«جون ميلتون» الذي يكتب دافيد هاوكس، أستاذ الأدب الإنجليزي في جامعة ولاية اريزونا الأميركية، سيرة حياته، هو أحد أشهر الأدباء البريطانيين في كل العصور. إنه شاعر وكاتب وصاحب العمل الشهير الذي يعتبره النقّاد من روائع الأدب العالمي، أي «الفردوس المفقود».
جون ميلتون من مواليد عام 1608، وبمناسبة الذكرى الأربعمئة لولادته يخصه دافيد هاوكس بكتابه الأخير «جون ميلتون، بطل من عصرنا». وإشارة المؤلف إلى ميلتون على أنه بطل من العصر الحاضر تأتي من حيث أنه يرسم صورة الشاعر الكبير ليس في سياق القرن السابع عشر الذي شهدت ولادته بدايته، لكن بالأحرى على أساس راهنية أفكاره في القرن الحادي والعشرين أيضاً.عاش جون ميلتون في فترة كانت بريطانيا تشهد فيها اضطرابات اجتماعية كبيرة، كما يشرح المؤلف ليؤكد مباشرة أن أفكار ميلتون أثارت آنذاك الكثير من النقاشات والاعتراضات، خاصة تلك الأفكار التي طرحها حيال مسائل الاقتصاد والسياسة والعلاقة بين الجنسين.
ولا يتردد المؤلف في القول أن ميلتون كان «حازما في التمسك بقناعاته في فترة من الاضطرابات الدينية والسياسية بإنجلترا». ومن السمات الأساسية التي يؤكد عليها المؤلف في شخصية ميلتون أنه لم يكن كاتبا كبيرا وشاعرا كبيرا فحسب، لكنه كان مدافعا صلبا عن حرية التعبير. وكان قد ترجم ذلك في إفصاحه عن أفكاره التي تجاوزت «صرامة الحياة الإنجليزية في عصره».
وهذا ما يحاول المؤلف تقديم البراهين عليه من تفاصيل الحياة الخاصة لـ«بطله»، كما من المواقف العديدة التي أخذها حيال العديد من القضايا العامة. ويعود المؤلف مرات عديدة في هذا السياق إلى الحديث عن «خطاب جون ميلتون في البرلمان الإنجليزي حول حرية النشر» والهجوم على قانون سمح بالرقابة.
ولم تتجاوز أفكاره عصرها فحسب، ولكن دافيد هاوكس يجد فيها نوعا من «استقراء المستقبل» في أطروحاته، خاصة فيما يتعلق بالتطورات السياسية وبالنظام الاجتماعي.
ولا يتردد المؤلف في القول أن أفكار ميلتون «غير المألوفة» في زمنه، وخاصة مقاربته لما يعتبره هاوكس «اقتصاد السوق»، حسب المفهوم المستخدم في إطار العولمة اليوم، ومقاربته للعنف السياسي وللتزمت العقائدي من كل الأنواع، إنما هي أفكار «قابلة للتطبيق حتى في القرن الحادي والعشرين»، وبهذا المعنى هو «بطل من عصرنا».
وكان ميلتون مناصرا واضحا للسلام حيث ينقل عنه المؤلف قوله: «إن للسلام انتصاراته التي لا تقل شهرة عن تلك التي حققتها الحروب». وبالتوازي مع مناصرته للسلام كان مناهضا بقوة للعنف على خلفية قناعته أن الذي «ينتصر بواسطة القوة لم يكبّد عدوه سوى نصف هزيمة» وقوله أيضا: «ما يفسده السلام هو أقل مما تخرّبه الحرب».
ويركز المؤلف في هذا الإطار على التأثير الكبير الذي مارسته التربية البورجوازية التقليدية المثقفة في لندن التي ينتمي إليها جون ميلتون على تكوينه الفكري. وتتم الإشارة إلى أن أسرته المتدينة كانت قد وجهته للانخراط في سلك الكنيسة، لكن رحلة قام بها إلى إيطاليا وقراءته لدانتي شجعته على أن يصبح كاتبا. نال ميلتون شهرته أثناء حياته بسبب كتاباته النقدية وأشعاره «ذات الطابع الغنائي».
وبلغ أوج شهرته في بلاده كما في الجانب الأوروبي لبحر المانش في نهاية القرن السابع عشر. وكان من بين أكثر الذين تأثروا بجون ميلتون الكاتب الفرنسي «فرانسوا رونيه دو شاتوبريان»، الذي قام بترجمة أعماله إلى اللغة الفرنسية.
ومن المحطات الأساسية التي يؤكد عليها المؤلف في سيرة حياة جون ميلتون هو أن فترة دراسته الأولى كانت مضطربة، وأنه كان قد اعتمد على نفسه كثيرا من أجل صقل شخصيته وأفكاره.
وبهذا المعنى «علّم نفسه أكثر مما علّمته المدرسة» حيث أنه لم يتوقف أبدا عن الدراسة وعن تعميق معارفه باللغات القديمة والحديثة وبالفلسفة والأدب وعلم اللاهوت. وقد جرى تعيينه لفترة «سكرتير دولة للغات الأجنبية» مما وضعه في احتكاك مباشر مع العالم الخارجي.
وهناك محطة أساسية يرى المؤلف أنها شكّلت منعطفا حقيقيا في حياة جون ميلتون، وهي أن نظره ضعف تدريجيا وصولا إلى أنه أصبح «كفيفا» وهو في الأربعين من عمره. وقد نظم بعض الأشعار عن حالته.
وأظهر بأشكال مختلفة أسفه على فقدان شبابه، ذلك أن «سن الشباب يُعلن عن الإنسان كما يُعلن الصباح عن اليوم الذي يشرق فيه»، كما جاء في أحد جمل «الفردوس المفقود».
الكتاب: جون ميلتون، بطل من عصرنا
تأليف: دافيد هاوكس
الناشر: كونتربوانت- لندن- 2010
الصفحات: 356
القطع: المتوسط
المصدر: جريدة البيان
نشرت فى 17 أكتوبر 2010
بواسطة books
عدد زيارات الموقع
68,403
ساحة النقاش