حسن التعامل مع الغير أصبح نادرا
د. ماهر الصواف
كثيرا ما يجد الفرد منا صعوبة في الاتصال والتعامل مع الغير ، فقد يسلك احد الأفراد مسلكا يشكل إزعاج لجيرانه في السكن بقيامة علي سبيل المثال بإلقاء القمامة علي درجات سلالم المنزل او بالطرق والشوارع المحيطة ، أو إطلاق بعض الألعاب النارية في أوقات متأخرة ليلا وغير ذلك من التصرفات المقلقة والمزعجة للسكان . ففي مثل هذه الحالات يصعب طلب إيقاف هذا الإزعاج ، وكثيرا ما تفشل كافة المفاوضات للوصول إلي تفاهم للحفاظ علي حقوق باقي السكان وقد يصر الجار علي الاستمرار في الإزعاج لاقتناعه أن ذلك حق شخصي مطلق ( انا حر).
لذلك يمكن القول أن العلاقات الإنسانية مع الغير في مصر من أعقد الأمور التي تسبب عديد من التوترات العصبية والمشكلات الاجتماعية ، فكل منا يتعامل مع أفراد عدة سواء في مجال العمل ، او في الدراسة ، او مع الجار في السكن . ، كما نحتك مع الغير أثناء قيادة السيارات أو استخدام وسائل نقل الركاب ، وغير ذلك من الاحتكاكات والاتصالات الإنسانية. وللأسف كثيرا ما تسبب هذه الاحتكاكات مشكلات مجتمعية ومضايقات نفسية ، ويؤدي ذلك بدوره إلي ضعف الرغبة في التعاون والمشاركة المجتمعية لتحقيق الخيروالصالح العام .
ومن الغريب أن يحدث ذلك في مجتمع إسلامي ، حيث يعد حسن التعامل مع الآخرين ، وخاصة الجار هو مقصد عظيم من مقاصد الشريعة الإسلامية ، وقد أوصي القران الكريم بذلك فيقول تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم " وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا ( النساء 36 )
وقد وردت أحاديث عديدة تشدّد علي الوصاية بالجار، لمكانة هذا الجار وما له من حقوق فعن أبي هريرة رضي اله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن )) ! قيل : من يا رسول الله ؟ قال : (( الذي لا يأمن جاره بوائقه !)) والبوائق هي الشرور، والأحقاد وما إلى ذلك .
ويجب الإشارة أن هناك من الفقهاء من يتوسع في تفسير مفهوم الجار ويوضحون أن هناك صورًا أخرى تدخل في مفهوم الجوار . منها الجار في العمل والجار في الدراسة ، الجار في السوق ، والجار في المزرعة، حيث أن الإسلام دين الترابط والتآلف، ودين يدعو الى المحبة والمودة بين الناس، والتكاتف في خدمة المجتمع.
وفي اعتقادي أن صعوبة التعامل مع الغير في مجتمعنا والوصول الي تفاهمات وحلول للمشكلات بيننا قد ترجع للأسباب التالية :
<!-- ضعف الوعي بالحدود والضوابط المقررة للحقوق وممارسة الحريات
<!--غياب الشعور بأهمية احترام الآخر وحقوقه القانونية والإنسانية، فقد ورثنا عديد من السلوكيات والعادات التي تطلق الحرية للفرد دون أي ضوابط وحدود .
<!-- الأساليب الخاطئة في التربية والتعليم فنادرا ما يتم الاهتمام بتنمية الوعي لاحترام الآخر ومراعاة حقوقه .
<!--تحريض بعض الطوائف والجماعات الدينية علي رفض الأخر وعلي تجنب التعامل معه.
<!--سيطرة ثقافة التمييز بين طبقات وفئات المجتمع فمن يملك سلطة عامة أو يملك المال يعامل معاملة متميزة لذا فهو عادة ينطلق من أنه من علية القوم و لا يجوز للأخر أن ينتقد تصرفاته . ففي مثل هذه المواقف قد نسمع من يملك القوة والجاه يقول : "انتي عارف بتكلم مين إحفظ مركزك " وويوضح علماء العلوم السلوكية أنه من عوائق الإتصالات والتفاهم بين الأفراد هو إعتقاد أحدهم أنه هو الأصح والأقوي وأن الآخر هو فاسد ومخطئ
(you are not OK I am OK and) وفي هذه الحالة يصعب حدوث التفاهم أو تبادل الأفكار والتفاوض للوصول إلي حلول ترضي الطرفين .
ويهمنا هنا الإشارة أن أهمية سلامة العلاقات الاجتماعية ووضوح حدود وضوابط ممارسة الحريات حيث يعد ذلك من أهم العوامل المعضدة للاستقرار والتنمية والتقدم، وتوفر المناخ المساعد علي الإندماج المجتمعي والرغبة في المشاركة في تحقيق الخير للجميع ، لذا يجب علي الحكومة أن تهتم بوضع خطة استراتيجية تهدف إلي معالجة الأسباب المشار إليها من خلال تعاون الوزارات المعنية ، وأهمها التعليم والأوقاف والثقافة والشباب ، مع أجهزة الإعلام المختلفة ومؤسسات المجتمع المدني ، والله الموفق .