<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
إذا نظرنا إلى المنهج الإسلامي وما يقدمه للأفراد والمجتمعات من جوانب أساسية تساعدهم على التوافق في معايشهم وبالتالي على التمتع بالصحة النفسية ؛ لوجدنا هذا المنهج في الواقع أغنى وأقوى ما يعين الأفراد والجماعات على التمتع بها ، وفيما يلي بعض الخطوات الرئيسة :
1 – لقد ربط المنهجُ الإسلامي الفردَ بهدف سامٍ فجعل غاية حياته عبادة الله سبحانه وتعالى وحده ، قال تعالى : " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56). الذاريات ، ولو أخذنا هذا الجانب وحده لوجدنا أنه يمثل قمة ما يساعد الفرد على تحقيقي التوافق والصحة النفسية ، ومما يقي الفرد من اضطراب القلق مثلا ، والمسلم لا يشعر ولا يعايش هذا القلق ؛ لأنه يعرف غاية حياته وهي عبادة الله سبحانه وحده ، هكذا منحت العقيدة الإسلامية للمسلم أول مفاتيح التوافق ، فالمسلم يعرف أنه مكلف بعبادة الله وحده والإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره .
2- تزودنا الشريعة الإسلامية بما يكفي لحماية الإنسان من الضرر وبذلك فهي تمثل ركنا أساسيا على طريق الوقاية من المرض النفسي ، ذلك أن الفقهاء يحددون مقاصد الشريعة في المحافظة على الدين والنفس والعقل والنسل والمال ، ولو نظرنا إلى أسباب الأمراض النفسية لوجدنا في مقدمتها ما يحدث من إحباط للدوافع والحاجات ، وما ينشأ من صراعات حول إشباع بعض الحاجات ، وكذلك الانطلاق في طلب إشباع الحاجات من إي مصدر وبأي طريقة ، وهو ما يمثل الدوافع الأولى في ارتكاب جرائم مثل القتل والسرقة والزنا بل يؤدي إلى الاتجار في المحرمات .
والإسلام لم يمنع الإنسان من إشباع حاجاته بل إن ما ذكره القرآن الكريم من حاجات للإنسان يفوق ما ذكرته جميع نظريات الدوافع ، كما أن الإسلام يتفوق عليها جميعا في أنه وضع أسس و ضوابط لإشباع الحاجات يمكن أن نجملها في ثلاث قواعد أساسية:
(أ) أن يتحقق بإشباع الحاجة الوفاء بعبادة الله سبحانه وتعالى وعمارة الأرض.
(ب) أن يكون إشباع الحاجة من مصدر حلال.
(ج) التزام الاعتدال في إشباع هذه الحاجات .
3- جاء الإسلام مطهرا لنفوس البشر ، يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ، فقد حرم الإسلام الخمر وهي أم الكبائر ، كما حرم التعامل بالربا ، وحرم الزنا وقتل النفس ، وهذه كلها من البلايا التي ابتليت بها المجتمعات الغربية .
4- أن الإسلام يدعو إلى مكارم الأخلاق ، فهو يدعو إلى الصدق والأمانة ، وعدم الغش والوفاء بالعهد ، وعدم التكبر ومساعدة الضعفاء وغير ذلك كثير مما يساعد على تحقيق السلام بين أفراد المجتمع ويساعدهم على التمتع بالصحة النفسية.
5- أن الإسلام يهتم بجانب المسؤولية ، وقد جعل الإسلام كل فرد مسؤولاً عن نفسه وعن عمله لا يحاسب والد بولده ولا ابن بأبيه ، ولو تحقق للفرد تحمله المسؤولية فإنه يتحقق له جانب كبير من جوانب الصحة النفسية ، ذلك أن كثيراً من الأمراض النفسية إنما يرجع إلى عدم تحمل المسؤولية والهروب منها ، حتى إن الأمراض العقلية الخطيرة مثل الفصام قد تكون هروباً من المسؤولية في صورة انفكاك عن الواقع.
6- إن الإسلام يساعد الفرد في بناء شخصيته وتعديله لهذه الشخصية بمحاسبته نفسه دائماً ، ويعطيه وسائل العلاج الذاتي من العبادة والاستغفار والتوبة والصبر والذكر وغيرها مما يساعد الفرد على استعادة توازنه النفسي في أي موقف يطرأ عليه . وبذلك يواجه المواقف بما تستحق .
7- ينظم الإسلام العلاقات بين الأفراد ، بين الزوج وزوجته ، وبين الآباء والأبناء ، وبين الجيران بعضهم وبعض ، وبين أولي الأرحام ، وبين المتعاملين في تعاقدات وتجارات بما يتحقق معه دائماً وجود المودة والرحمة.
8- إن معيار الصحة النفسية الذي وضعه الإسلام ليس معياراً وضعياً من صنع البشر ، وإنما هو معيار حدده لهم خالقهم جل وعلا (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) "مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" النحل 97 .
ولا شك في أن اتباع المسلم للمنهج الإسلامي اتباعاً صادقاً هو خير ما يساعده على بناء شخصية سوية متوافقة ، وخير ما يقيه مما يمكن أن يحدث له نتيجة لما يلم به من ملمات ، وخير ما يعالجه حين ينتابه الوهن والقلق والخوف والاكتئاب .
ومن العلماء المسلمين الذي أظهروا اهتماما بالصحة النفسية ابن حزم وابن القيم ، ولقد أكد ابن القيم على أهمية الصحة النفسية التي يسميها السعادة القلبية أو الحياة الطيبة المتصلة بالإنسان وأنه ينبغي معرفتها تفصيلاً والمحافظة عليها فقال : "ولما كانت الصحة من أجل نعم الله على عبده ، وأجزل عطاياه ، وأوفر منحه ، بل العافية أجل النعم على الإطلاق فحقيق لمن رزق حظا من التوفيق وحمايتها و مراعاتها وحفظها مما يضرها". ورأى أن الفرد يحتاج لأمرين بهما يتم سعادته وفلاحه :
1 ـ أن يعرف تفاصيل أسباب الشر والخير ويكون له بصيرة في ذلك بما شهده في العالم وما جربه في نفسه وغيره وما سمعه من أخبار الأمم قديماً وحديثاً.
2- أن يحذر من مغالطة نفسه على هذه الأسباب.
وهو يطلق على مفهوم الصحة النفسية مفهوم الحياة الطيبة أو السعادة القلبية وجعل السعادة القلبية في قمة أنواع السعادة ، وقسم السعادة لثلاثة أنواع:
1- سعادة خارجية عن ذات الإنسان بل هي مستعارة له من غيره ، وهي سعادة المال والحياة.
2- سعادة في جسمه وبدنه كصحته واعتدال مزاجه وصفاء لونه وقوة أعضائه فهذه ألصق به من الأولى.
3- السعادة الحقيقية وهي سعادة نفسانية روحية قلبية وهي سعادة العلمُ النافع ثمرتها فإنها هي الباقية.
وكذلك نجد الإمام ابن حزم يرى أن مقياس الصحة النفسية هو التوافق الداخلي المصحوب مع حسن التكيف مع المحيط بحيث يؤدي إلى أقصى درجة من الكفاية والسعادة ، فمن محددات الصحة النفسية الواردة في كتاب مداواة النفوس لابن حزم ذكر أن القدرة على التمييز بين الحلال والحرام والفضائل والرذائل والسير في الطريق القويم بالتزام الأخلاق الحسنة ، وكتاب مداواة النفوس يتصدى للعلاج النفسي للأشخاص الذين يعانون المرض النفسي الناشئ عن سوء التفاعل الاجتماعي والتكيف النفسي.
ومما عده ابن حزم اكتشافًا مهمًا اهتداؤه إلى دوافع السلوك البشري، بحيث تبين له أن الناس كلهم يتفقون جميعًا في مطلب واحد وهو خفض القلق (طرد الهم) الناتج عن متطلبات الحياة اليومية، مستعملين لأجل تحقيق هذه الغاية وسائل شتى متنوعة ، فالدوافع للسلوك هو خفض القلق الناتج عن عدم إشباع الحاجات المتنوعة وكبتها فيعبر عن نفسه بالحث المتواصل للاستجابة، (فطلاب المال إنما يطلبونه ليطردوا هم الفقر عن أنفسهم ، وطلاب الشهرة وعلو المقام إنما يسعون إلى ذلك ليطرودا به هم الاستعلاء عليهم.