:
حتي لا ينحرف أبناؤنا(انحراف الأحداث الأسباب والعلاج)
________________________________________
مقدمة:
إنّ جنوح الأحداث في العالم أجمع يشكّل ظاهرة خطيرة، وهي تمثّل بحق تهديدا متناميا لأمن المجتمع، واستقراره وخُططه التنموية وبنائه الأسري بصفة خاصّة، وهذه الظاهرة ليست جديدة وليست مرتبطة بالمجتمعات المتخلفة دون غيرها، ولكن تخلُّف المجتمع وأزماتِه يُعمِّق من هذه الظّاهرة وقد يعطيها أبعادا أكثر خطورة، وبالتالي ندخل في حلقة مفرغة من تخلُّف وأزمات اجتماعية تساهم في اتساع ظاهرة جنوح الأحداث،ولعل ما يزيد الأمرَ خطورة ًوأهمّية كونُ المجتمع العربي مجتمعا فتيا إذ تبلغ نسبة من هم دون 15 سنة أكثر من 40 % من نسبة السّكّان.
فانحراف الأحداث ظاهرة اجتماعية عاشت في كل مجتمع واختلفت نظرة التّاريخ الاجتماعي إلى هذه المشكلة، فقديما اعتبر الحدث المنحرف مجرما وأنه يستحق العقاب و لا سبيل إلى إصلاحه إلا بالبتر حتى لا يصاب المجتمع باختلال توازنه. أما المجتمعات الحديثة فقد أدركت بما لا يدعو للشّكّ بأنّ الأحداث غالبا هم ضحيّة ظروف اجتماعيّة أدّت بهم إلى الانحراف وسوء التكيّف، وأنّ تهيئة الظّروف الاجتماعيّة وتدعيمَها بالمقوِّمات الصّالحة لتنشئتهم في عطف ورعاية وحنان هي السّبيل الحقيقي لقوامهم وانطلاقهم نحو غايات اجتماعيّة صالحة، ولقد ازدادت هذه المشكلة خطورة في هذا العصر نتيجةً للتقدُّم الحضاري والصّناعي الحديث ممّا كان له أثره على كيان الأسرة وتماسكها، وعلى ازدياد مطالب الفرد وتعرُّضه لمغريات البيئة مع غلاء المعيشة فظلا عن المشكلات التي نتجت عن هذه الأوضاع كمشكلات العمل والبطالة والهجرة والإسكان وغيرها والتي هيّأت فرصا جديدة لانحراف الأحداث.
وإننّي في هذا الموجز من المحاضرة سأحاول تسليط الضّوء على أمور لعلّ أوّلها بيان أهمّية هذا الموضوع والأسباب التي دفعتنا إلى اختياره ليكون موضوع هذه الندوة،ثم التطرق إلى بعض التعريفات الأساسية .
ثم التعريج على أهم النظريات المختلفة للانحراف و أسباب انحراف الأحداث، وصولا إلى طرق الوقاية والعلاج لهذه الظاهرة لأختم ببعض الاقتراحات والتوصيات.واللهَ أسأل أن يوفقني للصواب والسداد.
أهمية الموضوع:
تكمُن أهمّية ظاهرة انحراف الأحداث في كونها تتناول دراسة طاقات بشريّة في المجتمع انحرفت في مرحلة مبكِّرة وباتت تهدّد كيانه وتعرِّض حياة أفراده وسلامَتهم وأعرافهم وأموالهم إلى الخطر, وهي من ناحية أخرى تجعل من هذه الفئة قِوًى معطَّلةً وغيرَ منتجةٍ بحيث تصبح عالة على عاتق المجتمع، وبالنّتيجة فإنّ الخسارة تتمثل في النتائج الضّارة للإجرام من جهة ومن تعطّل وفقد الطاقات البنَّاءة من جهة أخرى.
هذه الظّاهرة تعني أيضا أنّ هناك قصورا من قبل الأسرة والمجتمع في توجيه ورقابة جيل ينمو، وهي تعني من ناحية أخرى أن عمليّة التّطوّر الثّقافي والحضاري قد صادفت عائقا ما في وجهها.
1-مفهوم الانحراف:
الانحراف مجموعة المخالفات ضدّ قوانين المجتمع، أي التّعدّي على قوانين وعادات وتقاليد المجتمع الذي يعيش فيه الفرد، فالمنحرف هو الذي يرتكب مخالفة يعاقب عليها بعقوبات تأديبية، بمعنى آخر هو الذي يرتكب مخالفة للقانون الجزائي.
الحدث في الشريعة الإسلامية: الحدث يطلق على صغير السّن الذي لم يبلغ الحلم،وقد ورد في السنة النبوية بهذا المعنى في أحاديث كثيرة منها:حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعتُ الصّادق المصدوق يقول:هَلَكَََت أُمّتي على يد غُلمةٍ فقال أبو هريرة لو شئت أن أقول بني فلان وبني فلان لفعلت فكنت أخرج مع جدي إلى بني مروان حيث هلـكوا فإذا رآهم
01
غلمانا أحداثا قال لنا: عسى هؤلاء أن يكونوا منهم؟ قلنا أنت أعلم".وورد لفظ الحدث في بعض الأحاديث بمعنى الصغير المنحرف كما في حديث عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يخرج في آخر الزّمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول الناس يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرُقون من الإسلام كما يمرق السّهم من الرّميّة".
الحدث عند علماء الاجتماع: هو الصّغير منذ ولادته حتى يتمَّ نُضجُه الاجتماعي والنفسي وتتكاملَ لديه عناصرُ الرُّشد.وذكَر السّاعاتي: أنّ الحدَثَ مابين 8 سنواتٍ كحدٍّ أدنى إلى 18سنةً كحدٍّ أقصى.
ويختلف تحديد سن الحدث من دولة إلى أخرى، وفيما يخص سن الحدث في الجزائر فنجد أن قانون العقوبات الجزائري يصرح في فقرته الأولى من المادة 49 بأن سن الحدث يتراوح بين 13و 18 سنة.
الحدث عند علماء النفس: هو الذي تسيطر عليه رغبات اللهو على ممنوعات الذات العليا أو بتعبير آخر هو الذي تتغلّب عنده الدّوافع الغريزية، والرّغبات علـى القـيم، والتّقاليـد الاجتماعيـّة الصّحيحة(2).
النظريات المختلفة للانحراف:
1. النظرية الوراثية: إنّ الحديث عن الجانب الوراثي لظاهرة الانحراف يجعلنا نشير إلى Lombroso الذي أيّد ودافع عن نظرية "الوليد المجرم" أي أنّ الإنسان قد يرث صفةَ الإجرام من أجداده وآبائه.كما أنّ الإصاباتِ ما قبل الولادة أو بعدها تحدث تغييرا في الطفل وبالتالي تكون قادرة على إحداث اضطرابات عاطفيّة سلوكيّة قد تؤدّي بالشّخص فيما بعد إلى القيام بأفعال جانحة (1) .
2. النظرية الاجتماعية: هناك العديد من الكتاب وخاصة علماء الاجتماع يعتبرون جنوح الأحداث أنه نتيجة وخلاصة الظروف الاجتماعية القاسية سواء كانت اقتصادية ، اجتماعية أو عائلية ، فالانحراف يعتبر عرضا لعدم التكيف الاجتماعي.
علماء الاجتماع ينظرون إلى مشكلة انحراف الأحداث على أنها مشكلة اجتماعية في جوهرها وأصولها،ولذا نجد دوركايم يعتبر الانحراف ظاهرة اجتماعية وبالتالي دراستها لابد أن تتم بالطريقة الاجتماعية، ومن هذا نستنتج أن علماء الاجتماع يركزون على الظروف الاجتماعية في دراسة انحراف الأحداث.
3. النظرية النفسية : علماء النفس يرون أنّ السلوك المنحرف هو نتيجة لمشكلات نفسية مختلفة تفصح عن نفسها في صورة سلوكات غير اجتماعية أو سلوكات مضادة للقانون، ونجد أن التيار النفسي ينطلق من محاولة تحليل السّلوك المنحرف من خلال البعد الذاتي لشخصية المنحرف ولا يعتبره ظاهرة اجتماعية، فالتفسيرات النفسية الأساسية لسلوك الحدث المنحرف والشائعة حاليا تعتمد على منطلقات كان للتحليل النفسي دور في صياغتها : كمشكلة العلاقات مع الوالدين، مشكلة التقمصات الأولية، مسألة الحرمان العاطفي وغيرها....
ففيما يخص التقمُّصات الأوّلية نجد أنّ المنحرف لم يتمكن من إقامة التقمُّصات الأوّلية بالأم والأب والأسرة لأن صور هؤلاء لم تكن حاضرة بشكل كاف أوهي غير ثابتة في حضورها؛ وفي نوعية هذا الحضور، وكذلك قد تكون هذه الصور الوالدية مفتقدةً للصّفة الإيجابية وللشُّحنة العاطفية الكافية لتكوين نموذج إيجابي من العلاقات مع الآخرين.يقول spitz"إن الحرمان من العلاقة الأولية بين الطفل والأم في السنة الأولى من الحياة قد تؤدي إلى اضطرابات ومنها الانحراف".
-MAZET PH . HOUZEL :Psychiatrie de l'enfant et de l'dolescent , paris ,maloine,1979.p.239. (1)
2- عبد النور خبابة: الأحياء المتخلفة وأثرها في انحراف الأحداث، مذكرة لنيل شهادة الليسانس،معهد علم الاجتماع جامعة قسنطينة 2001.ص90.
02
أسباب انحراف الأحداث:
تكون الكثير من العوامل كفيلة ً أحيانا بانحراف الفرد في سن مبكرة سواء كانت داخل محيطهم الأسري أو محيطهم الاجتماعي ودفعهم إلى طريق الانحراف والجنوح فهذه العوامل يمكـن أن تكون ناتجة من تأثير مجموعة من الاضطرابات النفسية أو عـدم التـوازن الاجتماعي أو ضغوط اقتصادية أو عن هذه العوامل كلها مجتمعة . وبحسب علمـاء الـنفس فـإن الـسلوك المنحرف إنما هو عرض من أعراض عدم التكيف، "نتيجة قيام عقبات مادية أو نفسية تحـول بين الحدث وبين إشباع حاجاته على الوجه الصحيح"(1). إذا فهناك عوامل تشارك و تـؤثر فـي سلوك الحدث وتجعل منه إنسانا صالحا أو مجرما منحرفا ). ويمكن إجمال النظريات التي تفسر الأسباب التي تقف وراء ظاهرة جنوح الأحداث بما يلي :
1 ـ الأسرة وظروف التربية الأولى: إنّ كثيرا من الحالات الإنحرافية والعقد والأمراض النّفسية التي يعاني منها الفرد في مرحلـة الشّباب، مثل الحقد والشّعور بالنقص، والكسل، والاتكالية، والأنانية، والعدوانيـة، والبـذاءة، وحالات الشّذوذ الجنسي، والخمور، والمخدرات، والتسكّع، والكذب، والسّرقة، والنّفاق، وسوء معاشرة الآخرين، والكسل، والانطوائية، والجبن، تعود نشأتها إلى التربية البيتية في مرحلـة الطفولة، فتنشأ مع الإنسان عاداته وأخلاقه وصفاته، وتشب وتبقى تلازمه. وإن كان الـتخلُّص منها والانتصارُ عليها أمر ممكن , فالأسرة لها وظائف عدة تقوم بها لأفردها وللمجتمع،ومن هذه الوظائف الأساسية:-1 رعاية الأبناء من الناحية الفيزيائية-2 التربية غير الرسمية والتطبيع(التكيف) الاجتماعي-3 تحقيق علاقات التعاطف بين أفراد الأسرة 4 - الضبط والحماية -5 توفير مطالب الحياة الأساسية . فالأسرة تقوم إلى جانب هذه الوظائف بتحديد مركز الشخص من الناحية الاجتماعية ، ومن ثم فإن عدم القيام ببعض هذه الوظائف يؤدى إلى ظاهرة انحراف الأحداث. ولقد اتضح جليا من خلال الدراسات الميدانية وجود علاقة قوية بين التصدع الأسري وجنوح الأحداث، وعليه فإن الجنوح عند الأحداث هو أول علامة لفشل الأسرة في تأدية وظيفتها الأولى والإنسانية.
2- المدرسة : تأتي المدرسة بعد الأسرة من حيث الأهمية في التربية والتنشئة فالطالب يتأثر في الغالب بالجو الاجتماعي الذي يعيشه في المدرسة لذا فإنها تعد عاملاً عظيم الأثر في تكوين شخصية الفرد التكوين العلمي والتربوي السليم وفي تقرير اتجاهاته في حياته المقبلة وعلاقته بالمجتمع، فالمدرسة مسرح مكشوف يتم من خلاله رصد ومتابعة سلوكيات الحدث خصوصا أن مجتمع المدرسة يعد أكبر وأكثر تعقيدا من مجتمع الأسرة .. وبهذا فإن المدرسة تكون أول حقل تجريبي للحدث يمارس فيه سلوكه بعيدا عن رقابة أسرته وأقربائه."المدرسة من خلال مناهجها تؤثر في حياة الحدث، على اعتبار أنها تعبير المجتمع المدروس، والمنظم، ووسيلته الناجحة لنقل تراثه الحضاري إلى أطفاله بصورة نظامية نافعة، لذا فإن فشل المدرسة في أداء مهمتها يكون لدى الأطفال شعورا بالكراهية للمجتمع ككل : بأفراده، ومؤسساته، ونظمه وقوانينه، وقيمه" .
3 ـ الوراثة: إن الأبحاث الحديثة التي دارت ضمن نطاق علم الوبائيات في الطب النفسي، وعلم النفس الطبي، وعلم النفس المرضي، وعلم السلوك والإجرام، وعلم النفس الاجتماعي .. أكدت على دور العوامل الوراثية في انحرافات
1- نجم عبد الله الحوسني.علاقة الخلفية الاجتماعية الاقتصادية للأسرة بانحراف الأحداث : دراسة تطبيقية على الأحداث المودعين بوحدتي الرعاية الاجتماعية الشاملة للأحداث في كل من أبو ظبي وإمارة الشارقة .- الرياض : المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب ، 1994 ص 327 - رسالة ماجستير.
03
السلوك بصورة استعدادات كامنة جاهزة للظهور عندما تتوافر المناخيات المحرضة السلبية من تربوية وسيكولوجية وبيئية(1). وإن هذا لا يعني وجود حتمية بيولوجية في الانحراف السلوكي ، أو أنه لا أثر لعامل التنشئة الصحيحة في تبديل السلوك.
4- الفقر والحالة الاقتصادية:لاشك أن الفقر والحالة الاقتصادية السيئة تلعب دورا ًكبيرا في ظاهرة جنوح الأحداث . ًفالحدث الشاب يشعر بأن له احتياجات ومتطلبات وعندما لا تستطيع الأسرة تأمين تلك الاحتياجات فإنه يلجأ إلى الأساليب غير المشروعة للحصول على المال .
5 البيئة ( مناطق التحوُّل ):ونقصد به هنا المنطقة الجغرافية (العمرانية) التي تقطنها أسرة الحدث بجوار العديد من الأسر وتتشابك فيها العلاقات الاجتماعية بين تلك الأسر وأفرادها تأثُّرا وتأثيرا، لذا فالحي يُسهم في تزويد الفرد ببعض القيم والمواقف والاتجاهات والعادات والمعايير السلوكية التي يتضمنها الإطار الحضاري العام الذي يميز المنطقة الاجتماعية. إن للحي دورا قد يكون مكمِّلا لدور الأسرة في توجيه الطفل ويؤثر كل واحد في الآخر، فقد يكون داعما لما تقدمه الأسرة من سلوكيات بغض النظر عن ماهية هذا السلوك،وقد يكون هادما وذلك يتأتى من طبيعة الحي ومستواه الاقتصادي والاجتماعي(2)،فلقد ربطت العديد من الدراسات بين طبيعة الحي وتأثيره على سلوك قاطنيه وأبرز تلك الدراسات الدراسة التي قام بها الأمريكي(كليفورد شو) على خمسة من الأشقاء عُرفوا بتاريخهم الإجرامي الطويل وكيف كان للحي أثر بيّن في تكوين الجنوح لديهم، وقد أكّدت الدّراساتُ والإحصاءات على أنّ حجم انحراف الأحداث في المدن يتزايـد بـشكل ملحوظ عن حجم انحراف الأحداث في الريّف، ومن ثمّ فإنّ البيئة تلعب دورًا رئيسيّا فـي انحراف الأحداث.
6 ـ وسائل الإعلام وسلوك الشّباب: في عالمنا المعاصر تطوّرت وسائل الاتّصال، ونقل الأفكار والمعلومات،بشكل لم يسبق له مثيل، فهي تنتقل بسرعة الضّوء والصّوت، وتغزو العالم في ثوان معدودة.وأصبحت وسائل الإعلام والمعلومات، كالتلفزيون وشبكات الانترنيت والكومبيوتر والصّحافة والرّاديو والكتاب والمجلة...هي القوّة المهيمنة على التّفكير والفعّالة في تكوين نمط السّلوك."فالإعلام يساهم في تكوين الفكر السّياسي والدّعاية للشّخصيات والأفكار، كما يساهم مساهمة فعالة، لاسيما الإعلام المصوّر،كالتلفزيون والسّينما والفيديو والمجلّة بالإغراء الجنسي،والتعريف بالأزياء والسلوك والأفكار والإثارة، وتوجيه الرأي العام"(3) ، والشباب - لاسيما في مرحلة المراهقة - مهيؤون أكثر من غيرهم،لتقمّص الشّخصيات،والتأثّر بالشّخصيات التي تظهر على شاشة التلفزيون، أو السّينما، من الممثلين وعارضي الأزياء، ورجال العصابات، وشخصيّات العنف.كما أن اهتمام الصّحافة بتتبع الجرائم ونشر تفاصيلها،والمقالات في هذا المسلك أصبح رافدا من روافد الإجرام، وخاصة بين الفئة العمرية للأحداث.كما أن وجود سن المراهقة ضمن هذه الفترة العمريّة يشكل أحد الأسباب الرئيسيّة في ارتفاع نسبة انحراف الأحداث بسبب المشاهد المثيرة، في أجهـزة الإعـلام المرئيّة والمسموعة والمقروءة.وعليه فإنّ وسائل الإعلام تعتبر عاملاً من عوامل الإجرام بالنسبة لفئات معينة من الناس في ظروف خاصة، وأمور معينة.وقد يكون الأثر المباشر إذا اندفع المجرم - عن طريق ما قرأ أو شاهد - إلى ارتكاب الجريمة، وقد يكون الأثر غير المباشر إذا أثارت هذه الوسائل خيال المجرم، وأيقظت في نفسه رغباتٍ كانت دفينةً.وحيث إن الغرائز والمشاعر، لاسيما غريزة الجنس، هي في قمة القوة والعنفوان، والضغط على المراهق، وتبحث عن طريق للتعبير والتفريغ، فإن وسائل
(1) - حنان فارس الفارس.جرائم الأحداث : أسبابها وعلاجها - ص ص 307 – 257 " الدورة الثامنة " 1997 دبي : ندوة الثقافة والعلوم ، 1998.
(2) - محمد حجار : أثر العوامل الإرثية في انحرافات السلوك عند الأولاد، مجلة الفكر الشرطي - المجلد الثاني - يونيو 1993 م - تصدر عن شرطة الشارقة.
(3) - مظفر محمد، الجريمة ووسائل الإعلام، مجلة الشرطة - العدد الأول - يونيو 2004 م - تصدر عن شرطة الشارقة - ص . 28 .6 .
04
الإعلام ساهمت مساهمة فعالة في إثارة الغريزة الجنسية عن طريق الأفلام والصور الماجنة والمغرية وعن طريق القصص الغرامية والأدب والثقافة، كما ساهمت أفلام العصابات والإجرام في حرف الكثير من المراهقين وتدريبهم على اقتراف الجريمة.
7- أثر الثقافة والمستوى الفكري: ومن الواضح أن العقيدة والثقافة التي يحملها الإنسان تساهم في خلق الأفكار والتصورات التي تصنع الموقف، وفي الميل إليه، واتخاذ قرار الفعل . وتدل الدراسات الميدانية أن مستوى ونوع الثقافة والفكر والعقيدة التي يحملها الإنسان، تؤثر تأثيرا بالغا في سلوكه، فإن الإحصائيات تفيد أن نسبة الإجرام والانحراف عالية في الأشخاص غير المتعلمين، أو قليلي الثقافة والمعرفة.
كيف نحمي الحدث من الانحراف:
إنّ الحدث الجانح اليوم هو مجرم الغد إن لم نتدارك إصلاحه وتهذيبه، ولا شك أن فئة الأحداث بحاجة إلى الرعاية والإصلاح، أكثر من حاجتها إلى الردع والعقوبة، وهذه ما يطلق عليه الرعاية اللاحقة، أي الرعاية التي تتم بعد رجوع الحدث الجانح إلى بيئته الطبيعية؛ بمتابعته متابعة منظمة وحثيثة، ومعالجة ظاهرة جنوح الأحداث تكون عن طريق الفهم الواعي الثقافي والاجتماعي والديني واعتبار الأبوة والأمومة رسالة مقدسة ومسؤولية عظيمة يجب أن تؤديها الأسرة على أكمل وجه . وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام: "كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعيته " (3) .
وقد فطن لأهمية التربية من خلال الأسرة علماء المسلمين، فهذا الشّيخ أبو حامد الغزالي يتحدّث عن دور الوالدين في التّربية فيقول:"اعلم أنّ الصّبي أمانة عند والديه،وقلبه الطّاهر جوهرة ساذجة خالية من كل نقش وصورة،وهو قابل لكل ما نقش،ومائل إلى كل ما يمال به إليه،فإن عُوِّد الخير وعلّمه نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة أبواه، وكل معلم له ومؤدب،وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم، شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيّم عليه والوالي له،فينبغي أن يصونَه ويؤدّبَه ويُهذّبَه ويعلّمَه محاسنَ الأخْلاق،ويحفظَهُ من قرناء السّوء، ولا يعودَه التنعُّم ولا يحبّب إليه أسباب الرّفاهية،فيضيعَ عمره في طلبها إذا كبر".
كما يجب على المؤسّسات التّربوية والاجتماعية والدّينية, الاهتمامُ جيداً بعالم الشّباب ورعايتُهم وتطويرُ ثقافتهم وشغلُ أوقات فراغهم بنشاطات متعدِّدة (رحلات - نوادي - جمعيات - رياضة - أدب - علوم - بحث - فنون ... الخ ) مما يتلاءم مع ميولهم ويُشبع حاجاتهم ورغباتهم المشروعة. فاستئصال أسباب الجنوح منذ البداية هو الأساسُ في معالجة هذه الظاهرة لتأمين حياة أفضل للشباب , في أحضان أسرة صالحة ومستوى معيشي جيد وتكوين أسرة عاملة ومتعلمة ومسؤولة, تُشكّلُ ضمانة له من الانحراف.
وغياب الشاب عن البيت بسبب الدراسة والتعلم والنشاطات الاجتماعية والفنية المختلفة أمر جيد؛ إذ يبقى تحت رعاية مؤسسات تربوية صالحة. تحلّ محل الأسرة خلال فترة الغياب عن البيت. أما غيابه لساعات طويلة, بسبب الحاجة المادية وانخراطه في العمل بعمر مبكر وتركه الدراسة, فهو أمر سيء له نتائجه الخطيرة. فأجواء العمل غير سليمة وغير تربوية, تنعدم فيها الرعاية والاهتمام الصحيح. وتصبح مرتعاً للعلاقات المشبوهة مع ربّ العمل أو رفاق السوء ومن ثم الانحراف
(1)- السدحان ، عبد الله بن ناصر ، رعاية الأحداث المنحرفين مكتبة العبيكان، الرياض ، 1417 هـ ، ص . 40 .13.
(2)- الدوري ، عدنان ، أسباب الجريمة وطبيعة السلوك الإجرامي ، ذات السلاسل ، الكويت 1984 م ، ص . 298.
(3) – رواه مسلم في صحيحه.
05
والجنوح.فالوقاية من انحراف الشباب, تحتاج إلى إجراءات حازمة لمعالجتها من جذورها وذلك بتحسين الأوضاع المعيشية للأسر الفقيرة وانتفاء الحاجة إلى العمل المبكر . وفرض التعليم الإلزامي في المرحلة التعليمية الأساسية.وتوفير ظروف صحية وسليمة لمتابعتهم الدراسة وإيجاد اهتمامات قيميّة سامية وغايات نبيلة يعملون من أجل تحقيقها .
كلمة أخيرة :ثمة كلمة لا بد منها تخاطب عقول الشباب.وهي أن قوة إيمان الشاب ورسوخ العقيدة الإسلامية في نفسه ووعيَه هي الأساس في تحديد مساراته واتجاهاته في الحياة. ووقايتِه من الانحرافات والشذوذ والبقاء على الطريق الصحيح والصمود أمام مغريات الحياة وعواصفها ومواجهة المخطّطات المشبوهة التي تستهدف تخريب عقول الشباب وإفسادهم من أجل تقويض المجتمع الإسلامي وانحلاله وهدم أسسه.فالإيمان يمدّ الشاب بالقوة اللاّزمة على الصمود والمواجهة والتحمل والصبر على المكاره ومقاومة الشهوات وحب المتع الدنيوية والجري وراءها،بهدف الحصول على مرضاة الله تعالى والفوز بوعده وجزائه للصابرين,وتجنب معصية الله تعالى وارتكاب المحرّمات والخوف من عقابه تعالى.وليكن شعار الشاب المسلم قوله تعالى:﴿وَمَن يتّقِ الله يَجْعَل لّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبْ﴾الطلاق الآية 2 و 3.
وينبغي أيضا ألاّ ننسى الدعاء إلى الله تعالى في أن يوفقنا في مسعانا فمن صفات المؤمنين أنهم يدعون لأسرتهم،
يقول الله عز وجل:﴿والذِينَ يقولونَ رَبَّنا هَبْ لنَا منَ ازْوَاجِنا وَذُرِّياتنَا قُرَّةَ أَعْيُن وَّاجْعَلْنَا للمُتّقينَ إمَامًا﴾.الفرقان74.
06
قائمة المراجع:
1. القرآن الكريم.
2. MAZET PH.HOUZEL:Psychiatrie de l'enfant et de l'dolescent,paris ,maloine,1979
3. نجم عبد الله الحوسني.علاقة الخلفية الاجتماعية الاقتصادية للأسرة بانحراف الأحداث : دراسة تطبيقية على الأحداث المودعين بوحدتي الرعاية الاجتماعية الشاملة للأحداث في كل من. أبو ظبي وإمارة الشارقة .- الرياض : المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب ، 1994.
4. حنان فارس الفارس.جرائم الأحداث : أسبابها وعلاجها.- " الدورة الثامنة ." 1997 دبي : ندوة الثقافة والعلوم ، 1998.
5. محمد حجار : أثر العوامل الإرثية في انحرافات السلوك عند الأولاد، مجلة الفكر الشرطي - المجلد الثاني - يونيو 1993 م - تصدر عن شرطة الشارقة.
6. السدحان ، عبد الله بن ناصر ، رعاية الأحداث المنحرفين مكتبة العبيكان، الرياض ، 1417 هـ .
7. الدوري ، عدنان ، أسباب الجريمة وطبيعة السلوك الإجرامي ، ذات السلاسل ، الكويت 1984 م .
8. عبد النور خبابة: الأحياء المتخلفة وأثرها في انحراف الأحداث، مذكرة مكملة لنيل شهادة الليسانس في علم الاجتماع ،معهد علم الاجتماع جامعة قسنطينة 2001.
9. مظفر محمد، الجريمة ووسائل الإعلام، مجلة الشرطة - العدد الأول - يونيو 2004 م تصدر عن شرطة الشارقة .
07
توصيات الدّراسة:
في ضوء النّتائج التي أسفرت عنها النـدوة يقترح الباحث بعض التّوصيات :
1- التّركيز على دور الأسرة بالنّسبة للحدث في بلوغ ابنها الهدف الأسمى وهو أن يصبح عنصرا فاعلا صالحا في المجتمع وذلك من خلال المزيد من الإرشادات للأسر.
2- التركيز على برامج التوعية الدّينية وتنمية الوازع الدّيني لدى الأحداث وخاصّة في دور الملاحظة لما لها من أثر فعّال في عدم العودة لمثل ما قام به من سلوك جانح.
3- متابعة الأبناء فيمن يصاحبون ويرافقون والتــوعية المستمرّة لهم باختيار الصّاحب ذي الأخـلاق الحمـيدة.
4- عدم النّظر إلى الأحداث الذين ارتكبوا جُنحة ما على أنّهم منبوذين من المجتمع بل يجب العمل على إدماجهم في المجتمع ليصبحوا عنـاصر فاعلة وبنّاءة.
5- إجراء دراسة علمية ميدانية معمقة في كل المدن الجزائرية للتعرف على حجم ظاهرة الجنوح بين الأحداث للتعرف على أسبابها ووضع الحلول المناسبة .
6- دعم وتطوير خدمات الرعاية النفسية والاجتماعية للأحداث الجانحين وذلـك مـن خلال إنشاء مؤسسات للرعاية وإنشاء جمعيات أهلية خيريـة متخصـصة وتـوفير الإمكانيات المناسبة لعمل هذه المؤسسات .
7- إشراك كل من الأسرة والمدرسة والمؤسسات الاجتماعية والنفسية في إعادة تأهيـل الجانحين ودمجهم في المجتمع.
8- التعاون مع وسائل الإعلام لتبصير كل شرائح المجتمع بخطورة وانتـشار ظـاهرة جنوح الأحداث ، وأسبابها وطرق الوقاية منها .
9- تحديث التشريعات والقوانين التي تتعامل مع الأحداث لتتوافـق مـع المعايير العالميـة لحقوق الأحداث كما نصت عليها مبادئ الأمم المتحدة التوجيهيـة لمنـع جنـوح الأحداث.
نشرت فى 20 فبراير 2013
بواسطة behianipsycho
Behiani.M
انشيء هذا الموقع لكل المهتمين بعلم نفس سواء طلاب او اساتذة او مختصين او اناس عاديين قصد تعريفهم بهذا العلم ومساعدة الطلبة في بحوثهم العلمية لأنه يقدم لهم كل مايتعلق بعلم النفس ومجالاته من نظريات ومبادئ واسس وشتى انواع الإرشاد والعلاج النفسي و كذلك الإهتمام بفئات ذوي الإحتياجات الخاصة بالإضافة »
أقسام الموقع
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
173,074
الصحة النفسية
بات من الواضح اهمية الصحة النفسية وتاثيرها على جودة الحياة وانعكاساتها المهمة على صحة الجسم بشكل عام.
الصحة النفسية شانها كشأن باقي اجهزة الجسم حيث من الممكن ان تتعب وتمرض وتحتاج للعلاج. لا داعي للخجل من الحديث عن الصحة النفسية فمن المهم الوقاية من الامراض النفسية وعلاجها حين حدوثها.
بعض الامراض النفسية كالقلق, الاكتئاب, الوسواس القهري, الاضطرابات النفسية, الفوبيا (الرهاب - Phobia) وغيرها, اصبحت معروفه. لجميع هذه الامراض يوجد طرق علاج مختلفة, منها العلاجات النفسية, العلاج السلوكي- الذهني والعلاجات بالادوية وكذلك العلاجات البديلة.
في موقعناا ستجدون معلومات شاملة عن الصحة النفسية, الامراض, طرق الوقاية واساليب العلاج.