القلق هو إحدى السمات البارزة للعصر الراهن. لكن لا بد من «الأمل في عصر القلق» كما جاء في عنوان الأستاذين الجامعيين انتوني سيولي وهنري بيلر. وهما يؤكدان دوافع الإنسان نحو حافة فقدان الأمل، بل واليأس كبيرة.


وليس أقلها ما نشهده اليوم من انهيارات اقتصادية ومن حالات بؤس متفاقم في العديد من مناطق العالم، والأمراض والأوبئة التي تفاجئ البشر بين حين وآخر، والكوارث الطبيعية التي يزداد إيقاعها وأحيانا خطورتها مثل إعصاري تسونامي وكاترينا قبل سنوات قليلة، والتهديدات التي يواجهها البشر من كل نوع.

هذه العوامل كلها، وكثير غيرها مما يذكرها المؤلفان، تدعو كلها إلى التشاؤم واليأس. بل ويضيفان أن مجرد قراءة أية صحيفة يومية كافية كي تدفع «أي إنسان» إلى الإحساس أنه محاصر باليأس من كل جانب. لكنهما يشيران بالوقت نفسه، وبالاعتماد على عدد من الإحصائيات والدراسات الميدانية، وأن هناك ظاهرة جديدة تتعاظم ويحددانها ب«تزايد البحث عن الأمل» الذي يكبحه المجتمع بسبل شتى.

ويحاول المؤلفان أن يكون عملهما عاملا مساعدا على الأمل «في عصر القلق». وهما يشرحان بإسهاب طبيعة الأمل وآليات انتعاشه. ولا يكتفيان بالتنظير لتحقيق ذلك، بل يقدمان توصيفا للعديد من «التقنيات» التي ترمي إلى «تحسين حياة الأفراد» و«جعل العالم أكثر إشعاعا». ومن خلال محاولة شرح طرق ولوج البشر للدروب التي تقود إلى الأمل وشرح طرق «استخدامه أيضا»، يصبو كتاب «الأمل في عصر القلق» إلى أن يكون «دليلا نهائيا» لعالم أكثر «أملا».

إن المؤلفين، وكما هو الأمر في أي كتاب-دليل، يحاولان طرح بعض الأسئلة ثم يحاولان تقديم الإصابات عليها. إنها أسئلة من نوع: كيف يمكن بعث الأمل وتدعيمه في فترات التجريب؟ وكيف يمكن للأمل أن يساعد البشر على تحقيق أهدافهم في الحياة؟ وكيف يمكن للأمل أن يحسّن علاقات الإنسان مع البشر الآخرين؟ وكيف يمكن للأمل أن يسهّل تحمل الصدمات المختلفة والمرض؟ وكيف يرتبط الأمل بالبعد الروحاني للبشر مهما كانت معتقداتهم؟ هذه الأسئلة كلها تجد محاولات للإجابة عنها في فصول الكتاب المتتالية.

بكل الحالات يتم تقديم الأمل على أنه يُصبغ على أحداث الحياة وعلى ظروفها «معاني إيجابية» وذلك مهما كانت النتائج. ذلك تماشيا مع أفكار الفيلسوف الشهير «لايبنز»، صاحب المقولة الشهيرة: لم يكن بالإمكان أفضل مما كان». لكن يتم التمييز بالوقت نفسه بين الأمل، الذي يتضمن بعدا روحانيا خاصة في سياق المعتقدات الدينية المتنوعة، وبين التفكير الإيجابي الذي يجد معناه بالتعارض مع «نزعة التشاؤم» لاسيما في مجال علم النفس.

وللأمل أيضا تاريخيته حيث كانت له مكانة خاصة في الفلسفات اليونانية القديمة، والأمر نفسه بالنسبة للعديد من المعتقدات. وهو الذي يعطي في أحيان كثيرة معنى، أو على الأقل فرصة كي يكون هناك معنى، للحياة. هذا مثل الجندي الأسير الذي «يأمل» ذات يوم بمخرج. هذا ما تعبّر عنه بامتياز الفكرة الشائعة القائلة بضيق العيش لولا فسحة الأمل. وفي هذا الكتاب يقترح المؤلفان نوعا من النظرية التي تجمع في إطارها مقاربات عن «الأمل». هذا المزيج الذي يستجيب لمكونات النفس الإنسانية يتم التأكيد على أن الأمل هو «الدواء الناجع الأفضل من أجل التغلّب على مشاعر الاغتراب والعجز والخوف».

وما يتم التأكيد عليه في الشرح المقدّم هو أن الأمل الحقيقي هو ذو «طبيعة فاعلة وليس طبيعة سلبية». ذلك بمعنى أنه ينبغي أن يشكّل بديلا لحالة التشكك والألم والخسارة التي ولّدتها ظروف الحياة وأحداثها. بهذا المعنى أيضا لا يتأتّى الأمل «المنشود» من «نزعة تفاؤل عمياء»، أو من «أوهام»، بل يقدم المؤلفان الأمل على أنه يعبّر بالأحرى عن الرغبة الأكثر عمقا وتجذّرا في الإنسانية، وهو السبيل الذي يسمح بإمكانية تصور مستقبل أفضل.

وتتمثل أحد أبعاد هذا الكتاب في شموليته وموسوعيته بحيث يمكنه أن يكون مرجعا لمسيرة «تطوّر» مفهوم الأمل كما حددته الفلسفات القديمة وحتى نظرة العلوم الحديثة له. كما يقدمان توصيفا لدلالاته في أعمال كبار الفلاسفة والفنانين.

ولعل النتيجة الأساسية التي يسعى المؤلفان للوصول إليها من تحليلاتهما لمفهوم الأمل ودوره في حياة البشر تتمثل في القول أنه عندما يفهمون الدور الذي يلعبه في حياتهم وفي آثاره «حتى الجسدية-الفيزيولوجية» عليهم وفي عنصر «المساعدة على البقاء» الذي يشتمل عليه، إنما يستطيعون عندها أن يواجهوا صعوبات الحياة بشكل أفضل وبالتالي زيادة القدرة على مساعدة أولئك الذين يكنّون لهم الحب.

الأمل باختصار كما يتم تقديمه هو «قوة أساسية» في عصر القلق وليس معطًى إحصائيا ورقما في العالم المادي المسيطر. ومن ميزات هذا «الأمل» الذي يجسّد مثل هذه الوظيفة، أنه لا يمكن أن يكون «زائفا» و«مزيّفا».

ومن الهام التأكيد أكثر أن هذا الكتاب ليس من شاكلة تلك الأعمال التجارية من نوع: كيف يمكن بلوغ السعادة؟ ولكنه كتاب جنى مؤلفاه «أفضل ما يدل عليه الأمل» في علم النفس والفلسفة والعقائد الدينية، وفي العلوم الحديثة التي تأخذ أشكال الدعم التي يمكن أن يقدمها للبشر بكل جديّة مؤكدة بذلك ما دعت إليه أعظم التقاليد الروحانية في العالم.

الكتاب: الأمل في عصر القلق

تأليف: انتوني سيولي هنري بيلر

الناشر: جامعة اكسفورد لندن 2009

الصفحات: 440 صفحة

القطع: المتوسط

المصدر: جريدة البيان
  • Currently 176/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
59 تصويتات / 1171 مشاهدة
نشرت فى 8 يوليو 2010 بواسطة books

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

68,344