<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin-top:0cm; mso-para-margin-right:0cm; mso-para-margin-bottom:10.0pt; mso-para-margin-left:0cm; line-height:115%; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin;} </style> <![endif]-->
لم تدرك كم مضى من الوقت وهى منهمكة فى قراءة النشرة الداخلية لدوائها الجديد الذى كتبه لها طبيبها المعتاد ، لم تفهم شيئاً جديداً لا شئ مختلف هذه المرة أيضاً .
انتبهت على صوت طفلتيها الصغيرتان وهما تصرخان " ماما إحنا جعانين " صرخت من أعماقها دوت صرختها كنقنبلة
انفجرت لتوها " يلعن ماما يا شيخة منك ليها " .
حاولت أن تجلس ممتدة على الأريكة التى لم يغيرها الزمان منذ أن عرفت أنها حامل للمرة الخامسة فى اقل من خمسة أعوام هى عمر زواجها.
فاجأتها الصرخات المتتالية لتعلن موعد الرضعة ، قامت من مكانها بخطى مثقلة متعبة مرددة " حاضر حاضر جاية أهو هو مافيش صبر يا خواتى " .
سمعت صوته يأتيها وهى فى مكانها فى المطبخ " انتى فى المطبخ يا سعاد "
ردت بغيظ وهى تعض على شفتيها " أيوة ......."
أردف " حطي ا لغدا بسرعة أحسن أنا ميت م الجوع "
همست لنفسها بصوت لم يستطع فك طلاسمه " وأنا ميتة من التعب .... الرحمة بقى "
كانت تعرف جيداً أنها تعيش فى متاهة، سلسلة متلاحقة من الأحداث لا تنتهى إلا بحلول المساء حين تخلد للنوم لبضع ساعات متقطعة وهو لا يشغل بالاً بما تعانيه طيلة النهار والليل، لا يشغله إلا ملابسه النظيفة وأكله وشربه ونومه على حد قولها " شهريار بكل معانى الكلمة " .
سمعت ذات مساء صوت تليفونها المحمول هرولت إليه نظرت للأرقام لم تذكرها الأرقام بأحد مطلقاً تساءلت " يا ترى مين اللى بيتصل بيا دلوقتى " سمعت صوتها على الطرف اللآخر " سعاد ازيك يا سوسو "
تساءلت " مين معايا " تعالت الضحكات على الطرف الآخر " اخس عليكى مش عارفانى من صوتى ، طب دققى فى الصوت كده ياسوسو "
تذكرتها تهللت أساريرها جابت فى حدود ذاكرتها ، أمعنت الابحار ، انتفضت من على السرير وهى باسمة " محدش بيقولى سوسو دى بالطريقة دى غير واحدة بس .................... ريهام ؟ أزيك يا ريرى عاملة إيه واحشانى والله كتييييييييييير أووووووووووى "
مضت الدقائق مسرعة الخطى جداً على غير عادتها معها نظرت فى مدة المكالمة وجدتها 37دقيقة تنهدت كانت لديها ثقة زائدة أن اللحظة ستبدأ من جديد .
انتظرت موعد لقائهما بفارغ الصبر ، زينت كل أركان منزلها بالبنفسج الذى لم تنسى يوما ً أنها تحبه .
دق جرس البيت فتحت الباب رحبت بصديقة عمرها الوحيدة التى لم يفرقهما سوى كابوس الجواز ومشاغل العيال
جلسا يستمتعان بمزيج الكوفى ميكس المحلى بالشيكولاته ، ذابا فى عبقرية اللحظة التى جمعتهما معاً من جديد ، غرقا فى يقظة البن وبهجة الشيكولاتة ، تنهدتا وقالتا معاً فى نفس واحد " ياااااااااااااااه قد إيه واحشانى " ابتسمتا وضحكتا بقهقهات عالية رددت سعاد " تقصدى الكوفى ميكس ؟ "
أجابت ريهام " تقصدى إنت الكوفى ميكس ؟ "
أجابتا معا " لا طبعاً ....................... قاعدتنا الحلوة "
قالت سعاد : " كانت أيام جميلة "
قالت ريهام : " تقدرى ترجعى الأيام دى من تانى "
قالت سعاد : " وعايزنا نرجع زى زمان قول للزمان ارجع يا زمان "
قالت ريهام وهى تضحك : " بسيطة جداً .....ارجع يا زمان "
قالت سعاد :" ازاى بس وإحنا عشان نتقابل ونخرج لازمنا ميت خطة وخطة ، لازم فتحى يكون أجازة من الشغل عشان يقعد هو بالعيال يا إما أوديهم عند ماما ..... ولازم ..."
قاطعتها ريهام قائلة : " جايبالك شغل ولا أنتى لسه رافضة فكرة الشغل والست الموظفة ؟ "
قالت سعاد متسائلة : " شغل ؟ بشكلى دى .....طب والعيال أوديهم فين واللى فى بطنى دى أعمل فيه إيه ؟"
مرت الساعات وهما جالستان تتحدثان فى كل شئ لم يدركا كم مضى من الوقت إلا حين عاد زوج سعاد ، ها هى الساعة الآن تعلن تمام الحادية عشر مساءاً .
قفزت ريهام قائلة بنبرة عاقلة " تصبحى على خير يا أبلة "
انشغل تفكير سعاد طيلة الليل بما أخبرتها به ريهام عن قصة الشغل التى حدثتها عنها ، استرجعت دون إرادة منها ذكريات مدسوسة فى ثنايا قلبها قبل أن تتوغل أيضا فى عقلها ، تذكرت أولى سنواتها الجامعية ، وكم كانت تكره دائماً كونها ستصبح مدرسة بعد أن تبدلت أمنياتها بسبب التنسيق الأعمى واغتيلت أحلامها فى كونها طبيبة مشهورة ، بعد تخرجها قررت المكوث فى بيت العدل وتربية ابنائها ، رفضت كل فرصة ثمينة للعمل كأبلة لأنها كانت دائماً تكرة أصابعها الملوثة من الطباشير المدرسى وهم تحضير الدروس واسكت يا واد منك له واسكتى يا بت دماغى صدعت ، تذكرت أيضاً كيف كانت كل صديقاتها يحسدنها على رشاقتها واهتمامها بنفسها حتى ريهام نفسها لم تكن بنفس جمالها ورشاقتها تنهدت تنهيدة المتحسر على ماضى تعرف جيداً أنه مستحيل أن يعود أدراجه خصوصا بعد أن أصبحت شجرة جميز من أثر الخلف والولادات المتلاحقة التى لم تمنحها حتى هدنة كالتى ينالها الجنرالات بعد الحروب .
ابتسمت على أطلال الذكريات المتناثرة أمامها وأفاقت على صوت زوجها المحدق فيها يسألها " العيال نامت "
أردفت سعاد وهى ضاحكة الثغر : " ياااااااااااااااااااااااااااه من بدرى "
سألته بلطف : " جعان أحطلك تتعشى "
أجابها مبتسماً وهو يمد يده المشتاقتان لضمها وشفافه العطشى لقبلاتها : " جعان منك " .
أحست من كلامه أنه رائق البال فانتهزت الفرصة وسألته : " إيه رأيك يا فتحى لو اشتغلت ؟ "
اندهش زوجها وبانت عليه علامات الاستعجاب وقال : " إيه ؟ بتقوللى تشتغلى ، أخيـــــــــــــــــــــــــــــراً فكرتى فى الشغل ، طب وهتشتغلى إيه ؟ وفين ؟
أجابت بسرعة : " أبلة فى مدرسة خاصة "
سألها : " وساندى وسارة ومهند ومعتز هتعملى فيهم إيه ؟ هتوديهم فين ؟ "
أجابته " مش مهم ، كل دى أمور تتدبر بعدين المهم إنى قررت أخيراً ووفقت أشتغل ، مش هقف تانى ورا كومة من القرارات المؤجلة وأضيع من بين إيديا عمرى وايامى ، ومش هسمح أن أحلامى تتسرق منى وأنا قاعدة أتفرج عليها "
سألها بخبث : " وصوابعك الجميلة دى تتوسخ كل يوم من الطباشير وتراب الدكك ، والجسم الحلو اللى بقى مليان من كل ناحية دى يتبهدل فى المواصلات وأرفها "
أجابت : " سيبنى أجرب التجربة مش هتخسرنا حاجة "
قال لها يذكرها : " حياتنا مش عينة مجانية لو خسرناها نرجع ناخد واحدة تانية غيرها "
أجابته وهى تفهم جيداً حقيقة إيماءاته: " ولا طموحاتنا وثقتنا فى نفسنا سلعة ناخد عليها واحدة تانية هدية تكون استبن لو شحنها فضى "
قال : " طب والنهجان وكرشة النفس والتعب اللى بتحسى بيه وتشتكى منه كل ما تطلعى سلالم أو تنزلى "
قالت : " بسيطة أنا قدامى أسبوع وأولد وبعد الولادة إنشاء الله إن شاء الله كل الأعراض اللى عندى دى هتروح "
قال لها وهو سعيد بهذا الحماس الذى يملؤها : " ببساطة كده وتبقى مجرد أبلة فى مدرسة "
تأملت نفسها لبرهة ثم أردفت تقول : " الحياة مش مجرد اتجاه واحد بس وأفق ضيق أفضل بصه عليه ليل ونهار هو البيت والعيال ، أنا محتاجة خطوة قوية وقرارات صح من غير تردد تعوضنى عن اللى فات من يوم ما اتخرجت من الكلية ، أنا محتاجة بجد أرجع أثبت ذاتى ووجودى من جديد ، أنا مش مجرد معزة كل وظيفتها فى الحياة الخلف والرضاعة "
قال : " طب لو ربنا كرمك ونفذتى قراراتك مش هترجعى محبطة من أول أو تانى شهر فى شغلك "
سألته باندهاش ممزوج بكثير من التحدى والاصرار :" وإيه اللى ممكن يحبطنى "
قال: " الفجوة اللى ظهرت بمرور الوقت بين أحلامك وقدرتك على تنفيذها "
أجابته : " كان زمان يا حبيبى أيام سعاد القديمة ................( وهى ضاحكة ) دلوقتى أنا سعاد فى ثوبها الجديد سعاد اللى تقدر تصنع قصة حياتها بإرادتها الحرة وطموحها الكبير ، سعاد اللى عشان ينتهى عندها النهجان وتختفى كرشة النفس لازم هتمارس رياضة من تانى وتبطل تعلق كل فشل فى حياتها على شماعة التأجيل ، سعاد اللى فهمت أخيراً إن الانسان عشان يتعلم العوم لازم يرمى نفسه فى البحر ، سعاد اللى خلاص هتنسى مبدأ التأجيل ومنطق الكسل ومعنى الخوف من المجهول ، سعاد اللى شطبت منحياتها المفاهيم الغلط وهتعيش بس على المفاهيم الصح العمل مش بيهدر عمر الانسان ويضيعه ولا الفلوس تقدر تعوض غياب الحب والأبلة مش مجرد طباشيرة متحركة وصوابع ملوثة دى إنسانة بتربى أجيال على وشك الانحراف "
تبسم لها بعينيه الزرقاويتين وقال فى نفسه : " الآن فقط شقت طريقها للحياة وعشقت أصابعها الملوثة "
ساحة النقاش