في عام 2001 تمّ تعيين عالمة الاجتماع الفرنسية دومينيك شنابير، كعضو في المجلس الدستوري الفرنسي، ذلك على قاعدة ما قدّمته من دراسات ومؤلفات حول الجمهورية والديمقراطية. والمجلس الدستوري في فرنسا هو أعلى هيئة دستورية بالبلاد وهو الذي يقرر إذا كانت القوانين التي تصدرها السلطة التشريعية تتلاءم مع نصوص الدستور أو قد يتم رفضها، كما حصل بالنسبة للعديد من القوانين.
لقد أثار ذلك التعيين كمّا كبيرا من التعليقات، ذلك أن العادة جرت أن يكون أعضاء هذه «المؤسسة السياسية» العليا من العاملين في حقل السياسة. وهكذا بدت دومينيك شنابير، كعضو «غريب» في المجلس الدستوري الذي انتهت مدة عضويتها فيه، حسب مقتضيات الدستور، في شهر مارس-آذار 2010. وهي تروي في هذا الكتاب «عالمة اجتماع في المجلس الدستوري» تجربتها في هذا المجلس.وترى المؤلفة أن المكانة «المتواضعة» التي أُعطيت لأعضاء المجلس من ناحية المراسم ـ البروتوكول ـ تدلّ على أن الجنرال ديغول كان «مترددا» حيال إنشاء هيئة تكون مسؤولة عن تحديد مدى «دستورية» طريقة ممارسة السلطة في عهده.
لكن ذلك لم يمنع واقع أن المجلس فرض نفسه شيئا فشيئا وب«كثير من العناء» والمثابرة على إنجاز المهام الموكلة إليه «دستوريا» بحيث تجاوز أعضاؤه باستمرار تباين حساسياتهم أو حتى انتماءاتهم السياسية و«رغم التنوع الكبير في ثقافتهم القانونية والدستورية».
هكذا أثبت أعضاء المجلس «التسعة» باستمرار تلاحمهم في الحكم على «دستورية» القوانين الصادرة. لكن المؤلفة لا تخفي أن مشاركتها في هذا المجلس ساهمت في خلق نوع من «الحس السوسيولوجي» في النقاشات.
ويمكن القول ان دومينيك شنابير تحاول أن تفتح أبواب المجلس الدستوري أمام القارئ في محاولة لشرح الطريقة التي يقوم فيها أعضاؤه بمناقشة القوانين الجديدة الصادرة. وهذا انطلاقا من مادة لم تكن في الأصل سوى مجموعة من الكتابات واليوميات المتفرّقة التي تحوّلت إلى كتاب يزيد عدد صفحاته عن ال450 صفحة. هذا إلى جانب تأكيد المؤلفة أن «مهنة الباحث في علم الاجتماع» لا يمكن اختزالها إلى مجرّد مهنة ذلك أنها أيضا «طريقة في العيش».
وتصف دومينيك شنابير المجلس الدستوري الفرنسي على أنه «مجتمع صغير» امتلك مقومات البقاء والاستمرار رغم أن البعض اعتبروه بدون فائدة.
ومن بين هؤلاء الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران الذي اعتبره لا يتماشى مع العصر الحديث وتنقل عنه المؤلفة توصيفه له عام 1978 أنه: «مؤسسة على شاكلة عهد نابليون الثالث». هذا على عكس رئيس الوزراء في عهد الجنرال ديغول، أي «ميشيل دوبريه» الذي برر وجوده من أجل كبح تجاوزت المجلسين، «الجمعية الوطنية الفرنسية ومجلس الشيوخ».
وقد اقتصرت مهمة المجلس في بداياته على مراقبة العمليات الانتخابية، أي المهمة التي كان البرلمانيون أنفسهم هم الذين يقومون فيها. لكن تحوّلا حقيقيا استجدّ في وظيفة المجلس الدستوري الذي كان طيلة عهد الجنرال ديغول نوعا من «الحارس الأمين» لما تفعله السلطة التي كانت أصلا وراء قيامه. تمثّل ذلك التحول في كون أن المجلس الدستوري لم يعد يلعب دور الهيئة المنظمة لنشاط السلطات العامة فحسب، بل أصبح يلعب دور حماية الحقوق والحريات والمواطن.
والتجديد الكبير الذي تتم الإشارة إليه هو أن المواطن الفرنسي أصبح يستطيع بناء على تعديل دستوري في شهر يوليو- تموز 2008، الاعتراض لدى المجلس الدستوري، إذا احتج على مطابقة القوانين للحقوق الأساسية التي يضمنها الدستور.
وتعود المؤلفة إلى ذكر العديد من المواقف التي اتخذها المجلس الدستوري وأنهى من خلالها مفعول عدد من القرارات. وتكتب عن ذلك الاعتراض الذي قدّمه القائمون على مجلة جان بول سارتر «قضية الشعب». ومن الصفات التي ترى المؤلفة أنها كانت مصدر إزعاج لها في عملها في إطار المجلس هو إدراكها أن قرارات المجلس تخص بالتحديد دستورية الانتخابات مثلا لكنها لا تأخذ بعين الاعتبار واقع «فساد المرشح» نفسه.
وفي المحصلة، وعبر البحث في العديد من الأمثلة الخاصة بالقوانين الانتخابية والتمثيل النسائي في مختلف المجالس والمكانة القانونية لجزيرة كورسيكا ومساواة المواطنين أمام القانون والحقوق الاجتماعية وما يترتب عليها من مساعدات، تصل المؤلفة إلى القول ان المجلس الدستوري لا يشكل أبدا «مجلسا تشريعيا ثالثا» بعد الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، ولكن مجرد «شاهد» على تجاوزاتهما أحيانا.
ولكن فيما هو أبعد من هذا تجاوزات الديمقراطية نفسها «المقيّدة بين فكرتين: المساواة ومسألة التمثيل»، أي «الفكرتان الطوباويتان الخلاقتان اللتان يرتكز عليهما النظام الديمقراطي»، كما نقرأ في أحد الجمل الأخيرة من الكتاب، وما يبدو أنه «الاكتشاف» الذي وصلت إليه المؤلفة من تجربة استمرت 9 سنوات في أعلى هيئة دستورية بفرنسا.
الكتاب: عالمة اجتماع في المجلس الدستوري
تأليف: دومينيك شنابير
الناشر: غاليمار باريس 2010
الصفحات: 452 صفحة
القطع: المتوسط
ساحة النقاش