بقلم محمد سعيد أبوالنصر
تعانى منظومة التعليم العالي والبحث العلمي في مصر مِن تشوش المفاهيم وتراجع المعايير فأصبحنا نستخدم في تقييم ومنح الدرجات العلمية الرفيعة معايير" لا تُخرج لنا الطالب الكفء والمعلم الكفء ،ولذا "تفاقمَت مشكلة الغشّ لدرجة أنْ أصبح الغشُّ ظاهرةً تستوجب النِّقاش الجادَّ لإيجاد حلول تمكِّن من اجتثاثها مِنْ عقول مَنْ يُفكر فيها ،فالغش أدي إلى تدهور أخلاقي في المجتمع، "وإنَّها لرزيَّةٌ أنْ يصعد الشَّاب درج العلم، ويكتسيَ وشاح الشهادة بالطريق الحرام، فيندمَ عندما يستيْقظ ضميره، ولاتَ ساعةَ مندم".
حجم ظاهرة الغش :
انتشرت ظاهرة الغش على كافة المستويات التعليمية ،ومراحل التعليم المختلفة، "ويختلف حجم هذه الظاهرة مِن بلد لأخرى ومن نظام تعليمي إلى نظام تعليمي آخر ولا نستطيع بالفعل حصر ظاهرة الغش حصرًا حقيقيًا ،وما يعرف يكون مِن خلال المحاضر التي تعمل للغشاشين ،وهذه المحاضر لا تعبر عن حالة الغش الحقيقة لأنَّ بعض المراقبين يتساهل ويتغافل عن الغش ويرضى به بل وأحيانا يساعد فيه ،"وهذا راجع إلى ضعف الإيمان، وقلَّة الإدراك ودناءة المروءة تحت ستار المساعدة والتَّيسير، وهو الغشّ الحقيقي بكلِّ معانيه الَّذي يمثِّل جريمة كبرى في حقّ المجتمع. والذي يثير القلق وربما الرعب أنْ يتفاقم خطر هذه الظاهرة من حيث العدد
فيزيد حجمها ومِن حيث موقف البعض منها فيعتبرها أمرًا طبيعيًا أو مباحًا أو حقًا !كما يبدو للمستهزئين وأيّ خير سيقدِّمه الشَّابّ الذي نال شهادته بالغشّ والمحاباة؟! وهو معول التأخُّر والتخلف.
أسباب الغش في الامتحانات :
ذكر الباحثين جملة من الأسباب التي تدعوا للغش وتساعد عليه ،من أهم هذه الأسباب .
1- عدم الاستعداد الكافي للامتحان.
2- صعوبة أسئلة الامتحان.
3- الرغبة في الحصول على معدلات أو تقديرات مرتفعة.
4- الخوف من الرسوب نتيجة عدم الاستعداد.
5- عدم اهتمام المراقبين أثناء سير الامتحان وضعـف الـرقـابـة وتواطـؤهـا ،وبعض المدرسـيـن لا يحـترم مـوقـعـه كـمدرس ومـربّـي للأجـيـال فـيـستهـتر بالاخـتبار ويطـلق الحبـل عـلى الغارب وينتشر الغش في معظم لجان الامتحان، وتنـقـلب الأمـور ظـهـرًا على عـقــب .ويـرى بعـض المدرسـين أنّ الطـالب إنْ نجـح أو لـم ينـجـح فمـصـيره معـروف فـلا مستقبل ينتظره ولا وظيفة يستلمها ويعمل بها ،وبالتالي يتهاون !
6- عدم هضم المادة الدراسية بما ينبغي أو كرهها أحيانًا.
7- وجود مشكلة بين الطالب والمدرس.
9- الملل من الدراسة.
10- عدم كفاية الوقت اللازم للإجابة.
11- وجود فرص سانحة للغش.
12- خلو موضوعات المقرر من عناصر الجذب والتشويق.
13- عدم الرغبة في الدراسة أصلًا.
14- عدم تقدير المسئولية من قبل الطالب.
15- عدم وجود إشراف دقيق.
16- اسـتشعـار الطـالب أنَّـه قـادر عـلى ممـارسـة ذلـك السـلوك مـن بـاب الشجـاعـة عـلى فعـل مـا لا يسـتطـيعـه غـيــره !! وهو ما يعنى الإدراك الخاطئ لسلوك الغش في الامتحان.
17- التفرقة في معاملة الطلبة من قبل بعض المدرسين.
18- عدم معرفة الطالب العقوبة (الجزاء) في حالة الغش.
19- ضعف شخصية المدرس.
20- عدم ثقة الطالب بنفسه.
21- عدم توافر الإجراءات الأمنية الحازمة والصارمة داخل وخارج اللجان.
22- رغبة بعض إدارات المدارس في الحصول على نسب نجاح عالية لمدارسهم.
23- فـقـر العـائـلة ، فـلا يتمـكـن الطـالب مـن الإتيان بمـدرسـيـن خـصـوصـيـن لتدارك ضعـف مـسـتواه ، فـيلجــأ للغـش كـوسـيلة لاجـتيـاز الاخـتبـار ، وقـد تشجـعـه عائلته عـلى ذلـك.
24- وجود شريحة من المعلِّمين والمعلمات لا يتَّقون الله في الشرح وتبيين الدروس لطلابهم، فيتركون الغامض من الدروس، ويعقِّدون السهل منها؛ وذلك من أجل مُساومة الطلاب على
إعطائهم دوس خصوصية .
الإجراءات الوقائيــة والعلاجيــــة المتبعة للحد من ظاهرة الغش في التعليم والحد من آثارها :-
الغـش ظـاهـرة غـيـر أخـلاقـيـة، ومـفـسـدة للأداء العـلمـي للطــلاب ،ولمحاربة الظاهرة بشكل جذري يستلزم عدة إجراءات تربوية و تنظيمية تتكاثف فيها جهود جميع أطراف المجتمع ،
وتتمثل هذه الإجراءات فيما يلي :
الإجراءات التربوية :
1. توعية التلاميذ وأولياء الأمور والمربين جميعًا بالأهمية التربوية للامتحانات والاختبارات ،ودورها في تقدير المستوى الدراسي، ومعرفة جوانب النقص والقوة ،لأُعالج جوانب النقص، وأُأكد على جوانب القوة .
2. مساعدة التلاميذ عن طريق تعريفهم بمنهجية واستراتيجية المراجعة من خلال وضع جدول للمراجعة المستمرة لجميع الدروس قصد تعزيز ثقتهم بأنفسهم وضمان استعدادهم الدائم لكل الأسئلة والفروض أو الاختبارات .
3. تجنب الأسئلة التقليدية التي تعتمد على الحفظ الببغائي للدروس مع الاعتماد على الأسئلة التي تقيس المستويات العقلية الأخرى ( كالفهم ، التحليل ، التطبيق ، التركيب ، الاستنتاج )
4. تجنب العقلية التي تلزم المتعلمين التقيد الحرفي بما قدم له من طرف الأستاذ من معلومات وطرق وفق المبدأ الشائع " بضاعتي ترد إلى " بل تعويد التلميذ على الاجتهاد والإبداع في إيجاد الجواب الصحيح والمطلوب حسب مراجعاته ومعلوماته الخاصة.
5. وضع سلم تصحيح دقيق لأبعاد كل سؤال مع الإجابات النموذجية المحتملة لكل سؤال ِمن أجل الموضوعية في التقييم و السماح للمتعلم بتقيم نفسه بنفسه أي إعطاءه نفسه درجه لما أجابه .
6. تعويد المتعلمين على إنجاز أعمالهم بأنفسهم ولو كانت فيها صعوبات ،على أنْ تقتصر عملية المساعدة على التوجيهات والإرشادات حول منهجية العمل فقط لتنمية روح الاعتماد على النفس (وهذه مسؤولية الأولياء في البيت ) .
7.توضيح مخاطر الغش وتعارضه مع مبادئ الإسلام ومع القيم والغايات التربوية، من خلال الإذاعة المدرسية، والمنابر في المساجد، وأنْ يتم ذلك في إطار تربية إسلامية قويمة ترسخ لدى الطلاب قيم الإسلام وأخلاقياته السامية.
9.مراعاة الإيجاز والتركيز في الواجبات المنزلية التي يُكلف بها الطلاب، وأنْ تتناسب مع المدى الزمني المطلوب إنجازها فيه. إذْ أنَّ إثقال كاهل الطلاب بواجبات مطولة، قد يضطره إلى الاستعانة بغيره لإنجازها، أو تلخيصها بشكل مخل. كما يتعين التنسيق بين المدرسين وأولياء الأمور في هذا الشأن لعدم تحميل الطالب من الواجبات مالا يطيق.
10.رفع مستوى جاهزية الطلبة للامتحانات، وذلك عبر أساليب شتى ومما يفيد في هذا الشأن البرامج التعليمية المتلفزة، كما هو موجود في بعض الدول العربية، وتتضمن شرحا مختصرًا ومسلسلاً للمقررات الدراسية.
11.تفعيل دور المرشد التربوي والنفسي في مساعدة الطلبة على كيفية الاستعداد للامتحان والتخفيف من القلق الناجم عنه لما لذلك من أثر على أداء الطالب في الموقف .
12.أحياء الوازع الأخلاقي وتنمية الضمير الداخلي بأنَّ الله رقيب على عباده حسيب لهم فيما يأتون من أعمال.
14.تطوير نظام التقويم التربوي للامتحانات بحيث يرتكز على قواعد صلبة لا مكان للغش فيها واستخدام الوسائل الحديثة في التقويم
الإجراءات التنظيميــــة :
1. إجراء الامتحانات في قاعات الدراسة مع تجنب القاعات الكبيرة بهدف التحكم في عملية المراقبة.
2. التقليل من عدد التلاميذ في كل صف أو قاعة امتحانية إلى أقصى حد كلما أمكن .
3. تجنب الجلوس الثنائي والمتقارب بين التلاميذ الممتحنين سواء في الاختبارات أو المسابقات لمنع أي شكل من أشكال الاتصالات. أو بعبارة أُخرى جلوس الطلاب على مسافات بعيدة بحيث يمنعهم البعد من الغش، والتحدث فيما بينهم.
4. الالتزام بالهدوء والصمت داخل لجنة الامتحان.
5. تجول المراقبين باستمرار داخل قاعة الامتحان.
6. التأكد من عدم وجود هاتف محمول أو آلة حاسبة أو غير ذلك من الآلات الإلكترونية الحديثة .
7. عدم السماح للطلاب بإدخال أي مواد غير ما هو مطلوب للامتحان.
8. تشديد المراقبة مع ضرورة تفهم حركات وسلوك كل ممتحن تجنبًا لسوء الظن.
9.تشديد العقوبة على مَنْ يٌمارس الغش من الطلاب أو مَنْ يسمح بالغش مِن المراقبين.
10. تنظيم الامتحانات الشهرية بنفس الكيفية التي تنظم بها الاختبارات الفصلية وامتحانات آخر العام من خلال التنظيم الجيد، حتى يتعود الطلاب على نظام الامتحان بدون غش .
11. الاحتفاظ بفاصل زمني بين مواد الاختبار ولو لمدة يوم، فهذا أدعى لتمكين الطالب من التركيز والاستعداد للاختبار.
12. تفعيل دور المرشد الطلابي والاختصاصي الاجتماعي في تهيئة الطلاب نفسيًا للاختبارات.
13. إقامة الندوات الدينية لتوضيح مخاطر الغش وتعارضه مع مبادئ الدين ومع القيم والغايات التربوية وتوعية الطلبة بالالتزام بتعاليم الدين الحنيف وأخلاقه .
14. إمكانية الاستفادة من وسائل الأعلام المختلفة في إعداد برامج هادفة تعالج ظاهرة الغش في الامتحانات المدرسية وتأثيرها على الطالب وعلى مستواه التعليمي والتحصيلي والسلوكي وتعريف الآباء بالإجراءات التي يتعرض لها الطالب في حالة غشه في الامتحانات المدرسية.
15. إقامة الندوات داخل المدرسة مع أولياء الأمور وتكريم الطلبة والأسر التي تعزز من تواصل أبنائها وانتظامهم على الدراسة وذلك بشهادات تكريم معنوية ومادية مما قد يسهم في الحد من تفشي هذه الظاهرة
16. توعية الطلبة بالأضرار الناتجة عن مثل هذه السلوكيات الخاطئة من أجل الوصول إلى السلوكيات الايجابية.
17. التربية الخلقية من الأسرة والمدرسة، والمسجد والنادي ،والأخلاق ليست مجرد مفاهيم وشعارات، وإنما عمل ومعرفة بالحلال من الحرام ،فالتصرفات يجب أنْ تكون أخلاقية ،والسلوك ينبغي أن يكون أخلاقيًا ليتأثر الطفل مِن الصغر بهذه النماذج الطيبة،وتصبح الأخلاق له عادةً وطبعًا
بعض الاجراءات القانونية التي تتخذ تُجاه الطالب في حالة الغش:
1- إلغاء امتحان الطالب بهذا الدور.
2- حرمانه من عامين أو أكثر إذا كانت محاولات الغش أقوى. أو اعتدى على المراقبين أو شوش على الآخرين وأثر على مجرى الامتحانات .
3- اتخـاذ أقـسـى العـقـوبـات بحـق المـدرس المـتواطــئ مـع بـعـض الطـــلاب كما تنص عليه اللوائح والقوانين .فيا طالبًا غاشًّا، اعْلَم أنَّك مفلس .. فاتق الله، فإنَّ ما حصلت عليه - قنصًا - سيكون إلى زوال، فضلًا عن ضياع خُلُقك. ويا معلِّمًا، ويا معلمةً، غاشًّا في عملك، اتق الله؛ فالغشُّ ضياعٌ لتلاميذك، ومجلبةٌ للنقمة، ومحق للبركة من رزقك!
نشرت فى 1 مايو 2017
بواسطة e7na7alaswlaeh
عدد زيارات الموقع
247