فاطمة ناعوت
قبل أن تقع الواقعةُ فى مشروع إسكان الشباب
وصلتنى عدة إيميلات من المهندس المدنى عبد السلام عبد الغنى، تتضمن مجموعة من المعلومات كان نشرها فى صفحته على Facebook حول مخالفات جسيمة فى تنفيذ بناء وحدات إسكان الشباب فى المدن الجديدة، تنفيذًا للبرنامج الانتخابى للرئيس مبارك، الذى أطلقه فى نوفمبر 2005. ولو صحّ ما ذهب إليه، لكان الأمرُ جللاً، يُنذر بكارثة. وحيث إننى ضد نشر معلومات غير موثقة، التمستُ منه أن يقدم أية مستندات تثبت صحّة مخاوفه، فقال إن الحصول على مستندات أمرٌ عسير، لأن المشروع لا يزال فى طور التنفيذ، وعليه، فإن المستندات بين يدى أصحابها، لكن أية لجنة محايدة تستطيع، من الوهلة الأولى وبمجرد النظر، أن تستوثق من صحة استنتاجاته. كما أبدى استعداده لتحمل أية نتائج تترتب على النشر. فكنتُ أمام خيارين، إما الصمت السلبىّ، وإما طرح الأمر على أولى الأمر، علّهم يأخذونه مأخذ الجد، تفاديًا لكارثة محتملة، إن كان ثمة. وكمصرية حريصة على مصلحة هذا الوطن، وعلى سلامة مواطنيه، خاصة الشباب الذين عليهم أملنا للخروج من حال التردى الذى بتنا فيه، اخترت طرح المعلومات كعلامات استفهام لا تدين أحدًا، بقدر ما تنتظر إجابات تثبتها أو تنفيها، كما آمل، ويأمل معى صاحب الرسالة الذى دقّ ناقوس الخطر. خاصة أن الرجل يقر بأن بعض الشركات المنفذة، من ذوات السمعة الطيبة فى سوق المقاولات. كما أنه ابنٌ لمهنة المقاولات، بوصفه مهندسًا مدنيًّا، وقد اختار أن يرسل لى مخاوفه كونى مهندسة معمارية قبل أن أكون كاتبةً. بدايةً، أود التأكيد على أن المدّ الأفقى فى بناء مدن جديدة، فى الصحراء المتاخمة للقاهرة العجوز، هو من الإنجازات التى تصبُّ فى رصيد القائمين عليها، كونها الحلَّ، ربما الأوحد، لتخفيف الاختناق الضارب فى شرايين القاهرة المتخمة بما يفوق العشرين مليونًا من البشر: اسفكسيا مرور، ومياه وصرف صحى وعشوائيات (هى مَعامل لإنتاج متطرفين وخارجين على القانون وتجار مخدرات). لذلك آمل، ومعى كل الشرفاء، أن يرقى التنفيذ إلى مستوى رُقى الفكرة. بحيث لا يكون تحقيقُ الأرباح على حساب الأرواح هو المسعى والهدف، خاصة أن الحكومة رصدت الميزانيات اللازمة للتنفيذ، من ضرائب البسطاء. الحكاية بدأت، وفق م.عبد السلام عبد الغنى، عندما ذهب لتسلُّم شقة ابنته ضمن المشروع الذى يتركز فى مدن: أكتوبر وبدر والعبور. ولأنه مِهنىٌّ متخصص، فقد لاحظ بعض الأخطاء الهندسية بالعقار، فطالب الشركة المنفذة بإصلاح ما يمكن إصلاحه، وبعد مناقشة فنية، انصاعت الشركةُ وقامت بتنفيذ الإصلاحات. فإذا كان هذا الرجل قد منّ اللهُ عليه بالعلم الذى ينبئه بخبايا العمل الهندسىّ واشتراطات الجودة بحكم تخصصه، فمن أين يأتى كل مستفيد بمتخصص ينقذ حياته؟ ولماذا لا تلتزم الشركات باشتراطات السلامة من تلقاء ذاتها، خاصة أن انصياعها لوجهة نظره هو فى ذاته دليل إدانة يرمى إلى نقص يشوب التنفيذ؟ وهنا وجب تقديم التحية لمواطن مصرى خرج من عباءة الخاص، إلى حقل الخوف على الصالح العام، فاهتم بطرح مشكلة عامة، بعدما حُلَّت مشكلته الشخصية. قصة المشروع، كما فهمتها، أن وزارة الإسكان قامت، عن طريق إدارات الإسكان فى المدن الجديدة، بتسليم مساحات الأراضى فى أوائل عام 2006، للشركات المعتمدة، وكان من المفترض أن تقوم هذه الشركات بإنجاز المرحلة الأولى قبل يونيو 2011، إلا أنها تقاعست. ربما تصورت أن الوزارة لن تسأل عن الأرض، وسيتم التصرف فيها حسب استثمار وأفكار كل شركة. كما أنه من المفترض أن لدى تلك الشركات »شهادات منشأ« لكل السلع الاستراتيجية المستخدمة مثل الأسمنت والحديد، وهى تعنى شهادة من المصنع المنتِج باجتياز منتجه اختبارات الجودة ومواصفات وزارتى الصناعة والإسكان. ويزيد على ذلك، فى حالة الشركات الحاصلة على الأيزو 9001/ 2000 أو 9001/ 2008 أن يتم تحديد أين تم استخدام تلك الخامات بالمشروع، بغرض معرفة مكان المنتج، حال وجود أى مخالفة، من أجل سهولة المعالجة. فهل تمتلك الشركات المنفذة تلك الشهادات؟ يقول المهندس إن بعض الشركات، التى كان نصيبها من ستمائة إلى ألف وحدة سكنية، لم تعيّن مهندسين لديها، واكتفت بالاستعانة بمهندسى الإسكان لمراقبة التنفيذ. وأولئك لا يقومون باستلام الأعمال من المقاولين، حسب علمه، لفقر فى الخبرة وضنٍّ بالوقت. وإن بعض الشركات الكبيرة باعت المشاريع، أو أجزاءً منها، لشركات من خارج مصر، أو لمقاولين من الباطن تفاديًا لتأخير التسليم والتعرّض للغرامات، وبالتالى فإن مستوى الجودة متردٍ فى تلك المشروعات. المخالفات جسيمة ومنذرة بالخطر، بدءًا من تقارير مجسّات التربة تلك التى لا تطابق مواصفات الكود المصرى. مرورًا بالمواد المستخدمة فى الإنشاء لا يتم اختيارها حسب المواصفات المعروفة، كما لا يتم عمل اختبارات إنشائية للعناصر، وإن تمت، فثمة العديد من العمليات الفاشلة. ما أدى إلى أن بعض أعمال الإنشاء حققت إجهاد 125 كلجم/ سم2 فيما يجب أن تحقق 300 كلجم/ سم2. وحسب رؤية الرجل، توجد أخطاء هندسية أخرى، مثل ترحيل الأعمدة، أو ميول فى رأسيات الأعمدة، تصل إلى 5 سم ميل/ 2.5 متر ارتفاع، كما أن القمصان الخرسانية تتم بشكل غير علمى كذلك عدم تجانس مونة الخرسانات، بسبب وجود رمال وزلط يحوى مواد عضوية وكيماوية تؤثر على صلادة الخرسانة، كذلك وجود الطَّفلة المرفوض تمامًا فى الخرسانات، كما لا يتم حساب كميات الكبريت والكلوريد حسب الكود المصرى. أيضًا توجد شروخ فى البياض بسبب إغفال عمل سلك شبكى يربط الخرسانة بالمبانى، تلك المبنية بالطوب الأحمر المفرَّغ، بدل استعمال الطوب الأسمنتى كما يوصى الكود المصرى لتقوية الحائط. كذلك منع الكود المصرى استخدام الطوب الطفلى فى الحمامات والمطابخ لعدم تحمله الرطوبة، وأوصى باستخدام الطوب الأسمنتى بارتفاع الجلسات وهو ما لا يتم تنفيذه. بوجه عام فإن الخامات المستعملة رديئة ومن أرخص الأنواع، ولا ترتقى إلى مستوى إنشاء يباع فيه المتر بألفين وخمسمائة جنيه، بينما لا يكلف الشركةَ أكثر من ألف جنيه، هذا قليل من كثير، وردنى حول هذا الموضوع. وهو منشور كما ذكرت على شبكة الإنترنت، لذلك أردتُ أن أرفعه بين يدى الرأى العام، والمسؤولين فى وزارة الإسكان، والمسؤولين فى الأجهزة الرقابية، والحكومة، التى لا أظن أنها ستستفيد من الخطأ إذا صح وجوده، علهم يمنعون كارثة قبل وقوعها، خاصة أن المشروع لا يزال فى طور التنفيذ، والإصلاح الآن ممكن. أم هل ننتظر أن تقع الواقعة وتذهب الأرواح، ثم نبحث عن كبش فداء يحمل التبعة؟ أصلّى لله ألا يثقِل كاهلَ مصرَ المثقلَ بالمحن، بمحنةٍ جديدة.
ساحة النقاش