يبقى عالم الاستخبارات والجاسوسية هو عالم الأسرار بامتياز. وقد كان دائما موضوع قصص من صنع الخيال التي أصبح بعض شخوصها من مشاهير «الشخصيات الأدبية».

لكنه كان أيضا موضوع العديد من الدراسات ذات الطابع التوثيقي والأكاديمي. والباحثان البريطانيان، الأستاذان في الجامعات الانجليزية، روبرت دوفر ومايكل س. غودمان أشرفا على إنجاز كتاب أصدرته جامعة كولومبيا تحت عنوان: «تبادل المعلومات».موضوع هذا الكتاب هو بالتحديد عالم الجاسوسية والاستخبارات، من زاوية محددة هي علاقته مع وسائل الإعلام، مع دراسة الأسباب التي تجعل وسائل الإعلام بدورها بحاجة إلى عالم الأجهزة السرية كمصدر معلومات هام. والمساهمون فيه ينتمون إلى مشارب مختلفة، وخاصة من أوساط الجامعيين والصحافيين باعتبارهم في طليعة المعنيين بموضوع هذا العمل.

الجميع يدرسون العلاقات بين عالمي الجاسوسية والإعلام. والتوصيف الأشمل الذي يتفق حوله الجميع هي أنها علاقات تقوم على قاعدة «التكامل» من حيث المبدأ، لكنها علاقات «متوترة» في أغلب الأحيان.
ويحظى الجانب التأريخي باهتمام خاص من التحليلات المقدّمة في هذا الكتاب حيث يتم التأكيد على أن القرن العشرين كان فترة «ازدهار» العلاقة بين عملاء الاستخبارات ووسائل الإعلام.

لاسيما في ظل فترة الحرب الباردة التي عرفت انقسام العالم إلى معسكرين متناحرين، رأسمالي واشتراكي، يريد كل منهما أن ينهي وجود المعسكر الآخر إذا استطاع. وكانت كل الوسائل مسموح بها للوصول إلى ذلك، وبالطبع كان

جمع المعلومات عن «العدو» هو في طليعة الاهتمامات.

ما يتم التأكيد عليه في تحليلات هذا الكتاب هو أن رجال الاستخبارات والجاسوسية من كل نوع ولون كانوا يرون في اللجوء إلى وسائل الإعلام وسيلة هامة من أجل «تمرير» رسالة ل«الأصدقاء» أو «العملاء» أو من أجل نشر معلومات ترمي تحديدا إلى «خداع» الخصوم.

كذلك تدل مجموعة من الأحداث والوقائع التي يتم تقديمها في هذا الكتاب على

أنه ليس غريبا عن سلوكيات الأجهزة السرية اللجوء إلى «استخدام» رجال الإعلام، خاصة الصحافيين، من أجل التأثير على توجه سياسي عام أو من أجل تمرير «معلومة» أو «خبر» يصب في صالح الجهاز المعني.

ومثل هذا الأسلوب لجأت إليه، حسب المعلومات المقدمة، الأجهزة السرية البريطانية الأكثر شهرة «أم-16» و «أم-15»، كما لجأت إليه وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.

الأجهزة السرية في البلدان الشمولية التوتاليتارية - هي بحاجة أقل إلى رجال الإعلام ذلك على أساس أن يدها «أطول». وفي إطار البحث بنوعية العلاقة بين رجال الأجهزة السرية ورجال الإعلام تتم الإشارة مرارا على أن هناك نوعا من التوتر غالبا بين صحافيي التحقيقات وأجهزة الأمن التي تنظر إليهم كعناصر «تشويش» على عملها من حيث أنهم يبحثون هم أيضا عن المعلومة بغية توظيفها في تحقيقاتهم.

إن الأمثلة التي يتم تقديمها عن «إعاقة» رجال الإعلام لعمل رجال الأمن عديدة في هذا الكتاب، وعلى رأسها واقع كشف الصحافيين عن ممارسات وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي.آي.ايه» لعمليات الاستجواب «المشبوهة» التي قامت لها مع من جرى اعتقالهم بتهمة الإرهاب. والحديث عن «تواطؤ» رجال استخبارات بريطانيين في العملية.

وتتم الإشارة في هذا السياق إلى أن الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام في البلدان الغربية ذات الأنظمة الديمقراطية عامة فيما يتعلق بكبح تجاوزات الأجهزة السرية ليس مفهوما بشكل جيد من قبل الجمهور العريض.

لكن هذا لا يمنع من القول انه دور هام جدا بالنسبة لأولئك الذين يؤكّدون على ضرورة إنقاذ الحريات المدنية واحترام الفرد في المجتمعات المعنية. لكن هناك فرق بين «كبح» تجاوزات الأجهزة وبين التوصيف «الإيجابي» في أحيان كثيرة لما تقوم فيه من نشاطات. لكن ليس كل ما تقوله وسائل الإعلام عن الأجهزة السرية صحيحا، وعلى الأقل ليس صحيحا إلا بصورة جزئية.

إحدى المساهمات في الكتاب مكرّسة لدراسة تطور العلاقة بين مراكز بيع الصحافة وبين الدوائر الحكومية البريطانية، خاصة من زاوية أشكال التقدم التكنولوجي. وتتعرض عدة مساهمات لأشكال «سيطرة» الحكومات على أجهزة الاستخبارات، ولآليات عمل وحدات الاستخبارات السرية، والقوانين التي تحكم المسائل المتعلقة بالرقابة على المعلومات.

ومن المواضيع الأخرى التي يتم التعرض إليها في هذا الكتاب هناك «سبل استغلال وسائل الإعلام المعولمة من قبل مجموعة من وكالات الاستخبارات»، و«طريقة استخدام السي.آي.ايه لمصادر المعلومات المفتوحة لغايات استخباراتية»، و«الاستخدام السري للمعلومات من أجل كبح البرنامج النووي

في الحالة الليبية»، و«الطريقة التي تتبدّى فيها الأجهزة السرية في الثقافة الشعبية وسبل استغلالها. أما المساهمة الأخيرة في الكتاب فإنها تخص «التجليات الثقافية للحرب ضد الإرهاب».

وكتاب يقدّم الكثير من المعلومات عن عالم الأجهزة السرية الغربية وعلاقاتها المتشابكة مع عالم الخبر والكلمة والصورة.

الكتاب: تبادل المعلومات

تأليف: روبرت دوفر مايكل س. غودمان وآخرون

الناشر: جامعة كولومبيا 2009

الصفحات: 320 صفحة

القطع: المتوسط

المصدر: جريدة البيان
  • Currently 120/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
40 تصويتات / 607 مشاهدة
نشرت فى 25 مايو 2010 بواسطة books

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

68,359