التعليم المجتمعي المفهوم و الأهداف
إعداد: د. صفاء محمد الحبيشي
في القرن الحادي والعشرين تفرض العولمة نفسها على كل شي ، فمع ولادة هذا القرن أصبح التعليم يعاني العديد من الصعوبات، كتزايد النمو السكاني وازدياد الطلب على التعليم، غياب التعليم الجيد النوعية، غموض الأهداف ونقص التخطيط للسياسة التعليمية، ارتفاع معدلات البطالة وعدم موائمة مخرجات التعليم لاحتياجات سوق العمل.
وأدى تنامي الحاجات و تزايد الضرورات والتعقيدات إلى تعالي الأصوات التي تطالب بضرورة إعادة هيكلة التعليم على نحو يضمن الجودة. وقد أثبتت تجارب الشعوب المتطورة أن النهوض بالتعليم لا يتحقق إلا بالمشاركة الكاملة من الجميع. فالتعليم عملية مشتركة بين الدولة والمجتمع وبالتالي ينبغي ألا يقتصر تمويله على الجهات الحكومية بل يتوجب أن يسهم جميع أفراد المجتمع المؤهلين والقادرين في عملية التنمية بشكل أو بآخر.
وبالنظر إلى العملية التعليمية في الماضي نجد أنها كانت أهلية معتمدة على تبرعات الأهالي و مشاركة بعض التجار في افتتاح المدارس، ونتيجة للازدهار الاقتصادي الذي حدث بعد اكتشاف النفط أصبح تمويل التعليم من مسؤولية الحكومة. ولكن التعقيدات التي تواجهها مجهودات التنمية اليوم ترتب عليها ضرورة التزام المجتمع ككل تجاه قضايا التنمية الأساسية ذلك انه ليس هناك من تعارض بين المشاركة المجتمعية و بين الجهد الحكومي بل بينها تكامل فكلاهما يهدف إلى الغاية ذاتها وهي التنمية . ومن هنا يمكن القول أن المشاركة المجتمعية باتت من المفاهيم التي تفرض نفسها و بقوة في السنوات الأخيرة في العديد من المجالات و خاصة مجال التعليم . فماذا تعني المشاركة المجتمعية في التعليم أو التعليم المجتمعي:
عرفته الأمم المتحدة على أنه " العمليات التي توحد بين جهود الأهالي و السلطات الحكومية لتحسين الأحوال الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية تحقيقا لتكامل هذه المجتمعات و مساعدتها الكاملة في التعليم القومي" . و هناك تعريفات أخرى له منها:
كاثرين لاكي " يقصد بالتعليم المجتمعي عملية إعداد للسكان المحليين للعمل لتحقيق أهداف المجتمع ذاته، فيتم تحديد الأهداف و تنظيم الجهود البشرية في الوقت الذي يعمل فيه السكان أنفسهم لانجاز هذه الأهداف مما ينعكس على حالة المجتمع المحلي فيجعله في وضع مختلف عن وضع آخر يسبقه"
كما عرفته سوسن عثمان بأنه " عملية مقصودة و موجهة و متكاملة ترتكز على مشاركة واسعة النطاق و هذه العمليات ذات أبعاد متعددة ومتنوعة و تتطلب تضافر جهود كافة الخبراء بتخصصاتهم المختلفة في الميادين المختلفة، وعملهم كفريق واحد مع ضرورة تدعيم العلاقة التعاونية مع الأجهزة الحكومية تحقيقا لزيادة فرص إنجاز الأهداف المطلوبة".
وعرفه أنور جرجس بأنه " الأنشطة التعليمية التي تستهدف تحسين جودة التعليم والتي تنفذ من خلال شراكة فعالة وإيجابية من مؤسسات المجتمع و تضافر الجهود الأهلية والحكومية لتقديم تدخلات و مساهمات عينية و غير عينية لإحداث تحسين في جودة التعليم"
مما سبق يتضح أن التعليم المجتمعي هي عملية تعكس رغبة المجتمع و استعداده للمساهمة الفعالة في الجهود الرامية إلى تحسين التعليم وطويره. فتوفير تعليم جيد النوعية يدعو إلى التوسع في إشراك المجتمع المحلي (منظمات أهلية –مؤسسات غير ربحية –أفراد) في تمويل العملية التعليمية. وإذا نظرنا إلى دور المجتمع في الارتقاء بالمؤسسات الحكومية نجد أن هذا الدور شبه غائب وذلك لعدة أسباب منها: اهتمام المواطن بالشؤون الخاصة أكثر من العامة ، قلة وعي المواطن بضرورة المساهمة في تنمية التعليم، ارتباط مفهوم العمل الخيري والتطوعي بمساعدة الفقراء والمحتاجي، ومركزية النظام التعليمي.
وحتى نستطيع إحداث شراكة حقيقية بين القطاع الحكومي و الخاص من أجل النهوض بالتعليم ينبغي التحول من فكرة كون التعليم مسؤولية حكومية إلى فكرة أن التعليم قضية قومية تحتاج إلى دعم و مساندة كافة قطاعات المجتمع، تعزيز مفهوم المواطنة و تعميق روح الانتماء و الحب للوطن، و الذي يقوم على الإدراك الواعي و المتوازن بين الحقوق و الواجبات، مساهمة المؤسسات الإعلامية بأهمية المشاركة المجتمعية في تطوير التعليم، التأكيد على أن العمل الخيري لا يقتصر على مساعدة الفقراء بل يتعدى ذلك إلى المساهمة في التنمية ، التحول إلى اللامركزية في إدارة النظام التعليمي.
والمشاركة المجتمعية وإن كانت مطلوبة من كافة الفئات و القطاعات و الهيئات و المؤسسات والشرائح الاجتماعية، ألا أنها مطلوبة وبالدرجة الأولى من أولياء الأمور فهم أصحاب المصلحة الحقيقة في التعليم و المرتبطون به ارتباطا مباشرا وبالتالي فان دورهم هو الأكبر حجما والأشد تأثيرا وأفضل مشاركة لأولياء الأمور تكون عن طريق تفعيل مجالس الآباء التي يجب أن يكون لها دور مباشر في إدارة العملية التعليمية وفي اتخاذ القرارات التربوية التي من شأنها النهوض بالتعليم و تحسين جودة البرامج المقدمة. ويمكن لأولياء الأمور تقديم مساعدات ومساهمات عينية وغير عينية فعلى سبيل المثال يمكنهم المشاركة فيما يلي:
1. دراسة المشكلات التعليمية و المساهمة في وضع الحلول المناسبة لها.
2. إلقاء المحاضرات التوعوية
3. مساعدة الطلبة الضعفاء في التحصيل
4. إنتاج الوسائل و تصميم البرامج التعليمية.
5. دعم المكتبات المدرسية و تزويدها بكل ما هو جديد.
6. تجهيز المختبرات و المعامل كمعامل الحاسب الآلي و اللغات.
7. التوعية الصحية و دعم برامج الصحة المدرسية.
8. إقامة برامج تدريبية للمعلمين.
9. تمويل التجهيزات الخاصة بالإنارة ،التهوية، المواصلات، المرافق
10. دعم النشاط اللامنهجي و برامج الإرشاد التربوي.
11. تقديم برامج تعليمية للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.
12. تقديم أنشطة خاصة بالخدمات البيئية
13. رعاية الطلاب الموهوبين و المتميزين.
14. تشجيع البحث العلمي و تقديم مكافآت للبحوث المتميزة.
15. تقديم الخدمة التعليمية إلى القرى و الهجر باعتبارها الأكثر احتياجا.
16. التوسع في إنشاء المدارس الخاصة وفق معايير الجودة الشاملة و الاستفادة من التكنولوجيا لتوفير تعليم جيد.
و ينبغي أن نعي أن مساهمة أولياء الأمور في دعم التعليم هي مساهمة من المجتمع بكافة قطاعاته فهم يمثلون شريحة مصغرة للمجتمع بكافة أطيافه و طبقاته و ثقافاته، ففيهم الطبيب الذي يستطيع المساهمة في إنشاء عيادة مدرسية أو القيام بزيارات طبية للمدرسة أو المشاركة في برامج الصحة المدرسية. و فيهم المهندس الذي يستطيع المشاركة في المجالات المتعلقة بالبنية التحتية كالمباني و المرافق و التجهيزات. ولا نغفل دور رجل الأعمال القادر على تجهيز المعامل و المختبرات أو الأستاذ الجامعي الذي قد يشارك في إلقاء المحاضرات التوعوية و الإرشادية أو المعلم الذي قد يفتتح فصول للتقوية لمساعدة ضعفاء التحصيل وحتى العامل البسيط يمكن أن يقوم بدور كبير في خدمة البيئة المدرسية.
و حتى يتحفز الأهالي للمشاركة في قطاع التعليم ينبغي أن تتسم المساهمة بما يلي:
� أن تكون نابعة من المجتمع ، تلبي احتياجاته و تحقق آماله.
� أن تعكس شراكة حقيقة بين المؤسسات المحلية و المجتمع المدني.
� أن تكون متناسقة ،متوازنة تخدم أهداف واقعية ملموسة.
� أن تناسب الإمكانات البسيطة و المتاحة.
� أن تهدف إلى تحقيق الجودة الشاملة في التعليم.
وحتى تكون مشاركة المجتمع للنهوض بالتعليم ناجحة وفاعلة؛ لابد أن تتم وفق آليات واستراتجيات مخطط لها وذلك عن طريق تشكيل لجان أو فرق عمل حسب الاختصاصات و المؤهلات و الخبرات؛ بحيث يضم كل فريق ممثلين عن أولياء الأمور-العاملين في قطاع التعليم-العاملين في القطاعات الأخرى-المتطوعين-الطلبة. ويجب أن يتميز هذا الفريق بما يلي:
� القدرة على العمل بروح الفريق
� القدرة على إدارة الفريق بكفاءة عالية
� الخبرة في المجالات المختلفة
� الرغبة في التحسين و التطوير
� تنسيق الجهود مع المؤسسات الحكومية بما يخدم المصلحة التربوية
و يكون من مهام الفريق:
� دراسة خصائص المجتمع وتفهم احتياجاته وطموحاته.
� التعرف على الواقع الاقتصادي و الاجتماعي لان هذه العوامل تؤثر على مستوى تطور التعليم
� التخطيط الجيد المبني على تحليل المشكلات وتحديد الأولويات و اتخاذ القرارات.
� توفير الدعم المالي و الفني للمدارس وتحديد قيمة المساهمات بعد دراسة الاحتياجات الفعلية لكل مدرسة.
� أن تكون جهود الفريق مكملة لجهود الوزارة مع ضرورة التنسيق و المشاركة في التخطيط و التنفيذ و المتابعة.
و هناك بعض المعوقات التي قد تحول دون تحقيق النجاح المطلوب للفريق و منها:
� المركزية المالية و الإدارية للنظام التعليمي والتي ترتب عليها:
1. ضعف الصلاحيات المخولة للإدارة المدرسية
2. عدم و جود شراكة حقيقة بين الإدارة التعليمية و مؤسسات المجتمع فالملاحظ أن مؤسسات المجتمع مازالت بعيدة عن القرار و صياغة الاستراتجيات التعليمية فهي مقيدة بسياسات الإدارة التعليمية و تعمل تحت إشرافها و لا تمتع بأي صلاحية للتطوير أو التحسين بمعنى آخر لا يتوفر لهذه المؤسسات القوة الدافعة و المؤثرة للقيام بالدور الكافي لإحداث التغيير المطلوب.
والتغلب على هذه الصعوبات يستدعي إدارة التعليم أن تقوم بما يلي:
� رفع القيود التي تعيق المشاركة المجتمعية و ذلك عن طريق تقليل الإجراءات الروتينية و اختصارها من حيث الوقت و الجهد، وتبني فلسفة ديمقراطية تؤمن لأفراد المجتمع حق المشاركة و اتخاذ القرار حول التعليم.
� التحول من المركزية في الإدارة إلى اللامركزية و ذلك عن طريق إعطاء المدرسة بعض السلطات و الصلاحيات مما يساعدها على الانفتاح على المجتمع كأن تتاح للمدرسة اتخاذ بعض القرارات الخاصة بفتح برامج تدريبية للمعلمين أو فصول تقوية للضعفاء أو صلاحية ترميم المنشات و تجهيز لمعامل و المختبرات أو استكمال العجز و النقص عن طريق تشغيل الخريجين بصورة مؤقتة. و التحول إلى اللامركزية يؤدي بلا شك إلى إدارة أفضل و كفاءة أشمل و مساحة أكبر من العاملين للمشاركة و الإبداع و الابتكار الذي يهدف في نهاية المطاف إلى دمج المدرسة في المجتمع.
و ختاما أود التنويه إلى أن التحول إلى اللامركزية لا يعني إلغاء الإدارة المركزية المسؤولة عن تطوير التعليم و تنمية موارده بل يعني تخفيف العب و المساعدة و المساندة في التخطيط و التنفيذ و التقويم و القيام بما تقتضيه المواطنة الحقة.
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
المراجع
ساحة النقاش