<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin-top:0cm; mso-para-margin-right:0cm; mso-para-margin-bottom:10.0pt; mso-para-margin-left:0cm; line-height:115%; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin;} </style> <![endif]-->
تناولت يده المتعبات الصورة المتربعة أمامه على المنضدة ،تأمل فيها أشياء كثيرة وكأنه يراها لأول مرة في عمره ، شعرها الذى ينسدل على كتفيها كسواد الليل ، وعيناها السوداويتان المتلألأتان اللتان تطلان عليه كأميرتان ، تذكر ذلك المطر الحزين الغارق في أهدابها الحلمى وكلماتها له حينما قرر السفر .
وعلى الجدار القابع أمامه في تحدى وجد صورتهما المحاطة باطارهاالذهبىتنبش في خلايا عقله وحجرات قلبه ليستعيد معها وبها سنوات الحب والحنين ، وقبل أن تستعبده الذكريات وتضعفه انتبه إلى طرق باب حجرته واحدى ممرضاته تستأذنه فقد طال انتظار احدى مرضاه الأشقياء بحجرة الانتظار .
سمح له بالدخول وسأله عن شكواه قام من مكانه وراحت يداه تفتش في أرجاء جسد المريض المترنح أمامه من شدة الألم تعرف على علته ووصف له دواه ، الكل يعرف عنه جيداً أنه طبيب ممتاز لا أحد يضاهيه في تخصصه ، أعطاه الله علماً وفيراً وذاده بسطة في الوجاهة والوسامة .
انهى عمله في ذلك اليوم على خير ما يكون كعادته دائماً ، مضى في طريقه بمحاذاه الدكاكين والمحلات يتأمل في اللاشئ لا شئ محدداً في مجال رؤيته ، كل شئ يناديه " من فضلك اشترينى " كان يدرك تماماً خطورة ما آلت إليه حالته ، عاد إلى منزله منهكاً من كثرة الأعباء الملقاه على عاتقه ، دخل إلى الحمام نفض عنه جميع ملابسه بحركة عشوائية عبثية وتأمل قطرات الماء المتدفقة أمامه رمى نفسه في أحضانها ليستعيد نشاطه وحيويته من جديد ، خرج كطفل صغير يبحث عن مأوى ولكنه لا يدرى متى وأين يجده فقد كان مؤمناً تماماً أنها مأواه وأنها كل من لديه .
وقف مشدوهاً أمام نافذته وهو يتأمل المارين أمامه من جميع الأعمار والألوان أحس الملل يتسرب شيئا فشئ إلى أعماقه حاول ألا يترك نفسه فريسة هذا الملل الذى يفترسه منذ أولى أيامه في غربته ، مضى نحو مكتبته تناول منها كتاباً واتجه نحو الشرفة ، كان يدرك أن هذا الكتاب قرأه آلاف المرات فهو أولى الكتب التى أهدته إياه منذ أن ربط الحب قلبيهما ، فتش داخل أوراقه قرأ بنهم شديد تلك الكلمات والعبارات والجمل التى ظللتها بلونها الأصفر الذهبى كخيوط الشمس .
غالبه النعاس فنام فاجأته ، حتى في أحلامه تأتيه تسيطر على كل مدخلات ومخرجات عقله ماذا عساه أن يفعل في هذا الكابوس المتكرر الذى يذكره دائماً بحادثة موتها المفاجئ الذى مازال حتى بعد مضى خمسة أعوام على رحيلها لايصدق غيابها فقد كان يشعر مثلها أنها ستعيش لتشهد دفن الجميع .
رأى في منامه أنه يصغر ويصغر وأنه يقف خلف قضبان صدره كالمحكوم عليه ينتظر لحظة نطق القاضى إما بالعفو وإما بالاعدام الذى لم يكن يتوقعه يوماً ما ، وأنها في مرقدها الأبدى تكبر وتكبر ويزداد جمالها ويشع نورها يوماً بعد يوم .
تذكر كلماتها جيداً " صمتك يقتلنى خصوصا حينما يستدعى الحدث التفوه بكلمة واحدة ولا تنطقها " اجابها بلا تردد أنت علمين وتحسين بقوة ما أشعر به تجاهك ولكنى لا أملك الآن له سبيل لابد أن اكون جديراً بك لذا اتركينىأمضى وأواصل قرار السفر لأعود بعد عام واحد محملا بالمال الذى يمكننى من شراء شبكة تليق بالملكة المتوجة في عمرى وأثاثاً تتطلعين إليه .
كان يفترش الأحلام معها افتراشاً ويحلق معها في سماوات العشق الأبدىالخالد الذى لا ينتهى مهما مرت عليه السنين ، حينما التقاها لأول مرة صدفة في حفل زفاف إحدى أقاربه لم يكن يتصور أن الطيف الذى بات العمر يرسمه سيلقاه هناك ولم يكن يعرف أن القدر يخبئ له معها أغلى أمنيات العمر وأحلاها وأصعبها أيضاً .
أفاق من كابوسه المر ليعيش واقعه الأمر فكانت حياته قبلها تسير مجريات أمورها على وتيرة واحدة جافة جامدة صلبة ، لم تعرف المشاعر طريقها إلى قلبه يوماً ، فالقلب ما هو إلا عضلة بأربع غرف ، والأوردة ما هى إلا أنابيب رفيعة يمر خلالها الدم ولكن تعلم في مدرسة هواها علماً آخر غير الذى تلقنه خلال سنوات تعلمه في كلية الطب ، عرف لقلبه وأوردته شكلاً وطعماً ورائحة غير تلك التىاعتاد عليها .ولكنه الآن بعد رحيلها لايعرف للراحة معنى فلا هو كسابق عهده مجرد طبيب ينظر للأشياء نظرته المجردة ولا هو عاشق تحركه الأحاسيس ، أضحى في المنطقة الوسطى التى تقع بين الحياة والموت تحاصره الذكريات التىهى هويته الأخرى التى تخفى حقيقته عن الآخرين وتلفه من كل جانب .
ساحة النقاش