authentication required

د. لميس جابر تكتب: الشرطة أيضاً لها تاريخ مشرف الأحد، 19 يونيو 2011 - 22:07 د. لميس جابر عم محمد وعم عبده، اثنان من الشاويشية كنا نعرف ميعادهم كل ليلة ونحن صغار ساهرين للمذاكرة فالشتاء وللونس فى البلكونات فى الصيف وقزقزة لب البطيخ المحمص. كل ليلة فى الواحدة والنصف صباحاً كنا نسمع رنين أجراس البسكلتة من بعيد.. ثم يقترب الصوت حتى يمران أسفل منزلنا فى شبرا.. وكان ندائهم التقليدى "مين هناك؟!!"، يشعرنا بالأمان والسكينة. وكانا يسيران سوياً يراقبان أبواب المنازل ويهزان أقفال الدكاكين وينظران لأعلى يراقبان المواسير التى ربما يتسلقها حرامى غلبان من بتوع زمان الذى كان يركب الخطر من أجل سرقة الغسيل أو الفراخ، فقد كانت تلك السنون هادئة وديعة. والجريمة كانت "متواضعة".. ومع انتظام "شاوشية نصف الليل" كنا نعرف من يمرون فى شوارعنا بالاسم ونلقى عليم التحية من النوافذ والبلكونات ومع اشتداد القمع السياسى فى الستينيات بدأت كراهية الشعب للشرطة وملحقاتها بشكل كبير. وحدث الجفاء الشديد وبعد هدوء القمع فى عهد السادات تراوحت العلاقة بين الرضا أحياناً والجفاء أحياناً وحتى منتصف عهد مبارك تقريباً، ومع تجاوزات الشرطة منذ استعمال قانون الطوارئ استعمالا شخصيا، وعلى المزاج أحياناً، وللمجاملة والانتقام والمصالح الشخصية أحياناً أخرى. بدأت الهوة تتسع وكان لغرور وغطرسة بعض الضباط فى التعامل فى الشارع مع الجمهور حتى فى مشاكل المرور الأثر الأعظم فى الكراهية، وقد رأيت بنفسى ضابطا يضع بواب العمارة فى البوكس ويربطه بالكلبشات ويسبه بأفظع الألفاظ أمام زوجته وأطفاله لأنه لم يسرع بإحضار الأسانسير للباشا الذى كان يركب عربة بدون لوحة أرقام وتعجبت أيامها وكتبت عن هذا الخبل، وكيف يمكن أن يستغل أى إرهابى هذه الميزة المغتصبة من القانون ويضرب الزجاج "فيمييه" أى "لون أسود" ويسير بلا "نمر" ويحمل سلاحاً وقنابل و"قشطة" على رجال تنفيذ القانون.. وأيضاً تجاوزات أخرى كانت تجرى فى الأقسام من ضرب وتعليق وإهانات. كل هذا حدث بالفعل ولكن إذا كان رجال الشرطة فى مصر بلغ عددهم المليون فلن يكون المليون متجاوزين وأشرارا ومتغطرسين ومرتشين بالتأكيد. وأنا أزعم أن الإدارة دائماً هى الأصل وهى القادرة على صنع ملامح وجه رجالها ونظافة أيديهم واتساع ابتساماتهم وأدب كلماتهم كما هى قادرة على العكس تماماً. ومن وزراء الداخلية السابقين من كان نموذجاً مشرفاً مثل اللواء "أحمد رشدى" مثلاً وربما غيره كان لهم وعليهم ومن العقل والمنطق والمصلحة أن نتصالح مع الشرطة لا أن نشق جسد الشعب المصرى بسكين جاهل وغبى ونضع الأهالى فى ناحية والحكومة فى ناحية والجيش فى ناحية والشرطة فى ناحية هذا غير باقى الشقوق والطعنات التى استفحل حالها فى الشهور الأخيرة، وتفرقنا على رأى الفنان "محمد صبحى" الذى رأيته يتحدث وهو حزين ومصدوم عن ما يسمى بالائتلاف والوفاق الوطنى ويتساءل متى احتاج الشعب المصرى لمؤتمرات ليتوافق ويأتلف؟ الجيش هم رجال وشباب مصريون، والشرطة رجال وشباب مصريون، وفى كل عائلة فرد أو أكثر ابن أو أخ أو خال أو عم أو حتى جار وصديق وزميل طفولة. وتاريخ الشرطة فى الوطنية والتضحية والثورة ليس بقليل ولكنه منسى.. مثل أى تاريخ مشرف للمصريين فى ثورة 1919 كان بعض من رجال الشرطة يشاركوا رجال الشرطة الإنجليز فى قمع الثوار والقبض عليهم وكان القليل جداً منهم من يطلق النار على شباب المتظاهرين، وكان أيضاً منهم شهداء وأبطال لا يقلوا عن أبطال الثورة. فى قضية "دير مواس" عندما هاجم الصعايدة القطار الذى كان يسحل ضابطاً وجنود إنجليز وكان من بينهم مفتش مصلحة سجون ورتب كبيرة قتل فى هذه الحادثة ثمانية، وتم إعدام عدد من المتهمين وسجن مأمور مركز دير مواس وملاحظ البوليس، وجلد عدد منهم بتهمة تسهيل ومساعدة المتظاهرين فى قتل الجنود الإنجليز وحوكم مأمور أسيوط، واتهم بتحريض المتظاهرين بالهجوم على الجنود البريطانيين أيضاً، وقالوا إنه أعطى الثوار سلاح الجنود والخفر وحكموا عليه بالإعدام، وأعدم محمد كامل محمد - مأمور بندر أسيوط - رمياً بالرصاص فى 10 يونيه 1919، ومات بطلاً وشهيداً ومن أسماء الشهداء فى المظاهرة السلمية التى خرجت ابتهاجاً، بالإفراج عن سعد زغلول أسماد «إهداء من الشرطة ضباط وجنود وفى كفر الشيخ أبعد الإنجليز مأمور المركز وحددوا إقامته فى طنطا بحجة أنه موال للوطنيين وذلك لأنه طلب النيابة التحقيق فى مقتل المتظاهرين ثم زج به إلى السجن ومعه وكيل النيابة الذى جاء للتحقيق بناء على طلبه وغير ذلك الكثير من رجال الشرطة المصرية الذين سجنوا من خمس إلى خمسة عشرة عاماً أشغال شاقة بتهمة الوطنية والانضمام للثوار. وعندما أعلن "يوسف الجندى" استقلال مدينة "زفتى" وهو حدث شهير فى التاريخ المصرى.. ألغوا لجنة ثورة وطبعوا منشورات فى مطبعة محمد أفندى عجينة «وأصدروا جريدة سموها "الجمهور" وتم طبعها أيضاً فى المطبعة وصنعوا »ْلم خاص" لزوم الاستقلال واشتهر فى أحداث زفتى يوسف الجندى وعوض الجندى ومطبعة "عجينة" وقهوة "مستوكلي" مقر الثورة، ولكن ربما قليلين يعرفون "إسماعيل بك محمد" مأمور مركز زفتى الذى تعاون مع اللجنة والثوار بصفة غير رسمية وشاركهم فى كل شىء وتركهم يتولون السلطة وألف معهم لجان فرعية للأمن وتحصيل العوائد والضرائب وتشغيل العمل العاطلين فى إصلاح البلدة وردم المستنقعات وعاش أهل زفتى أياماً من الخيال، ثم جاء الجنود الاستراليون وكانوا فئة من الجنود الشرسين، جهلاء عديمى الإحساس، ويحكى أن أحدهم قال إن الشعب المصرى جاء إلى مصر ليحتلها من الإمبراطورية الإنجليزية وهو يعمل على تحريرها وإعادتها إلى أهلها الإنجليز؟!.. وحاصروا زفتى وحفر الأهالى الخنادق حول البلد وحاولوا الاستعداد بالسلاح فى حدود إمكانياتهم الضعيفة ورأى المأمور "إسماعيل بك محمد" أن هؤلاء الجنود المجانين قد استعدوا بالمدافع فى قوة عسكرية رهيبة فأسرع إليهم وتوسط، وقال إنه سوف يحاول أن يقنع الوطنيون بإيقاف المقاومة من أجل الإبقاء على المدينة التى كانت معرضة للهدم تماماً.. وأنه سوف يدخل الجنود إلى داخل البلدة بشرط أن لا يدخلوا فى إدارة البلدة التى سيتحمل هو وحده مسئولية إدارتها. ودخل الجنود وبحثوا عن لجنة الثورة ورؤسائها يوسف وعوض الجندى وآخرين، وبحثوا شبرا شبرا فى مدينة زفتى بعد أن أعلنوا حظر التجوال من المغرب وحتى الفجر ولم يجدوا أحداً. وفى هذه اللحظات كان يوسف الجندى يقود مظاهرة حاشدة ومعه عوض فى مدينة القاهرة ويهتف للثورة وسعد، وفى ليلة 24 يناير لعام 1952 وفى الظلام الحالك سارت طوابير من الدبابات والمصفحات ومدافع الميدان وحاصرت مبنى محافظة الإسماعيلية وثكنات بلوكات النظام "جنود الشرط" وفى الصباح الباكر ذهب ضابطان بريطانيان يحملان إنذاراً مكتوباً وموقعاً باسم "بريجا دير إكسهام" قائد القوات البريطانية بالإسماعيلية إلى ضابط الاتصال المصرى فى منزله "شريف العبد". وتسلم الإنذار وكان ينص بالأمر بتسليم أسلحة جميع قوات الشرطة الموجودين بالإسماعيلية وجلاء هذه القوات عن دار المحافظة، وعن ثكنات الجنود وترك أسلحتهم بالداخل وعلى الجميع الرحيل فوراً عن منطقة القتال!! أسرع البكباشى شريف العبد إلى قائد بلوكات النظام اللواء أحمد رائف وإلى وكيل المحافظة على حلمى وعرض عليهم الإنذار. وكان الرفض الفورى وبالإجماع واتصلوا بفؤاد باشا سراج الدين وكان وزيراً للداخلية وأيقظوه فى السادسة صباحاً، فأيدهم فى موقفهم وقال لهم القوة بالقوة والصمود حتى آخر طلقة رصاص. وجاء الإنذار الثانى بتسليم السلاح وإلا هدم المحافظة على من فيها ومساواة ثكنات الجنود بالأرض، ورفضوا وبدأ قتال دموى شرس رهيب بين الإنجليز بالدبابات والمدافع والقنابل والرصاص وسبعة آلاف جندى وبين ثمانين شرطى بالمحافظة وثمانمائة بالثكنات وسلاحهم بنادق لا غير. وقاد معركة المحافظة اليوزباشى مصطفى رفعت وعندما طلبوا منه الاستسلام وإلا هدموا المبنى قال "لن يتسلموا منا غير الجثث". ساعات مرت بين الهدم والتدمير والحرائق والموت والنسف والمقاومة والبطولة والشرف وفرغت ذخيرة الأبطال وكان لا مفر من الاستسلام، وعند خروج قواد هذه الملحة الوطنيين انحنى لهم "إكسهام" احتراماً، وأدى لهم التحية العسكرية وقال: لقد دافعوا بشرف ولم يسلموا سلاحهم. استشهد فى هذه المعركة واحد وخمسون من الشرطة وجرح ثمانون، ومات من جنود الإنجليز عشرون وجرح ثلاثون.. وهذا غير شهداء معارك القتال، وكانوا عشرة من رجال الشرطة فى محافظة القتال، واثنى عشرة فى السويس وجرح ثلاثة وخمسون.. هذا جزء من تاريخ الشرطة المصرية المشرف والذى حدث فى 25 يناير 1952، وكان شرارة سقوط نظام وقيام آخر وهو جزء لا ينفصل من تاريخ الوطنية المصرية والنضال المصرى المشرف لشعب لم يبخل على وطنه وأهله بتقديم الشهداء منذ آلاف السنين وحتى يناير وفبراير 2011.. وكلهم أبطال من الجيش المصرى والشعب المصرى والشرطة المصرية.

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 175 مشاهدة
نشرت فى 20 يونيو 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,792,556