منذ عدة سنوات عندما كنت أعمل مع المعالجة النفسية "ديفيرز براندين" عمدت هذه
السيدة إلى إخضاعي لتدريب كانت تقوم به, وهو تدريب "فراش الموت".
وطلبت مني أن أتخيل نفسي بوضوح وأنا نائم على فراش الوفاة وأنا أتقمص تماماً
المشاعر المرتبطة بالإحتضار والوداع, ثم طلبت مني بعد ذلك أن أدعو كل شخص يهمني في الحياة كي يزورني وأنا راقد على فراش الموت على أن يأتي كلٌ على حدة
وبينما كنت أتخيل كل صديق وقريب وهو يأتي لزيارتي, كان علي أن أتكلم مع كلٍّ بصوت عالٍ. كان علي أن أقول له ما كنت أريده أن يعرف ثم احتضر.
وخلال حديثي مع كل شخص استطعت أن أشعر بصوتي وهو يتغير. ولم يكن بوسعي
أن أتفادى البكاء فغرغرت عيناي بالدمع, واستشعرت إحساساً بالفقدان, ولم أكن حينها أبكي حياتي وإنما أبكي على الحب الذي سأفتقده بالوفاة وبشكل أدق كان بكائي تعبيراً
عن حب لم أعبر عنه قبل ذلك.
وخلال هذا التدريب الصعب عرفت حقاًّ حجم ما افتقدته من حياتي, كما عرفت كم المشاعر التي كنت أدخرها لأطفالي على سبيل المثال, ولكني لم أعبر عنها صراحة قبل
ذلك.
وبنهاية التدريب تحولت إلى كتلة من العواطف المختلفة فقلما بكيت, بمثل هذه الحرارة
من قبل أما حينما تحررت من هذه العواطف حدث شيء رائع اتضحت الأمور أمامي, فعرفت ماهي الأشياء المهمة وما هي الأشياء التي تعنيني حقاًّ وللمرة الأولى فهمت ما الذي كان "جورج باتون" يعنيه بقوله ( قد يكون الموت أكثر إثارة من الحياة ).
ومنذ ذلك اليوم عاهدت نفسي أن لا أدع شيئاً دون أن أعبر عنه وأصبحت لدي الرغبة في أن أعيش كما لو كنت سأموت في أي لحظة, وقد غيرت هذه التجربة برمتها أسلوب تعاملي مع الناس, وأدركت مغزى التدريب, ليس علينا أن ننتظر لحظة الموت الحقيقية حتى نستفيد من مزايا انتقالنا إلى *******, وبإمكاننا أن نعيش هذه التجربة في أي وقت تريده.
وقد حذرنا الشاعر ويليام بليك من أن نحبس أفكارنا دون أن نعبر عنها حتى الموت (عندما تسجن الفكر في كهوف, فهذا يعني أن الحب سوف يغرز بجذوره في جحيم عميق .)
فالتظاهر بأنك لن تموت سوف يضر تمتعك بالحياة كما يضار لاعب كرة السلة لو اعتقد أنه ليس هناك نهاية للمباراة التي يلعبها, فهذا اللاعب سوف ستقل حماسته, وسوف يلعب بتكاسل وبالطبع سينتهي به الأمر إلى عدم إحساس بأي متعة في اللعب, فليست هناك مباراة دون نهاية وإذا لم تكن واعياً بالموت فإنك لن تدرك تماماً هبة الحياة.
ومع هذا فهناك كثيرون (وأنا منهم) يظلون على اعتقادهم بأن مباراة الحياة لا نهاية لها ولذلك نظل نخطط لفعل أشياء عظيمة في يوم ما نشعر فيه برغبة في الخلود, وبهذا نعزو أهدافنا وأحلامنا إلى تلك الجزيرة الخيالية في البحر والتي يسميها "دينيس ويتلي" (جزيرة يوم ما ) ولذلك نجدنا نقول: ( في يوم ما سنفعل هذا, وفي يوم ما سنفعل ذاك).
ومواجهتنا للموت لا تعني أن ننتظر حتى تنتهي حياتنا, والحقيقة أن القدرة على أن نتخيل بوضوح ساعاتنا الأخيرة على فراش الموت تخلق إحساساً في ظاهره الإحساس بأنك قد ولدت من جديد وهي الخطوة الأولى نحو التحفيز الذاتي الجريء وقد كتب الشاعر وكاتب اليوميات "نين" قائلاً ( من لا يشغل نفسه بولادته يشغل نفسه بالوفاة) .