<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin-top:0cm; mso-para-margin-right:0cm; mso-para-margin-bottom:10.0pt; mso-para-margin-left:0cm; line-height:115%; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin;} </style> <![endif]-->
على امتداد قرابة خمسة أعوام ربما تزيد قليلاً أو تقل أعتادت أسرة " حفيظ أفندى الهلباوى " رؤية نبوية جارتهم التى تسكن معهم نفس العمارة ، تدق الساعة السادسة مساءاً ليدق معها جرس الباب معلناً قدومها لتجلس هى والست شربات مرات حفيظ أفندى الهلباوى لمتابعة المسلسل العربى وأهو نوع من أنواع التسلية المسموح بيها اللى ما فيش منها ضرر على رأى حفيظ أفندى الهلباوى ، هى تيجى من هنا وحفيظ أفندى ينزل من هنا هو وجوزها يقعدوا على القهوة اللى جنب محطة القطار واللى بقالها سنين ما تغيرتش هى الوحيدة اللى فى كل الشارع اللى ما ظهرش عليها علامات تقدم السن والشيخوخة طبعاً فى نظر حفيظ أفندى الهلباوى وأمثاله من شلة المتقاعدين على المعاش .
على امتداد أيام وشهور ويمكن سنين ما تتعدش اعتاد الجميع من رواد القهوة رؤيتهما معاً قادمين من الاتجاه ذاته ليجلسا على نفس الطاولة التى لم يغيرها الزمن أيضاً يحتسيان معاً فنجان القهوة المعتاد الممزوج ببعض النكات والقفشات ، كانا ولا زالا يفيض منهما الحماس والنشاط خصوصاً إذا لعبا الطاولة التى كان يتقنها جيداً حفيظ أفندى ليعود ناصح أفندى اللى عمره ما كان ناصح أبداً ملطخاً بالهزيمة المرة إلى بيته فى كل مرة .
كانا فى بعض الأحيان حينما يملان اللعب يتناقشان - بصوت مرتفع أحيانا وخافتا فى أخرى – فى أخبار البلد وأحوالها والعيال ومشاكلها لكنهما أبداً لم يتجرآن يوماً على الحديث فى أمور السياسة والفن والأدب .
كانت دائما حكاياتهما تدور فى حلقتها المعتادة التى تصب دائماً أبداً فى أمورهما العائلية و أحيانا ما كانا ينزلقان دون إرادة منهما للتطرق والخوض فى أمورهما الشخصية والخاصة وحياتهما الزوجية التى تعج بالفوضى أحيانا والتزمر والتمرد فى أخرى وكانا دائما يزيلان نهاية حديثهما الأسرى باللوم على الست نبوية والست شربات وكيدهن العظيم الذى فاق كيد الشيطان نفسه .
كانت كل المساءات التى تجمعهما متشابهة تماماً فالحديث عن الذكريات الغابرة لا ينتهى معينه أبداً والحديث عن بطولاتهم الحياتية الوظيفية لا ينضب . كانا دائما ينسيان أو يتناسيان الملل وطول الوقت ويقتلانه بسرد القصص والحكايات ذاتها عشرات المرات .
ذات مساء وبسبب برودة الجو – هكذا كانا يدعيان ولكن الحقيقة أن القهوة مثلها مثل كثير من الأبنية المحيطة شعرت هى الأخرى بالشيخوخة وكبر السن فقرر صاحبها تحويلها لكازينوشبابى جداً كنوع من أنواع مسايرة العصر – قررا المكوث فى المنزل والسهر فى جلسة عائلية حميمية تجمع الجهات الأربع معاً بشرقها وغربها وشمالها وجنوبها ، الرجالة للفرجة على الماتش ، والستات لعمايل القهوة والشاى والذى منه ، حفيظ أفندى وزوجته وناصح افندى وزوجته لا أحد منهم يدرى كيف بدأ الأمر ، لا يهم من بدأ المهم أنه بدأ .
بحماسها الفائق جلست الست نبوية على السجادة بعدما أحضرت كل ما يخص الست شربات لعمل فنجان قهوة يحلف الكل بطعامته وحلاوته ، أحضرت كل شئ ووضعته بجانبهما على الأرض .
بدا الارتياح على ملامح حفيظ أفندى وناصح أقندى الذى علق بجملة خجلة " والله القعاد فى البيت أحسن ألف مرة من قاعدة القهوة .....مش كده يا حفيظ أفندى "
أردف حفيظ أفندى بفرح غير عادى : طبعاً ودى عايزة كلام .
أحسا بسرور داخلى خصوصاً حينما تقدمت الست شربات بخطى واثقة تقدم إليهما فنجان القهوة المخصوص ، أخذاه منها بحرارة ووضع كل منهما ساقا فوق ساق فقد بدا للجميع أنهما فى أحسن أحوالهما .
همس حفيظ افندى فى أذن ناصح افندى وهو يكتم بداخله رغبته الملحة فى إسداء النصح له خشية أن يساء فهمه ، أو أن يسبب لهما احراجاً " القهوة قهوة برضو مهما حصل "
كانت السهرة تمتد وتمتد والست شربات تثرثرو تضحك والست نبوية تناقش
بعد فترة ودون أن تشعربهما الست نبوية والست شربات جلسا يسترقان النظر ويرهفان السمع لهما
نبوية " آه ......ما قولتليش بقى إيه هى آخر الأخبار "
شربات " حواديت ما بتنتهيش لما خلاص يا ختى العقل منها طار ، بيقولوا وزير التموين الجديد راجل إيده من حديد ولا وزير الداخلية ولا الجمعات المليونية والوقفات الاحتجاجية عند الاتحادية "
نبوية " ولا باسم يوسف وبرنامجه الفظيع ، والاخوان اللى نازل فيهم تقطيع "
شربات " والبورصة وقناة السويس واللى جرى لجنودنا فى سينا "
نبوية "حاجة حزينة والله هتنسينا أسامينا "
جلس ناصح أفندى يقلب الأمر فى ذهنه ويردد " أليست مصرنا الغالية فى حاجة ماسة لقاعدة الستات تلك والحديث بعقول واعية وقلوب مدركة مبصرة لما تؤول إليه الأحداث ومجريات الأمور "
عنف حفيظ أفندى نفسه بقوة معاتباً "ألا تستحق مصرنا الحبيبة أن نسهر سهرات غنية وعميقة بالتحليل والنقد لكل ما تسمعه آذاننا وتقرؤه عيوننا من أخبار "
همس أحدهما للآخر " الضحكات أحياناً تأتى فى غير محلها "
ردد الآخر " من قال أن المشورات المبتذلة لا تأتى إلا من النساء "
ساحة النقاش