جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
الطاقة المتجددة ..... صديقة البئية
بقلم :
دكتور مهندس / علي مهران هشام
----------------------------------
تتطلب ضرورات المستقبل البحث عن طاقة بديلة متجددة ونظيفة تتسم بالاستمرار وتخدم معطيات البيئة المحيطة. ورغم ما للطاقة المتجددة من قدرات هائلة إلا أنها لم تستغل الاستغلال الأمثل حتى الآن نظرا لعدم تذليل العقبات الاقتصادية والفنية والاجتماعية لهذه الثروة الطبيعية الكامنة.
على الجانب الآخر، هناك سؤال يلوح بالأفق: هل سيظل النفط المصدر الرئيسي للطاقة والمحرك لعجلة التنمية والصناعة في المستقبل؟ أم أنه غير ملائم لتحديات المستقبل لكونه قابلا للنضوب وضارا بالبيئة؟
تشير الإحصائيات العالمية إلى أن الطاقات المتجددة لم تسهم بفعالية في توليد الكهرباء في القرن العشرين، ففي عام 1990 ساهمت الطاقات المتجددة بـ 18 في المئة من الطاقة الرئيسية في العالم، وكانت أكثر حصة (11%) من نصيب طاقة الكتلة الحيوية (Biomass) أو ما تسمى بـ«الكتلة الحيوية التقليدية»، وهي عبارة في معظمها عن حرق للخشب بينما حوالي 5% من مجمل الطاقة المتجددة المستخدمة هي طاقة مساقط المياه، إما الباقي فهي طاقات جديدة متجددة بما في ذلك الطاقة الشمسية (Solar Energy) وطاقة الرياح (Wind Energy)، وطاقة حرارة جوف الأرض (Geothermal Energy).
إن الاحتياطي العالمي للنفط والغاز قد يصل إلى مرحلة حرجة خلال العقد الثاني من القرن 21، ما لم يتم إيجاد بدائل للطاقة الهيدروكربونية الناضبة، إضافة إلى تأثير استخدام هذه الطاقة السيء على البيئة لتسببها في تكوين الأمطار والضباب الحمضي الناتجيين عن الاحتراق الهيدروكربوني للوقود وبالأخص مكونات الكبريت والنيتروجين الناتجة عن محطات توليد الكهرباء وعوادم السيارات والمصانع إضافة إلى تسببها في تكون المؤكسدات الفوتوكيماوية والمتكونة غالبا من الأوزون وثاني أكسيد النيتروجين وغيرها من الملوثات إلى جانب تأثير ثاني أكسيد الكربون الناتج عن احتراق المواد الهيدروكربونية والتي تؤدي زيادتها إلى ظاهرة الاحتباس الحراري.
إن المستقبل في حاجة إلى طاقة متجددة ونظيفة صديقة للبيئة ومحفزة للتنمية المستدامة.
ويمكن إيجاز مصادر الطاقة المتجددة في التالي:
أولا: الطاقة الشمسية: الشمس هي المصدر المتجدد للطاقة اللازمة للحياة منذ ملايين السنين ويعادل مقدار الإشعاعات الشمسية التي تصل إلى الأرض كل 20 دقيقة طاقة الوقود الأحفوري التي تستعملها البلدان الرئيسية المستهلكة للطاقة سنة كاملة.
وتعتبر طاقتا الحرارة والضوء التي توفرها الشمس متجددة ونظيفة، وهناك أوجه لاستعمال الطاقة الشمسية مثل:
اللاقطة الشمسية: وتستعمل غالبا لتسخين الماء والتدفئة والإضاءة.
الطباخ الشمسي: وهناك ثلاثة أنواع رئىسية من أجهزة الطبخ الشمسية أبرزها الفرن الشمسي الصندوقي الشكل، وهو النوع الشائع، ويمكن طهي الطعام فيه بواسطة الطاقة الشمسية لمدة 250 يوما في السنة على الأقل.
المقطرة الشمسية: وتستعمل لتحلية مياه البحر أو المياه شبه المالحة.
الإعلانات التجارية: وتشمل إشارات المرور وإنارة الطرق والشوارع الرئىسية.
الاستخدامات الصناعية: وخاصة صناعة السيارات، فقد أنتجت اليابان في التسعينيات سيارة تسير بالطاقة الشمسية بسرعة 70كم/الساعة وهي سرعة مناسبة للمناطق العمرانية والمدن الحضرية.
طاقة الكتلة العضوية: وتتولد هذه الطاقة من مادة نباتية أو حيوانية يمكن تحويلها إلى وقود، وتشمل الأشجار والشجيرات والأعشاب والمخلفات الزراعية والمنزلية والمحاصيل الزراعية ذات الطاقة كالسكر، والنباتات المائية والمخلفات الحيوانية إلى جانب النفايات العضوية الصناعية، وتشكل 15% من مجمل الطاقة المستهلكة في العالم حاليا خاصة في المناطق الريفية للدول النامية، ويمكن استعمال الغاز الحيوي الناتج عن النفايات العضوية للأغراض المنزلية كالطهي والإنارة وتسخين الماء، ولتدفئة البيوت الزجاجية والبلاستيكية ومزارع الدجاج.
ثانيا: الطاقة المائية: وهي طاقة استخدمت في الماضي في شكل طاقة ميكانيكية لطحن الحبوب ولأغراض أخرى. واستعملت للمرة الأولى في توليد الكهرباء في الثمانينات، أما حاليا فقد تم تطوير نحو 35% من إمكانات الطاقة المائية في العالم.
ثالثا: طاقة المد والجزر: وتستغل هذه التكنولوجيا حركة الكتل المائية التي تسببها جاذبية القمر مرتين باليوم، ومن أنسب مناطق استغلال هذه الطاقة في الخلجان ومصبات الأنهار التي تحدث فيها حركات مد يزيد ارتفاعها عن ثلاثة أمتار، ومثال على ذلك مصب نهر سيفرون في بريطانيا وخليج فوندي في كندا حيث يحدث أعلى ارتفاع للمد في العالم (16م)، وتشبه القاعدة الأساسية لتوليد الطاقة من حركة المد والجزر الطاقة المتولدة من الطاقة المائية.
رابعا: طاقة الأمواج: وتحدث أصلا بفعل الرياح التي تتولد بدورها من الطاقة الشمسية وأمكن توليد طاقة بنحو 10 كيلو واط في شمال المحيط الأطلسي في كل متر مربع من سطح الماء.
خامسا: الطاقة الحرارية من المحيطات: ويعتمد تحويل الطاقة الحرارية للمحيطات على كون سطح المحيط ادفأ من المياه في الأعماق (على عمق حوالي 1000م).
سادسا: الطاقة الجيوحرارية: وتنتج هذه الطاقة من الحرارة المتدفقة من جوف الأرض الحار نحو السطح، وترتفع حرارة هذا الدفق مع ازدياد العمق بمعدل 3،3 درجة مئوية لكل 10م من العمق في المناطق القارية، وقد يصل هذا الارتفاع إلى عشرة أضعاف في بعض الأماكن، ومعظم التدفئة المنزلية في أقاليم أيسلندا تتم بواسطة الطاقة الجيوحرارية، وتعتبر من أرخص أنواع الطاقة ومجدية فنيا واقتصاديا.
سابعا: طاقة الرياح: تسخن الأشعة الشمسية أجزاءا من الأرض بمعدلات مختلفة عن أجزاء أخرى، مما يؤدي إلى اندفاع الهواء من المناطق الباردة إلى المناطق الساخنة، فتحدث الرياح، وقد استخدمت الطواحين الهوائية منذ آلاف السنين في طحن الحبوب وضخ المياه، وتبرز الرياح الآن كمصدر للطاقة له إمكانات كبيرة في ضخ المياه وتوليد الطاقة الكهربائية والتبريد وتسيير السفن.
إن مستقبل الطاقة المتجددة واعد جدا حيث يتجلى ذلك واضحا في الاستخدامات الصناعية والتنموية في الكثير من المجتمعات، حيث بدأ هذا النوع من الطاقات في الانتشار على الرغم من حداثة هذه الطاقة نسبيا، والانتشار الأكبر هو لطاقة الرياح حيث بدأت كلفتها تنافس الوقود الأحفوري كالنفط والفحم خصوصا في المناطق التي يكون المتوسط السنوي للرياح فيها 7m/S، وتوجد بها مرتفعات ومساحات شاسعة كما أن الطاقة الكهرومائية هي الأخرى طاقة متجددة ورخيصة ولكن قد يغلب عليها المحلية (أي مرتبطة بالموقع)، أما الطاقة الشمسية فإنها تقنية يسهل تطبيقها وتشييدها، وهي في حاجة إلى دراسات علمية وفنية لجعلها اقتصادية.
ومن المتوقع أن تحدث طفرة مستقبلا في هذا المجال مع التقدم التقني وعلوم الفيزياء لجعل هذه الطاقة اقتصادية وسهلة الاستخدام وتتناسب مع كل أفراد المجتمع. وهناك نوعان من الطاقة يمكن أن يسهما في التنمية في المستقبل وهما الغاز الطبيعي والطاقة النووية رغم أن للثانية معارضين من رجال البيئة.
الغاز الطبيعي: يحتل الغاز الطبيعي دورا متزايدا في تأمين احتياجات العالم من الطاقة، فمواصفات الغاز ووفرة احتياطاته تمنحه دورا رئيسيا في كافة سيناريوهات الطاقة، خاصة فيما يتعلق بتوليد الكهرباء. ومنذ سنوات كان استخدام هذا المصدر محظورا في محطات توليد الكهرباء في دول الاتحاد الأوروبي. وقد انعكس الوضع الآن فأصبحت هذه المحطات تتسابق لاستعماله، والسبب الرئيسي لذلك التغيير يكمن في أن الغاز الطبيعي أقل نفثا لثاني أكسيد الكربون بالمقارنة مع الأنواع الأخرى من الوقود الأحفوري، كما أنه متوفر بشكل كبير، ورغم زيادة الطلب عليه إلا أن احتياطياته تنمو بسرعة أكبر مما يجعله وقودا ملائما لعدة عقود قادمة.
وتعود أسباب تجدد الاهتمام بالغاز الطبيعي في مجال توليد الكهرباء إلى:
- تطور كفاءة العنفات الغازية العاملة على الغاز بنظام الدورة المركبة.
- الآثار البيئية الناتجة عن محطات توليد الكهرباء العاملة بالغاز أخف من آثار استخدام أي وقود أحفوري آخر.
- توفر الاحتياطي من الغاز بكمية كبيرة ومتزايدة على المدى الطويل.
- الفوائد البيئية للغاز الطبيعي تظهر بوضوح عند استعماله في الصناعة وخاصة في القطاعين السكني والتجاري، مع إمكانية استخدامه في المستقبل للنقل، ونعتقد أن الغاز الطبيعي سيحافظ على انتشاره التنافسي في سوق الطاقة للمستقبل وسيستمر في الإمداد بطاقة أنظف لعالم أكثر اخضرارا.
الطاقة النووية: دخلت الطاقة النووية سوق الطاقة العالمي بكثافة خلال أزمة أسعار النفط حين كان الحديث عن مصادر بديلة للطاقة، وقد ساعد على ظهورها التأكيد بأنها طاقة آمنة وغير ناضبة ورخيصة الكلفة وملائمة بيئيا، وبهذا حصلت على حصة في الأسواق في العديد من الدول إلا أن الخبرة العملية والكلفة المتزايدة باستمرار بسبب شروط الأمان الصارمة وتزايد الحوادث وخصوصا حادثة تشرنوبيل، كل هذا أثر على ثقة الجمهور في هذه التقنية، ونتيجة لذلك ومع بعض الاستثناءات فإنه لم يتم بناء أو التخطيط لإنشاء أي مفاعلات نووية جديدة، مما جعل هذه الصناعة تحارب من أجل البقاء.
ومع الأجواء المحيطة بالطاقة النووية، جاءت نظرية ارتفاع حرارة الأرض، وبدأ المؤيدون للطاقة النووية يروجون لبضاعتهم على أنها خالية من انبعاث ثاني أكسيد الكربون، وأنها الحل المثالي لتجنب كارثة تغير المناخ، والآن وبعيدا عن الأخطار المزعومة لغاز ثاني أكسيد الكربون، فإن هذا الغاز ينبعث من تخصيب اليورانيوم ومعالجته ونقله، وكذلك أثناء تشييد المحطات العاملة بالطاقة النووية.
إن منظمات حماية البيئة تعارض الطاقة النووية أكثر من معارضتها للوقود الأحفوري، ويعتبرون أن الطاقة النووية ليست صديقة للبيئة فانصهار لب مفاعل واحد قادر على تلويث مئات الكيلو مترات من الأرض بالإشعاع النووي ولسنوات عديدة، مما يعوق التنمية الاجتماعية والاقتصادية ويؤثر على رصيد الأجيال القادمة من الثروات الطبيعية المتاحة.
المصدر: باب أراء علمية - للدكتور/ على مهران هشام - مجلة علوم وتكنولوجيا - معهد الكويت للأبحاث العلمية - دولة الكويت
ساحة النقاش