يمثل الكتاب بحثا فولكلوريا معمقا ومنهجيا حول القط في المعتقد الشعبي المصري، حيث يتناول بالتفسير، عددا من الظواهر الغريبة الشائعة في الريف المصري خاصة، إذ تشكل المعتقدات الدائرة حول القطط في يقين الجماعة الشعبية، منظومة متكاملة، تعمل على تنظيم وضبط العلاقة بين الإنسان.
وهذا الحيوان الضعيف، وتتسم هذه المنظومة بالتوازي وتداخل العناصر وتشابكها بصورة عضوية، ما يعمل على تغذية بعضها البعض، فتتعدد جوانبها وتتنوع أطيافها ورؤاها، لتعالج ؟ وتشغل ؟ جانباً كبيراً من تفاصيل الحياة بأكملها، وتسعى هذه الدراسة إلى الوصول لعتبات محاولة الإلمام بتفسير واحد من جوانب المعتقدات الشعبية.انبنت دراسة ومعالجات الكتاب على جمع مادته ميدانياً، من مصادرها الشفاهية، واستقصاء كافة جوانب المعتقد لدى الناس، وما يرتبط به من عادات وتقاليد وكافة العناصر والأبعاد والسياقات المتعلقة به، وذلك من خلال الحوار المفتوح مع الناس في أمور شتى، ما سمح بالكشف عن بعض المضامين المهمة، وأفاد في استخراج بعض المعلومات التي لم يكن بعض الناس ملتفتاً إلى أهميتها، أو كان متحاشياً الخوض فيها لأسباب ما، إضافة إلى توجيه بعض الأسئلة المباشرة والواضحة، التي تدخل في جوهر هذا الموضوع.
وحرص الباحث مرسي، على تنوع الأفراد الذين قام بمحاورتهم، سواء كان هذا التنوع جغرافياً (مدن وقرى، وجه قبلي ووجه بحري)، أو على مستوى الجنس(ذكور/ إناث)، أو تنوع أعمارهم، ما أتاح الحصول على مادة منوعة، مكنت في الوقت ذاته، من اختبار مدى انتشار المعتقدات المرتبطة بالقط.
كما تعمق المؤلف في المراجع والمصادر التي تناولت القط بشكل عام أو عرضت له، سواء بصورة أدبية ولغوية أو تاريخية أو دينية، بما أوقفه على العديد من الملاحظات والتفسيرات المهمة التي ساعدته على فهم أبعاد المعتقد واستقصاء العديد من جوانبه، وتلمس أصوله التاريخية وأبعاده الحضارية، التي ساهمت مرحلة بعد أخرى، في صياغته شكلاً ومضموناً.
وكذلك المصادر التي تبحث في تاريخ وجغرافية وطبيعة الأماكن المرتبطة بموضوع الدراسة، بحيث كانت كاشفة بصورة أو أخرى، لطبيعة هذا المجتمع ونمط عاداته وتقاليده وأعرافه، ما ساعد على تفسير العديد من مناحي الظاهرة المدروسة.
ونهضت الدراسة على محورين رئيسين، سعى الأول إلى استقصاء خصائص القط المميزة له عن سائر الحيوانات، وقد دار حول عدد من النقاط، هي: الاعتقاد في وجود لغة خاصة للقطط تتفاهم بها، البشر الذين يستطيعون فهم هذه اللغة، الأسماء المتداولة للقط، الاعتقاد في وجود قوى خاصة للقطط وطبيعة هذه القوى، حث الرسول صلى الله عليه وسلم على الرأفة بالحيوان عموماً، والقط خصوصاً.
والمحور الثاني اعتنى بالتعرف على القدرات الخارقة للقط، سواء المتعلقة منها بالنواحي الطبية أو السحرية، وكذلك مدى ارتباطه بالتفاؤل والتشاؤم، وقد انبنى هذا المحور على عدة نقاط، منها:
الرقى المستخدمة ضد الأعمال السحرية المبنية على القطط، استخدام عظام القطط أو أجزاء من جسدها في أعمال السحر، مدى تردد القطط على المكان الذي قتل فيه قط من قبل، تفسير سماع مواء القطط في الأحلام، دلالة رؤية القط في المنام، الخصائص العلاجية أو السحرية للقطط، تشاؤم الناس من القط الأسود، الاعتقاد في رؤية القطط للملائكة أو الشياطين، تلبس أرواح الأطفال أجساد القطط وهل ينطبق ذلك على أطفال معينين؟، الاعتقاد في حلول أرواح الموتى في أجساد القطط، التحذير من ضرب القطط أو إيذائها.
وقد رأى المؤلف أن عمله لا يدعي الوصول إلى الكلمة الفصل، إنما هو محض محاولة للوقوف على حكمة وأسرار الجماعة الشعبية في تعاملها الخاص مع القط، وإحاطته بعدد من المحاذير الخارجة عن سيطرة الإنسان وإرادته. ويمدنا مرسي في كتابه بالعديد من النماذج والأمثال للحكايات داخل الجماعة الشعبية، والتي تشكل فصلاً من فصول المعتقد الشعبي، الذي تندرج تحته جوانب عدة، تتراسل فيما بينها، وترفد بعضها البعض، ومنها:
«بعدما أخويا مات بحوالي يومين ظهر قط جنب باب الشقة، وفضل قاعد في المكان ده يبص علينا في الداخلة والخارجة بصات غريبة، ويبص على الناس اللي جايه تعزي، أحياناً كنت أحس إنه بيبتسم لي، وكنت باستريح لما أشوفه وأتضايق لما يغيب عن المكان شوية، ما كناش بنيجي ناحيته، كنا نحط له الأكل والميه ونسيبه، وفضل كده لحد الأربعين وبعدين ما بقيناش نشوفه».
الكتاب: القط في المعتقد الشعبي وأصوله الحضارية
تأليف: فؤاد مرسي
الناشر: الهيئة العامة لقصور الثقافة 2010
الصفحات: 96 صفحة
القطع: المتوسط
ساحة النقاش