ممّسحو الجوخ
ما أكثرهم، “ممسّحو الجوخ” أو المداهنون والمنافقون والمراؤون، الذين ينتشرون، ويسرحون ويمرحون، والصدارة في كل شيء يحتلون، لا لشيء إلا لأنهم من أي تؤكل الكتف يعرفون، والباطل حقاً يصوّرون، والمفاهيم يقلبون، ويزوّرون القيم ويشوّهون، ولا يجدون غضاضة في التدليس ولا يُحرَجون ينتشرون كالفطور، يعظّمون ويصغّرون الأمور، وفقاً لما تقتضيه الأحوال
ليسهل عليهم الفوز والنوال، فيجعلون اللبن الأبيض أسود، والغوطة الغناء كجبل أجرد، فقط ليرضى عنهم الأرباب والأصحاب، ويبيعون ضميرهم بأكلة كباب، أو بكأس شراب، سلاحهم الكذب باللسان، لا تعرف لهم هوية ولا عنوان، وهم مخادعون بكل الألوان، وموجودون في كل الأوقات والأزمان، وفي كل مكان، ولا يخفون على إنسان، يعرفهم القاصي والداني، ممن لا تغرهم الأماني، ويعرفون للصدق المعاني، فغبي من لا يعرف المداهن، الذي على الكذب والخداع يراهن، ومن يصدق الكاذب والخائن، الذي يزيف الحقائق، فيصغّر كبار الأمور، ويكّبر منها الدقائق، ولا يجد غضاضة في أن يرائي وينافق
يخلط الناس أحياناً بين المداهنة والمداراة، فمن الحكمة مداراة الناس، أي معاملتهم باللين والرفق والحسنى، وليس في المداراة ضعفاً، إنما في المداهنة نفاق وكذب وتدليس
يقال: داهَن وأدْهن أي أظهر خلاف ما أضمر، فكأنه بيَّن الكذب على نفسه، والإدْهانُ: المُصانَعة واللِّين، وقيل: المُداهَنة إظهار خلاف ما يُضمِر، والإدْهانُ: الغِش، ودَهَن الرجلُ إذا نافق، والمُداهَنة والإدْهان كالمُصانعة
وقال قوم: داهَنت بمعنى واريت، وأَدْهَنت بمعنى غَشَشْت
والمُداهِن المُصانع؛ وقيل الإدْهان المُقاربَة في الكلام والتَّليين في القول، من ذلك قوله: “ودُّوا لو تدهن فيدهنون”؛ أي ودُّوا لو تُصانِعهم في الدِّين فيُصانِعوك”. وقيل الإدْهان اللِّين
وقيل أصل الإدْهان الإِبْقاء؛ يقال: لا تُدْهِنْ عليه أي لا تُبْقِ عليه. ومُدَارَاة الناس المُداجاة والمُلايَنَة؛ ومنه الحديث: رأس العقل بعدَ الإيمان بالله مدَارَاة الناس أي مُلايَنَتُهُم وحُسن صُحْبتهم واحتِمالهم لئلا يَنْفِروا عنك
ودَارَيت الرجلَ: لايَنْته ورَفَقْت به، وأصله من دَرَيْت الظَّبْي أي احْتَلْت له وخَتَلْته حتى أصيدَه
ودارأْت الرجلَ إذا دَافَعْتَه، بالهمز، والأصل في التداري التَّدارُؤُ، فتُركَ الهمز ونقِل الحرف إلى التشبيه بالتقاضي والتداعي
حمد بن خليفة أبو شهاب
أضحى النفاقُ أساسَ مجتمعاتنا لم يبـقَ مجــتمـعٌ بغـير نفـاقِ
إني ليحــزنني تخــاذلُ أمــتي عن حقــها ويزيــد في إرهـاقي
لو قلت ألف قصيدةٍ وقصيدةٍ خرجت شـظاياها من الأعماقِ
ما حـرّكتْ منا ضـــميراً مـيتاً أفنى ليالي العمـر في الإخفـاقِ
وأنا كما تراني أعيـشُ مذبذباً ما بين حقـدٍ أسـود وشــقاقِ