كيف يمكن «فبركة» رائعة أدبية تحتل المراكز الأولى في قائمة الكتب الأكثر انتشارا؟ ولماذا تلعب الكوكا كولا والبوب كورن دورا هاما في صناعة السينما؟ وبعد أن فشل ديزني في الصين، لماذا نجح في تصدير إنتاجه إلى الهند؟ ولماذا يطالب الوالون ـ في بلجيكا ـ بأفلام تنطق بلغتهم ـ مدبلجة ـ بينما يفضل الفلاماند ـ في بلجيكا أيضا ـ نسخ الأفلام المترجمة كتابة على الشاشة؟ ولماذا لاقى النموذج الأميركي «الثقافي» نجاحا كبيرا بينما تعاني أوروبا من الانحطاط؟ ولماذا تتشابه القيم التي تدافع عنها وسائل الإعلام الصينية إلى هذه الدرجة مع قيم «ستوديوهات» ديزني؟
للإجابة عن هذه الأسئلة كلها والعديد غيرها، قام الصحفي والباحث الفرنسي «فريديريك مارتل» بتحقيق طويل قاده من هوليوود إلى الصين ومن اليابان إلى جنوب إفريقيا ومن مقر قناة الجزيرة في قطر إلى مقر قناة «تيليفيزيا» العملاقة في المكسيك. ومن خلال بحثه وتحقيقاته يصل إلى نتيجة أساسية مفادها أن «الحرب العالمية الجديدة من أجل محتويات المعلومات قد بدأت».
وفي قلب هذه الحرب هناك الثقافة التي يصفها المؤلف في عنوان كتابه أنها «ثقافة التيار السائد» و«ثقافة ترضي الجميع». ومن الخصوصية الأساسية التي يؤكدها في السياق الحالي هو أن البلدان الصاعدة استطاعت عبر وسائل إعلامها وما تقدمه من «برامج ترفيهية» مكرّسة للاستهلاك الجماهيري الواسع أن تزيد كثيرا من قوتها.
إن تعبير Mainstream في عنوان هذا الكتاب يدلّ في الأصل على تيار موسيقي لموسيقى الجاز ظهر في أواسط سنوات الخمسينات من القرن الماضي ولا يزال قائما حتى اليوم.
والمؤلف يأخذ هذا التعبير ليدل من خلاله على «التيار الرئيسي» أو «ثقافة ترضي الجميع». إنها بكل الحالات ثقافة الجمهور العريض و«الثقافة التي تروق للجميع»، كما يشير المؤلف في العنوان الفرعي للكتاب.
ويكتب المؤلف بهذا الصدد: «في دمشق كما في بكين وطوكيو وحتى في الرياض وكراكاس، تملّكتني الدهشة بمدى الانجذاب الذي أبداه الذين تحدثوا معي إلى النموذج الموديل- الأميركي (...).
وحتى أولئك الذين يحاربون الولايات المتحدة في الصين أو في البلدان العربية، يفعلون ذلك، لكنهم يفعلونه وهم يقلّدون النموذج الأميركي. هنا بالتحديد تكمن مواطن قوّة الولايات المتحدة الأميركية التي لا يمتلكها أي بلد آخر، ولا حتى الاتحاد الأوروبي ببلدانه ال27، ولا حتى الصين بعدد سكانها الذي يفوق 3,1 مليار نسمة لا تستطيع المنافسة... حتى الآن».
ويحدد المؤلف القول ان البلدان التي استفادت واقعيا من عملية «إعادة توزيع الأوراق» الثقافية هي البلدان الصاعدة وفي المقام الأول الصين والهند والبرازيل أو أيضا بلدان الخليج التي استطاعت أن تبني صناعات ثقافية مستفيدة من العائدات البترولية. وما يؤكده المؤلف بخصوص الصين هو أن هناك تصميما عاما، لدى السلطات كما لدى الخاصّة، للتقدّم بسرعة على طريق امتلاك مفاتيح الثقافة الجديدة وحتى لو لم يكونوا يمتلكون الوسط الاقتصادي السياسي المناسب.
ويشير المؤلف في هذا السياق إلى المغامرة السيئة التي عرفتها مجموعة «وارنر» عندما استثمرت رؤوس أموال كبيرة في الصين بمشروع افتتاح صالات عرض سينمائي وحيث جرى ذات يوم نزع ملكيتها لها بسبب تغيّر «قواعد اللعبة».
وينقل المؤلف قول مدير مجموعة وارنر له: «لا تكتب كتابا عن السينما في الصين، بل ينبغي تحرير كتاب عن فساد الحزب الشيوعي الصيني». ويضيف المؤلف في موقع آخر: «إن الحرب الثقافية قد أُعلنت لكن ليس هناك من يعرف جيدا في الصين ما هي أهدافها. إن الصاروخ الثقافي الصيني قد أقلع دون أن يحدد له النظام القائم مساره. وتتم زيادة دفعه أكثر فأكثر، أمّا مقصده فيتم تحديده فيما بعد».
ويشرح المؤلف على مدى فصل كامل أن «الخاسر الكبير هو أوروبا». ولا يتردد في التأكيد: «إذا لم تتحرك أوروبا فإنه سيتم تهميشها وستغرق في مواجهة البلدان الصاعدة».
وتؤكد الإحصائيات التي يتم تقديمها أن حصة أوروبا من الصادرات الأوروبية للأفلام ومن البرامج التلفزيونية والموسيقى تنخفض سنويا منذ عقد من الزمن بنسبة 8 بالمئة بينما تزداد الصادرات الأميركية بنسبة 10 بالمئة. صحيح أن أوروبا لا تزال تحتفظ بالمرتبة الثانية عالميا. لكنها تعرف مسارا انحداريا في هذا المجال. وفي المحصلة لا يتردد المؤلف في القول ان «لكل أوروبي ثقافتين، ثقافته الأوروبية والثقافة الأميركية».
و«خاسر» آخر في السياق الثقافي العالمي السائد يحدده المؤلف بالبلدان النامية، بلدان الجنوب التي تحتل موقع المستهلك لما هو معروض عليها دون أن تكون لها أي قدرة ثقافية على المنافسة.
الكتاب: ثقافة التيار السائد
تأليف: فريديريك مارتل
الناشر: فلاماريون باريس 2010
الصفحات: 464 صفحة
القطع : المتوسط
المصدر: جريدة البيان
نشرت فى 8 أغسطس 2010
بواسطة books
عدد زيارات الموقع
68,358
ساحة النقاش