ومضات تنموية
الكتاب خير جليس
د. عبداللطيف العزعزي
جميعنا يدرك أن للقراءة أهمية كبيرة وفوائد كثيرة حيث تُعد غذاءً للعقول وسلوة للنفس، وقد قال في هذا المتنبي: “ أعزُّ مكانٍ في الدُّنى سرجُ سابحٍ ... وخير جليسٍ في الزمانِ كتابُ”. فمن يقتني كتاباً فإنما اقتنى أفكاراً وعلماً وخبرة عقول كثيرة، لأن الكتاب الواحد عبارة عن مزيج من الخبرات، ففيه خبرة المؤلف وخلاصة خبرات من استقى منهم واستند بقوله إلى أقوالهم واستشهد بآرائهم وأفكارهم
فمنذ القدم تُعد القراءة من أهم الوسائل التي تساعد الإنسان على التعلم واكتساب العلم والمعرفة والأفكار والآراء والحكم والخبرات، فبها يدرك الإنسان أمور حياته وما وراء ذلك، فهي مفتاح كنوز عقول البشر. يقول الدكتور محمد البحتري القراءة من أكثر مصادر العلم والمعرفة وأوسعها، حيث حرصت الأمم المتيقظة على نشر العلم وتسهيل أسبابه، وجعلت مفتاح ذلك كله من خلال تشجيع القراءة والعمل على نشرها بين جميع فئات المجتمع. والقراءة كانت ولا تزال من أهم وسائل نقل ثمرات العقل البشري وآدابه وفنونه ومنجزاته ومخترعاته، وهي الصفة التي تميز الشعوب المتقدمة التي تسعى دوماً للرقي والصدارة.
فكيف لنا أن نتعجب من عزوف كثير من الطلبة عن الاهتمام بالتعليم والدراسة ونحن من لم يكسبهم عادة القراءة منذ الصغر ونحن الذين نردد دائماً “العلم في الصغر كالنقش على الحجر”. هناك من يجهل أن القراءة وطلب المعرفة ليس له علاقة بشهادة أو مستوى أكاديمي، لأن العقل أكبر مستودع في العالم وأضخم مكتبة على هذه البسيطة، فإذا كان العقل الباطن للإنسان يخزن ملياري جزء من المعلومة في الثانية، فلماذا لا نعطيه ونغذيه بما يعود علينا وعلى مجتمعاتنا بالنفع والفائدة؟ فقد قلت سابقاً: الأمم تعظم بما حوته عقول أفرادها
زارني في الأسبوع المنصرم الدكتور عيسى المعلوف الرئيس المؤسس للمؤسسة اللبنانية للمكفوفين، حيث اقترح علي عمل “كتب مسموعة”، موضحاً أن هناك مئات الآلاف من العرب حول العالم مكفوفون وهم بحاجة لهذه النوعية من الكتب. فقلت في نفسي: “سبحان الله، فمن فقد نعمة البصر يبحث عن الثقافة والاستزادة من العلم والمعرفة، وفي المقابل ملايين ممن يبصرون نسبة قليلة منهم تهتم بالقراءة”. إنها مسألة محزنة حقاً، والمضحك المبكي أن تجد من يقترح على دور النشر طباعة الكتب بالألوان وبنوع معين من الأوراق وبأحجام يمكن للقارئ حملها معه في جيبه أو حقيبته.. إلخ ثم يذهب ولم يشتر شيئاً، فما الخطب؟ يبدو أنه أحد “هواة النقد والتعليق” وليس هواة القراءة والثقافة