<!--
<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin-top:0cm; mso-para-margin-right:0cm; mso-para-margin-bottom:10.0pt; mso-para-margin-left:0cm; line-height:115%; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;} </style> <![endif]-->
وسكن أخيراً التمرد والعصيان .........بقلم د / نجوى محمد سلام
تملكتنى ذات مرة نشوة السفر الأول والهروب – وقتها لم يكن خروجاً بل هروب – إلى العالم الكبير المتغير الذى لم اكن اعرفه إلا من خلال القصص والروايات .
ويسر الله لى أمورى حتى لحظة وصولى للمطار تلك اللحظات التى اختلط فيها لأول مرة فى عمرى الفرح بالحزن والابتسامة بالدموع ، شعرت وقتها أن كل شئ فى جسدى ينبض على غير عادته ، تصرخ أعماقى صراخا لا أحد ممن يودعوننى شعر به غيرك يا أبى حتى قبل أن تضمنى .
أحسست ساعتها يا أبى أنك وطنى الحقيقى الذى جئت منه ، وأدركت هويتى جيداً وعرفت من أنا ...
نزعونى من أحضانك يا أبى انتزاعاً ، وبدأت قصتى بعدها تروى بنهر الدموع ، تكتب حروفها بحبرى الأسود المنساب من عينى وحدثتنى يا أبى والطائرة تحلق بى عاليا تخبرنى حقيقة الدنيا التى لم أعرفها " هكذا هى الدنيا يا ابنتى ......."
وبدأت من وقتها الأسئلة الحيرى تنهش خلايا عقلى لماذا أكتب على نفسى اليتم بيدى من أجل حفنة نقود ؟ الله وحده الذى يعلم متى وأين تنفق .
فى كل لحظة كانت تمر على ً كنت أسائل نفسى ماذا يفعل أبى الآن بدونى فعلى مدار ثلاثون عاما هى كل سنوات عمرى لم نفترق يوماً ، يجمع بيننا حب لا أحد يفقه كنهه سوانا ، علاقة جمعت كل المتناقضات فى آن واحد علاقة ابنة وحيدة بأبيها يشوبها الدلع والتدلل والحزم الذى يربى ولا يخدش الكرامة يوماً ما ، وعلاقة الصديقة بصديقها الوحيد الذى تجمعهما آراءواحدة وفكر واحد ملئ بمرح الثقافة والجدية والهزل .
فى غربتى تعلمت كيف اسكت داخلى القلق واكف الاحتجاج عن الاحتجاج
فى غربتى تعلمت كيف أرى الحكمة فى العذاب وارتضيه رغم ارادتى
فى غربتى تعلمت عن يقين أن أرى كل فعل الله خير وكل تصريفه عدل وكل قضائه رحمة وكل بلائه حب
فى غربتى تعلمت الاستغناء عن الحسب والنسب ومن أكون
فى غربتى تعلمت الاستغناء عن ذهبى الذى لم تكن تأتى علىً لحظة إلا وأنا متفاخرة متباهية به
انتهى الكبر أخيراً ، ومات الغرور ، وسكن أخيراً التمرد والعصيان
وتعلمت أخيراًأن اللحظة التى تجمعنى بأبى تساوى عندى الكثير الكثير ، وأن المال مهما كان لا يساوى لحظة يتم أعيشها وأبى ما زال على قيد الحياة .
ما اتحدث عنه ليست فلسفات عبيطة فى زمن طغى فيه المال على كل شئ حتى المشاعر ، فقد رأيت تلك المشاعر متأججة فى زوجى الغالى حينما حدث والدته من هاتفه ذات يوم وقد كاد أن يجن حينما حاول محادثتها أكثر من مرة وهاتفها لا يرد وهاتف المنزل أيضا لا يستجيب لنداءاته ، وهواتف أخوته لا تحرك ساكنا
وقتها سيطر عليه سؤال كان هو الحد الفاصل فى غربتنا التى نعيشها للسنة الأولى من عمرنا ماذا لو ماتت أمك وأنت هنا فى بلاد الغربة ولم تستطع توديعها الوداع الأخير ؟
هل يمكن أن نسامح أنفسنا يوماً على هذا الجرح الذى تركناه بأعماقنا وأعماقهم من أجل اللاشئ ؟
والسؤال هنا لماذا غربتنا ؟
من أجل الشقة الواسعة ؟ لدينا الحمد لله الشقة ولا يهم إن كانت كبيرة أم لا المهم أننا نشعر بالراحة فيها
من أجل العربية ؟ لدينا الحمد لله عربية صحيح ليست حديثة ولكنها تؤدى الغرض منها على خير قيام
من أجل الذهب ؟ الحمد لله لدى ً ما يكفينى منه
من أجل الوظيفة والمكان المرموق ؟ فى بلدى وظيفتى الحكومية والمكان المرموق فى عملى .
من أجل ماذا إذن الغربة ؟
من أجل مزيد من النقود ، هذا العطش الدائم إليها الذى لا يروى أبداً أليس كذلك ؟
هذا هو القيد الذى يسعى لتقييدنا ، يسلبنا حريتنا دون إرادتنا
تجربتى فى الغربة جعلتنى لم أعد أشعر بحاجة للمال فالشئ الوحيد الذى اكتسبته وأنا فى " مكة " أنى اقتربت أكثر فى كنف ملك الملوك الذى يملك كل شئ .
تعلمت العبودية الحقة لله ، وفككت عن يدى تلك القيود التى كانت تكبلنى وتربطنى بالدنيا الزائلة ....
المال .... والشقة .....والعربية ..... والذهب ..... والحسب ..... والنسب ..... والجاه
جميعها هباء
السعادة الحقيقية تكمن فى عبودية حقة لله تعالى ثم بر والدين لاأراه إلا فى القرب منهما بصحبة زوج تعلمت على يديه طيلة عشرة أعوام كيف أتقى الله فى نفسى وفيه ثم الذرية الصالحة التى وهبنا الله إياها بمنة وفضله .
ساحة النقاش