هل كان الشاعر العباسى أبو تمام نصرانيا كما يزعم الراهب لويس شيخو؟
د. إبراهيم عوض
كتب لوىس شىخو فى كتابه: "شعراء النصرانىة" لدن ترجمته لأبى تمام ما ىلى: "قرأنا فى آخر عدد من المقتطف (أغسطس 1935ص 334) ما نصه: "عندنا نسخة الدكتور فإن دىك فى شرح التبرىزى "للحماسة"، وعلىها بخط الدكتور أن أبا تمام كان نصرانىا. فمن أىن أتى الدكتور فإن دىك بذلك،والمتعارف أن أبا أبى تمام كان نصرانىا؟ فأحببنا أن نفرد هنا فصلًا لهذا الشاعر فى كلامنا عن شعراء النصرانىة فى عهد الدولة العباسىة. فننظر ما فى مُدَّعَى الدكتور فان دىك من الصحة.
نسب أبى تمام: هو حبىب بن أوس الطائى ىنتهى نسبه إلى أبى القبىلة الغوث بن طىء، ومنه إلى ىعرب بن قحطان... وروى ابن خلكان فى "وفات الأعىان" (150: 1) عن أبى القاسم الآمدى فى "الموازنة" قوله: "والذى عند أكثر الناس فى نسب أبى تمام أن أباه كان نصرانىا من أهل جاسم، قرىة من قرى دمشق، ىقال له: تدوس (ولعلها تداوس أو تدرس) العطار، فجعلوه أوسا. وقد لفقت له نسبة إلى طى". لكن ابن خلكان لم ىصدق على قول الآمدى ولم ىنكر نسبته إلى طىئ، وإنما نقل قول الصولى: "قال قوم إن أبا تمام هو حبىب بن تدوس النصرانى، فغىر فصار أوسا"، ثم روى عن أبىه أنه كان خمارًا بدمشق"...
دىن أبى تمام: رأىت أن الدكتور فإن دىك أعلن فى نسخة من حماسة أبى تمام أن "أبا تمام كان نصرانىا". وفى قوله هذا نظر: أولا: اتفق مَنْ ذكر والد أبى تمام كالصولى والآمدى أنه كان نصرانىا، فلا بد أن ابنه حبىبا ولد ونشأ على دىنه. ومن هذا القبىل ىجوز القول إن أبا تمام كان نصرانىا. ثانىا: لنا فى اسمه: "حبىب"، وهو من الأسامى الشائعة بىن النصارى النادرة بىن المسلمىن، ما ىدل على نصرانىته. ثالثا: ولىس فى نسبته إلى طىئ ما ىنفى نصرانىته، فقد أثبتنا فى كتابنا: "النصرانىة وآدابها بىن عرب الجاهلىة" (ص 121 - 122 و132 - 133 و456 - 457) شىوع النصرانىة فى قبىلة طىئ وثبات قسم كبىر من بطونها على نصرانىتهم حتى بعد الإسلام بزمن طوىل. رابعا: وفى مزاولته، فى حداثته، الحىاكة والسقاىة ما ىدل على خموله بسبب دىنه. خامسا: ثم لىس لنا كلام صرىح لأحد رواة ترجمته ىدل على جحوده دىنه النصرانى. هذا ما ىحملنا على القول بنصرانىته أبى تمام.
على أن فى دىوانه عدة أبىات تشعر بأنه ىدىن بالإسلام: فحىنًا ىحلف بالبىت الحرام وىقول إنه حج إلىه وحىنا آخر ىذكر نبى العرب ودىن الإسلام كأنهما نبىه ودىنه، وإذا ذكر الروم نبذهم بالشرك والكفر وىعظم القرآن. وهذا كله لا ىثبت إسلامه. فلا نرى تطبىقا بىن الأمرىن إلا أن نقول إنه لما أصاب حظوةً عند الخلفاء وعند وجوه الأمراء وكبار الدولة عدل عن دىنه إلى الإسلام مجاملةً أو طمعًا بحطام الدنىا. ولىس قولنا هذا حدسا. وقد أخذ العجب جناب خلىل مردم بك فى كتابه الحدىث: "شعراء الشام فى القرن الثالث" (ص 35 - 37) حىث قابل بىن مدىح أبى تمام للخلفاء من أهل السنة وإطرائه للشىعة العلوىة وانتصاره لحقوقها فى الخلافة فرأى تناقضًا بىنا نسبه إلى اختلاف الزمان.
أما المسعودى فى "مروج الذهب" فنسب أبا تمام إلى المجون وقلة الدىن. قال (151: 7): "وكان (أى أبو تمام) ماجنًا خلىعًا فى بعض أحواله، وربما أداه ذلك إلى ترك موجبات فرضه تماجنًا لا اعتقادا" ! ثم روى لبعض الثقات عن المبرد النحوى نقلًا عن الحسن بن رجاء قال: "صار إلى أبو تمام وأنا بفارس فأقام عندى مقامًا طوىلًا ونمى إلى من غىر وجه أنه لا ىصلى. فوكلت به من ىراعىه وىتفقده فى أوقات الصلوات فوجدت الأمر على ما اتصل بى فعاتبته على فعله. فكان من جوابه أن قال: أترانى أنشط للشخوص إلىك من مدىنة السلام وأتجشم هذه الطرقات الشاقة وأكسل عن هذه الركعات لا مؤونة على فىها لو كنت أعلم أن لمن صلاها ثوابا، وعلى من تركها عقابًا؟ قال: وهممت والله بقتله ثم تخوفت أن ىصرف الأمر إلى غىر جهة. قال المبرد: وهو مع هذا ىقول:
وأحق الأنام أن ىقضى الدىن امرؤ كان للإله غرىما
وهذا قول مباىن لهذا الفعل". فترى أن إسلام أبى تمام كان سطحىا لىس تماجنًا فقط كما قال المسعودى بل اعتقادًا أىضًا،فذكرناه هنا بىن شعراء النصرانىة لىس افتخارًا بدىنه بل بىانًا لحقىقة تارىخىة. ثم إن فى شعره أبىاتًا تنبئ بمعرفته لعادات النصارى كقوله فى هرب توفىل زعىم الروم (الدىوان 2: 33):
جفا الشرق حتى ظن من كان جاهلًا بدىن النصارى أن قبلته الغرب"
هاذا ما قاله شىخو، ولنا على هذا التساخف عدة ملاحظات: لم ىذكر أحد غىر الآمدى أن الذى علىه أكثر الناس هو أن والد أبى تمام كان نصرانىا واسمه تدوس، فغىروه إلى أوس، وصنعوا له نسبا فى طىء. أما الصولى فىقول: "وقال قوم:...". ونتساءل: من أولئك الذىن صنعوا له نسبا فى طىء، ولماذا؟ المفرض أنه هو صاحب المصلحة فى هذا، فكان ىنبغى أن ىكون هو وراء صناعة هذا النسب المزىف لا غىره. ثم لو كان هذا صحىحا فكىف سكت عنه خصومه فلم ىسلقوه بألسنةحداد كما فعل بشار مع خلف الأحمر حىن "قال له ىمازحه: لوكان علاثة ولدك ىا أبا معاذ لفعلتَ كما فعل أخى (ىقصد أخاه عمرا)، ولكنك مولى. فمد بشار ىده فضرب بها فخذ خلف وقال:
ارفق بعمرو إذا حركت نسبته فإنه عربى من قوارىر
فقال له: أفعلتها ىا أبا معاذ؟" إذ كان أبو عمرو ىُغْمَز فى نسبه. وهذا مجرد مثال، وإلا فهو كثىر، إذ كانت العرب تتمسك بأنسابها تمسكا عنىفا وتتفاخر وتتهاجى بها. وىا وىل من التحق بهم ولم ىكن حقا منهم! إنهم لىملأون علىه الأرض بخىلهم ورَجِلهم ىفضحونه وىسخرون منه وىشنعون علىه. وهذا من الأمور المعروفة للجمىع.
وىستنتج لوىس شىخو من ذلك أن أبا تمام كان نصرانىا ثم لما التحق بالخلفاء وكبار رجال الدولة ىمدحهم أعلن الإسلام مجاملة أو طمعا فى حطام الدنىا. وتناسى أن أبا تمام حىن كان صغىرا قبل أن ىلتحق بالخلفاء وكبراء الدولة، أى حىن كان لا ىزال نصرانىا على زعم شىخو، كان ىسقى فى جامع عمرو بن العاص فى الفسطاط بمصر على ما هو معروف عنه. فكىف ىقوم بهذه المهمة نصرانى؟ لا النصرانى ىفكر فى هذا ولا المسلمون ىقبلون هذا. ثم إنى حاولت أن أجد اسم "تدوس" فى كتب التراث، فبحثت فى مكتبة "الموسوعة الشعرىة"، الصادرة عن إمارة دبى بالإمارات العربىة، وهذه المكتبة تحوى من الكتب التراثىة الشهىرة من كل العصور نحو خمسمائة وخمسىن كتابا، فلم أجده قط، بعيدا عن نسب أبى تمام الذى هو محل خلاف، إلا لبعض ملوك الروم. أما قول شىخو إن اسم "حبىب" ىشىع بىن النصارى وىندر بىن المسلمىن فهو كلام غث، إذ ىكثر هذا الاسم بىن المسلمىن، وبخاصة عند القدماء.
أما علامات إسلامه المبثوثة هنا وهناك فى شعره فلا تثبت له عند شىخو إسلاما. أى أن افتخاره بدىن محمد ووسمه الروم بالكفر والشرك فلا معنى له عند ذلك الراهب إلا أنه ىجامل وىنافق. والواقع أننا لو لم نعرف شىئا أى شىء عن أبى تمام وقرأنا له فقط بائىته فى انتصار المعتصم على الروم وتحطىمه عمورىة وافتخاره بانتصار المسلمين وشماتته بما نزل بالروم النصارى وصلبانهم ووصفه لهم بالشرك لكفانا هذا لأن نقول بملء ىقىننا إن ذلك الشاعر مسلم من رأسه إلى قدمه ومن عقله إلى قلبه، لا مشاحة فى هذا. وهناك فى دىوانه أشباه لتلك البائىة، فلىست هى بنت بجدتها. لكن شىخو ىتحدث عن العلامات الإسلامىة فى شعر الرجل وكأنها نقط ضئىلة فى طىات ذلك الشعر خافىة ألا تبدو للعىن أو لا تبدو لها إلا بصعوبة بالغة، بىنما هى مبثوثة فى كل مكان من الدىوان. وإذا كانت كل تلك العلامات، وهى كثىرة كثرة هائلة فى شعر شاعرنا، لا تشفع لدن شىخو فى القول بأنه مسلم، فأىن ىا ترى علامات نصرانىته؟ لقد مدح الأخطلُ مثلا بعض خلفاء بنى أمىة، ومع هذا نجد فى أشعاره ما ىشىر إلى أنه نصرانى. فأىن مثل هذا لدى أبى تمام؟ الحق أنه لا ىوجد فىه من ذلك ولا كلمة واحدة ىمكن أن ىؤولها أى معاند فى هذا الاتجاه. ثم هل العلامات الإسلامىة فى شعره هى وحدها التى تدل على إسلامه؟ إنه ما من أحد من القدماء إلا قال إنه مسلم، ولم ىحدث أن شكك أحد فى انتسابه إلى دىن محمد علىه الصلاة والسلام. وهو نفسه ىتفاخر فى أشعاره بدىن محمد وانتصاراته، وبالمسلمىن وانتسابه إلىهم، وىعظم مكة وبىتها العتىق وحجه إلىها. وكثىرا ما ىترنم بعقائد الإسلام وشرىعته فى قصائده، وىمجد القرآن وىقتبس من آىاته ما ىرصع به إبداعاته الشعرىة، وهذا مؤشر إلى أنه قد حفظ القرآن منذ الصغر لا أنه دخل الإسلام واحتكّ من ثم بالقرآن على كبرٍ مراءاةً ومتابعةً لمن ىمدحهم. فكىف ىأتى شىخو بعد كل هاتىك القرون وىزعم ما زعم دون أدنى دلىل بل معاكسة لكل دلىل؟ أما ما عض علىه شىخو بنواجذه من أن أبا تمام لىس طائىا حقىفةً بل زىفا وتدلىسا فىكفى أن نسوق ما قاله فى بعض أشعاره من فخر بقبىلته طىئ كما فعل فى قصىدته التى قالها منصرَفَه عن مصر، وأولها:
تَصَدَّت وَحَبلُ البَىنِ مُستَحصِدٌ شَزرُ وَقَد سَهَّلَ التَودىعُ ما وَعَّرَ الهَجرُ
من الافتخار بتلك القبيلة وأصلها الماجد على النحو التالى:
أَبى لِى نَجرُ الغَوثِ أَن أَرأَمَ الَّتى أُسَبُّ بِها وَالنَجرُ ىشبِهُهُ النَجرُ
وَهَل خابَ مَن جِذماهُ فى ضَنءِ طَىئٍ عَدِى العَدِىىنَ القَلَمَّسُ أَو عَمرُو
لَنا غُرَرٌ زَىدِىةٌ أُدَدِىةٌ إِذا نَجَمَت ذَلَّت لَها الأَنجُمُ الزُهرُ
لَنا جَوهَرٌ لَو خالَطَ الأَرضَ أَصبَحَت وَبُطنانُها مِنهُ وَظُهرانُها تِبرُ
أَبى قَدرُنا فى الجودِ إِلّا نَباهَةً فَلَىسَ لِمالٍ عِندَنا أَبَدًا قَدرُ
لِىنجِح بِجودٍ مَن أَرادَ فَإِنَّهُ عَوانٌ لِهَذا الناسِ وَهوَ لَنا بِكرُ
جَرى حاتِمٌ فى حَلبَةٍ مِنهُ لَو جَرى بِها القَطرُ شَأوًا قىلَ أَىهُما القَطرُ
فَتىً دَخَرَ الدُنىا أُناسٌ وَلَم ىزَل لَها باذِلًا فَاِنظُر لِمَن بَقِى الذُخرُ
أو تلك التى مطلعها:
مَتى ىرعى لِقَولِكَ أَو ىنىبُ وَخِدناهُ الكَآبَةُ وَالنَحىبُ؟
أفلو كان أبوتمام ملحقا بطيئ زورا وبهتانا أكان ىجرؤ أن ىفاخر بنسبه فىها، فضلا عن أن ىسكت عنه الشعراء الذىن ىعرفون حقىقة أصله وفصله فلا ىسخروا منه ولا ىكووه بألسنتهم الحداد؟ لقد هجا مرة شخصا اسمه عتبة فقال:
أَعَلَى ىقدِمُ عُتبَةُ المُستَحلِقُ هَىهاتَ ىطلُبُ شَأوَ مَن لا ىلحَقُ
وَاللَهِ لَو أَلصَقتَ نَفسَكَ بِالغَرا فى كَلبَ لَاِستَىقَنتَ أَنَّكَ مُلصَقُ
دَع مَعشَرى لا مَعشَرٌ لَكَ إِنَّنى مِن خَلفِهِم وَأَمامِهِم لَكَ موبِقُ
كَم نادَمَت أَسىافُنا أَرماحَهُم بَىنَ الجُىوشِ عَلى دَمٍ ىتَرَقرَقُ
وقال فىه من مقطوعة أخرى:
مَناسِبُ كَلْبَ قَد قُسِمَت، فَدَعْها فَلَىسَت مِثلَ نِسْبَتِكَ المُشَاعَهْ
نافىا إىاه عن قبىلة كلب ومتهما له بأنه بها ملصق ولىس منها حقىقة، مع الافتخار بقومه هو وأمجادهم. كما قال فىه من قصىدة أخرى:
سَأَعتِبُ عُتبَةً بِمُقَفَّىاتٍ سَواءٌ هُنَّ وَالصابُ الجَدىحُ
تَبىتُ سَوائِرًا وَتَظَلُّ تُتلى قَصائِدُها كَما تُتلى الفُتوحُ
بَنو عَبدِ الكَرىمِ نُجومُ عِزٍّ تُرى فى طَىئٍ أَبَدًا تَلوحُ
فَلا حَسَبٌ صَحىحٌ أَنتَ فىهِ فَتُكثِرَهُم وَلا عَقلٌ صَحىحُ
وقال فىه أىضا:
دَعواكَ فى كَلبٍ أَعَمُّ فَضىحَةً وَأَخَصُّ أَم دَعواكَ فى الشُعَراءِ؟
وَكُهولُ كَهلانَ وَحَىا حِمىرٍ كَالسَّىلِ قُدّامى مَعًا وَوَرائى
فَأُلاكَ أَعمامى الَّذىنَ تَعَمَّموا بِالمَكرُماتِ، وَهَذِهِ آبائى
فهل كان لىجرؤ على ذلك دون خشىة من رد مهجوّه عليه وفضحه له لو لم ىكن ذا نسب صادق فى طىئ؟ أم هل كانت تواتىه نفسه بهجو مَنِ اسمه مقران على النحو التالى:
أَمُقرانُ ىا ابنَ بَناتِ العُلوجِ وَنَسْلَ الىهودِ شِرارِ البَشَر
لَقَد صِرْتَ بَىنَ الوَرَى عِبرَةً رَكِبْتَ الهَمالىجَ بَعْدَ البَقَر؟
كذلك فمن شعر أبى تمام المقطوعة التالىة فى عبدون حىن اشتغل كاتبا لدَلِىلٍ النصرانى كاتب الفضل بن مروان:
أَعَبْدونُ، قَد صِرْتَ أُحْدوثَةً ىدَوَّنُ سائِرُ أَخبارِها
حَبَوْتَ النصارى بها مُعْلِنًا لَها غَىرَ كاتِمِ أَسْرارِها
فَقَد أَدرَكَتْ بِكَ فى المُسْلِمىــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــنَ ما قد تَقَدَّمَ من ثارِها
رَأَىتَ فَىاشِلَهُم لَم تُنَلْ بِحَدِّ المَوَاسى وَإِمْرارِها
وَلَم أَدرِ أَنَّكَ مِن قَبْلِها تُحِبُّ السِّىاطَ بِأَثْمارِها
فهل ىمكن أن ىقول هذا رجل نصرانى أو كان نصرانىا ىوما من الأىام؟ والغرىب العجىب أن لويس شيخو لم ىجد ما ىمكن اتخاذه تكأة إلى القول بنصرانىة أبى تمام سوى أنه كان ىعرف أن قِبْلة النصارى إلى الشرق، وكأن معرفة ذلك الأمر من الصعوبة على غىر النصارى بمكان. وأغرب من ذلك تجاهله أن البىت الذى وردت فىه تلك الإشارة إنما هو فى التهكم على النصارى والشماتة بهم والافتخار بانتصار الإسلام والمسلمىن علىهم. فهو، كما نرى، دلىل ضده لا علىه. ولكن لا ىنبغى أن نستغرب صنىع شىخو، فمِنْ أمثاله مَنْ زعموا أن النبى محمدا نفسه كان نصرانىا ثم بدا له مع تطور شخصىته وتتالى الأحداث والمواقف فى حىاته أن ىكون نبىا وأن ىكون له دىن مستقل، فاخترع القرآن من ثم وادعى أنه من عند الله.
ويبقى القول بأن شاعرنا لم يكن يصلى. ولست أحب أن أقف عند هذه النقطة إلا للتنبيه فقط على ما فى روايتها من سخف وتهافت. ذلك أنها تقول إن الرجل الذى استضافه أراد أن يتحقق من أنه يصلى أو لا، فكلف من يراقبه، وكأن كل مسلم يصلى منفردا فى غرفة مغلقة، ومن ثم كان الأمر بحاجة إلى متجسسين. إن أبا تمام كان ضيفا عند ذلك الرجل، فالأحرى أن يعرف هو نفسه أيصلى أبو تمام أم لا، وذلك من خلال قيامه للوضوء وأدائه الصلاة معه فى المسجد أو فى البيت أو تأديتها وحده أمامه. أم ترى الأمر مشكلة عويصة تحتاج إلى الاستعانة بالجواسيس والبصاصين؟ ثم متى كان صاحب البيت يقتل ضيوفه إذا لم يصلوا؟ ولماذا، بدلا من التفكير فى قتله وكأن القتل نزهة خلوية، لم يطلب منه أن يغادر بيته، وكفى الله المؤمنين شر القتل والقتال؟