مصرنا الحبيبة

الماضي والحاضر والمستقبل

الاكتئاب ومرض السكري وأمراض شرايين القلب

 إعداد الدكتور: حسان المالح 

استشاري الطب النفسي                                

   1- الاكتئاب يترافق مع فرط سكر الدم  واضطرابات استقلابية أخرى :

إن الدليل على ارتباط الاكتئاب بفرط سكر الدم يتدرج من خلال تقارير عن حالات وسلسلة من الحالات إلى الدراسات العرضية وأخيراً إلى الدراسات العلاجية العيادية العشوائية .

وقد وصفت عدة تقارير عدم الاستجابة المحيطية للأنسولين وفرط الأنسولين في أفراد يعانون من الاكتئاب .وفي أحد التقارير وجد لدى حالات الاكتئاب والتي لاتشكو من مرض السكري أن لديهم انخفاض في الحساسية للأنسولين ، مقارنة مع حالات غير اكتئابية ولاتشكو من مرض السكري . وفي دراسة أخرى تمت دراسة 20 حالة اكتئابية غير مصابة بمرض السكري وتم إجراء اختبار تحمل الغلوكوز المتكرر قبل وبعد تناول مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات . وكانت النتيجة أن حالات الاكتئاب والتي لاتشكو من مرض السكري لديها انخفاض في الحساسية للأنسولين مقارنة مع عينة المقارنة وهي حالات غير اكتئابية ولاتشكو من مرض السكري . وبعد العلاج أظهرت الحالات الاكتئابية تحسناً واضحاً في الحساسية للأنسولين .

وفي دراسة تحليل ماورائي ( تحليل بعدي )

( meta-analytic )قام بها ( Lustman et al ) لبحث العلاقة بين الاكتئاب وضعف السيطرة على السكر وجد أنه في الدراسات التي نشرت خلال 25 سنة الماضية وكان منها 26 دراسة عرضية ( Cross sectional ) و5 دراسات علاجية عيادية عشوائية ( Randomized clinical trials ) ، أن علاج الاكتئاب في مرضى السكري يمكن أن يحسن من ضبط السكر بما يعادل من 41 إلى 58 بالمئة  من الحالات .

ولسوء الحظ فإنه لاتوجد معلومات كافية حول الكيفية أو الأحداث التي تؤدي إلى العلاقة بين الاكتئاب ومرض السكري . ويبقى السؤال إلى أي مدى يمكن للأسباب البيولوجية للاكتئاب بحد ذاتها أن تزيد من احتمال الخلل في استقلاب السكر ، في مقابل تأثيرات العوامل المتعلقة بالاكتئاب بالنسبة للمريض نفسه ( مثل التغيرات السلوكية ) أو العوامل المحيطية المتعلقة بالاكتئاب والتي يمكن أن تساهم في العلاقة مع خلل استقلاب السكر .

إن اضطراب الهورمونات في المحور تحت المهادي – النخامي - الكظري قد ارتبط مع الاكتئاب بما في ذلك فرط الكورتيزول . وقد تم الافتراض على  أن الاكتئاب يمكن أن يرتبط بمقاومة الأنسولين كنتيجة لفرط الكورتيزول ، واعتمد ذلك على زيادة الهورمونات القشرية في مصل الدم وعلى نقص الحساسية للأنسولين . وعلى كل حال فإن هذه الدراسات التي تبحث في ضبط وتنظيم السكر في الاكتئاب ، قد فشلت عموماً في تحديد مستوى مخزون الشحوم لدى المرضى ، ومستوى النشاط ، وكمية الحريرات التي يتناولونها ، والقصة العائلية لمرض السكري  والتغيرات في مسار إفراز الأنسولين أو عمله بصورة مستقبلية ( Longitudinal course).

وعلى الرغم  من أن التصوير الطبقي بواسطة البوزيترون على مرضى الاكتئاب قد أوضح أن هناك  اضطراباً في نماذج استقلاب السكر في الجملة العصبية المركزية ، فإنه ليس من الواضح كيف يمكن لهذا الاضطراب أن يرتبط بالتغيرات المحيطية لاستقلاب السكر . وفي الدراسات في المختبر يبدو أن هناك دليل على أن كميات الأنسولين في الدم يمكن لها أن تنظم مخزون الغلوكوجين في الدبق العصبي ( Glia ) في الدماغ . إضافة لذلك فإن الدرسات على الإنسان تدعم العلاقة بين التغيرات المحيطية المزمنة في استقلاب السكر وبين الاستجابة المعرفية العصبية المركزية لاختبار تحدي السكر الحاد . وعلى أية حال فإن العلاقة بين تغيرات استقلاب السكر المحيطية وتغيرات استقلاب الطاقة في الدماغ تبقى غيرمستكشفة .

والحقيقة أننا نعرف القليل فقط حول العوامل السلوكية والبيئية المرتبطة بالاكتئاب والتي يمكن لها أن ترتبط باحتمال زيادة السكر مثل الحالة الاجتماعية الاقتصادية ، نمط الحياة الساكن ( عدم الحركة ) Sedentary) ) ، الغذاء ، التدخين ، وغير ذلك .. ومعلومات من هذا النوع لها أهميتها في تقييم مساهمة الاكتئاب نفسه ، والعوامل السلوكية المرتبطة به ، والعوامل البيئية ، في نشوء أو زيادة فرط السكر في بعض الحالات .

والملاحظة التي توضح أن حالات نفسية شديدة أخرى مثل الفصام ، هي أيضاً ترتبط بزيادة في احتمال مرض السكري والحالات القلبية الوعائية المميتة مقارنة مع النسب عند عامة الناس ، تدل على أهمية العوامل العامة ، مثل تغيرات التغذية  ومستوى النشاط البدني ، والوضعية الاجتماعية الاقتصادية ، وإمكانية الحصول على الرعاية الصحية .

ومن المهم في الوقاية الأولية والثانوية من السكري تحديد حالات المرضى المصابين بالاكتئاب وغيره من الأمراض النفسية مثل الذين يستعملون أدوية يمكن لها أن تؤثر على اضطراب استقلاب السكر والشحوم . والعلاجات التي تزيد من كتلة الشحوم في الجسم تزيد من احتمال الإصابة بالسكر . وهذه التأثيرات الدوائية التي تم الانتباه لها مؤخراً توكد على ضرورة الاهتمام بجميع العوامل التي يمكن لها أن تزيد من احتمال الإصابة بالسكري في مريض معين والاهتمام بتعديل مايمكن تعديله من هذه العوامل .

2- علاج الاكتئاب يمكن أن يؤدي إلى نقص في مخاطر السكري واختلاطاته :

مما سبق يمكننا أن نقول أن للاكتئاب تأثيرات سلبية على مرض السكري ..مثل نقص ضبط السكر وزيادة الاختلاطات التاتجة عنه .. إضافة لزيادة احتمال الإصابة بالسكري عند مرضى الاكتئاب .

ومن المهم التعرف على إمكانية تعديل هذه المخاطر المترتبة على الاكتئاب إذا عولج الاكتئاب بشكل ناجح دوائياً أو بشكل غير دوائي

ومن العلاجات النفسية غير الدوائية والتي يمكن أن تفيد في علاج الاكتئاب ، العلاج المعرفي السلوكي  وهو يهدف إلى تعديل الأفكار الخاطئة عند المريض حول نفسه وحول الآخرين وحول المستقبل . وتشكيل أفكار واستجابات مفيدة وصحيحة ومن ثم سلوكيات مفيدة  من خلال العلاقة العلاجية الناجحة وفي إطار حل المشكلات

وقد بينت دراسات عديدة فائدة العلاج السلوكي المعرفي لحالات الاكتئاب . كما بينت دراسة لوستمان (  Lustman 1998) وهي دراسة علاجية مقارنة عشوائية أن العلاج بجلسات العلاج المعرفي السلوكي يمكن أن يفيد المصابين بالاكتئاب من مرضى السكري من النوع الثاني . وفي عام 2001 نشرت المجموعة المكلفة بدراسة العلاجات النفسية الاجتماعية خلاصة نتائجها وهي : أن العلاجات النفسية الاجتماعية قد بينت فائدتها في تحسين الالتزام بالعلاج ،و ضبط السكر ،و الأداء الوظيفي العام ، ونوعية الحياة  ، عند مرضى السكري .

كما بينت دراسة أحدث حول الإصابة بتصلب الشرايين ضمن عينة في المجتمع أن الأعراض الاكتئابية يمكنها أن تتنبأ بإمكانية الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني ، وأن هذه العلاقة يمكن تفسيرها بشكل خاص من خلال نمط الحياة اليومي مثل زيادة الوزن وزيادة التدخين وعدم النشاط الجسمي وازدياد مستوى الحريرات في الغذاء .

والحقيقة أن أعراض الاكتئاب مثل نقص الدافعية ونقص النشاط وفقدان الأمل واضطراب النوم والشهية والأفكار التشاؤمية واليأس وأفكار الانتحار، كلها تؤثر سلبياً على نمط الحياة اليومية الصحي . وهي تؤثر أكثر على المرضى المصابين بالسكري . لأن مرض السكري يتطلب مراقبة المريض لنفسه وترتيب مواعيد وجرعات أدويته وتعديل عادات الطعام والقيام بالتمرينات البدنية ولمدة طويلة .

كما أن التغييرات المطلوبة من المريض في نمط حياته يمكن لها أن تؤثر سلبياً على حياته الاجتماعية والمالية والمهنية مما يمكن لها أن تؤدي عند من لديهم استعداد خاص ، إلى الاكتئاب كنتيجة لمرض السكري .

ومن الممكن للأساليب العلاجيةالنفسية الاجتماعية والتي تطبق على نطاق واسع أن تقلل من نسب حدوث الاكتئاب وأن تشجع الاختيارات الصحية في نمط الحياة مما يمكن له أن يخفض من نسب حدوث مرض السكري من النوع الثاني .

3- الاكتئاب يزيد من خطر الإصابة بأمراض شرايين القلب التاجية في مرض السكري :

بينت الدراسات المستقبلية المعتمدة على السكان

(  Prospective population based studies ) أنه ضمن الأفراد الذين ليس لديهم أمراض في شرايين القلب التاجية( CHD) ، فإن الأفراد المصابين منهم بالاكتئاب هم أكثر عرضة للتعرض إلى الجلطة القلبية( MI )، أو أنهم يموتون من أمراض قلبية وعائية ، مقارنة مع الآخرين الذين لايشكون من الاكتئاب .

وقد بينت إحدى الدراسات الحديثة أن الاكتئاب يلعب دوراً مشابهاً في التطور العيادي لحالات أمراض القلب التاجية عند المصابين بالسكري . وقد اختيرت السيدات كمحور للدراسة بسبب الانتشار الواسع والمسار الشديد لأمراض القلب التاجية في السيدات المصابات بالسكري .وقد تضمنت الدراسة 76 إمرأة تم اختيارهن ومتابعتهن منذ عام 1982لدراسة العلاقة بين السكري والاضطرابات النفسية .وكان متوسط العمر 41،3 سنة ومتوسط مدة السكري 12،4 سنة وكلا نوعي السكري تضمنتها الدراسة وبنسبة 44،7 بالمئة النوع I ونسبة 55،3 بالمئة النوع II . ومعظم أفراد العينة كانوا من البيض ( 57،9 بالمئة ) وكان تمثيل الأمريكيين الأفارقة جيداً ( 40،8 بالمئة ) .

وقد تم تشخيص الاكتئاب الأساسي ( الكبير ) major depression )) الحالي وخلال الحياة وفقاً لمخطط المقابلة المعتمد من المعهد الوطني للصحة العقلية ومعتمداً على معايير التشخيص الحالية للدليل الأمريكي لتشخيص الاضطرابات النفسية .

وقد تم فحص كل حالة من الناحية الطبية عند اشتراكها بالدراسة . وتم تحديد معايير الإصابة بأمراض القلب التاجية مثل الجلطة القلبية أو نقص التروية القلبية خلال تخطيط القلب أثناء الراحة أو أثناء الجهد .

وقد وافق تشخيص الاكتئاب الحالي لدى 16 مريضة (22،1 بالمئة ) في المقابلة الأولى الرئيسية . وقد اختلفت الحالات المصابة بالاكتئاب عن غير المصابة به بمتوسط وزن الجسم ، حيث كانت أكثر بدانة .

وقد حدثت أمراض قلبية تاجية لدى 11 حالة من العينة العامة ( 14،5 بالمئة ) خلال 10 سنين من المتابعة ، وكانت الأحداث القلبية التاجية أكثر حدوثاً في الحالات المصابة بالاكتئاب . ويبدو أن الاكتئاب يزيد في حدوث الحوادث القلبية التاجية حتى بعد تعديل عامل الوزن . وهذه الزيادة محددة في الحالات التي كانت تعاني من الاكتئاب في المقابلة الأولى منذ بدء الدراسة ، بينما كانت نسب الإصابة بالحوادث القلبية التاجية متشابهة مع الحالات التي كان الاكتئاب في تاريخها السابق البعيد ، أو لم يكن لديها أي اكتئاب سابق .

والحقيقة أن الاكتئاب يمكن النظر إليه على أنه عامل خطورة للأمراض القلبية التاجية من الممكن تعديله ، ولاسيما في الحالات المترافقة مع السكري .

ومرض السكري يترافق مع ظهور أبكر وأشد لتصلب الشرايين ، كما أن الأشخاص المصابين بالسكري لديهم ارتفاع واضح في احتمال الإصابة بالأمراض القلبية التاجية . والداء السكري يعطي نسبة احتمال للحوادث القلبية الخطرة مشابهة للحالات التي لديها مرض قلبي تاجي ثابت وليست مصابة بالسكري .كما أن الحماية من المرض القلبي التاجي المرتبطة بالجنس الأنثوي تزول مع وجود مرض السكري عند المرأة .

وعندما تحدث حوادث قلبية خطرة في حالات الداء السكري فإنها ترتبط بنسب موت أعلى . وكما هو معلوم فإن مرض السكري يرتبط بأمراض مرافقة مثل فرط شحوم الدم ، وارتفاع ضغط الدم ، والسمنة والتدخين ، وكل ذلك يطرح الأعباء العديدة في علاج هؤلاء المرضى ..ولأن الاكتئاب يمكن أن يكون عامل خطورة آخر محتملاً وقابلاً للعلاج في هؤلاء المرضى الذين يعانون من نسب مرتفعة من الأمراض القلبيةالتاجية و من نسب الوفيات ، فإن أهمية التشخيص والعلاج باتت واضحة .

إن الاكتئاب هو مرض مزمن ومحطم وقد احتل المركز الرابع في أسباب العجز عام 1990 ، وقد سبق في ذلك العجز الناتج عن أمراض نقص تروية القلب .وفي عام 2020 من المتوقع أن يكون الاكتئاب هو الثاني في ترتيب أسباب العجز. وفي حالات مرض السكري ترتفع نسبة الإصابة بالاكتئاب إلى ضعفي نسبتها في الانتشار العام . كما أن الاكتئاب يشخص كمرض مرافق بنسبة 30 بالمئة مع السكري من النوع I أو مع السكري من النوع II  . والاكتئاب في حالات السكري يعتبر مزمناً ويرتبط بنسب أعلى من المضاعفات ، ولديه إمكانية أن يسبب عجزاً أكبر مقارنة مع النسب العامة .

وفي الحالات غير المترافقة مع مرض السكري تزداد نسب الاكتئاب المترافقة مع المرض القلبي التاجي ومع الأمراض القلبية الأخرى . ويزيد ذلك في نسب المضاعفات القلبية وفي نسب الوفاة  ويتم ذلك بمعزل عن تأثير عوامل الخطورة التقليدية .

وعلى الرغم من علاقة الاكتئاب بالإنذار الطبي في حالات المرض القلبي التاجي فإن هناك أدلة على أنه قليل التشخيص وقليل العلاج في هذه الحالات . وفي إحدى الدراسات تلقى العلاج  23 بالمئة فقط من المصابين بالاكتئاب . ولاتزال العوامل التي تساهم في نقص علاج هذه الحالات غير محددة تماماً ولكنها يمكن أن تتضمن  فكرة أن الاكتئاب المترافق مع الجلطة القلبية هو اكتئاب عابر ومؤقت وظرفي ، ونقص التعرف على الاكتئاب ، والتخوف من تعدد الأدوية وتكاليفها وتداخلاتها مع الأدوية القلبية .

ومن المهم استخلاص الآليات التي تجعل الاكتئاب الأساسي يسرع في ظهور المرض القلبي التاجي والذي يعتبر سبب الموت الرئيسي في مرضى السكري ، وهذا سيوضح أهمية الاكتئاب كعامل خطورة وأيضاً كهدف علاجي .

وعلاج الاكتئاب مهم في ذاته لأنه يخفف العجز الناتج عن نقص الكفاءات العقلية والوظيفية الناتجة عن المرض . وأخيراً فإن ربط الاكتئاب مباشرة بالمرض القلبي التاجي سيؤكد أهمية التعرف على الاكتئاب وعلى علاجه ،  مما سيحسن من الإنذار الطبي للمرضى  المصابين بالسكري .

 

    مراجع مفيدة : 

Lustman PJ,Anderon RJ,Freedland KE,de Groot MK,Carney RM,Clouse RE  Depression and poor glycemic control : a meta analytic review of the literature . Diabetes Care 23 : 934-942 , 2000

Clouse RE,Lustman PJ,Freedland KE, Griffith LS,McGill JB,Carney RM :Depression and coronary heart disease in women with diabetes. Psychosom Med 65:376-383,2003 

Diabetes Spectrum,17:150-159,2004

 

 

المصدر: الدكتور: حسان المالح استشاري الطب النفسي
belovedegypt

مصرنا الحبيبة @AmanySh_M

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

631,837

عن الموقع

الموقع ملتقى ثقافي يهتم بالثقافة والمعرفة في كافة مجالات التنمية المجتمعية ويهتم بأن تظل مصرنا الحبيبة بلدآ يحتذى به في القوة والصمود وأن تشرق عليها دائمآ شمس الثقافة والمعرفة والتقدم والرقي

وليعلو صوتها قوياّ ليسمعه القاصي والداني قائلة

إنما أنا مصر باقية

مصرالحضارة والعراقة

مصرالكنانة  

 مصر كنانة الله في أرضه