قديماً، رفع الطبيب اليوناني الشهير أبوقراط (عاش في القرن الرابع قبل الميلاد) شعار: "دوائي أكلي وأكلي دوائي"، بمعنى إمكان الاعتماد على المواد الغذائية في الوقاية من الأمراض وعلاجها. وحاضراً، باتت المأكولات المُصنّعة تفوق الطعام المُهيّء بطريقة طبيعية بنسبة 80 في المئة.

تعطي المواد الاصطناعية المستعملة في المأكولات مذاقاً ومنظراً جذاباً، وتحافظ عليه لمدة طويلة، كما تسمح بالحصول عليه خارج أوقات مواسمه، وبأسعار اقتصادية نسبياً. النتيجة؟ صار ما نأكله سبباً في كثير من الأمراض، بحسب رأي علمي عام. وانقلب قول أبو قراط إلى عكسه "مرضي أكلي وأكلي مرضي". وفي كتاب أثار كثيراً من النقاش في الغرب أخيراً، بيّن صحافي فرنسي متخصص أن المواد الغذائية المُصنّعة والمأكولات السريعة، تؤدي دوراً كبيراً في مجموعة من الأمراض.

وقد باتت مضار المواد الغدائية المُصنّعة والمأكولات السريعة، موضع نقاش كبير في الأوساط الطبية حاضراً، إذ يميل كثير من العلماء للنظر إليها بإرتياب كبير. ولعل الأحدث في هذا المجال هو كتاب "طعام سام" Toxic Food، من تأليف ويليام ريموند، الصحافي الفرنسي المستقر في الولايات المتحدة. وقد صدر حديثاً عن دار "فلاماريون" في فرنسا.

في هذا الكتاب، لم يكن الكاتب رحيماً لا بوطنه الأم فرنسا ولا بالبلد الذي يعيش فيه (أميركا)، إذ انتقد أنماط الغذاء فيهما، استناداً على دراسات علمية انجزت في أميركا الشمالية والقارة الأوروبية.

ويلاحظ الكتاب أن جلّ الأطفال يأكلون ويشربون سوائل ومواد غذائية مُصنّعة، كما يُلاحظ عزوفهم عن الوجبات المطبوخة في البيت. ومنذ عقود، لوحظ أن نظام التغذية تغيّر كثيراً في الغرب، خصوصاً مع انغماس النساء في أسواق العمل، وتوسّع صناعة الأغذية، وانتشار نظام الأكل الأميركي بأثر من العولمة وآثارها المتنوّعة.

ويشير الكاتب إلى نقطة أخرى أساسية تتعلق بعملية المضغ، التي تعطي طبيعياً إشارات إلى الدماغ تتراكم لتعطي إحساساً بالشبع. وتضعف هذه العملية عند استعمال المأكولات السريعة، ما يقود إلى إلتهام كميات أكثر، كأننا نأكل من دون فرامل.

يلفت ريموند، الذي ألّف كتباً عدّة عن الموضوع عينه، إلى التغييرات التي تحدث في تركيبة الأطعمة، عند إنتاجها بوسائل الصناعة. فمثلاً، يفقد الحليب 13 في المائة من الفوسفور ونصف الحديد و36 في المائة من الكالسيوم. وبالرجوع إلى مصادر متنوّعة، يثبت الكاتب أن إستعمال وسائل إصطناعية في زراعة الفواكه والخضار، أعطى منتجات تحتوي كميات قليلة من الفيتامينات والمواد المفيدة صحياً، بل أقل كثيراً مما كانت تحتويه نظيراتها في الستينات من القرن الماضي.

وكذلك يورد دراسة بريطانية راجعت إحصاءات تقارن بين أعوام 1951 و1972 و1999، فوجدت أن اللحم ازدادت نسبة شحمه وانخفضت نسبة الحديد فيه، كما تزايدت شحوم الدجاج الأبيض ونقصت فيتاميناتها، بأثر من الاستعمال المُكثّف للأسمدة والأطعمة الإصطناعية، المترافق مع وهن في الخصوبة الطبيعية للتربة.

المصدر: مصطفى العروي/ جريدة الحياة
  • Currently 135/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
45 تصويتات / 696 مشاهدة
نشرت فى 15 سبتمبر 2010 بواسطة books

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

68,359