مصرنا الحبيبة

الماضي والحاضر والمستقبل

كيف تتعامل مع أناس لا تحبهم؟

مصطفى كريم

عندما كنت في المرحلة الثانوية كان لدي أستاذ لمادة الفيزياء، ولأول مرة كنت أسمع مصطلح "الذكاء الاجتماعي" كانت منه، كان لديه صديق مزعج على حد تعبيره، وكان كثيرًا ما يتصل به، ويطلب منه أمورًا ويستفسر عن أشياء، فسألته مرة: (ولماذا عليك التعامل معه وأنت تراه مزعجًا؟)، فأضاف لقاموس المصطلحات الخاص بي مصطلحًا جديدًا، ألا وهو (أعدقاء)، فسألته عن معنى المصطلح العجيب هذا، فقال: (هو مركب من كلمتين "أصدقاء" و"أعداء")، ومن يومها تعلمت أن هناك أناسًا لابد أن نتعامل معهم بالرغم من أننا قد لا نحبهم، ولكن السؤال الأهم: كيف نستطيع فعل ذلك؟

يعتقد البعض أن المشاعر أشياء لا إرادية وأنه لا يمكننا التحكم في مشاعرنا وكأننا مسلوبو الإرادة، استحوزت علينا روح شريرة تجعلنا عاجزين عن التحكم في أنفسنا.

فتجد من يخون شريك حياته أو يعق والديه، ثم يتحجج بهذه الحجة: "أن المشاعر لا إرادية، ولا سلطان لي عليها".

فمعظم الناس تركوا أنفسهم كريشة تتقاذفها رياح مشاعرهم التي لا يتحكم فيها أحد وكأن لا يد لهم في حياتهم، بينما امتدح ديننا الحنيف الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، وأمرنا أن نتوقف عن تناول طعام نحبه؛ لأننا صائمون.

إذًا، أنت تستطيع التحكم فعلاً في مشاعرك، لكنك قد تقلل من شأن هذه القوة بداخلك، وبالمثل في التعامل مع الآخرين، فنحن مطالبون في حياتنا بحب أشخاص معينين هذه هي الحقيقة أليس كذلك؟ كيف يمكننا ذلك؟

مشاعرك ملكك أنت:

فلنفترض أن الشخص الذي لا تحبه، ويجب عليك أن تحبه هو (س)، فكِّر جيدًا في (س) هذا، إنه قريب منك وأنت مطالب بينك وبين نفسك بحبه ودعنا نتساءل معًا؟ كيف تستطيع أن تحب (س) وتتقبله؟

فكِّر في (س) الذي تكرهه جيدًا ولنكتب معًا صفات (س) الذي تكرهه.

صفات (س) الذي تكرهه:-

- ...........................................

 

- ...........................................

 

- ...........................................

 

- ...........................................

 

هل انتهيت، أحسنت هذه الكلمات التي كتبتها بنفسك، سنعود لها لنعرف ما يمكننا عمله في (س) هذا، لو تأملنا هذه الصفات التي كتبتها بنفسك عن (س) ستجد أن كلها صفات سلبية، صحيح؟!

اسأل نفسك:

هل يوجد شخص في هذه الحياة خالٍ من الفضائل لهذه الدرجة؟ بالتأكيد (س) به صفات إيجابية كثيرة جدًّا، لكنك لا تُلقِ لها بالاً؛ لهذا فمشاعرك سلبية تجاه (س).

هل تعتقد أن كل الناس يرون (س) سيئًا هكذا؟ هل تعرف شخصًا يحب (س)؟ حاول أن تتقمص شخصيته، واكتب صفات (س) من وجهة نظره هو، ماذا سيقول عن نفسه؟ ليس مهمًّا أن تكون مقتنعًا بما تكتبه، ولكن اكتب كما لو كنت ممن يحبون (س) ولا تحاول المراوغة وادعاء أنه خالٍ من الفضائل، اكتب صفات (س) التي يراها هو أو من يحبونه، وأرجوك ألا تقتنع بها أساسًا!

صفات (س) الذي تحبه:

- ....................................

 

- ....................................

 

- ....................................

 

- ....................................

 

هكذا يرى (س) المقربون منه كما كتبت بنفسك، اقرأ ما كتبته للتو ثم راقب مشاعرك. كيف الحال؟ هناك اختلاف لا تدري ما هو، ولذا تقول الحكمة: (ليس هناك شيء جيد أو سيئ في ذاته لكن تفكيرنا هو ما يجعله كذلك).

قانون التركيز، وصديقنا محمد:

العقل اللاواعي له قوانين تحكمه، فهو كطفل صغير، لكنه يتحكم فيك أكثر مما تتخيل، هذا الطفل الصغير لا يستطيع التركيز في أكثر من فكرة واحدة في وقت واحد.

مثال: هل تستطيع أن تفكر في شيء محزن وشيء مضحك في نفس الوقت؟ هذا صعب لأن العقل اللاواعي لا يمكنه التركيز في أكثر من فكرة واحدة في نفس الوقت.

فكِّر في طائرة نفاثة سوداء تطير في السماء، هل فعلت؟ تذكر شكل مدرس العلوم الذي كان يدرس لك في المرحلة الإعدادية، هل فعلت؟ بالتأكيد قد لاحظت أنك حين فكرت في مدرس العلوم قد تناسيت الطائرة النفاثة! هذا ما نسميه "قانون التركيز".

حالك مع الشخص (س)، كحال صديقنا محمد الذي يؤكد دائمًا أن السنوات الخمس الماضية في عمره كانت سيئة، كان يؤكد دومًا أن حياته أصبحت أكثر كآبة وفشلاً بل وصحته تدهورت وكان يتألم طيلة هذه السنوات.

هل تصدق هذا الكلام؟ من المستحيل أن نصدق أنه كان يتألم في كل لحظة وكل ثانية طوال الخمس سنوات، هل تفرغ تمامًا للفشل والتألم؟ ألم يتناول وجبة لذيذة؟ هل نام جيدًا في أحد الأيام؟

حين يقول لك أحدهم بأنه كان يتألم في السنوات الماضية، اعلم أنه يعني: السنوات الماضية حدثت فيها الملايين من الأحداث؛ لكنني لم أركز إلا على المؤلم منها.

ولذا لو ركزت تفكيرك في قائمة (س) الذي تحبه، فلن يرى عقلك إلا هذه الفكرة وهذا من اختيارك أنت.

تلاعب بالألفاظ:

لماذا تكره شخصًا ما؟ فكِّر في الأمر، هناك سبب وجيه حتمًا، نحن نحب الناس دون سبب، لكننا لا نكرههم دون سبب، فلابد من سبب شديد الوجاهة لذلك.

اكتب لماذا تكرهه بالتحديد هنا أو احتفظ بها في ذهنك:

...............................................

 

حسنًا لقد عرفت لماذا تكره هذا الشخص وهذا إنجاز لا بأس به فقد خدعتك حين قلت لك بأننا لا نكره الأشخاص دون سبب؛ لأن هذا يحدث أحيانًا، لكن هناك سبب ما في داخلنا قد لا نعترف به يجعلنا نكرهه، وهو يحتاج تركيزًا كبيرًا؛ كي نتوصل إليه.

دعنا أن نتأمل هذا السبب الذي دعاك إلى كره هذا الشخص:

· إما أن تكون صفة في هذا الشخص.

· أو يكون تصرفًا ما قام به هذا الشخص.

من أنت؟

هل أنت لطيف فقط؟ هل أنت نشيط فقط؟ هل أنت جميل فقط؟ من الغريب أن نختصرك بكل ما لديك من صفات وما تقوم به من تصرفات في حياتك كلها في صفة واحدة أو تصرف ما قمت به يومًا، من المستحيل أن نختصرك في صفة واحدة فهذه ليست أنت بل أحد ملايين الصفات التي تتميز بها ومن الخطأ أن نحكم عليك من صفة واحدة فقط، أنت لست صفة واحدة ولست تصرفًا واحدًا.

ولذا؛ حين تكره شخصًا ما فأنت لا تكرهه هو، وإنما تكره ما قام به، تكره صفة موجودة فيه، هذه الصفات ليست الشخص ذاته، لا ترفض الشخص ذاته بل ارفض التصرف الذي قام به أو الصفة السلبية التي فيه، لا تقل لنفسك: أنا أكرهه. بل قل: أنا أكره تصرفًا معينًا يقوم به، ألا تجد أن هذ الفكرة مريحة لك في كل تعاملاتك؟

كيف تحب شخصًا في خمس دقائق؟

يوجد طريقة جيدة تعتبر لذلك وهي كالآتي:

o اجلس في مكان هادئ لا يزعجك فيه أحد، أغمض عينيك، فكر في شخص تكرهه في أكثر موقف شعرت فيه بشعور سلبي تجاهه.

o لاحظ الصورة التي تظهر في ذهنك لهذا الشخص وهذا الموقف:

· هل الصورة ملونة أم أبيض وأسود؟

· هل الصورة نقية أم لا؟

· هل الصورة بعيدة أم قريبة؟

· أين توجد هذه الصورة بالضبط؟ أمامك؟ يمين؟ يسار؟

o الأصوات:

· هل هناك أصوات؟

· ما درجة نقاء الصوت؟

· هل هو عال أم منخفض؟

· ما هو الصوت الذي تسمعه؟

· افتح عينيك وانسَ ما حدث، فكِّر في أي شيء آخر، كيف تنطق اسمك لو قرأناه بالعكس؟

أغمض عينيك الآن وفكِّر هذه المرة في شخص تحبه وفي أكثر موقف شعرت فيه بالحب تجاه هذا الشخص، وفكر فيه بعمق.

o الصورة:

· هل الصورة ملونة أم أبيض وأسود؟

· هل الصورة نقية أم لا؟

· هل الصورة بعيدة أم قريبة؟

· أين توجد هذه الصورة بالضبط؟ أمامك؟ يمين؟ يسار؟

o الأصوات:

· هل هناك أصوات؟

· ما درجة نقاء الصوت؟

· هل هو عال أم منخفض؟

· ما هو الصوت الذي تسمعه؟

ستلاحظ شيئًا عجيبًا، التجربتان مختلفتان إلى حد كبير؛ فنقاء الصورة مختلفة في الحالتين، كذلك الصوت.

قد تكون الصورة الأولى باهتة اللون أو أبيض وأسود، بينما الثانية زاهية الألوان نقية الصوت وهكذا........... لاحظ الفرق جيدًا بين النتيجتين.

أغمض عينيك الآن وتنفس بعمق واسترخاء تام، فكِّر في الشخص الذي تكرهه ستلاحظ نفس الملاحظات التي لاحظتها من قبل، عليك الآن أن تضيف لهذه الصورة ما لاحظته في التجربة الثانية (حين فكرت في الشخص الذي تحبه).

o الصورة:

· ضع الألوان التي ظهرت في التجربة الثانية.

· ضع درجة اللون التي ظهرت في التجربة الثانية.

· قرِّب أو أبعد الصورة طبقًا لما رأيته في التجربة الثانية.

o الصوت:

· ضع درجة نقاء الصوت التي سمعتها في الحالة الثانية.

· اخفض أو ارفع الصوت كما سمعته في التجربة الثانية ويمكنك أن تضيف للصورة أشياء مثل:

· أضف إلى الصورة تفاصيل مضحكة.

· أضف إلى الصورة تفاصيل محببة إليك كرائحة عطر مفضلة لديك.

ركِّز تفكيرك في صورته الجديدة تأملها جيدًا ثم افتح عينيك، الآن حين تفكر في هذا الشخص ستجد أن أحاسيسك قد تغيرت تمامًا.

هل تعرف السبب؟

الموضوع ببساطة هو أن هناك ملفًّا في عقلك لكلٍّ من هذين الشخصين مخزن فيه مشاعرك وذكرياتك نحو كل منهما، في هذه التجربة قمنا بإفساد الملف الموجود في عقلك والمخصص بتذكر هذا الشخص بصورة سلبية وحين قمنا بتعديل الملف لم يجد عقلك ذلك الملف القديم الذي يبث المشاعر السلبية.

وأخيرًا تذكر:

- لو كرهت شخصًا، فإنك تعطيه القوة للسيطرة على حياتك.

- الكراهية شعور غير محبب بالنسبة لك، فتوقف عنها من أجلك أنت.

 

أهم المراجع:

1. لماذا من حولك أغبياء؟ د.شريف عرفة.

2. التعامل مع أناس لا تحتملهم، ريك برينكمان.

3. كيف نتقبل الناس ونتجنب أذاهم، عابدة المؤيد العظم.

 

 

المصدر: مفكرة الإسلام
belovedegypt

مصرنا الحبيبة @AmanySh_M

  • Currently 8/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 701 مشاهدة

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

636,249

عن الموقع

الموقع ملتقى ثقافي يهتم بالثقافة والمعرفة في كافة مجالات التنمية المجتمعية ويهتم بأن تظل مصرنا الحبيبة بلدآ يحتذى به في القوة والصمود وأن تشرق عليها دائمآ شمس الثقافة والمعرفة والتقدم والرقي

وليعلو صوتها قوياّ ليسمعه القاصي والداني قائلة

إنما أنا مصر باقية

مصرالحضارة والعراقة

مصرالكنانة  

 مصر كنانة الله في أرضه