Dr. Maher Elsawaf

الطريق إلي التقدم والتنمية يقوم علي العلم والمعرفة وحرية التعبير

 

وعى الأفراد فى زمن كورونا

د. ماهر الصواف

أدت الأزمة الصحية وتفشي مرض فيروس كورونا (كوفيد-19) إلي تداعيات اقتصادية كبيرة، و ضرر لكثير من  العمال  نتيجة فقدان الوظائف ، وأصبح التأثير الاقتصادي واضحا بالفعل في البلدان الأشد تأثرا بتفشي هذا المرض وذلك بسبب التأثير الكبير الناجم عن التباعد الاجتماعي وما تم إتخاذة من الإجراءات اللازمة للحد من انتشاره، كوضع قيود على السفر، وإغلاق المدارس لفترات مؤقتة، والحجر الصحي وغير ذلك من إجراءات .

ولتفادي هذه الأثار الاقتصادية السلبية اتجهت الدول إلي التخفيف من إجراءات الإغلاق وطالبت الحكومة بتعاون وثيق وشديد بينها وبين وعى الشعب حيث اظهرت تجارب بعض الدول أن وعى المواطنين بالفعل كان حاسما فى التقليل من آثار الوباء المدمرة.

ويجب الإشارة أن الكثير من أجهزة الإعلام في مصر انتقدت السلوكيات العامة غير الواعية بطبيعة وخطورة الوباء ، بل وأشار البعض أن وعى الشعب صحيا غير موجود ، وأن وجوده محوري فى هذه الظروف الصعبة.

فما المقصود بالوعي ؟  وكيف يمكن بناءة ؟

ذهب بعض الفلاسفة الي ان الوعي هو قدرة المرء على إدراك واقعه من خلال عنصري المعرفة والشعور، ورجح البعض منهم ربط الوعي بجانب إعمال العقل بشكل رئيسي ،  ويري هيجل أن الوعي يرتبط بالمعرفة المتحصلة من التعلم ومن خلال التجربة والتراكم المعرفي .

ويميز كانط بين المعرفة والوعي بالذات، إذ أنه يرى أن وعي الذات لنفسها كوجود أخلاقي لا يعني بالضرورة وعيها المطلق بالأشياء التي تحيط بها؛ لأن الإنسان حتى الآن لا يزال يجهل حقيقة الأشياء في ذاتها، وبالتالي فإن إدراكه لها يظل إدراكًا نسبيً.

وركز كارل ماركس على الجانب الاقتصادي والاجتماعي و يرى أن وعي الناس ليس بالضرورة أن يشكل وجودهم الاجتماعي وإنما العكس، بمعنى أن وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم، فالناس الذين ينتمون إلى طبقة الفلاحين سيتحدد وعيهم بالمستوى الاجتماعي الذي ينتمون إليه، على عكس طبقة عمال الصناعة او رجال الأعمال والأغنياء، سيتشكل وعي كل منها  بشكل مختلف.

ويعتقد كارل ماركس أن هذا التباين ليس بالضرورة يكون سلبيًا ،  لوجود علاقة جدلية بين الوعي والواقع، إذ أن (الوعي الصحيح) بإمكانه أن يساهم في تغير الواقع. وهو يرتبط بقدرة بعض الأفراد على استشعار مشاكل الواقع والسعي لحلها من خلال التأثير على الآخرين، بينما يكون دور الوعي سلبيًا تجاه الواقع في حال كان هذا الوعي مزيفًا؛ إذ أنه يعمل على تكريس الواقع بأخطائه.

وينطلق  ديكارت من فلسفة الشك ويعتقد ان الوعي الإيجابي يتشكل إذا لم يتوقف العقل عند التمسك بالمسلمات الاجتماعية والبيئية ، واستخدم الفرد قدراته العقلية في إختبارها، والتأكد منها من خلال التطور العلمي الذي تشهده الحضارة البشرية بشكل مستمر، وأنه عن طريق الشك يمكن أن نصل لليقين الذي يساعد الذات على أن تفهم واقعها بشكل أفضل.

وبشكل عام يعتبر مفهوم الوعي أحد المفاهيم الجدلية حتى الآن، إلا انه من الأهمية أن ننظر إليه بشكل عميق حتى نتمكن من فهم طريقة بنائه وتشكيله لواقعنا، وبالتالي نصبح قادرين على تجاوز محنة التأخر الحضاري الذي نعيشه حاليًا ، وفي هذا السياق اشار الشيخ محمد الغزالي أن الأمة العربية قد يحسبها البعض أممًا حية ولكنها مغمى عليها. والحياة الإسلامية تقوم على فكر ناضر؛ إذ الغباء في ديننا معصية” (انظر مقدمة كتابه: كنوز من السنة، ص: 7).

 ونخلص مما سبق إن قضية الوعي ينبغي أن نوليها أهمية تتناسب مع قدرها؛ ونعمل علي بناء الوعي الصحيح الذي يساعد علي التوجه نحو التنمية والتقدم من خلال الإهتمام بالتعليم القائم علي معايشة المعلومة، والتدبر في معناها ، وتحليلها وتوظيفها في خدمة الأفراد والمجتمع ،

أيضا من الأهمية يجب ان تلعب أجهزة الإعلام المختلفة دورا ملموسا في إنتقاء المعلومات التي يتم نشرها وإذاعتها والتعاون فيما بينها لنشر الحقائق، وما يتعلق بالواقع الإجتماعي والإقتصادي، وتحفيز الأفراد علي إعمال العقل واليقظة، والتأمل والتفكير في المسلمات الاجتماعية ومنطقيتها ومدى إتفاقها مع المتغيرات الإجتماعية والعلمية السريعة.    

 

 

Dr.maher elsawaf الأستاذ الدكتور محمد ماهر الصواف

drelsawaf
نشرالثقافة الإدارية والسياسية والإجتماعية والإقتصادية »

عدد زيارات الموقع

327,184

ابحث