إذا كان باراك أوباما هو أول رئيس أسود في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، فإنه ما كان له أن يصل إلى هذا المنصب لو لم تكن هناك حركة طويلة وعميقة سبقت انتخابه بعقود عدة. وهي تخص مطالبة السود ب«حقوقهم المدنية». والمؤرخ الأميركي دافيد كارتر يكرس كتابه الأخير «الموسيقى تنبعث من الحركة» لمسألة «الحقوق المدنية وإدارة جونسون 1965-1968»، كما يقول العنوان الفرعي.

وتخص التحليلات المقدمة فترة حاسمة من نضال الأميركيين ذوي الأصول الإفريقية (الأميركيين السود) من أجل نيل حقوقهم المدنية. وذلك منذ مطلع سنوات الستينات في القرن الماضي وحتى نهاية ذلك العقد تقريباً.ويشير المؤلف بداية إلى حركة الإضرابات التي بدأها أربعة من الطلبة السود في غرنسبورو وكارولينا الشمالية، وذلك احتجاجاً على التمييز العنصري الذي كانت تتم ممارسته في مخازن «وول وورتس». وبعد عدة أيام فقط وصل عدد المضربين إلى 1000 قبل أن تمتد الحركة إلى عموم الولايات المتحدة الأميركية وخاصة إلى نيفادا واوهيو واللينوي. مثل تلك الإضرابات كانت لها سوابق نظمها «مؤتمر المساواة العنصرية» في شيكاغو عام 1942 وفي سان لويس عام 1949، لكن إضرابات «غرينسبورو» أعطت دفعة جديدة لحركة المطالبة بالحقوق المدنية.

وفي شهر أبريل ـ نيسان من تلك السنة 1960، قام عدد من الطلبة المشاركين في الحركة بتأسيس «لجنة تنسيق الطلبة من أنصار عدم العنف» في كارولينا الشمالية. بعض أعضاء هذه اللجنة استقبلوا الحافلات العامة للتنقل بين الولايات احتجاجاً على التمييز العنصري داخل وسائل النقل. وفي «برمنغهام» استقبلتهم مجموعة ال«كو كلوكس كلان» أو «كا.كا.كا» العنصرية مدعومة من الشرطة المحلية، بالعنف وجرحت عدداً منهم. وبتاريخ 6 مايو- آيار من عام 1960 قام الرئيس آيزنهاور بتوقيع «ميثاق الحقوق المدنية».

عندها قام عدد من أعضاء الكونغرس، كان عددهم 18 يمثلون ولايات جنوبية، بمحاولة تأخير تبنّي القانون الخاص بالحقوق المدنية وتعاقبوا على الحديث من منصة الكونغرس لمدة 43 ساعة متتالية.

وفي عام 1961 أطلق الرئيس جون كينيدي برنامج «التمييز الإيجابي»، أي إعطاء الأفضلية للسود في التوظيف بعدد من القطاعات، على خلفية هذا البرنامج أطلق ليندون جونسون فيما بعد برنامجه الشهير تحت عنوان: «التساوي في حظوظ فرص العمل».

إن المؤلف يتوقف طويلًا عند البرنامج الذي أعلنه الرئيس جونسون عندما كان يلقي خطابه عن حالة «الاتحاد» في شهر يناير من عام 1964. وقد أعلن فيه عن انطلاق برنامج لتعزيز الحماية الاجتماعية في إطار ما أسماه «الحرب ضد الفقر». وتتم الإشارة هنا إلى أن مارتن لوثر كنغ قد أعلن فيما بعد معارضته للحرب في فييتنام، على أساس أنها تتناقض مع هدف محاربة الفقر، إذ يتم بسببها انحراف المجهود المالي الأميركي باتجاه خدمة قضية غير عادلة.

وكان جونسون قد أقرّ أيضاً تأسيس «مكتب اقتصادي» مهمته تمويل برامج مساعدات قضائية، بحيث يستطيع أبناء الشرائح المتواضعة من المجتمع الوصول بسهولة إلى القضاء.

وقد انخرط عدد من المحامين في المعركة من أجل الحقوق المدنية، وصولاً في بعض الأحيان إلى النضال ضد عقوبة الموت. أولئك المحامون ومن مشى في نفس التيار من رجال القضاء انخرطوا في إطار ما عُرف ب«قانون الصالح العام». وفي شهر يوليو- تموز من عام 1964 وقع لندون جونسون «ميثاق الحقوق المدنية»، الذي يمنع كل شكل من أشكال التمييز العنصري.

وتتالت القوانين في عهد جونسون والتي كان من أهمها ذلك الخاص ب«ميثاق حقوق الاقتراع» الذي جرى توقيعه في شهر أغسطس-آب من عام 1965. وفي عام 1967 قررت المحكمة الأميركية العليا أن «منع الزيجات المختلطة يتعارض مع الدستور».

وفي مثل ذلك السياق برزت الحركة المعروفة ب«القوة السوداء» التي طرحت في نقاشاتها الداخلية مسألة «اللجوء إلى العنف» من جهة، و«مكانة السود والأقليات» الأخرى داخل الحركة.

وكان تأسيسها بمثابة الإعلان عن أخذ النضال المناهض للتمييز العنصري منحى «راديكالياً» تبدّى بتوجيه الانتقاد إلى المواقف المطالبة بعدم العنف التي اتخذها مارتن لوثر كنغ الذي اغتيل يوم 4 أبريل- نيسان من عام 1968. وكان من رموز الحركة الجديدة «مالكولم إكس» الذي كان لفترة- حتى عام 1962- الناطق باسم حركة «أمة الإسلام» في الولايات المتحدة.

وينقل المؤلف عن لندون جونسون قوله إن الانتصار في معركة الحقوق المدنية ينبغي قياسه بالوصول إلى «نتائج متساوية في الواقع» أكثر مما هو بالتساوي نظرياً في الحقوق والفرص. ويتم التأكيد في هذا السياق أن ذلك شكّل، لفترة قصيرة من الزمن، وأعطى جميع المطالبين بالمساواة في الحقوق لتحقيق مثل هذا الهدف أولوية عملهم.
لكن النوايا المعلنة لم تجد ما يطابقها على أرض الواقع. وهذا ما يعيده المؤلف إلى المناخ الاجتماعي المضطرب وإلى حالة الاستياء السياسي بسبب الإضرابات الاجتماعية على خلفية الاحتجاج على الحرب الفيتنامية. وقد تزامن ذلك كله مع صعود جديد للحركات المحافظة المناهضة بطبيعتها للمساواة بين البيض والسود، فهؤلاء كان يتم اعتبارهم دائماً من سليلي «العبيد».

ولكن هذا لا يمنع المؤلف من القول إن فترة حكم جونسون كانت ذات قيمة مفصلية في إعطاء الحقوق المدنية للسود، ونقطة انطلاق حقيقية لمسيرة صعودهم وصولًا إلى أعلى مراتب الدولة في الولايات المتحدة الأميركية.

الكتاب: الموسيقى تنبعث من الحركة الحقوق المدنية وإدارة جونسون 1965-1968

تأليف: دافيد كارتر

الناشر: جامعة كارولينا 2009

الصفحات: 408 صفحات

القطع: المتوسط

المصدر: جريدة البيان
  • Currently 143/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
48 تصويتات / 415 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

68,355