مفهوم النظام السياسي وتطوره
د . ماهر الصواف
لا يختلف أحد حول أهمية النظام السياسي في المجتمع باعتباره المؤثر الأساسي علي التقدم والتنمية بالدولة. فهو يعمل جاهدًا من أجل السير بالدولة والمجتمع نحو الاستقرار وتحقيق التنمية الشاملة فيه. وتؤكد الدراسات التاريخية أنه إذا حاولوا القائمون علي الحكم الهيمنة على الدولة جاعلين منها وسيلة للاستحواذ على السلطة وتغليب المصالح الشخصية علي المصلحة العامة فعادة ما تفشل جهود التنمية وتزداد نسبة الفقر والتخلف بالمجتمع ، وعلي ذلك أولي أساتذة العلوم السياسية أهمية خاصة للنظام السياسي وشكله وطبيعته وشرعيته سعيا لتطوير أشكاله لكي تكون فاعلة وقادرة على مواجهة التحولات الكبيرة التي تمر بها ألمجتمعات والنهوض بها نحو التقدم والتنمية.
ونتيجة لاختلاف المجتمعات حضاريا وثقافيا واقتصاديا ولكل منها تجربته الخاصة ، فمن الطبيعي أن نجد في كل منها نظام سياسي يكون انعكاسا لذلك حيث يصطبغ بصبغة مرحلته التاريخية بكل ظروفها وإبعادها. وإذا كان الغالبية العظمي من الدول الحديثة تعتمد على مبدأ الفصل بين السلطات وتحترم الحريات بدرجات متفاوتة ، وتسلم بمبدأ التداول السلمي للسلطة إلا أننا نجد رغم ذلك أن هناك تنوع بين أشكال النظم السياسية والحكومات فى الدول.
والنظام السياسي وفق الإتجاه التقليدى هو نظام الحكم فى بلد من البلاد والأجهزة والمؤسسات الحاكمة، ويلاحظ أن هذا التعريف مستمد أساسا من التعريف التقليدى لعلم السياسة بأنه علم الدولة، أى أن هذا الاتجاه كان ينظر للنظام السياسى على انه مترادف لنظام الحكم ومن ثم يهتم بدراسة الهياكل وأبنية السلطات الثلاثة التشريعية والتنفيذية والقضائية واختصاصاتها وحدود سلطاتها والعلاقات بينهم.
ومع التطور وتعقد الحياة وتحمل الدولة وظائف كثيرة اقتصادية واجتماعية متعددة تم تطوير المفهوم حيث عرف بأنه "عبارة عن مجموعة المؤسسات التى تتوزع بينها عملية صنع القرار السياسى وهى المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية". وقد اتسع المفهوم وأصبح لا يستند إلى الجانب العضوى فى السلطة فقط، إنما توجه الاهتمام أيضا لمجالات نشاط النظام السياسى ودراسة الفلسفة الاجتماعية والاقتصادية باعتبارها محددات أساسية للنظام السياسى.
ويلاحظ أنه بعد الحرب العالمية الثانية خاصة بعد ظهور الدول الإشتراكية فى دول شرق ووسط أوروبا وطبقت الدول حديثة الإستقلال أشكال جديدة من النظم السياسية المختلفة وآثار ذلك اهتمام المفكرين والمهتمين بالعلوم السياسية وأخذ ينظر للنظام السياسي بإعتباره نظام إجتماعي يتكون من عدة عناصر ويرتبط ويتأثر بتفاعلات سياسية Political Interactions عديدة.
وعلى أية حال أصبح النظام السياسى يعرف كمفهوم تحليلى ووظيفى أكثر مما هو نظام مؤسساتى ومن ثم لم يتم الاكتفاء بدراسة الجوانب العضوية للنظام السياسى ونشاطه، ووظائفه وإنما تم التركيز على دراسة هذه التفاعلات والعلاقات المتبادلة مع المؤسسات الرسمية وغير الرسمية مثل جماعات المصالح والأحزاب المعارضة ومؤسسات المجتمع المدنى الأخرى، كما أنه يركز على الجانب السلوكى ودراسة السلوك الواقعى وديناميكية النظام السياسى، وذلك لتفهم وتفسير كافة التفاعلات السياسية وكيف تؤثر على هذا النظام.