<!--

<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin-top:0cm; mso-para-margin-right:0cm; mso-para-margin-bottom:10.0pt; mso-para-margin-left:0cm; line-height:115%; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin;} </style> <![endif]-->

حدق النظرإليها وهى متشحة شالها الأسود ومرتدية نظارتها الطبية ،محتضنة بكلتا يديها كتاب عرف من كاتبه جيداً من عنوانه ، صادفها تجلس على المقعد الذى أمامه في ساحة الانتظار داخل المطار ، في لحظة عثر بصره الحائر عليها وهى تنادى على حفيدها " على " بين الحين والحين ، لم يكد يسمع صوتها حتى شعر بحنين ورعشة قاربت الخوف ، لم تتضح له قسماتها وملامحها ولكن داخله أمل أنه يعرفها أنصت جيداً إلى حفيدها وهو يناديها مستخدماً العديد من الأوصاف ، لم تعيره كل تلك الصفات اهتماماً ولم يلتفت بشغف شديد إلا حين ناداها " فراشتى " أذهلته المفاجأة

ازدادت ضربات قلبه بسرعة لم بعهدها من قبل ، وجد نفسه بين منطقة من الذكريات لم يستطع أن يفرق فيها بين الماضى والحاضر،  توجه نحوها اقترب منها حاول أن يناديها ولكنه لم يستطع الكلام هربت الحروف وتلاشت الكلمات دون إرادة منه على غير عادته ، عاد أدراجه ثانية وهو يلملم أذيال الخيبة جلس متعباً على مقعده مد يده إلى جيبه وأخرج علبته الفضية المكتزة بالسجائر تناول احدى سجائره حاول اشعالها ولكنها أبت ذكرته بما قاله الطبيب في آخر زيارة له " اياك والتدخين " أعادها من جديد متذمراً متحسراً على أيام الشباب وهويتمتم بعبارات لا أحد يفهمها سواه ،أفاق على صوت مذيعة المطار تعلن موعد ركوب الطائرة ، حمل أمتعته وهو ينظر إلى تلك المرأة التى تلاشت من أمامه بين آلاف البشر في ساحة الانتظار كما تتلاشى حبيبات السكر في فنجان قهوته المسائية .

صعد إلى الطائرة جلس على مقعده رقم " 20"  سمع صوتاً يأتيه من خلفه " لو سمحت أنت تجلس على مقعدى " تطلع إليها ، حدق فيها من جديد ، ردد في أعماقه " لا يمكن أن تخوننى عيونى وأذنى هذه المرة لن يعرف اليأس سبيله إلى قلبى " 

تبسم إليها وأومأ برأسه ، جلس إلى جانبها ، المسافة الآن  بينهما تقصر والحديث يبشر ببلوغ الأمل ، ناداها باسمها فعرفته " أنت على .... نعم أعرفك جيداً " سلما بحرارة ، أصبحا عجوزين تجمعهما مظلة الشيب ، التقيا بعد طول فراق همس إليها " لن أترك فرصة عمرى تضييع من بين أناملى من جديد "

تنهدت وتأوهت وتلقته بابتسامة قادمة من الماضى الجميل " وعاوزنا نرجع زى زمان قول للزمان ارجع يا زمان "

نظر إليها فوجدها غارقة في الصمت ، أصابه الفزع دقيقة ثم استيقظت ذاكرته وهو يدارى الفرح بلقائها قائلاً " ارجع يا زمان .....أدى الزمان رجع "

" دعنى اولاً أقص عليك قصتى القديمة " تابعها بذهول حتى انتهت ، حاول أن ينكر الواقع الماثل لعينه ولكنها كانت مصره على هذا الواقع ، حاول أن يختزل السنين ويذكرها بالحب الذى جمعهما يوماً ويرشف معها الحنين قطرة قطرة

تلقته بابتسامتها المعهودة وقالت برعشة ارتياح  " دع ذكرياتنا ترقد في قبرها مخلفة وراءها صمتاً ونذيراً بالنسيان  "

حاول أن يتأبط ذراعيها وأن يتناول كتابه الذى بين يديها ، تناول الكتاب وقلب غلافه وصفحاته ،  فوجئ بها تقول " ليس هذا كتابك الذى أهديتنى إياه بالأمس ، هذه يومياتى مع زوجى الراحل تهدل غلافها فغلفتها بإحدى أوراق كتبى القديمة لأحافظ عليها من التلف ، وهكذا جميع كتبك التى لدىّ لم يبقى منها شئ حتى ذكرياتنا معاً لم يبقى منها سوى اطلالها "

استرق النظر إليها فوجدها تنظر إليه في رثاء .

 

 

 

 

 

المصدر: من مجموعتى القصصية
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 19 مشاهدة
نشرت فى 13 يوليو 2014 بواسطة drnagwasallam

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

10,951