أسباب الاضطرابات النفسية



تعددت النماذج النظرية المفسرة لأسباب الاضطرابات النفسية، ولكل نموذج من هذه النماذج ايجابياته وسلبياته. ويعود هذا التعدد إلى تنوع أسباب الاضطرابات النفسية نفسها وتداخلها مع بعضها البعض، بالإضافة إلى تعقد الظاهرة النفسية بشكل عام. ويميل الباحثون في الوقت الحاضر إلى دمج عدة نماذج نظرية في النظر إلى أسباب الاضطرابات النفسية، ومن هذه النماذج:

1-
النموذج البيولوجي (الحيوي) (The Biological Model):
أن الافتراض الرئيس في هذا النموذج هو أن الجهاز العصبي يتحكم في سائر سلوكيات الفرد السوية وغير السوية وأفكاره، ولذلك فإن أي حدث بيئي أو تناول لعقار ما يؤثر في وظيفة الدماغ، مما يؤثر، أيضا، في تفكير الفرد وسلوكه. ومن وجهة نظر هذا النموذج، تنشأ السلوكيات غير السوية، والاضطرابات النفسية بشكل عام من التغيرات الحاصلة في الوظيفة العصبية، والتي تحدث بدورها بسبب الأحداث الحياتية الصادمة، أو تناول العقاقير، أو حدوث خلل في التوازن الهرموني في الجسم، أو التعرض للمواد السامة الموجودة في بيئة الفرد، أو التعرض لصدمة على الرأس، أو الإصابة بعدوى ما، أو وجود خلل في الجينات، أو بسبب عوامل بيولوجية أخرى (Bernstein, et al., 1999) وقد أظهرت الكثير من الدراسات ارتباط الإصابة باضطرابات نفسية بحدوث خلل في النواقل العصبية، فارتبطت الإصابة بالاكتئاب مثلاً بحدوث انخفاض في مستوى نشاط الناقل العصبي السيروتونين (Serotonin, 5-HT)، والنورأدرينالين (Noradrenaline)، وترتبط الإصابة بالفصام أيضا بحدوث نشاط مفرط في إفراز الدوبامين (Dopamine)، وترتبط الإصابة بعدة أنواع من اضطرابات القلق بانخفاض مستويات نشاط الناقل العصبي المعروف باسم جابا (Gamme Aminobutyric Acid, GABA) (Frude, 1998).

2-
النموذج السيكودينامي (Psychodynamic Model):
يرى فرويد أن السلوك السوي، وغير السوي يتأثران بالقوى اللاشعورية، ومن هذا المنظور تفسر الأحداث الحياتية البريئة في حياة الفرد (مثل: نسيان اسم صديق) بأنها تعبير عن مشاعر الغضب التي يشعر بها الفرد نحو هذا الصديق، والتي لا يكون الفرد واعياً بها. ويعتقد فرويد أن هناك صراعاً داخل الفرد بين غرائزه الجنسية والعدوانية من جهة، وضميره، وعقله، ووعيه لعادات المجتمع وتقاليده من جهة أخرى، وبالتالي فإن كل فرد يواجه الحياة وهو يكافح لإيجاد طرق مختلفة للتعبير عن هذه الغرائز دون التعرض للعقاب، أو الشعور بالقلق، أو بالذنب. وبتالي فإن الاضطرابات النفسية نتيجة لهذا الصراع، أي الصراع بين غرائز الفرد أو رغباته، وعقله وأخلاقه وواقع المجتمع الذي يعيش فيه (Bernstein, et al., 1999).

3-
النموذج المعرفي (The Cognitive Model):
يرى أصحاب هذا النموذج أن سبب الاضطرابات النفسية هو وجود صعوبة، أو مشكلة لدى الفرد في المعالجة الفعالة للمعلومات التي يتلقاها من البيئة المحيطة، أو لوجود أخطاء وتحيزات في تفكيره، أو وجود أخطاء في الاستدلال المنطقي لديه، ولذلك تنشأ الاضطرابات النفسية من الاستنتاجات الخاطئة التي يطورها الفرد. والناس المكتئبون مثلاً لديهم أفكار سلبية، كالتشاؤم في النظرة إلى الذات والأحداث والعالم المحيط، أو لديهم توقعاً سلبياً للمستقبل (Frude, 1998).

4-
النموذج السلوكي (Behavioral Model):
يرى هذا النموذج أن العوامل البيولوجية والجينات تزود الفرد بالتراكيب الجسدية الأساسية وبالاستعدادات العامة للسلوك، ولكن السلوكيات المحددة (سواء كانت سوية أو غير سوية) تتشكل بواسطة تجارب الفرد في بيئته. وتختلف النظريات السلوكية وفقاً لعمليات التعلم التي تركز عليها. فالتعلم الإجرائي يركز على العلاقات الوظيفية التي تنشأ بين السلوك والنتائج البيئية المترتبة عليه، وبخاصة التعزيز والعقاب. في حين يركز التعلم الإشراطي على الارتباطات التي تتكون بين المثيرات والاستجابات. وتركز نظرية التعلم بالنمذجة على ملاحظة السلوك، وملاحظة النتائج المترتبة عليه. والاضطرابات والأعراض المرضية وفقاً لهذا النموذج عبارة عن عادات أو استجابات غير تكيفية متعلمة. وقد أظهرت كثير من الدراسات امكانية إشراط الكثير من الاضطرابات النفسية (كالقلق والعجز المتعلم) داخل المختبر (Frude, 1998).

5-
النموذج الإنساني الوجودي (The Humanistic-Existential Model):
يركز هذا الاتجاه على الخبرة، وعلى الإحساس الإيجابي بالذات، وعلى الاختيار الفردي والأهداف الفردية للفرد في الحياة. ويرى هذا الاتجاه أن الأفراد مدفوعون أساساً نحو النمو والتطور الشخصي، ونحو الفاعلية الذاتية. وأن الاضطرابات النفسية تنشأ، عموماً، عندما يرفض الأفراد مسؤولية أفكارهم في الحياة وسلوكياتهم، أو لا يكونون قادرين على تحملها، أو إلى وجود تفاوت (Disparity) رئيس كبير بين آراء الفرد حول نفسه (صورة الذات)، وما يرغب في أن يكون عليه (الذات المثالية) (Frude, 1998).

6-
النموذج الاجتماعي الثقافي (The Sociocultural Model):
يرى هذا النموذج أن الاضطرابات النفسية يمكن فهمها بشكل أفضل، فقط، عندما ينظر إليها ضمن محيطها الثقافي، ولذلك يركز على عدة عوامل خارجية كعوامل مسببة للاضطرابات النفسية، مثل: البيئة الملوثة، والسياسات الاجتماعية المتطرفة، وفقدان القدرة على التحكم بالأحداث، والعادات والتقاليد... (Bernstein, et al., 1999)، ونوعية الإيديولوجيات الثقافية الشائعة في المجتمع، ونسب البطالة، والفقر في المجتمع. فالاضطرابات النفسية، من وجهة نظر هذه النظرية، نتاج للظروف الاجتماعية التي يعيشها الفرد. ويدعم هذا الرأي وجود اختلاف في نسب انتشار الاضطرابات النفسية وفقاً لاختلاف الجندر، والطبقة الاجتماعية، والخلفية الثقافية. ويفسر، أيضا، انتشار الاكتئاب لدى الإناث ضعف انتشاره لدى الذكور، على أنه انعكاس لنقص الفرص المتاحة لدى الإناث مقارنة مع الفرص المتاحة للذكور (Frude, 1998).

7-
نموذج الأنظمة العائلية (The Family Systems Model):
يهتم هذا النموذج ببناء ووظيفة الأسرة، فيركز على الأنماط السلوكية داخل الأسرة، وكيفية ردة فعل الأسرة عند مواجهتها للأزمات، وأولوياتها فيما يتعلق بتلبية احتياجاتها، وكيفية صنع القرار داخلها. ويرى هذا النموذج أن معظم الاضطرابات والمشكلات النفسية التي يعاني منها الأفراد تعبر عن وجود خلل في نظام الأسرة، وفي العلاقات الأسرية، فكل أسرة تعد نظاماً اجتماعياً فريداً، وأن أي تغير في عنصر من عناصره يؤثر في العناصر الأخرى الموجودة في النظام (Frude, 1998).

8-
نموذج القابلية للإصابة (The Diathesis-Stress Model):
يرى هذا النموذج أن الاضطرابات النفسية تنتج من التفاعل بين الأحداث البيئية (كالضغوط النفسية)، والاستعداد أو القابلية للإصابة بالاضطرابات النفسية (وتشمل وجود الجينات، والتاريخ البيولوجي للفرد مثل: العدوى والجروح، وخبرات التعرض للصدمات في مرحلة الطفولة). فالناس الذين لديهم انخفاض في القابلية للإصابة بالاضطرابات النفسية أو للتأثر بظروف معينة سوف يطورون اضطراباً نفسياً فقط إذا تعرضوا لضغوط نفسية شديدة، في حين أن الأفراد الذين لديهم قابلية مرتفعة للإصابة بالاضطرابات النفسية يطورون اضطرابات نفسية حتى وإن كانوا تحت ضغوط نفسية متوسطة (Frude, 1998).

الدكتور احمد عيد الشخانبة
استشاري نفسي
مركز مطمئنة الطبي

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 3463 مشاهدة
نشرت فى 20 فبراير 2013 بواسطة behianipsycho

Behiani.M

behianipsycho
انشيء هذا الموقع لكل المهتمين بعلم نفس سواء طلاب او اساتذة او مختصين او اناس عاديين قصد تعريفهم بهذا العلم ومساعدة الطلبة في بحوثهم العلمية لأنه يقدم لهم كل مايتعلق بعلم النفس ومجالاته من نظريات ومبادئ واسس وشتى انواع الإرشاد والعلاج النفسي و كذلك الإهتمام بفئات ذوي الإحتياجات الخاصة بالإضافة »

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

173,071

الصحة النفسية

بات من الواضح اهمية الصحة النفسية وتاثيرها على جودة الحياة وانعكاساتها المهمة على صحة الجسم بشكل عام.

الصحة النفسية شانها كشأن باقي اجهزة الجسم حيث من الممكن ان تتعب وتمرض وتحتاج للعلاج. لا داعي للخجل من الحديث عن الصحة النفسية فمن المهم الوقاية من الامراض النفسية وعلاجها حين حدوثها.

بعض الامراض النفسية كالقلق, الاكتئاب, الوسواس القهري, الاضطرابات النفسية, الفوبيا (الرهاب - Phobia) وغيرها, اصبحت معروفه. لجميع هذه الامراض يوجد طرق علاج مختلفة, منها العلاجات النفسية, العلاج السلوكي- الذهني والعلاجات بالادوية وكذلك العلاجات البديلة.

في موقعناا ستجدون معلومات شاملة عن الصحة النفسية, الامراض, طرق الوقاية واساليب العلاج.