يحتل دانيال غولمان، عالم النفس والصحافي العلمي الأميركي، مكانة بارزة ضمن قائمة مؤلفي الكتب الأكثر مبيعا في العالم، بكتابه الشهير «الذكاء الانفعالي أو العاطفي أو الوجداني»، والصادر عام 1995، الذي تُرجم إلى 30 لغة، وحديثا صدر له كتاب «الذكاء البيئي: العصر القادم للشفافية الجذرية»، الذي يتناول فيه تحليلا للآثار الخفية بعيدة المدى للمنتجات والسلع على البيئة والمستهلك، التي تنعكس سلبا على أوضاع كوكب الأرض المتدهورة من تلوث للبيئة وتزايد لظاهرة التغير المناخي والاحتباس الحراري.

ويأمل غولمان من ذلك أن نتبنى تغييرات جذرية أساسية في تعاملنا مع السلع والمنتجات الاستهلاكية، وبما يسهم في النهاية في إنقاذنا وأجيالنا الناشئة وكوكب الأرض من هذه الآثار السلبية المتزايدة.
وقد اختار غولمان عنوان كتابه «الذكاء البيئي» في إشارة إلى أن تمتع المستهلكين بالذكاء البيئي، متمثلا في قدرتهم وتمكنهم من معرفة وتحليل الآثار البيئية بعيدة المدى للمنتجات والسلع المعروضة، سوف يمكنهم من جانب من اتخاذ قرارات شراء ذكية صائبة، من شأنها المساهمة في الحفاظ على البيئة، الأمر الذي سيقود المنتجين من جانب آخر، إلى إعادة التفكير في مكونات منتجاتهم والابتعاد عما يضر بالبيئة والمستهلك.
فالذكاء البيئي الذي يدعو إليه المؤلف يتمثل في أن وعينا وإدراكنا العميق للأزمات البيئية الحالية والمتزايدة التي يواجهها كوكب الأرض، والتي ستؤثر على حياتنا في الحاضر والمستقبل، يكون بالتفكير جيدا، وبذكاء عند اتخاذنا لقرارات الشراء والتعامل مع السلع والمنتجات، وذلك من خلال البحث عن أبعادها وآثارها البيئية الخفية بعيدة المدى.
يقدم غولمان في كتابه كثيرا من الأمثلة للآثار البيئية لما نشتريه ونستهلكه من سلع ومنتجات دون معرفتنا بذلك، مثل بعض «الشامبوهات» ومساحيق التنظيف والمواد البلاستيكية المكونة من مركبات وعناصر كيميائية، التي قد تؤثر على البيئة وصحة مستخدميها.
ويشير المؤلف إلى أن الأدلة التي ستقودنا لفهم التأثيرات البيئية الخفية للسلع والمنتجات الاستهلاكية هو أن تتوافر، وبشفافية، المعلومات والبيانات المستخدمة في إنتاج هذه المنتجات، ويعبر عن ذلك بمصطلح «الشفافية الجذرية» (adical Transparency)، وتعني إزاحة الستار عن سلسلة وكيفية إنتاج السلع والمنتجات؛ من كشف كامل لجميع الحقائق والمعلومات والبيانات البيئية والصحية والاجتماعية المخفية للمنتج؛ بدءا من كمية انبعاثات غاز الكربون، أو ما يعرف بالبصمات الكربونية (Carbon Footprint) للمنتجات والسلع والخدمات، مرورا بالمواد الكيميائية المستخدمة في عمليات الإنتاج، وظروف معيشة وعمل ومعاملة العمال في المصانع ومؤسسات الإنتاج، التي يمكن أن تؤثر على البيئة وصحة الإنسان، وذلك بهدف توفير البيانات والمعلومات الضرورية للمستهلكين عند شرائهم للمنتج، لاتخاذ قرارات اختيار سليمة ومناسبة تراعي التقليل من الآثار البيئية السلبية، حرصا على سلامة وصحة كوكب الأرض وصحتنا.
وكمثال على الشفافية المطلوبة للمنتجات، يشير المؤلف إلى موقع «Skin Deep» (www.cosmeticsdatabase.com) (قاعدة بيانات سلامة وأمان مستحضرات التجميل)، الذي يتناول من خلاله الفرد البحث لمعرفة آثار مكونات منتجات العناية الشخصية، من مستحضرات التجميل و«شامبوهات» الشعر أو الجلد، للتعرف على أي تأثيرات يمكن أن تؤخذ في الحسبان في مكونات وتركيبات المنتج، وقد زار هذا الموقع أكثر من 100 مليون متصفح منذ إطلاقه في عام 2004.
ويتناول غولمان في كتابه أهمية الشعار البيئي الأخضر (eco - labels) الدال على أن المنتجات والسلع تتوافق مع البيئة، والمكاسب التي يمكن أن تحققها المؤسسات والشركات من وراء وضع هذا الشعار على منتجاتهم، الذي يعد وسيلة فعالة لجذب المستهلكين للمشاركة في الحفاظ على البيئة. ويشير للكثير من الأمثلة على ذلك، بمشروع مصممة الأزياء البريطانية «آنيا هندمارش» (Anya Hindmarch)، التي صممت عام 2007 حقائب بلاستيكية تحمل شعار (I’m NOT a plastic bag)، لتعبئة السلع الغذائية عند الشراء من المتاجر كبديل عن الأكياس البلاستيكية الملوثة للبيئة، واستطاعت أن تبيع الكميات المنتجة منها في ساعات قليلة. وعقبت «هندمارش» على هذا المشروع بقولها إنه محاولة لزيادة الوعي بقضايا الأكياس البلاستيكية، بعمل حقائب أنيقة يعاد استعمالها، تحمل شعار «أنا لست حقيبة بلاستيكية». كما تمكنت شركات العقارات والمباني التجارية، وبعد حملات ترويجية ترفع الشعار الأخضر «القيادة في الطاقة والتصميم البيئي»، من إقناع المشترين بجدوى شراء مبان تتوافق مع البيئة من حيث خفض تكاليف الطاقة واختيار المواد المستخدمة في عمليات البناء، التي تقلل بالتالي من انبعاثات الغازات الكربونية.
ولهذا يؤكد غولمان على أهمية تركيز رجال الأعمال والمؤسسات والشركات على إجراء دراسات للتعرف على الآثار البيئية للسلع والمنتجات، الأمر الذي يفيد عند وضع سياسات واستراتيجيات التسويق والترويج لها، والذي يعتبر وسيلة فعالة لدفع المستهلكين أيضا للمشاركة في الحفاظ على البيئة.
ويضرب بعض الأمثلة على ذلك بأن بحوث التطوير في شركة «بروكتر وجامبل» (Procter & Gamble) قامت بتطوير مسحوق لتنظيف الملابس يستخدم مياها باردة، دون الحاجة لاستخدام مياه ساخنة، الأمر الذي يقلل من البصمة الكربونية للمنتج، وبالتالي التوفير في الطاقة.
الخلاصة، يمكن القول إن إدراكنا ووعينا بعمق الأزمات البيئية التي يواجهها كوكب الأرض حاليا ومستقبلا يحتم علينا المسؤولية جميعا، من خلال اتخاذ قرارات صائبة ذكية في إنتاج وشراء واستهلاك سلع ومنتجات تراعي التوازن البيئي، لحماية صحتنا وصحة كوكب الأرض الآخذة في التدهور.

المصدر: الشرق الأوسط/ صفات سلامة
  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 615 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

68,387