين، وللأسف الشديد هذه الكتب التاريخية تدرس في مدارس دولة بالمنطقة العربية.
> > >
وعن بداية تاريخ الوثائق بالدار وأحدثها قال د. النبوي ، أنها ترجع إلي العصر العثماني (553هـ) ، حيث أن أقدم حجة عندنا هي للصالح طلائع بن رزيق، وهي خاصة ببيع أرض، وأن أحدث وثائق هي مجموعة الوثائق الخاصة بانتخابات الرئاسة عام 2005م، وان عدد الوثائق بالدار يبلغ 100 مليون وثيقة وهي في الزيادة عن طريق التعاون مع بقية مؤسسات الدولة، وان معدل الزيادة سنويا يقدر بحوالي 500 ألف وثيقة.
وبعد مطالبة رئيس دار الوثائق المؤسسات والهيئات الحكومية بإيداع وثائقها بالدار.. تري هل يمكن لدار الوثائق أن تحافظ علي ما يصل إليها في ظل وضعها الراهن الآن، وهل لديها تخطيط ورؤية مستقبلية نحو التعاون مع الحكومة الالكترونية، ومن سيكون المسئول عن الوثائق الالكترونية المنتجة.؟
يقول د. عصام عيسوي، أستاذ الوثائق والأرشيف بكلية الآداب جامعة القاهرة، :
- الوثائق في مصر تواجه مشاكل لعدة أسباب من بينها، ما يتعلق بقانون دار الوثائق الذي يرجع لعام 1954م، حيث مضي عليه أكثر من 60 عاما، تغير خلالها شكل الوثائق، وتغيرت المؤسسات ومنتجها وطرق إخراجها، ومع ذلك فإن القانون كما هو وان كان قد حدثت بعض التعديلات علي بعض بنوده، هناك مشروع قانون مقدم للمناقشة بمجلس الشعب، حيث أن القانون القديم به ثغرات جعلته غير فعال في الوقت الحاضر.
وأوضح د. عيسوي. أن من ثغرات القانون القديم عدم التزام المسئولين بالوزارات والهيئات بنقل وثائقهم قانونيا إلي دار الوثائق ، حيث أن بعض المؤسسات تحتفظ بوثائقها والتي قد يكون مضي عليها أكثر من 60 عاما.
ويري د. عيسوي وجوب مراعاة الخصوصية عند إتاحة الوثائق في نصوص القانون الجديد لدار الوثائق، موضحا أن الخصوصية ، لا تعني وثائق الأفراد والعائلات فقط، ولكن الخصوصية أيضا في حقوق تحديد درجات السرية والإتاحة ، ومدد الحفظ اللازمة لتلك النوعيات التي تحددها الوزارات والهيئات المعروفة للجميع داخل الوزارات، ودار الوثائق أيضا، وهنا تنتفي أسباب المنع والتخوف من نقل الوثائق للدار وإتاحتها للمستفيدين.
وأكد مراعاة الأولويات التي تحدد درجات السرية داخل هذه الوزارات ، وأولاها اعتبارات الأمن القومي تليه أغراض البحث المختلفة، ثم الأغراض الثقافية الأخرى لأفراد الشعب، مشيرا إلي أن الأرشيفات في العالم كله، خاصة دول العالم المتقدمة »بريطانيا ، فرنسا، الولايات المتحدة« ليس لديها هذا التخوف من نشر معظم الوثائق إلا في حالة تعرض هذه الوثائق للأمن القومي، فوثائقهم معلنة ومنشورة علي مواقعهم علي الشبكة الدولية (الانترنت) لان الأصل في الوثيقة هو الإعلان والاستثناء هو السرية للوثيقة.
أما الشق الثاني - حسب قول د. عصام - فإنه يتعلق بدار الوثائق نفسها ومدي استعدادها والتجهيز اللازم لاستقبال الوثائق بكميات كبيرة من الوزارات والهيئات والتي تم إنتاجها خلال السنوات الماضية.
وأنهي د. عصام عيسوي بالإشارة إلي أنه علي المؤسسات والوزارات المختلفة المالكة أو المنتجة للوثائق، بأن تحدد قواعد ومعايير ودرجات السرية.
وردا علي التساؤل الذي طرحه د. عصام عيسوي حول إمكانات واستعداد دار الوثائق لاستيعاب ما تملكه وتنتجه المؤسسات والوزارات من وثائق، يقول د. محمد صابر عرب رئيس مجلس إدارة دار الكتب والوثائق القومية: إننا بصدد افتتاح مبني جديد لدار الوثائق، مجهز بأحدث التقنيات للحفظ والفرز والعرض والترميم والتخزين، و به مخزن للوثائق المراد تخزينها مساحته 500 م٢.
وبالتالي فإن دار الوثائق جاهزة في أي وقت لمعرفة ما عند المؤسسات من أوراق ومستندات تستوجب الحفظ الدائم، كما أن الدار بمبناها الجديد تستوعب كل وثائق المؤسسات والوزارات ومن هنا نتمنى أن تبادر كل وزارات الدولة المختلفة، بالتعاون معنا، فضلا عن أمنيات أخري بمناقشة قانون الوثائق الجديد في دورة البرلمان القادمة.
وأشار د. عرب إلي أن الدار تقوم الآن بترميم مقتنيات رئاسة الجمهورية، كما تتعاون مع معظم مؤسسات الدولة في هذا الشأن، إضافة إلي مسألة الحفظ بما في مؤسسات وزارة الثقافة، ومتحف جمال عبد الناصر.
وعن مدي تعامل دار الوثائق مع وزارة الثقافة، يقول د. عرب - بصفته احد قيادات وزارة الثقافة:
هناك لجان بقسم المحفوظات من الجانبين (الوزارة والدار) في حالة انعقاد دوري، يتلخص عملها في متابعة ما ينتج من وثائق، والدار حريصة علي حفظ هذه الأوراق بشكل جيد، كما أن هناك أوراقا تسلم لدار الوثائق وأخري يحتفظ بها لمدد زمنية محددة، حيث يتم الرجوع إليها في الإدارة، وأخري يتم التخلص منها لأنها لا تحمل أي قيمة تاريخية.
> > >
وعن مدي تعاون وزارة العدل مع دار الوثائق فيما يخص إيداع الأوراق الخاصة بها باعتبار دار الوثائق هي الأرشيف القومي للدولة ، يقول المستشار أسامة عطاوية مساعد وزير العدل للمتابعة والانجاز:
لدينا من الأوراق والوثائق ما يتعلق بجانبين، الأول، أوراق خاصة بالأحكام التي تصدر في القضايا، وهذه يتم حفظها في دار المحفوظات العمومية التابعة لوزارة المالية، وقد عهدنا حفظها في هذا المكان، أما الأوراق الأخرى الخاصة بإدارات وزارة العدل ومنها المراسلات الصادرة والواردة، فنحن نقوم بحفظها في أرشيف خاص بوزارة العدل، قد تم تحديثه الآن الكترونيا..وعن التعاون مع دار الوثائق قال: إن الدار خاصة بحفظ الوثائق التاريخية فقط.
جدير بالذكر أن وزارة الخارجية إحدى المؤسسات التي لم تودع وثائقها بدار الوثائق من عام 1950 حتى الآن، وتوجهت أخبار الأدب بالسؤال عن إمكانية تعامل الوزارة مع الدار، فطلبت الوزارة إرسال فاكس »بالتساؤل« وجاء الرد علي لسان احد المسئولين الذي رفض ذكر اسمه أن الوزارة لديها أرشيف إلكتروني خاص بها، تحتفظ فيه بكل الوثائق والمعاهدات الخارجية والداخلية. ونفي المصدر وجود أي تعامل أو تعاون بين الخارجية ودار الوثائق، إلا انه أشار إلي إمكانية أن يكون هناك تعاون علي مستوي القطاعات.