لطالما اشتكى العاملون في حقل الإعلام من التضييق المسلط عليهم، ومن اشتداد وطأة القيود التي تدور حول أعناق أقلامهم، طوال عقود ماضية تحدى العشرات منهم النظم التي تتشدق بـ "الديمقراطية"، رغم محافظتها على سجيتها "السلطوية" والتي لم تترك القائمين عليها يجسدون أنموذجا ديمقراطيا متفردا وبخاصة في الدول العربية.
غير أن حلول ذكرى اليوم العالمي لحرية التعبير في سنة 2011، جاءت على النقيض من السنوات التي مضت ، وتحمل من المفارقات الكثير، جاءت فاتحة هذا العام رافلة بمتغيرات شتى من شانها أن تعيد صياغة تاريخ العالم العربي والإسلامي، حيث يقف في هذا الوقت بالذات العالم في نقطة تمفصل للتاريخ المعاصر والإعلام الجديد "النيو ميديا"، هذا الأخير الذي تثار بشأنه جدلية حول ما إذا كان سيقضي على العقبات التي واجهت الصحفيين من قبل، أم أن هذه التقنية من شانها أن تفتح أبوابا لاستشراء الصحافة الصفراء، خاصة وأنها اليوم تحولت إلى رافد يزود القنوات الفضائية والصحافة المكتوبة على حد سواء بمختلف المعلومات.
ومع تعدد الروافد المتفرعة للشبكات الاجتماعية التي كان لها كل الفضل في نفض الغبار عن العالم العربي، فقد أتاحت بذلك أدوات تعالت ببساطة استعمالها عن الأدوات الإعلامية التقليدية لدى شريحة واسعة من الجيل الجديد، وجعلت الحديث عن حرية التعبير يأخذ منحى مغايرا للذي اعتاد الصحفيون من قبل الحديث عنه والبكاء على ضيق القيود التي طالما مارستها السلطة على الصحف ودور الطبع والنشر.
فهذه الشبكات ليست بحاجة لا بدعم السلطة ولا تطالها يد رقيب ولا حسيب، وهي اكبر بكثير من كل أدوات الرقابة الكلاسيكية، فقد صنع متعاطوها وهم من زمرة الشباب من خلالها إمبراطورياتهم الحصينة، وأصبحوا هم من يزرعون الخوف والرعب في قلب الأنظمة العربية، ويقوضون جدران حصونهم المنيعة، وبين "الفايس بوك" و"تويتر" حكاية حديثة ولكنها حتما ستخلد على مدار الأجيال القادمة، حتما سيروي الأجداد للأحفاد كيف استطاعت هذه الشبكات "الوهمية"، أن تنتقل من الواقع الافتراضي إلى الملموس، وتحول في طرفة عين نظما استبدادية عششت طويلا إلى "لا حد ث ومن ثمة فالحديث عن التضييق الممارس حول حرية التعبير في زمن موسوم بـ "الفايس بوك" سيصبح عبثيا أو اعتباطيا، فهذه النافذة الافتراضية التي تتحكم فيها بضع أسلاك وجهاز يتنقل ويتماها في الدقة والصغر تملصت وبشكل نهائي من
الأغلال، وأصبحت الصحافة بلا أسقف وجدران، والبيوت التي احكم إغلاق منافذها أصبحت عارية وعوراتها مكشوفة الآن، كما أن حرية التعبير التي صنعتها الشبكات الاجتماعية جاءت بلا نضال عسير ولم ينل المترددين عليها نصب، حيث
حيث أنهم اجتمعوا هنيهة وخططوا فكانت ضرباتهم مسددة والى ابعد الحدود، وأكثر من ذلك أنهم اختاروا الزمن الملائم ولذلك تحقق الهدف.
ولكن مع كل ذلك لا يمكن الجزم بان الشبكات الاجتماعية بما أتاحته من مساحات واسعة للتعبير وبحرية مفرطة عن هموم وآمال الشعوب العربية بأنها ستحل محل وسائل الإعلام التقليدية، وبالمقابل أيضا تبقى المخاوف قائمة حول الدور الذي ستقوم به، خاصة وان حقل الإعلام يشكو كثيرا من الخروقات الحاصلة في احترام أخلاقيات هذه المهنة النبيلة، وبذلك فكل الآمال معقودة اليوم حول أن تكون شبكات التواصل الاجتماعي إضافة نزيهة لا نقطة سوداء في يد مستخدميها
بقلم
وسيلة مكى