• <!--[endif]-->فهوم حرية التعبير وأهميته
بقلم أ.د. محمد ماهر الصواف
ميز الله الإنسان عن سائر المخلوقات، فقد جعله بالعقل يدرك حقائق الوجود، ويحلل ويقيم الأمور، ويختار بين البدائل، ويميز بين الحق والباطل، وبه يهتدى إلى تحقيق المصالح وتجنب المضار. إلا أن العقل دون حرية التعبير هو عقل ملغى ومعطل، بل وبدونها يفقد الإنسان السعادة لعدم قدرته على إثبات ذاته، فحرية التعبير متلازمة مع الذات الإنسانية، والإنسان يسعى دوما إلى الإفصاح عن ذاته بالتعبير عن رأيه وفكره وينتظر الإنصات له وإحترام رأيه، ولا شك أن ذلك ينشط حركة الفكر عند الإنسان ويشجعة على المزيد من العطاء ونضج أفكاره وآراءه . ويقول الفيلسوف جون ستيوارت ميلJohn Stuart Mill إننا إذا أسكتنا صوتاً فربما نكون قد أسكتنا الحقيقة، وإن الرأى الخاطئ ربما يحمل في جوانحهِ بذور الحقيقة الكامنة.
ومن هنا تعد حرية التعبير أحد أو أهم أنواع الحرية، وهي تعني إفساح المجال لكل إنسان لكى يفكر ثم يعبر عن وجهة نظره بمختلف وسائل التعبير الشفهية أو الكتابية، سواء في القضايا الخاصة أو العامة، الاجتماعية أو الثقافية أو الاقتصادية أو السياسية، ومن أجل تحقيق النفع أو الخير للمجتمع. كما أن هذه الحرية تتضمن إقرار حق النقد كما جاء في أول خطبة لأبى بكر الصديق رضي الله عنه بعد توليه الخلافة: "إن أحسنتُ فأعينونى، وإن أسأتُ فقومونى . . وهكذا تتجلي أهميّة حرية التعبير في كونها الضامن الأهم لكشف عورات القرار السياسى والنشاط الإجتماعى والإقتصادى ولمراقبة الأداء الرسمى فى دولة من الدول.
وعلى حق يعد التعبير عن الرأى من أهم مقاييس تقدم المجتمعات لكونها تشجع علي تقديم الأفكار الخلاقة والإبداع كما تساعد على تبادل الآراء وجمع أكبر عدد من البدائل لحل مشاكل المجتمع مما يسمح بإتخاذ القرار الأفضل للمجتمع بأقل آثار سلبية. ونتيجة لأهمية حرية التعبير عن الرأى للشعوب كافة فقد تضمنت المواثيق الدولية وأغلب دساتير دول العالم الديمقراطية وحتى غير الديمقراطية نصوصاً تؤكد على احترام هذا الحق وعدم المساس به، فنصت المادة (65( من الدستور المصرى 2014 على أن حرية الفكر, والرأى مكفولة. ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول, أو الكتابة, أو التصوير, أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر. كما نصت المادة (72) على أن تلتزم الدولة بضمان استقلال المؤسسات الصحفية ووسائل الإعلام المملوكة لها, بما يكفل حيادها, وتعبيرها عن كل الآراء والاتجاهات السياسية والفكرية والمصالح الاجتماعية, ويضمن المساواة وتكافؤ الفرص فى مخاطبة الرأى العام .
ولا ننكر ان هناك استجابة واضحة من الحكومات فى الدول العربية لمطالب شعوبها بالحرية وظهرت بوادر للإنفتاح على العالم وتحررت إلى حد كبير وسائل الإعلام وظهرت قنوات فضائية مستقلة تجمع الآراء المختلفة حول كافة الأمور السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتنشرها بلا قيود تذكر. أيضا ساهمت وسائل الإتصال والتواصل الإجتماعى العالمية في إتاحة الفرصة أمام الأفراد لنشر آرائهم بحرية كبيرة ليس فقط فيما يتعلق بالسياسات العامة بل أيضا في كثير من المسائل المجتمعية والإقتصادية .
ومهما كانت حرية الفكر والتعبير مقدسة، فلابد لها من ضوابط تنظم ممارستها، وهذا ما سنتناوله فى المقال القادم بمشيئة الله.