ادمان المخدرات
ان ما جاء في الدراسات يُظهر توافر أكثر من عامل واحد في تكوين حالة الإدمان، ولعلّ في طليعة هذه العوامل، شخصية المريض الذي اعتاد استعمال المهدئ، على اختلاف نوعه والظروف التي دفعته إلى هذا الاتجاه، والتي سهّلت له المضي في استعمال المهدئ المعتمد كمسكّن للألم أو مخدّر للأعصاب بعد ذلك. ومتى تأكدت حالة الإدمان تصبح شخصية الفرد ذات طبيعة إدمانية خاصة، لها صفات نفسية وخلقية وسلوكية واجتماعية.
وأبرز هذه الخصائص، التواكل والاعتماد على الغير والتهرّب من المسؤولية، وعدم الثقة بالنفس والكفاءة والاتجاه السلبي والمضاد للمجتمع والقيم والمثل، وعدم التقيّد بالنظم التي تتجلّى فيها انسانية الانسان. فكثيراً ما تأتي من المدمن تصرفات غير مقبولة، فقد يكذب، أو يسرق، وغير ذلك من التصرفات ذات المظهر الخلقي والسلوكي المرفوض أدبياً واجتماعياً والتي لا يحترز المدمن من اللجوء إليها لتيسير حصوله على المادة التي أصبحت شريكة له في حياته اليومية.
وبذلك، يصبح المدمن ليس مجرّد مشكلة مرضية خاصة تحتاج الى العلاج من الادمان، بل يتحوّل إلى مشكلة اجتماعية واسعة الأبعاد والاعتبارات، وهذا أمر يدعو إلى القلق.. فالخطر كامن في كل حالة من حالات الإدمان، الذي يترك آثاراً جانبية تعبث بالسلامة الصحية والمعنوية والسلوكية، وفي ما يلي وصف لبعض أنواع الشخصية التي نجدها في مرضى الإدمان:
الشخصية القلقة: صاحب هذ الشخصية يتناول المهدئات أو الكحول لتغطية الشعور بالقلق، وكذلك صاحب الشخصية الانطوائية والشخصية الكئيبة.
الشخصية السايكوبائية: صاحب هذه الشخصية يتّسم بانعدام القدرة على التواصل العلائقي الإىجابي، والعجز عن مواجهة المشكلات التي تفقده توازنه المعنوي، فيتعاطى المهدئات أو الشراب الكحولي بعشوائية لكبت شعوره بالإخفاق والإحباط، أو كتعبير منه عن كراهيته للمجتمع، أو انعدام ثقته بنفسه وكل من حوله.
الشخصية المريضة عقلياً: ان أي عاهة عقلية تجعل المريض يعاني التشتت الفكري والصراع النفسي ويقبل على تناول المهدئات ليتجاوز حالته، وخصوصاً مرضى الكآبة النفسية والعقلية، حيث يتناول المريض المهدئات لغرض التخفيف من حدة الشعور بالكآبة.
والخطير في الأمر، أن البعض لا يتقيد بالوصفة الطبية ويتناول مقادير تفوق النسبة التي يحدّدها الطبيب المختـص. والجدير ذكره، أن معظـم المواد التي تستعمل كعلاج لهذه الحالات لها بعض الخصائص التي تزيل لمدة قصيـرة الشعور المؤلم بالكآبة والتوتر، ولكن المشكلة هي أنه بانتهاء المفعول القصير للـدواء تعود هذه الأعراض للظهـور مما يدفع المريض مجدداً إلى اللوذ للمهدئ، وهكذا، حتى يصل به الأمر إلى حدود الإدمان.
وقد أشار الأطباء إلى أن الامتناع عن المهدئات أو الكحول بعد اعتياد المرضى عليها، يعود عليهم بردة فعل عكسية فالمدمن يحتاج إلى الوقت وإلى معالجة دقيقة ومتابعة حتى يشفى، والامتناع المفاجئ يُفقده توازنه النفسي، ويرشّح مشاركاته الاجتماعية والمهنية للفشل.
وأخطر ما ينشأ عن التوقف، أنه كثيراً ما يؤدي إلى المحاولات الانتحارية، خصوصاً إذا كانت حالة الإدمان مزمنة، والأكثر تعرّضاً للسوء والضرر، هم الذين اتضح أنهم يعانون من كآبة مزمنة، ومن كانوا يعيشون تحت وطأة صراع نفسي وفراغ عاطفي منذ طفولتهم؛ والمشكلة هي في الذين يسرفون في الاعتماد على المهدئات وإلى الحدّ الذي يؤذيهم صحياً ويفقدهم السيطرة على أعصابهم وتصرفاتهم، فالإدمان ينتج منه تغير في السلوك وفي الشعور الذاتي وفي النواحي النفسية لدى المدمنين، مع نقص في قدرتهم على التغلّب على حالتهم، كما أن المحاولات التي يسعى المدمن من خلالها للعودة عن ادمانه للمادة التي أصبحت بالنسبة إليه أشبه بحاجة حياتية ضرورية تعرّضه لمشكلات صحية واضطرابات نفسية وسلوكية، أما الشعور الذاتي بالنقص فيتكوّن من إدراك المدمن لعجزه عن مقاومة المهدّئ الذي يرى فيه منشّطاً أو مسكّناً لألمه.