لبس سيدة ترتدي فستان اسود...و شعرها اشقر ... تجلس وتنظر الي الشرفة نفسها... قرابة اكثر من عقد كامل من عمرها تنتظر وتنتظر حتي تسمع هذا اللحن.... جملة موسيقية كاملة لا تتغير مع اختلاف كل الليالي السابقة والحانها ولا تجف دمعة عيناها الزرقاء التي يظهرها القمر بجمال بكاؤها الصامت عجبا لجمال هذه النغمات... لا يتعلق الامر بجمال النغمات والالحان وحسب.. بل لشعور غريب تشعر به عند سماع هذه الجملة الموسيقية التي قد تعبر عن شئ ما بداخلها... لا تعلمه بل تشعر به... تختبئ فتاة اخري خلف اوراق الشجر بجانب باب القصر... هي ايضا تقف خلسة خشية من تلك السيدة.. لا تعلم الفتاة من هي السيدة بل تراها علي نفس وتر الانتظار... ولكن من خوف ان تكسر حاجز الاحساس لديها او يصدر حديث بينهم قد يضيع لحظة تواصل ينتظراها دوما... لا تأتي الفتاة الا بعد انتهاء الجملة الموسيقية الموعودة التي تسمعها السيدة وكأنها لحنا جديدا تماما و تبكي ايضا احساسا به
وفجأة.....
توقف العازف دون ان يكتمل اللحن وقفت السيدة غضبا بركانيا اعتراضا وحزنا... سقطت الامطار هطولا سيول .. وبسرعة دون سابق انذار.... حتي أضواء البرق فاقت ضوء القمر.. والرعد فاق صوته تغريد العصافير هرولت السيدة الي الباب لتقتحمه عنوة فرأت الفتاة تقف ترتعش باكية من زمهرير البرد والمطر... مسكتها من يدها متجهان الي الباب فوجداه مفتوحا نسبيا وكأن القدر يسمح لهم في هذه اللحظة باقتحام عالم العازف بالدخول....
القصر وكأنه قصر اميرا او ملكا... كما قال الكتاب وكما تحكي الاساطير.. كل قطعة في مكانها منمقة مع الاضاءة البسيطة التي تضفي كلاسيكية خيالية بحتة... العازف امام البيانو ..النافذة مفتوحة.. يغطي المطر رؤية الاشجار من الخارج ، يتجهان ببطء الي العازف.. تقف الفتاة بينما تستكمل السيدة بخطوات متباطئة وكانها مازالت تحت تآثير الموسيقي اوقعتها دون وعي او ادراك حركي فقط بينما مشاعر واحاسيس تمشي علي شكل سيدة... عاد الشاب الي العزف مجددا يعزف مقطوعة مكتوبة بخط زوجها المتوفي اثر احد الحروب لم يشء الله لتسمعها... ولكنها تعرف جيدا خطه الموسيقي الذي يكتبه... عنوان المقطوعة هي امي.. رآت السيدة الشاب يحمل نفس مواصفاتها من الشعر والعين.... لكن العين لا تري ،، تسرب مع الفراق والبكاء نظره ولكن عزف بقلبه واضعا المقطوعة امامه احساسا لا بصرا... وكأنها طريقة لنداء او وحشة انسان ما .
بكت الفتاة من هذا المشهد ...
السيدة وضعت الموسيقي مع الاحساس كما توضع النقاط علي الحروف وكأنها تقول ابني المفقود
اختفت الفتاة فجآة تاركة رسالة...
""اعلم انه ولدك المفقود.. جمعتكم موسيقي حروفها احساس فكيف بحالي افرق بينكما.. بين ام وابنها فمهما كان وقلبي لم يصل الي بكاء السماء الممطرة هذه... وصرخات مشاعري المتراكمة متخبطة كاصوات الرعد.. وداعا انا... مرعبا بعودتكما... وما انا الا ساكون مجرد ذكري او علي اكثر مجرد رسم علي جدران سيمحي علي مر الزمان..... """
حازم محمد جادأعجبنيأعجبنيأحببتههاهاهاواااوأحزننيأغضبنيتعليق
عدد زيارات الموقع
160,053