منذ انطلقت مسيرة تعريب قارئات الشاشة قبل بضع سنوات وعالمنا العربي يشكو حالة نقص حاد في عدد الكوادر العاملة في مجال التدريب على استخدام هذه التقنية التعويضية، مما دفع بعدد لا بأس به من المستخدمين القدامى إلى مباشرة التدريب دون أن يمتلك خبرة كافية أو يخضع لبرامج تأهيلية تجعل ذلك الجهد المشكور أبعد عن العشوائية وأقرب لجادة من الآراء الشخصية الخالصة.
وما هذه الصفحات إلا رغبة صادقة في تجاوز جوانب قصور فرضها واقع قد لا نملك تغييره لكننا نملك تحسينه من خلال
إمداد المدرب بما يحتاجه من توجيهات ستعينه على اختيار المادة العلمية وأسلوب تقديمها، وترشده إلى تهيئة قاعة التدريب قبل أن يأخذ بيد المتدرب الكفيف وينطلق في هذا الفضاء الرقمي المتنوع على بصيرة وبكل اقتدار.
ومن أجل ذلك قسمنا هذه الإرشادات والتوجيهات إلى محورين خصصنا أولهما للحديث عن أهم ما يمتاز به تدريب المكفوفين من خصائص تشمل المنهج وأسلوب تقديمه، والمعمل وطريقة تنظيمه.وخصصنا الباب الثاني للحديث عن ضوابط وكيفيات تدريب المكفوفين على استخدام الحاسب الآلي.
قبل أن نشرع في تناول ما نحسبه الطريقة المثلى لتدريب الكفيف العربي على استخدام الحاسب الآلي والتعاطي مع مختلف تطبيقاته بشكل منهجي؛ لعله يجمل بنا أن نقف وقفة نراها ضرورية عند تلك الفروق بين المتدرب الكفيف والآخر المبصر، وهي فروق تمليها طبيعة العملية التعليمية ذاتها بالنظر إلى خصوصية التحديات البصرية واحتياجاتها.
ليس الحاسب غاية في ذاته، بل هو وسيلة تمكن مستخدمها من القيام بوظائف ومهام يصعب حصرها، كونها تزداد وتتسع بقدر ازدياد واتساع قدرات هذه الآلة الإلكترونية التي يطالعنا مطوروها كل يوم بإضافة جديدة مما يجعلها في حالة تقدم مستمر لا يعرف حدودا.
ومن بين تلك الوظائف والمهام نذكر على سبيل المثال لا الحصر:
1) إدخال البيانات وتنسيقها وتصنيفها وترتيبها والتعديل عليها بل والمقارنة بينها وحفظها بطريقة تتيح استرجاعها والاستفادة منها عند الحاجة.
ولا يخفى ما لهذا من فائدة كبيرة في إنجاز أعمال السكرتاريا، وبناء قواعد البيانات، وإنشاء الوثائق على اختلافها بين مرئية ومسموعة ومقروءة.
2) توسيع دائرة التواصل الإنساني والتبادل المعرفي من خلال الشبكة المعلوماتية العالمية بالإضافة إلى الشبكات المحلية، مما يحقق التكامل الثقافي والتعاون المثمر.
3) دعم المواهب، وتفعيل القدرات، وفتح المجال واسعا أمام المهارات من خلال برامج الحاسب التعليمية والترفيهية وما إليها، مما يعزز ثقة الفرد بذاته، ويطور إمكاناته، ويتيح له الاستفادة من آخرين يشاركونه ذات الاهتمامات.
هذا كله غيض من فيض، ولا يمكن للمستخدم أن يصل إلى مستوى يؤهله لتوظيف هذه الإمكانات الكبيرة والمزايا الهائلة في ما يعود عليه بالنفع وعلى ما يقوم به من عمل بالإتقان إلا بدراسة ممنهجة تعتمد التدرج في تقديم المعلومات مركزة على التطبيق العملي في إيصالها.
مثل هذه المادة التعليمية متاحة للمبصر أينما كان بوسائط متعددة منها ما هو في شكل الكتاب التقليدي ومنها ما هو في شكل القرص المدمج، فضلا عن الدروس المبثوثة عبر شبكة الإنترنت ووسائل الإعلام الأخرى، وهي مواد متفاوتة في أساليب عرضها وطبيعة محتواها تفاوتا يمكن أن يجد معه ذلك المستخدم ما يلبي احتياجاته ويناسب مستواه المعرفي في ذات الآن.
ومع أن الكفيف الذي يمتلك خبرة طويلة في استخدام الحاسب يمكن أن يستفيد عند الاطلاع على بعض تلك المواد، إلا أننا يمكن أن نصف تلك الفائدة بالمحدودة؛ فما بالنا إذا بالكفيف المبتدئ؟
ما من شك أنه بحاجة إلى صعود السلم خطوة خطوة بأسلوب يراعي خصوصية سيره، وما من شك أيضا في أنه بحاجة إلى طريق مستقيم يوصله إلى أقصى درجات الاستفادة من هذا الجهاز الذي تفوق حاجته إليه حاجة سواه؛ لذا فهو بحاجة إلى منهج خاص يلائمه في الحيثيات التالية:
1) ترتيب الموضوعات حسب الأولوية بالنسبة للمستخدم الكفيف، حيث يبدأ المدرب بتعريفه على أجزاء الحاسب الصلبة متيحا له الفرصة ليتفحصها بيديه ويتعرف على أماكنها، لينتقل بعد ذلك إلى تعريفه بالكيابل الخاصة بتوصيل الكهرباء ومكبرات الصوت (السماعات) ثم ليتعرف على منافذ الـ U S B الخاصة بتوصيل أداة الحماية وهكذا...
2) إسقاط ما لا يحتاج إليه المتدرب من الموضوعات، كالفصل الخاص ببرنامج الرسام, وتأجيل ما ليس له كبير أهمية كتحرير الصور بحيث لا تعطى من الأهمية ما يفوق حجمها.
3) الاعتماد على لوحة المفاتيح في تنفيذ الأوامر وتشغيل الوظائف والقيام بعمليات التصفح والانتقال وإجراء التطبيقات المختلفة ما أمكن ذلك، وذلك لأن المتدرب الكفيف لا يمكنه التعاطي مع "الفأرة" والتي عادة ما يلجأ المدرب إليها عند شرح مختلف التطبيقات الحاسوبية لمتدربيه من المبصرين.
ومن هنا يصبح من الضروري دفع المتدرب الكفيف إلى الإحاطة التامة بكل مفتاح من مفاتيح هذه اللوحة والإلمام بوظائفها المتعددة.
ثانيا: المزاوجة بين الشرح والوصف
يشاهد المتدرب المبصر كل ما يمر به على شاشة الحاسوب منذ أن يقوم بالضغط على زر التشغيل وحتى يصدر أمر إيقاف النظام، وتقوم الذاكرة البصرية بتخزين كل ما تراه العين، وهذا يساعد المتدرب بمرور الوقت على إدراك فلسفة التعامل مع التطبيقات وكيفية التنقل وتنفيذ الأوامر، حيث يقوم الدماغ آليا بإجراء عملية الربط بين المتشابهات بناء على الاستقراء والاستنتاج.
وفي ذات الوقت يحرم المتدرب الكفيف من تلك المشاهدة، حيث لا يسمع إلا أسماء العناصر والأيقونات مجردة عن أشكالها عند الضغط على المفاتيح؛ لذا فمن المطلوب أن يقوم المدرب بتقديم الوصف اللازم للنوافذ والقوائم بل وللعناصر والأيقونات، مع تحديد مواقعها على شاشة العرض تحديدا دقيقا، حتى يستطيع المتدرب أخذ تصور عام عن تلك الموجودات التي سيتعامل معها بشكل مستمر بعد ذلك.
إن مثل هذا الوصف البصري الشامل من شأنه أن يعين المتدرب على تحقيق الأهداف التالية:
1. تمكين المتدرب من الإلمام بفلسفة تصميم القوائم والنوافذ والأيقونات وتحديد مواضعها، وهذا سيساعده على:
أ. سرعة التنقل والوصول إلى ما يريد.
ب. تحديد المفتاح الأنسب للتحرك والتعاطي مع الإجراء الحالي.
ج. تعلم التطبيقات الجديدة بشكل أسرع اعتمادا على الاستدعاء والربط، إذ سيمده التعليم الوصفي بخبرة سابقة يمكن تفعيلها لاحقا.
2. تزويد المستخدم الكفيف بالقدرة على إرشاد من قد يستعين به من المبصرين غير ذوي الخبرة حين يتطلب الأمر الاستعانة بهم في تنفيذ إجراء معين، كما في حال تنصيب قارئ الشاشة على النظام، أو عند توقف البرنامج فجأة مع وجود عمل لا بد من حفظه قبل إعادة التشغيل إلى غير ذلك من الحالات.
3. إمداد المستخدم الكفيف بصورة صحيحة عن مظهرات شاشة العرض، وهي صورة مغايرة تمام المغايرة للصورة التي يقدمها قارئ الشاشة والذي يكتفي بقراءة العناصر الواقعة تحت المؤشر فقط.
وستساهم هذه الصورة الصحيحة المستخدم الكفيف لاحقا في:
أ. إعانته على فهم ما يقرأ أو يسمع من أخبار عن تطوير نظام التشغيل.
ب. منحه فرصة مشاركة الآخرين ما يتبادلونه من حديث حول الحاسب وتطبيقاته.
ج. جعل المستخدم الكفيف بوضع القادر على مساعدة من حوله من زملائه المبصرين في عمل تطبيق يجهلون طريقة القيام به.
ولا يخفى ما للبعدين المعرفي والنفسي من أثر إجابي على شخصية المتدرب.
هذه الأهداف وغيرها مما يمكن إضافته بالعصف الذهنكلها تجعل من مرافقة الوصف للشرح أمرا لا بد منه في أي عملية تدريبية متينة الأساس
ثالثا: التعليم الفردي
من خلال الشبكة يمكن للمدرب المبصر أن يتابع طلابه ويمدهم بتوجيهاته، وينبههم على أخطائهم، كما يمكن له أن يستخدم الوسائل التي تعين على إيصال المعلومة إلى الجميع في ذات الوقت، فالتدريب في بيئة التعليم العام تدريب جماعي كما هو معروف؛ بينما يمتاز التدريب على استخدام الحاسب في بيئة تدريب المكفوفين بأنه تدريب فردي، لا بد فيه من أن ينهض المدرب من مقعده ويتجه إلى كل متدرب على حدة ليتابعه أثناء العمل، ويوجهه عند الخطأ، ويضع يده على هذا المفتاح أو تلك الأداة؛ ليحصل لديه التصور المطلوب.
إن التدريب الفردي لا يعني أن تكرر الشرح مرة بعد مرة همسا في أذن كل متدرب، لكنه يعني أن تتابع المتدربين وتوجههم بشكل فردي أثناء قيامهم بالتطبيقات العملية، أما عند تقديم شرح نظري لجزئية معينة -كما في حال شرح الفرق بين القص والنسخ- فلا حاجة بالمدرب إلى إعطاء المعلومة بشكل فردي ما دام أن الأمر لا يتطلب ذلك بخلاف ما إذا كان يتطلبه كما في حال تعريف المتدربين على شكل أداة الحماية (الدنقل) وكيفية توصيلها بالجهاز، ففي هذه الحالة لا بد من إعطاء كل متدرب المعلومة على حدة إذ لا تستطيع أن تري الجميع ذات الأداة في وقت واحد.
رابعا: تهيئة معمل التدريب:
هنالك بعض الإرشادات التي ينبغي الإلتفات إليها؛ لجعل بيئة التدريب أكثر ملاءمة للمتدربين المكفوفين.
ومن تلك الإرشادات:
1) رصف "الطاولات" بشكل طولي وإلصاق واجهاتها بالحائط تماما دون ترك فراغ بينها وبينه، وذلك لتيسير التنقل بين المتدربين، ولكيلا يسقط شيء بين الطاولة والحائط فيصعب التقاطه.
هذه هي الطريقة الأمثل، لكن في حال ما إذا لم يسمح المكان برصف الطاولات هكذا، فيراعى عند الرصف إزالة ما يمكن أن يعيق حركة التنقل من أوضاع الترتيب أو أثاث المكان وموجوداته.
2) الحرص على تزويد معمل الحاسب ب"سماعات رأس" من نوع ملائم، تمتاز بالسمات التالية:
أ. مريحة للمستخدم وغير حادة الصوت حتى لا يشعر بالانزعاج والتضجر أثناء العملية التعليمية.
ب. لا تدخل في تجويف الأذن أو تغطي صيوانها، وذلك لكيلا تحول بين المتدرب وسماع الصوت الخارجي بشكل واضح، إذ من المهم له أن يستقبل صوتي البرنامج الناطق والمدرب معا دون أن يطغى أحد الصوتين على الآخر.
بالإضافة إلى ما للسماعات التي تدخل في صيوان الأذن من خطورة صحية على سلامة السمع.
3) وضع الأجهزة وملحقاتها بشكل يقيها من السقوط أو التحطم بالأقدام.
فمثلا يجب التأكد من إعادة سماعات الرأس إلى مكانها الصحيح قبل مغادرة المعمل حتى لا تتعرض للكسر عند عودة المتدربين في المرة القادمة.
خامسا: التركيز على المهارات البديلة والطرق المساعدة
تظهر شاشة العرض كاملة وبكافة ما تحتويه من عناصر أمام المستخدم المبصر دفعة واحدة، وبواسطة استخدامه للفأرة يمكنه الوصول السريع إلى العنصر المراد والنقر عليه؛ بينما
يلزم المستخدم الكفيف استعراض موجودات النافذة عنصرا عنصرا باستعمال مفاتيح الانتقال، مما يجعله يمضي وقتا أطول، ويبذل جهدا أكبر في الوصول والتنفيذ مقارنة بزميله المبصر.
من هنا فإنه ينبغي على المدرب أن يركز علىرفع مهارات المتدرب الكفيف، كما ينبغي عليه إطلاعه علىالعديد من الطرق العملية، والتي من شأنها أن تجعل الحاسب بيئة أكثر ملاءمة لاستخدامه، وأنسب لعمل قارئ الشاشة في ذات الوقت.
ومن الأمثلة على تلك المهارات البديلة والطرق المساعدة نذكر:
1) استخدام اختصارات لوحة المفاتيح، وهي تتيح تفعيل الأوامر والوظائف، كما تتيح الوصول السريع إلى كافة أجزاء النظام.
وللتذكير فإن البرامج الناطقة تحتوي بدورها على مجموعة كبيرة من الاختصارات والمفاتيح المبرمجة لتيسير استخدام الحاسب وتسريع إنجاز مختلف المهام.
2) تعويد المتدرب على استخدام كلتا يديه بخفة ودقة ليصل إلى المفتاح المطلوب في وقت قياسي.
3) تزويد المتدرب ببعض النصائح المساعدة على الترتيب والتنسيق؛ إذ كل ما كانت العناصر والأيقونات أقل عددا وأفضل ترتيبا؛ كان التنقل بينها أسرع بطبيعة الحال.
ومن تلك النصائح نذكر:
أ. تنشيط "خيار القائمة" في عرض العناصر والأيقونات.
ب. استخدام شكل "قائمة ابدأ الكلاسيكية" وذلك بتحديده من خلال خصائص القائمة ابدأ.
ج. تفعيل الخيار: مجلدات ويندوز الكلاسيكية، والذي يمكن الوصول إليه في تبويب عام من خيارات المجلد.
د. إرشاد المتدرب إلى التخلص من العناصر غير المفيدة أو إخفاؤها أولا بأول.
ه. حض المتدرب على الاهتمام بإنشاء المجلدات، وتخصيص كل منها لمجموعة متجانسة من العناصر.وفي تقديرنا فإن هذه النصائح ثمينة؛ لأن تراكم العناصر وعدم انتظامها يجعل المستخدم كمن يسير في وسط الزحام، وفرق كبير في الجهد والوقت بين من يسير في طرق مزدحمة وبين من يسير في طرق ممهدة ومتسعة وحسنة التنظيم.
ساحة النقاش