أهمها تنظيم الزكاة وتوفير أعمال للعاطلين
حلول إسلامية ناجعة لمشكلة الفقر
القاهرة - محمود الإمامي
لايزال الفقر يمثل أخطر المشكلات التي تواجهها البشرية، فأكثر من 3 مليارات نسمة يمثلون نحو نصف سكان المعمورة يعيشون تحت خط الفقر حسب إحصاءات الأمم المتحدة، ويتحصل الفرد منهم على أقل من دولارين في اليوم في حين يعاني أكثر من800 مليون شخص من الجوع ويمثلون نحو 14% من جملة سكان العالم
وللأسف فإن الهوة تزداد اتساعاً بين الأغنياء والفقراء وبين الشمال والجنوب، فالنظام العالمي الجديد والذي يرفع شعار الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان لم يقدم حلولاً للحد من المشكلة بل على النقيض تتزايد أعداد الفقراء يوما بعد يوم لدرجة أن الغذاء وتوفيره أصبح تحدياً كبيراً أمام البشرية
ولم ينفع تحديد الأمم المتحدة 17 أكتوبر/تشرين الأول من كل عام كيوم عالمي في التذكير بمشكلة الفقر وضرورة القضاء عليها . كما لم تفلح مؤسسات وأجهزة الأمم المتحدة في التعامل مع المشكلة
والفقر سببه سوء التنظيم الاقتصادي، وهو الأمر الذي تداركه الإسلام منذ فجر ظهوره ووضع العلاج الناجع له . . ولكن كيف ذلك؟ الإجابة في التحقيق التالي
بداية يقول د . رشاد أحمد عبداللطيف أستاذ تنظيم المجتمع في كلية الخدمة الاجتماعية بجامعة حلوان: إن الفقر من أخطر المشكلات التي تواجه الأفراد والمجتمعات، لما يترتب عليه من آثار وأضرار فالفقر وراء الكثير من الجرائم التي تعددت صورها وأشكالها وزادت حدتها في السنوات الأخيرة، حيث يدفع الأفراد خاصة الشباب إلى البحث عن المال والخروج من هذا الوضع بطرق غير مشروعة فيسلك طريق الإجرام، كما أن الفقر يفتح الباب أمام الشباب للهجرات سواء داخل بلدانهم من القرية إلى المدينة أو من مدينة إلى أخرى، أو الهجرة الخارجية إلى البلدان الغنية والكثير منها يحدث بطرق غير مشروعة أو ما يسمى “الهجرة غير الشرعية” حيث يركبون البحر ويتعرضون للغرق والموت، ورغم ذلك يغامرون من أجل الخروج من تلك الدائرة
كما أن الفقر يمثل أحد الأسباب الرئيسية في عزوف الشباب عن الزواج وظهور مشكلة العنوسة التي تفاقمت في الآونة الأخيرة، وكذلك ظهور الزواج العرفي، وأيضاً يؤدى إلى ضعف الانتماء وتقطع أواصر الترابط بين أفراد المجتمع، وكذلك يدفع إلى ظواهر أخرى مثل التسول وتجارة المخدرات والرشوة والانحراف، وكذلك يتسبب في انتشار الأمراض، ويؤدى إلى التخلف عن مسايرة الركب العلمي والحضاري، ولذا فإن محاربته ضرورة للانطلاق نحو التنمية والتقدم
العلاج الأول
يوضح د . يوسف إبراهيم أستاذ الاقتصاد الإسلامي ومدير مركز الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر أن الإسلام حث على العمل ليستطيع الإنسان إشباع حاجاته ومتطلباته هو ومن يعول، والعمل في الإسلام مكرم ولا يحتقر الإسلام عملا مهما كان صغيراً طالما أنه حلال، وفى ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم “إن الله يحب العبد ذا الحرفة” أي من له حرفة ومهنة يعمل فيها ويكسب ماله الحلال منها
والإنسان يكرم بمقدار ما يعمل فالعمل معيار التكريم والتقوى التي قال فيها ربنا: “إن أكرمكم عند الله أتقاكم” تشمل العمل الصالح وهو ليس صلاة وصياماً فقط بل ممارسة الحياة على هدى الإسلام، ولذا فإن العمل هو العلاج الأول الذي يقدمه الإسلام لداء الفقر فمن خلال العمل والإنتاج يستطيع الإنسان توفير احتياجاته ومتطلباته، وعلى ولي الأمر أن يوفر أعمالا للأفراد ليكسبوا المال الحلال، فإذا كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول “إذا عثرت بغلة في العراق فإن الله يسألني عنها لماذا لم تمهد لها الطريق” وهذه مسؤولية عن عثرة بغلة، فما بالنا بعثرات الإنسان واحتياجاته؟ فلا شك أن الدولة مسؤولة عن توفير فرص العمل للأفراد
والفقر من الأمور الخطيرة على الفرد والمجتمع ويدل قول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “لو كان الفقر رجلا لقتلته” على خطورة الفقر وضرورة مقاومته والتخلص منه بإغناء الناس وعدم تركهم يعانون هذا الداء العضال، ومن هنا فإنه من الضروري نشر ثقافة وحب العمل وعدم احتقار أي حرفة طالما أنها حلال، فلا وجود في الإسلام لعمل حقير فسيدنا علي رضي الله عنه كان يملأ الدلو مقابل تمره، وإنما يكون الاحتقار للتسول
ولابد من العمل في كل ميادين الحياة استجابة لقول ربنا في كتابه العزيز “هو أنشأكم في الأرض واستعمركم فيها” أي طلب منا عمارة الأرض، بالعمل والفعل الصالح الذي يفيد الإنسان ومن حوله ونحن لسنا مطالبين بالعمل فحسب، ولكن أيضاً بإتقانه وتحسينه وتجويده، وصدق الله العظيم وهو يقول: “ليبلوكم أيكم أحسن عملاً، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه
فريضة الزكاة
ويقول د .محمد عبدالحليم عمر أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر: لقد اهتم الإسلام اهتماماً كبيراً بقضية الفقر والفقراء، فوضع الكثير من الحلول لمحاربتها في المجتمع من خلال وسائل عديدة, منها الزكاة والتي جعلها الإسلام فريضة على الأغنياء كما جاء في القرآن الكريم في آيات كثيرة منها قوله تعالى إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم
والزكاة عبادة مالية تحقق منافع اجتماعية واقتصادية عديدة فهي تزيل التباغض والتحاسد والضغائن، وتحقق الترابط والتضامن والتراحم بين أفراد المجتمع، وتطهر المال من الآفات والنقصان وهي تزيده ولا تنقصه كما قال تعالى “وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين” وتسد حاجات الفقراء والمساكين والمحتاجين، كما أنها ثابتة ودائمة تؤخذ من أموال الأغنياء للفقراء، والفقر الذي يتزايد في العالم الإسلامي، سببه أن الكثير من الأغنياء لا يخرجون زكاة أموالهم والتي هي فريضة، والزكاة اليوم بحاجة إلى تنظيم من حيث جمعها وتوزيعها، والأفضل تخصيص مؤسسات معينة لجمع الزكاة وتوزيعها حسب مصارفها الشرعية, وقد توعد المولى عز وجل مانعي الزكاة بالقحط والمجاعة كما في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ما منع قوم الزكاة إلا أصابهم الله بالسنين
أعمال البر
يقول د . مصطفى عمارة أستاذ الحديث بكلية أصول الدين في جامعة الأزهر: العبادات نوعان في الإسلام عبادات قاصرة على أصحابها مثل الصيام والصلاة، وعبادات متعدية النفع للآخرين، وهذا النوع هو الأكثر قربة إلى الله وأكثر ثوابا من العبادات القاصرة على أصحابها، ومن العبادات التي تتعدى منفعتها إلى الآخرين كل أعمال البر ومنها الصدقات، فالتبرع بجزء من المال عبادة ذات منافع وفوائد للآخرين، ومن ثم فهي أكثر قربة لله، فالصدقة لها ثواب كبير وأجر عظيم عند المولى سبحانه وتعالى، وهي تسهم في حل مشكلة الفقر والحد منها، والرسول صلى الله عليه وسلم وهو القدوة والمثل لم يبت عنده مال وكان يوزعه ويعطى عطاء من لا يخشى الفقر، وإذا كانت هذه الصدقة تحارب الفقر فإنها أيضا تشيع الود والترابط بين المسلمين وتزيد من المحبة في المجتمع الإسلامي
والترابط الاجتماعي يعنى أن العاجز وغير القادر على العمل لابد من كفالته ورعايته وتوفير ما يحتاج إليه، وعندما يتحقق هذا الترابط ويؤدى كل مسلم ما عليه من حقوق تجاه إخوانه فسيعم الرخاء في المجتمع ولا يكون هناك فقير أو محتاج، كما حدث في عهد الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز ففي فترة حكمه التي لم تتجاوز الثلاثين شهرا لم يعد هناك محتاج ولا فقير
النهي عن الإسراف
يؤكد د . محمد مختار جمعة وكيل كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر أن الإسلام دين الوسطية والاعتدال وعدم الإسراف ويقول المولى سبحانه وتعالى: “وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين” فقد نهانا الإسلام عن الإسراف والتبذير، وجعل المبذرين إخوان الشياطين فقال سبحانه: إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً
وجعل الحجر عقوبة من تجاوز الحد في الإسراف، والحجر نوعان حجر لحق الدين وحجر لحق المال، فالإنسان قد لا يكون مديناً لأحد غير أن تصرفاته في ماله الخاص لا تستقيم مع الفطرة السوية فالحرية منضبطة، وحرية الإنسان في التصرف في ماله يحددها الشرع بالوسطية والاعتدال، فالمال في الحقيقة هو مال الله كما قال سبحانه: “وآتوهم من مال الله الذي آتاكم” والإنسان مستخلف في هذا المال كما قال ربنا: “وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه . .” فالإنسان إذا أساء الاستخلاف ضبط أمره بالحجر عليه لحق المال وعين ولي يقوم على أمره
ومن ينظر إلى حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين يجد أنها قامت على القصد والاعتدال, تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: “كنا نمكث في بيت رسول الله شهرين وما يوقد في بيته نار، وقال الراوي: ما كان طعامكم قالت الأسودان التمر والماء” وها هو الخليفة عمر بن الخطاب يطلب من زوجته رد المال الذي جمعته إلى بيت مال المسلمين بدلاً من شراء الحلوى موصياً إياها بالقناعة، وكان الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز يحمل نفسه يوما على الخبز والزيت ويوماً على الخبز والخل فلما سئل عن ذلك قال حتى لا آلف طعاماً ولا أركن إلى الدنيا
ويضيف د . مختار جمعة: إن الإسلام يدعو إلى العدالة الاجتماعية بين الأغنياء والفقراء فقد جعل للفقراء حقاً ثابتاً في أموال الأغنياء، وهو ما أكده حديث الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حينما بعثه إلى اليمن حيث قال: “واعلم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم” والإمام على رضي الله عنه يقول: “إن الله عز وجل قسم أقوات الفقراء في أموال الأغنياء فما جاع فقير إلا بظلم غني” وما نراه اليوم من كثرة الجوعى هو بالفعل بسبب ظلم أغنياء، لأن ما شرعه المولى سبحانه وتعالى في أموال الأغنياء من صدقات وزكاوات وأيضا كفارات ونذور إذا أخذت بحقها وصرفت في مصارفها الشرعية، كانت كفيلة بقضاء حوائج المحتاجين فما أحوج الأمة الإسلامية اليوم والعالم بأسره إلى الحلول الإسلامية لمواجهة مشكلة الفقر