همس الخواطر.. ثقافة..أدب ..فن...أ.خديجة قرشي

همس الخواطر ..ثقافة.. أدب.. فن .أ/خديجة قرشي

 

المفهوم والنّشأة
 
     لعلّ ممّا يُجَلِّي مضمون الدعوة إلى ما سُمِّي بـ ( قصيدة النثر ) ما كتبته الأديبة خُزامى صبري عن كتاب الأديب محمّد الماغوط " حزن في ضوء القمر " ، حيث تقول: " مجموعة شعريّة لم تعتمد الوزن والقافية التقليديتين . وغالبيَّة القرّاء في البلاد العربية لا تُسمّي ما جاء في هذه المجموعة شعرا باللفظ الصّريح.
ولكنها تدور حول الاسم فتقول انه ( شعر منثور ) أو ( نثر فني ) وهي مع ذلك تعجب به وتقبل على قراءته ، ليس على أساس انه نثر يعالج موضوعات أو يروي قصة أو حديثاً،بل على أساس انه مادة شعرية.لكنها ترفض أن تمنحه اسم الشعر.
     . . . . وأنا أعتبر هذا " النثر الشعري " شعراً "[1].
      ويُعرِّف الأستاذ أنيس المقدسي ( النثر الشعري ) بأنه: " اسلوب من اساليب النثر تغلب فيه الروح الشعرية من قوّة في العاطفة وبعد في الخيال وايقاع في التركيب وتوفر على المجاز . "[2].
      إذاً ـ ومن خلال ماسبق ـ تتضح المعالم التي أرادوها لقصيدة النثر ، أو الشعر المنثور ، أو سمّها ما شئت ، وهي:
أولا: إسقاط الوزن ، فلا مكان للموسيقى في الشعر المنثور ، وإلا لكانت شعراً ، ولما تجادل فيها النقاد ، فهي تُسقط الوزن التقليدي ( البحور العروضية باستخدامها في الشعر العربي القديم ) ، والتفعيلة المفردة كما عند أصحاب الشعر الحر.
ثانيا:  أنّ الشعر  المنثور غير ذلك النثر الخيالي ـ في نظر أصحابه ـ.
ثالثا: الاعتماد على اللغة المجازية والتخييل ، والتحشيد العاطفي .
 
     أما ما يتعلق بالنشأة:  ، فـ " لقد بات واضحا ً أن تاريخ حركة الحداثة في الشعر العربي  بدأ مع ماحققه كل من بدر شاكر السيّاب ونازك الملائكة فيما سُمِّي  " الشعر الحر " أو " الشعر المتحرر " أو " الحديث " الذي قام على وحدة التفعيلة وزحافاتها الجائزة والتنويع فيها ، وتجسد بعدم تقيده بعدد ثابت من التفعيلات في كل بيت ، وتنوع القوافي .
     وفي تنوع آخر كان أصحابه يطمحون إلى خلق أشكال فنية جديدة ترتفع بالشعر إلى مستوى ( النص الشعري ) المتفرد والبعيد عن الأشكال التي عرفتها القصيدة  ـ ولدت قصيدة النثر " [3] .
     وكان ذلك في النصف الثاني من القرن العشرين ، كما يذكر ذلك الدكتور بسام قطّوس[4] .
     وترى الأديبة نازك الملائكة أن ظهور هذا النمط الذي يُسمّي النثر شعرا كان على أيدي طائفةٍ من أدباء لبنان الذين تبنتهم مجلة ( شعر)[5] .
      ويعتبر الأستاذ أنيس المقدسي أنّ ( الشعر المنثور ) " محاولة جديدة قام بها البعض محاكاة للشعر الإفرنجي " [6] . وذكر أنّ ممّن عُرف بذلك كثيرون ، على رأسهم جُبران خليل جُبران ، وأمين الريحاني .
     غير أنّه يرى أنّ ظهور هذا النوع ( قصيدة النثر ) كان في الربع الثاني من القرن العشرين ، كما في مجموعة " عرش الحب والجمال " لمنير الحسامي ، وقد نشرها عام 1925 م ، والتي قدّم لها الريحاني فقال : " هو ذا ديوان شعر لشاب هام بالحب والجمال والفضيلة ونبذ في صنعة الشعر القوالب والقياسات المعروفة كلها .." [7] .
      ويُعدّ " أدونيس " و " أنسي الحاج " أبرز منظري قصيدة النثر ، اعتماداً على ما كتبته سوزان برنار في كتابها " قصيدة النثر من بود لير إلى أيامنا " [8] .
" أراء الأدباء النقاد "
ـ رأي نازك الملائكة : 
     بعد ظهور العديد من الأعمال الأدبية من هذا النوع " الشعر المنثور " تعرّضت نازك الملائكة في كتابها " قضايا الشعر المعاصر " ـ الذي نظَّرت فيه لـ " الشعر الحر " ـ لقصيدة النثر بالنقد .
     وقد كان موقفها رافضاً لهذا النوع الجديد ، ورأت أنّ الدعوة لتسمية النثر شعراً لا تستقيم ، وهي دعوة غير مقبولة ، وأبدت تساؤلات عدة ، " لماذا جاء الناثر المعاصر ليزدري النثر ويحاول رفعه بتسميته شعراً ؟ " [9] " تُراهم يجهلون حدود الشعر ؟ أم أنهم يحدثون بدعة لا مسوغ لها ؟ وإذا كانوا يمتلكون المسوغ فلماذا لا يصدرون كتب النثر هذه بفذلكة يبينون فيها للقارئ الوجه الذي ساغ لهم به أن يصدروا كتاب نثر لا يختلف اثنان في أنه نثر ثمّ يكتبون عليه أنه " شعر" ؟"[10].
 وخلال ردّها على هؤلاء الذين يسمون النثر شعراً ، انطلقت من أسس عدة :
 الأول : من الأساس النفسي ، فهي ترى أنّ سبب تسميتهم للنثر شعراً ، أنهم يزدرون موهبتهم في مجال الكتابة النثرية ، ويتطلعون إلى شيء لا يملكونه ، وكأنهم يرون وضاعة النثر ، فأرادوا الارتقاء به فسموه شعراً ، والناثر شاعراً ، وترى الحال في أن يعرف هؤلاء قيمة النثر الذاتية ، فلا يمكن أن يغني الشعر عن النثر ، ولا النثر عن الشعر .
الثاني : من الأساس اللغوي ، فترى الأديبة نازك أنَّ دعوة " قصيدة النثر " وقعت في خطأ كبير إذْ أطلقت كلمة " شعر " على الشعر والنثر معاً ، مع أنّ لها دلالتها الخاصة بالموزون ، ثمّ توجه لأصحاب الدعوة تساؤلاً إنكارياً ، فتقول : " لماذا إذن ميّزت لغات العالم كلها بين الشعر والنثر ؟ ".
الثالث : الأساس النقدي ، فأصحاب  " قصيدة النثر " ينطلقون من ( المضمون ) في وصف الكلام بالشعر ، فالشعر في نظرهم  " تجمّع معان جميلة موحية فيها الإحساس والصور " [11] . بمعنى أنه يعتمد على الخيال والعاطفة والصور ، فلا يهتم بعد ذلك أن يكون موزوناً أو غير موزون ، إذاً فالوزن عندهم ليس شرطاً في الشعر .
     وحين الرجوع إلى صوت النقد يظهر أن الشعر له  ركنان  رئيسان :
1-             الشكل الجيد ( الوزن ) .
2-             المضمون ( المحتوى ) الجميل الموحي .
     وترى نازك أن ّ" قصيدة النثر " ليست من الشعر في شيء ، لعدم توفّرها على الوزن ( الموسيقى ) ، وترى أنّ الوزن " هو الروح التي تكهرب المادة الأدبية وتصيّرها شعراً ، فلا شعر من دونه مهما حشد الشاعر من صور وعواطف ، لابل إنّ الصور والعواطف لا تصبح شعرية ، بالمعنى الحق ، إلا إذا لمستها أصابع الموسيقى ، ونبض في عروقها الوزن "[12].
ـ رأي أحمد عبد المعطي حجازي[13] :
     يتبدى رأيه من خلال كتابه " قصيدة النثر أو القصيدة الخرساء " فهو يصفها في عنوان الكتاب بالخَرَس ، ولكنّ الأهم من ذلك أن يتم استعراض مناقشته لـ " قصيدة النثر " ، وقد انطلق من أمور :
ـ المنطلق  الأول : من ماهية الشعر ، فيُحدد مفهوم الشعر بقوله " الوزن هو الجناح الآخر للمجاز ، إلى جانب الصورة الشعرية . وبالصورة والوزن تنتقل اللغة من عالم اليقظة إلى عالم الحلم .. ".
ـ المنطلق الثاني:  منطلق موضوعي ، فهو لا يعترض على ما يُكتب ، ويرى أن الكتابة حق مكفول للجميع ، فلكلٍ الحق في خلط الشعر بالنثر ، والعكس ، لكنّه يشترط على من يكتب ذلك " أن يتحلى بشيء من  التواضع ، وسعة الصدر ، فيسلّم بأنّ لنا حق مثل حقه في أن نقرأ ما كتب ، وأن نناقشه فيه، فنقبل منه ما نقبل ونرفض ما نرفض " .
ـ المنطلق الثالث : إبداعي  ، فهو يرى أنّ مبدأ هذا النوع كان من مواهب شابّه عجزت عن تطويع القانون لصالحها ، فثارت وخرجت عليه ، لقدراتها المحدودة ، ثم يختم بقوله : " ومعنى هذا أنّ الخارجين على القانون ليسوا دائماً ثواراً ، وربما كانوا قطاع طرق " .ـ المنطلق الرابع : جَدَليّ ، إذْ يرى أنّ النثر هو لغة الخطاب اليومية أمّا الشّعر فله مجالاته وأوقاته فهو لغة الإبداع .
     ويذهب إلى أن قصيدة النثر " تأليف بين نقيضين لم يأتلفا من قبل ، وهما الشعر والنثر ، الشعر بأدواته التي يعتبرونها قيوداً ، والنثر بتحرره أو بافتقاره إلى هذه الأدوات " .
وختاماً :
           فقد رأى أصحاب ( قصيدة النثر ) أنّها تجديد للشعر في الشكل والمضمون ، يتيح لهم الخروج من الرتابة إلى فضاءاتٍ متحررة من أشكال الكبت والجمود .
         بيْدَ أنّ فريقاً آخر  رأى أنّ التحرر من ( الوزن ) وتسمية ذلك شعراً ، ما هو إلا نوعٌ من الخلط بين ما لا يجوز خلطه، وتسمية الأشياء بغير مسمياتها. كما رأوا أنه لا شعر بدون الوزن ( الموسيقى ) إلى جانب الصورة والمجاز.
هذا .. والله أعلم


المصدر: منقول للإفادة
dalalbilal

همس الخواطر : ثقافة..أدب..فن. أ. خديجة قرشي

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 163 مشاهدة
نشرت فى 13 إبريل 2016 بواسطة dalalbilal

خديجة قرشي

dalalbilal
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

18,783