<!--
<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin-top:0cm; mso-para-margin-right:0cm; mso-para-margin-bottom:10.0pt; mso-para-margin-left:0cm; line-height:115%; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin;} </style> <![endif]-->
تقوست بقدر ما استطاع جسدها أن يتقوس وجلست بلا حراك على مقعدها ، جلست مستغرقة في التفكير لا تعير الصخب المتواصل الذى يأتيها عبر شرفتها اهتمام ، جلست منذ الصباح وها هو ظلام المساء يلفها يهبط عليها يغلف أركان المكان حولها ، لاشئ يثير فضولها غير ذكريات لزوج واراه التراب ، تركها دون إرادة منه أو منها لوحدة تعتصرها بين أنيابها ليل نهار ، تناولت أصابعها المتعبات فنجان القهوة القابع أمامها ، رشفت قطراته قطرة قطرة وهى لا تدرك أن حبات السكر ما زالت في مكانها .
مدت يدها لألبومها القديم فتحت صفحاته تقلبها تلك الصفحات التى أغلقت لسنوات لاتذكر عددها ، أضاءت المصابيح حولها ليتراجع شحوب الظلام الذى خيم على المكان حولها مفسحاً للألوان الحانية الرائعة التى تعلو سماء غرفتها ، انتفضت وهى ترى أولى صورها معه ، رأته مبتسماً من خلال رموشها المبللة بالدموع سمعته يهمس بشفتيه إلى أذنها
هو: تبكين رحيلى يا زوجتى الحبيبة ؟
هى : من يستحق أن أبكى عليه يا كل نفسى غيرك بعدك ؟
هو : تقلبين ألبوم ذكرياتنا وتقرئين رسائلنا معاً
هى : لأستيقن أنك لم تتركنى لحظة ، الفراق يا حبيب عمرى مراً يزداد مرارة إذا كلل بالوحدة .
هو : لو كان لنا أولاد ما عرفتى للوحدة عنوان .....كانوا سيملؤون الفراغات التى تركها موتى بأعماقك .
هى : من قال أنك مت بأعماقى ؟ نعم واراك التراب بين ذراته ، بلى جسدك وتحللت عظامك ولكنك كما أنت في نظرى بكل تفاصيلك وملامحك التى أعرفها ، أحفظها كما أحفظ ملامحى أرسمك بفرشاتى وألوانى كلما مر بنا الزمن .
هو : وفرشاتك تلك ترسمنى حزينا كما أراك الآن ؟ وألوانك التى تلوننى تختارى منها السواد كما أراكى ترتدينه منذ رحيلى ؟
هى : أرسمك باسما كعادتى بك دائماً مستبشراً بالخير وألونك بألوان البهجة والسرور الذى كنت تطالعنى بهما ليل نهار .
هو : إذن لماذا تتشحين هذا السواد ؟ إن كان حزناً فليس الحزن بألوان نرتديها .
هى : أعى جيداً ما تقول ولكننى آثرت هذا الليل بعدك فقد كنت بعمرى الربيع الذى تزهر له أوراق عمرى فلما رحلت ذبلت أزهارى وجف نهرى ولم يبقى لى غير السواد لوناً تراه عيونى .
هو : جميعنا سيفنى يا حبيبتى .
هى : أعلم ذلك وأؤمن به عن ظهر يقين ولكنى معك كنت أحلم بالأبدية والخلود .
هو : الأبدية لا تجتمع والحياة ، والخلود ليس سمة الدنيا .
هى : دنيانا التى كنا نحياها أنا وأنت كانت تمنينا بالأبدية والخلود .
هو : حتى زارنا هذا الضيف الثقيل .
هى : نعم يا رفيق دربى هادم اللذات ومفرق الجماعات ، ولكنى حتى الآن لا أصدق أنك رحلت .
هو : ومن قال أنى رحلت ؟
هى : الأغبياء .
هو : وبماذا أجبتيهم ؟
هى : في البداية كنت أعارضهم بشدة وأجادلهم وأصرخ فيهم أنك ما رحلت عنى لحظة وأنك معى في كل الأركان والزوايا ، أحس دفء جسدك في فراشى وأشم عبير أنفاسك يملأ المكان حولى حتى ظنوا بى الجنون .
هو : ففضلتى الصمت والوحدة .
هى : لأنهم لم يدركوا يوماً ما بينناً من تواصل ، ولن يدركوه .
هو : لذا جئتك اليوم .
هى : لتكون معى من جديد ؟
هو : بل لتكونى أنتى معى .
هى : إلى أين تأخذنى ؟
هو : إلى حيث الخلود والأبدية .
" و مالت برأسها على مقعدها وسلمت روحها لبارئها وعلى وجهها ارتسمت ابتسامة عريضة ، فها هى الآن ستجتمع من جديد مع من أحبته دهراً وانتظرته بالأمل يأخذها إلى حيث ذهب ومعها سنوات الحنين ."
ساحة النقاش